الفصل الخامس

40 10 4
                                    


#غيث
الفصل الخامس
_____
أروى (أطلقت صرخة مُرتعِبة) في حد ماسك طرف الخشبة من براا...
تحرك الثنائي ناحيتها و أصبحوا أكثر قرباً عن ذي قبل من جسدها ،  أصبح التوتر الممزوج بالفزع هو الشعور الوحيد المُسيطر على ثلاثتهما ، و مالبثت أن تركت أروى تلك القطعة الخشبية حتى شعرت بأصابع غليظة تضغط على كف يدها و تقوم بجَّرها مرةً أُخرى نحو الخارج ، أطلقت صرخات مُتألمة مرعوبة و هي تشعر بيدها تكاد أن تُقطع و هي بين تلك القضبان الحديدية الحادة  ، لم تتردد سيدرا في الإمساك بها و سحبِها في الجهة العكسية و لكن كان الأمر محسوم في النهاية .. ف كانت قوة ذلك المجهول لا يمكن أن تتقارن معها ، تراجع فارس عنهما لبضعة خطوات و هو يفرِغ محتوى حقيبته الطبية على الأرضية الصلبة بإهمال ، التقط المِقَص المعدنيّ فكانت هذة هي الطريقة الوحيدة التي خطرت بباله و بذات الوقت هي الطريقة الميئوس منها ، لمحته سيدرا وسط توترها و الصرخات المستمرة لتُشير هي بعينيها نحو أروى ليتسلم عملها بينما تقوم هي بإخراج يدها الرفيعة من بين تلك القضبان قدر المستطاع لتحدث خدوش عميقة ب اليد الغليظة ...فتحت سيدرا عسليتيها على وسعهما و هي تنظر لفارس بذهول و تلهث بعدما استطاعوا تخليص أروى من براثن ذلك الوحش !  و نجحت خطتهم البدائية !
و بحنان أخوي غير معهود بالنسبة لها ضمَّت أروى لصدرها و هي تربت عليها بلطف و تمتمت بكلمات مطمئنة و مازالت أنظارها  معلقة على النافذة  ...ظلوا هكذا فيما يقرب الدقيقتين ثم قاطع هذا الصمت المثير للأعصاب و صوت شهقات أروى المتتالية  ...نبرة سيدرا المرتفعة و هي تصيح
سيدرا : انت جايبنا هنا لييه !!
فارس : هشش !!!
سيدرا : هشش اييه !! انت عايزنا نفضل محبوسين هنا زي الكلاب و ماحدش يسأل فيناا !!! (صاحت بنبرة أكثر قوة و قد وصلت لذروتها في الغضب )  ما تطلع و ترد علياا ...ميين انت ؟؟؟
شهقت بفزع بعدما تلقت ردُه عن طريق سكين حاد يمر بجوار رأسها بعدة سنتيمترات بسيطة و يحدث ضجيج بعد اصطدامه بلوحة زيتية قديمة معلقة على الحائط خلفها !
*-*-*-*-*-*-
ثباته لم يَدُم طويلاً بعد تكرار محاولاته في الوصول إليها و استماعه إلى نفس الرسالة الصوتية المسجلة :
"هذا الرقم غير متاح الآن"
زفر بضيق يملأ صَدرِه و هو يُلقي بسماعة هاتف مكتبه بعدما لم يَصِله رد على الخط الأرضيّ لمنزله ... و بعدما تواصل معهم في مقر عملها و تأكد من عدم وجودها ، بدأ الخوف يتسلل لنفسه شيئا فشيئ و لكن تهللت ملامح وجهه بأمل جديد عندما تذكر المكان الوحيد المُتبقي الذي يمكن تواجدها بها ...لم تمضِ دقيقة واحدة ليكون قد أمسك بهاتفه المحمول و هو ينتظر الرد على أمل بدأ في التضخم بداخل صدره و كان هو المتبقي له فقط...أغمض عينيه محاولاً استجماع شتات نفسه و الإستجابة لصوت والدتها الحنون و الرد على أسئلتها المعتادة عن الأحوال
مالك : الحمد لله يا أمي انتي ايه اخبارك ؟
والدة اروى : بخير يا حبيبي الحمد لله...طمّني البت أروى عاملة ايه  ؟! اوعى تكون مزعلاك بموضوع الشغل دا أقطم رقابتها ...
مالك : ل..لأ أبدا
-: طب ماتديهالي أكلمها
مالك : آآ....أنا في الشغل يا أمي ، حبيت أتطمن عليكوا بس
- : يوه ...نسيت خالص ..خلاص أنا هكلمها ، صحيح هي في البيت ولا برا ؟!   ..... ألو ...مالك انت سامعني  ؟؟
مالك : أيوة ...لأ هي برا في الشغل ...هعدي عليها بعد ما أخلص و نروح سوا ..هخليها تكلم حضرتك حاضر
- : ماشي يا حبيبى ..فى رعاية الله
مالك: مع السلامة
ألقى هاتفه للمرة التي لم و لن تُحسَب عددها ، أرخي ربطة عنقه بضيق و هو  يتقوَّس في مقعده واضعاً رأسه بين كفيه ب يئس محاولا إبعاد تلك الأفكار السلبية التي تنم عن وقوعها بمأزق ما أو حدوث شيئ سيئ لها ...لملم أشياءه الضرورية من أمام مكتبه و نهض عازما على التوجه للمنزل لعله يجد شيئ يُرشده ل موقعها ...أو يجدها غافية كعادتها في انتظاره على الأريكة بجوار الباب بعدما فرغت بطارية هاتفها من كثرة عبثها به ...و لربما الهاتف الأرضي به مشكلة ما فلم تستطع استقبال مكالماته المتكررة !!  لربما يجدها دالفة بعد دقائق من وصوله و هي حاملة عدة حقائب تكاد لا تُعد بعد قيامها بالتسوق في متجر ما بشكل فجائي بعدما أنهت ما تفعله ؟ ....
ربما !
*-*-*-*-*-*-
فارس : اطلعوا فوق بسرعة وابعدوا عن الشبابيك و البيبان ..
سيدرا  : انت بتقول ايه ؟؟؟ مش طالعة غير لما اعرف ميين دا ... (عمقت نظراتها المتحدية له و أكدت على الحروف الأخيرة الناطقة بها ) أنا عايزة أخرج من هنا !
فارس : (هتف بها بإنفعال) اتفضلي حاولي تخرجي ...بس احنا مش مسئولين عن أي حاجة هتحصلك !
امتد كف يده نحو خاصتها ليُمسك بها بقوة بعد رؤيته لظل أسود التابع لشخصٍ ما مر بسرعة خاطفة أمام تلك الشرفة المفتوحة على مصرعيها ، أجبرها على الصعود معه للطابق الثاني و الدخول لغرفة مجهولة وجد أروى مُتمثلة أمامها بتردد و هي تفرك ذراعها بألم واضح على انكماش معالم وجهها  بعدما فرت هاربة من الأسفل بعد  تعرضها لتلك  الأذية الجسدية و النفسية .... نفضت يدها عنه بعنف و هي تهتف فيه بحنق
-  ماتمسكنيش كدة تاني ...انت مش جارر بهيمة وراك !!
فارس : لا و انتي شايفاني شغوف أوي عشان امسك ايد سيادتك  !!  بقولك ايه أنا كلامي مابكررهوش ... لو عايزة تموتى هنا دى حاجة ترجعلك انا ماليش دخل بيها... لكن احنا مش ناقصيين جثه تانيه قدامنا فاهمة !  و ياريت بقى ماسمعلكيش صوت لغاية ما نخرج من الزفت دا على خير عشان بتعصبيني و أنا لغاية دلوقتي   متمالك أعصابي و يُفضَّل انك تتجنبيني عشان مازعلكيش ....و الكلام دا موجهه ليكي انتي كمان يا مدام !   
اروى (تفوهت بكلماتها الخاضعة و هي تنظر أرضا  باستسلام ) معاه حق
فارس: الحمد لله .. اهى واحدة بتفهم
سيدرا :اييه بتفهم دى وانت شايفنى غبية ولا ايه ماتحترم نفسك !!
فارس(لوّح بيده نحوها بإهمال) مافيش فايدة ... مش هرد عليكى وربنا مانا رادد
سيدرا: انت بتشوحلي انا كدة!! ، انت ماتعرفش انا مين !!
أروى : خلصتوا خناق !  (وجهت أنظارها نحو سيدرا التي مازالت واقفة أمامه تلقيه بنظراتها النارية ) مش حضرتِك اللي كنتي بتهدّينا تحت ايه اللي حصلك !!  ممكن نتفاهم بقى بطريقة كويسة و بلاش كدة عشان كل واحد فينا تعب ! 
سيدرا (جلست أرضاً)  تمام أوي ... أنا هسكت ومش هتكلم خالص واتفلقوا انتوا الاتنين
أروى: اه وحضرتَّك !
تجاهل وجودهما تماماً و هو يستند بظهره على الحائط ، أغمض عينيه بإرهاق و هو يعيد رأسه للخلف لتستند هي الأخرى على الحائط نفسه ...صمت ...كان الصمت التام هو المسيطر على ثلاثتهما لمدة تعدت العشرة دقائق قاطعه صوت ضحكة أروى الخافتة و المُريبة !
سيدرا : (بتهكم)  انتي بتضحكي على ايه !!
اروى:  (اطلقت تنهيدة عميقة والابتسامة مازالت تملأ وجهها) على طفوليتنا احنا التلاتة و خناقنا ، على المصيبة اللي احنا واقعين فيها و مش عارفين نعمل ايه فيها (غَيمة من الدموع شوشت رؤيتها فأغمضت عينيها سريعا و هي تحاول جاهدة الحفاظ على ابتسامتها الحزينة) على الكلام اللي هيتقالي من جوزي بعصبيته الزيادة بعد ما ارجع ...دا لو رجعت !  احنا لو فضلنا هنا بنفس طريقتنا دي  يبقى مش هنعرف نخرج ولا انا هلحق اشوف "مالِك" مرة تانية
سيدرا(عضت على شفتها السفلية و هي تنظر لها بأسى ، اقتربت منها و ضغطت على يدها بلطف) :  ماتخافيش كلنا فى الهوا سوا.. يعنى لو هيحصلك حاجة  ف انتي مش لوحدك هنبقى معاكى
فارس : نعم !! هو انتي فاكرة إنك كدة بتهديها يعنى !
سيدرا : أعمل ايه يعني أكدب عليها ؟؟ مش بقول الحقيقة !
ظلت سيدرا  تتأمل الإبتسامة الخافتة المرتسمة على وجهه و كأنه يطالعها بإفتخار و هو رافع كِلا حاجبيه ... أطلقت سبة خافتة بعدما استطاع اخراج ضحكة صغيرة من فمها بملامحه حاولت بصعوبة كتمها و لم تستطع ، أما عنه فقد أدار رأسه مبتعدا عنها و هو يحاول جاهدا منع ابتسامته التي أخذت في الإتساع ! 
اروى (أخرجت صوتها المتحشرج محاولة تخفيف حدة الجو السابق و التودد لكليهما ) هو انتوا ايه اللي جابكوا هنا !
سيدرا (رفعت كتفيها بلامبالاه) يعني ..حد اتصل بيا عشان حاجة ليها علاقة بشغلي أوي و المفروض إني هنا عشان آخدها
فارس : و انتي بتشتغلي ايه ؟!
اروى:  اسكت بقى انت شوية !!  انتي سيدرا رياض مش كدة !
سيدرا (ابتسمت عفوية) ايوة انا
اروى : اهه شوفت !! مذيعة يا بني آدم انت ..ايه مابتفتحش تليفزيونات !! 
فارس : لا معلش ثانية ...مين دي اللي مذيعة !  انتي ؟؟
سيدرا : ايه عندك اعتراض ؟
فارس : و ياترى بتطلعي تعملي ايه ؟ ترمي دبش في وش المشاهدين و تختمي ؟؟
سيدرا (بدأت بلف خصلة رفيعة من شعرها على أصابعها و هي تنظر إليه باستخفاف) هه...دمك خفيف أوي يا دكتور ...ثم ان أنا مش دبش ..حضرتك شايف كدة يبقى رأيك تخليه لنفسك يمكن ينفعك و اللي ياكل على ضرسه ينفع نفسه مفهوم عشان نبقى حلوين مع بعض لو طولنا هنا و لا مش مفهوم ؟!
أروى : طب و انتي ليه مابعتيش حد ييجي ياخد الشغل دا بدالك ؟؟ و بعدين انتي بتخرجي لوحدك كدة عادي !
سيدرا : آه  لأن ببساطة جو سبيستون اللي انتوا عايشين  فيه دا وإني اروح أي مكان معايا الBodyguards بتوعى وآخد  الناس اللي فى اللوكيشن كلهم  في ايدي و أنا خارجة دا مش مظبوط
فارس : و انتي شايفاها رئيسة الجمهورية يعني !  ماتخرج لوحدها ايه يعني هتتاكل ! 
سيدرا (التفتت برأسها نحو أروى و همست لها) مؤدب أوي
فارس : أفندم !!
سيدرا (ابتسمت بسماجة) :منور يا دكتور
أروى:  لو سمحت ممكن تبطلوا ناقر ونقير بقى  !
سيدرا : طب ممكن أفهم انت بعد ما جرتنا زي الجواميس وراك  ايه الخطوة الجاية بم انك عامل نفسك الكبير هنا ! احنا مستنيين ايه ؟
أروى (استندت بكف يدها على وجنتها) الوكسة !
سيدرا : أستاذة عبلة كامل لو مش هضايق حضرتك يا تتفائلي و تقولي كلمة عدلة يا تسكتي خالص !
فارس :انتي عايزاها تعملك ايه  يعني ؟  مش لو هيحصلها حاجة هنكون موجودين معاها  و كلنا في الهوا سوا ؟!
بعد مرور ساعتين :-
فارس: (اعتدل في جلسته منصتا بإهتمام) سمعتوا الصوت داا !!
سيدرا : انا ما....
أشار لهما بيده للصمت و النهوض من على الأرضية ..و مالبثوا أن أطاعوا أوامره حتى فُزعوا من صوت ضجيج  مرتفع يخرج من الطابق السفلي تبعه صوت تكسير و دقٍ على الخشب بعنف شديد
يتبع...
#نسمة_حمدي
ال vote و رأيكوا لو سمحت ❤❤

غَيثْحيث تعيش القصص. اكتشف الآن