#غيث
الفصل الأول ..*-*-*-*-*-*-*-*-*
إن مأساة الإنسان الحقيقية تتمثل في رغبته ليصبح الأول بين الجميع ...وفي الوقت ذاته هو مدرك لاستحالة تحقيقِ ذلك ، حتى ذاك الحب الذي كان من الممكن أن يُغير فيه شيئاً ويفتح له طريقاً نحو حياةٍ سعيدة... امتنع عنه مفضلاً الانزواء في قبوِه ...
مسجون في كبريائِه الجريحة وعزة نفسه المُهانة، ونزعته الشريرة، وسخطِه ومرارته
فلقد فقدنا جميعًا الحياة، كلنا يعرُج و كلنا نسعى دائِماً إِلى الانتِقام، لرؤيتنا ب أن ذلِك من باب العَدل و الإِنْصاف . !
(دوستويفسكي)-*-*-*-*-*-
و ك كلِ صباحٍ تأففت بضجرها المعتاد ...و أطلقت تلك السبة من بين شفتيها التي اعتادت دائماً على التفوّه بها عندما يصل لمسامعها ذلك الصوت المزعج ; صوت الرنين الصادر من المُنَبه الخشبيّ ، تسللت يدها اليسرى بتكاسلٍ خارج غطاءها الوثير الخافي لكامل جسدها ماعدا بضعة خصلاتٍ لشعرها البنيّ الطويل و المموج باحترافيةٍ طبيعية
قامت بإغلاقِه بعدما فتحت عسليتيها الواسعتين لتُبصر عقاربه ; إنها العاشرة صباحاً .. و مازال الوقت باكراً ... و ما المانع من أخذ قيلولة لا تستغرق أكثر من الخمسة دقائق !
فتباً للإستيقاظ الباكر ..و تباً لكل شخص في الحياة يُجبرك على تَرك فراشك الدافئ في ليلة شتوية لتواجهه سخافاتِه و أقاويله اللاذعة !
و خاصةً اذا كانت تلك الليلة ...ليلة شاقة ك ليلة أمس !
تمتمت بكلمات راضية بغير وعي و هي تدفن رأسها من جديد بين وسائدها الناعمة ، تمسكت بالغطاء و كأنه منقذها الوحيد من بين أشعة الشمس المتمردة و المُغتصِبة لأجزاء من وجهها و جسدها بغير رضاها .. و بفعلتها الأخيرة فقد
منعت أى مجال لتلك الأشعة البرتقالية بإيقاظها كعامل ثانٍ بعد صوتِ الرنين ...
و ها هي الآن ..تبدأ وصلة مجددة من النوم العميق
.
.
.
صاحت بتلك السبة مجدداً بصوتها الجهوريّ الحانق و هي تلقي بكل ما تتلحف به أرضاً ...أمسكت هاتفها المُهتز ذو الرنين المرتفع بعد أن أدركت خطأها الفادح بعدم إغلاقِه نهائياً أثناء فترة استرخائها أو جعله على الوضع الصامت !
و بمجرد ضغوطها على زر استقبال المكالمة تركته بجانب الفراش بإهمال على وضع المجهر و هي تتحسس أجزاء وجهها جاهدة قدر المستطاع بفتح عينيها و إزالة آثار الإرهاق و النعاس البادية بوضوح عليه ، همهمت بإنزعاج قد وصل لذُروَتِه بعدما استقبلت صوته الرجولي المنادياً باسمها بتلهف عدة مراتٍ متتالية ...
= : أستاذة سيدرا اوعي تكونى لسه نايمة و النبي ! …لأ أبوس ايدك فيها قطع عيشي دي .. المخرج مِنبه عليا أتابع معاكي من بدري و انا سايبك عشان عارف انك.......
قاطعت حديثه المتكرر بملل بصوتها الناعس و هي مازالت مُغمضة العينين ..
سيدرا : أيوة يعنى عايز ايه ؟!
[رفعت يدها و بدأت بعقد شعرها بفوضوية]
=: يا أستاذة الساعة دلوقتي واحدة ومعاد الهوا تلاتة متأخرين !!
سيدرا( تركت خصلاتها و أظهرت عن عينيها بصدمة) : قولت الساعة كام !!!
*-*-*-*-*-*-
"وقت الفراغ هو خُرافه وضعها الفارغون فلا تُردد هذا اللفظ ولا تستعمله فإنه لا فراغ الا عند التافهين"
كان على إيمان تام بهذه المقولة ، فها هو قابعٌ منذ الصباح الباكر على مكتبِه المُميز بتلك المشفى الخاص أمام حاسوبه المحمول بعد انتهاء فترة مروره على المرضى المسئول عنهم و الإطمئنان على حالتهم الصحية ، ابتسم بتهكم و هو ينظر إلى ساعة يده و هو على يقين تام بأن أفراد طاقمه الطبي لم يستعدوا بعد للخروج من منازلهم ، فكان هو من أول الحريصين على الإلتزام بوجباته كطبيب قد أقسم على بذل قصارى جهده لإنقاذ أكبر قدر من الحيوات مهما يُكلفه الأمر و على استغلال وقته القصير المتواجد أحياناً بين ساعات يومه المليئ بالأعمال في ممارسة هوايته الأولى و الأخيرة و هي القراءة بين مختلف الموضوعات ...ما بين الأدب و علم النفس ..فتلك الأوقات بالتأكيد لم تُخلق من العدم ! و لن تُفنى في العدم !
(طرقات متتالية على باب غرفته كانت كتنبيه لجميع حواسه على الإستعداد لبدء مرحلة جديدة من مراحل يومه المعتادة و الشاقة في آنٍ واحد)
الممرضة : دكتور فارس فى حاله طارئة في الإستقبال ، حادثة مرور و المريض وعنده نزيف شديد ..
فارس(لم يتردد في ترك ما بيده و الهرولة خارج الغرفة هاتفاً بتعَّجُل ) حضري غرفة العمليات فوراً..
*-*-*-*-*-*-
تجلس على الفِراش و على وجهها ابتسامة حالمة ، تتلامس أطراف أناملها الرقيقة مع بشرته الحنطية عن عمدٍ بعدما قررت العبث مع ملامح وجهه الرجولية المُحببة إليها ، أصدرت ضِحكة خافتة بعد تململه بإنزعاج في الفراش و جذبِها لأحضانه بحركةٍ لا إرادية منه ...
ظلَّت نظراتها مُعلقة به بطريقة أكثر تعمقاً بسبب ذلك القرب ف تلقائياً ازدادت ابتسامتها و هي تتذكر عالمهم الخاص المليئ بالذكريات التي تشمل ضَحِكهم العفويّ اللامتناهي ، خصامِهم المزيف و مصالَحتِهم الرومانسية الخالصة لكلا الطرفين ، جميع التفاصيل تحوَى الصغيرةَ و الكبيرة ، أغمضت عينيها بخجل و هي تسترجع ذكرى الموقف الأخير بينهم ..غضبها الشديد و لينها الفوري معه في ذات اللحظة عندما شاهدت نظراته الطفولية لها التي تذيب القلب و ما حدث بعد ذلك من تلميحاته الجريئة و تطاوله ! دفنت رأسها بين ثنايا عنقه بعد شعورها بقبضته تشتد حول خصرها بخفة و همساته الرقيقة المعتادة ككل صباح بينهم ، خطف قبلة عابرة منها و هو على نفس وضعه مغلق العينين بعدما أدرك عزمها على الحديث ..أبعد وجهه بضعة سنتيمترات ليتمكن من التمعن في ملامحها و على وجهه ابتسامه حانية
مالِك : صباح الفل
أروى : (مالت برأسِها على وجنته و طبعت قبلة رقيقة ) صباح الخير ، صحي النوم بقى يلا ...انت مش رايح الشغل النهاردة ولا ايه ؟
مالك (عقد ما بين حاجبيه بنعاس) : اشمعنا !
أروى : (رفعت كتفيها بهدوء و بدأت تعبث بتَسلية بين خصلات شعره ) يعني ...أصلك قايم متأخر براحتك مش زى كل يوم !
مالك : و لو بعد عشا امبارح دا انتي مش عايزاني أنام براحتي تبقي بجد مفترية !
أروى : ( عدلت من هيئتها و أصبحت نصف جالسة أمامه و هي عاقدة ذراعيها ) و انت محدش سمحلك تقول عليا مابعرفش أطبخ ..حتى ولو من باب الهزار ، كان لازم تدوق كل صنف عملته عشان تحكم كويس ..
مالك : طب والشقة !
أروى : (رفعت حاجبيها بعفوية) ايه ؟! من واجبات الزوج ناحية زوجته انه يساعدها فى التنضيف بعد يوم طويل و متعب فى المطبخ طول النهار ولا انت ليك رأي تاني ؟ !
مالك (قابل نظراتها الشبه منفعلة بغمزة أدركت ما سيقوم به بعدها كما اعتادت منه ): طب وبالنسبة لواجبات الزوجة !
أروى (بتلعثم) : آآ..قوم بقى شوف هتعمل ايه انت النهاردة ..
*-*-*-*-*-*-
=: تمام يا أستاذة جاهزة ؟! هنطلع هوا
3 ..2..1 ... action
سيدرا : أهلا بيكوا أعزائى المشاهدين فى حلقة جديدة من برنامج "طريق الحياة" ....
الحقيقة ان الحلقة دي حلقة استثنائية جداً من البرنامج ..لأننا ببساطة مش هنبدأ النقاش المعتاد معاكوا في قضية جديدة ...
و لكن هنستكمل مناقشة القضية الأخيرة بما طرأ عليها من مستجدات في الساعات القليلة الماضية و سنوافيكم طبعاً بكل المعلومات المتواجدة .... و حقيقي متشكرة جداً على كل تعليقاتكم الإيجابية و تعاونكم مع فريق عمل البرنامج و تقديركم لأهمية الموضوعات اللي بنطرحها .... و زي ما حضراتكم شايفين على الشاشة ..
الصور دي تم إرسالها على مواقع التواصل الإجتماعي الخاصة بالبرنامج من حوالي 48 ساعة يعني بالأدق ...بعد يوم واحد من إذاعة الحلقة الأخيرة .. أما بالنسبة ل...........
الخ الخ الخ ....
*-*-*-*-*-*-
لم يأبَ اطلاقاً بعدد ساعات عمله المتواصلة أثناء قيامه بتلك العملية الجراحية و لم يهتم بعلامات الإرهاق النفسي و الذهني المُتبيِّنة بوضوح على تقسيمات وجهه ...و لكن كان إهتمامِه الأول و الأخير هي رؤيته لنظرات الإمتنان و الاطمئنان المرتسمة على ملامح ذُوي المريض ، أنزل القناع الطبيّ عن وجهه فتبينت إبتسامته الهادئة و بكلماتٍ اعتاد على قولها في تلك الظروف المشابهة ...
"خير ..اتطمنوا مافيش داعي لأي قلق ...الحمد لله قدرنا نوقف النزيف و الحالة مستقرة بشكل كبير ، خمس دقايق بالظبط و هيكون اتنقل غرفة عادية و تقدروا تطمنوا عليه بنفسكوا ...على ايه بس أنا عملت واجبي مش أكتر....حمدلله على السلامة ؛ عن اذنكوا "
ابتعد عن ناظرهم و مازالت تلك الابتسامة مُرتسمة على وجهه بهدوء رغم عينيه التي فاضت بها نظرات الألم و الحنين للمفقودين ...والديه رحمهما الله ، تذكر عنايتهم البالغة به و بشقيقته و كأنهم أطفال لم يُكمِلوا سَنتِهم الخامسة بعد ! تذكر قلقهم المبالغ فبه -من وجهة نظرة السابقة- اذا أُصابوا بخدش بسيط !
رفع رأسِه متوجها نحو غرفة المكتب محاولاً إبعاد تلك الذكريات الأليمة التي بدأت تستحوذ على ذهنه بالكامل ، تمنى للمريض و أهله بالتجمُع الدائم ، قرأ الفاتحة على روح والديه و ذهب لينال قسطاً من الراحة بعد دوامِه لستة ساعات متواصلة بداخل غرفة العمليات !
*-*-*-*-*-*-
مالك : احكيلى ..انا سامعك
أروى : هه ؟!
(ضحك بخفوت و هو يحرر خصلاتها الشقراء من بين أناملها بعد ملاحظته لها منذ البداية و هي تعبث بهم بتوتر بالغ ، قبَّل كف يدها برقة و نظر إليها بحنو منتظراً إجابتها و هو يحاول بث الإطمئنان لروحها )
أروى: (أطلقت تنهيدة محبطة) يعني ...عايزاك تفهمني بهدوء ممكن !
مالك : اكيد طبعاً ..
أروى : بص يا مالك انا مش عايزاك تتعصب ...بس هو انت مش كنت قايلى إنك هتسمحلى ارجع الشغل مرة تانية ! أنا مش عايزة آخد أى خطوة بدون إذنك
مالك : و انتي لسة ماقتنعتيش بوجهة نظري يا أروى ؟!
اروى : بصراحة لأ ...تؤ بص يا مالك ...
انت عارف و متأكد إني بحبك و إنك أهم شيئ في حياتي ، و عارف بردو إنك لو ضغطت عليا و خيرتني بين الشغل و ما بينك اني هختارك انت من غير ما أفكر ..بس انا عارفة انك مش هتعمل كدة عشان انت ماتعودتش تكبتني أو تكبت طموحي في حاجة أنا بعملها و متميزة فيها مش كدة ! ...
انا حياتي الشخصية فى كفه و حياتي المهنية فى كفة تانية خالص ، وانت أكيد مُدرك حسن اختياري لشغلي و حتى لبسي فى العروض ، انا مابلبسش اي حاجة بيختاروها حفاظاً على مكانتك و مظهرك قدام الناس .. مع ان دا شغلي اللي المفروض ألتزم بيه بس أنا بعارضه عشان دي شخصيتي و تصرفاتي اللي اتعودت عليها من و أنا صغيرة و ماينفعش أخِل بيها و عشان كدة انا تثق فيا و تعرف إن عمري ما هقلل منك أو هخليك مُحرج من شيئ انا عملته وسط الناس ..لأن انا مش كدة و لا عمري هكون كدة !
{ مناقشة طويلة بين الطرفين دامت لمدة خمسة عشر دقيقة ، ابتسم ابتسامة خفيفة بعدها على مضض و لثم جبهتها برقة }
مالك : ماشى يا حبيبتى أنا مش همنعك ، اعملي اللي تحبيه ..
*-*-*-*-*-*-
أنت تقرأ
غَيثْ
Aventuraهم ثلاث أفراد ب ثلاثة شخصيات ب ثلاثة حكايات مُتباينة كلٍ له أحداثِه الخاصة ، تفاصيله و خفاياه .. و لكن الفاجعة الكبرى لم تظهر بعد ... فمن تكون الشخصية الرابعة ؟! و ما ماهيتها !