الفصل السادس و العشرون

32 7 2
                                    

غيث
الفصل السادس و العشرون
_____
كانت تسيرُ بعجلةٍ من أمرِها مُتجاهلة ولدها الذي تحولت عينيه لجمرتين مشتعلتين بسبب حديثها اللاذع عن شقيقته ، شهقت بفزعٍ عندما رأت أمامها اضاءات قوية لسيارةٍ قادمة بسرعةٍ شديدة غير عابئة بما حولها من بشرٍ قليلين ، انعدمت الرؤية عندها تماماً بعدما تراجعت خطوتين للخلف مُحاولة تفاديها فتعثرت قدميها و اصطدمت رأسها بحافة الرصيف الحاد ...
ترجل هو من سيارته مُترنحاً ينظر أمامه بتشتت إلى ذلك المشهد الدمويّ ، استطاع غيث من تلك الاضاءة الصادرة من مقدمة السيارة رؤية ملامحه و سرعان ما عاد فارس مجدداً نحو مقعده ، أدار السيارة بغيرِ وعي و سار بالطريق المعاكس مُستكملاً  ...و عند عودته لم يقوَ على مواجهة شقيقته القابعة بالمنزل في انتظاره ، دلف إلى غرفته بجسدٍ مرتجف و استلقى على الفراش دون تغيير ملابسه ثم أغمض عينيه بانهاك يُحاول محو تلك الحادثة من عقله و سيطر عليه الشعور بعدم المسئولية و تأنيب الضمير المُبرر  ...
و في اليوم التالي قرر العودة لمقر عمله و ممارسة وظيفته بشكلٍ طبيعيّ للانشغال و التغلب على ذلك الشعور المُتمكن منه بعدم الراحة ...
عقد حاجبيه بسبب تلك الضجة الحادثة في ممرٍ ما إلى جانب ألم رأسه الذي لم تجدِ معه أيّة مُسكنات و قبل استفساره عما يحدث وجد طبيباً من فريقه الخاص يُهرول إليه و يقول لاهثاً  ..
"دكتور فارس ....في حالة صعبة في العناية محتاجين حضرتك تشوفها "
دلف للداخل بعد تعقيمه التام و انضم لعدد الأطباء المُتواجدين و قبل بدء عمله استقام الخط المُتعرج و أصدر جهاز القلب صفيراً حاداً ، صاح فيهم لجلب دفعات من الكهرباء لاعادة النبض و لكن لا حياة لمن تنادي ...فقد صعدت الروح لخالقها  ...
خرج مُجددا بعد وقتٍ قصير منكس رأسه لأسفل مُتمتماً بأسف  .. "البقاء لله"
ابتلع لعابه بتوتر عندما رأى نظرات الطرف الآخر المِحدقة فيه بكُره و تذكر ملامحه الغير قابلة للنسيان منذ البارحة ، ازداد توتره عندما لم يصرخ قائلاً أنه القاتل ! تركه في حيرته و ذهب ليلقي نظرة أخيرة على والدته المتوفاه
______
《Now》
غيث : تخيل بقى لو الخبر انتشر و مصر كلها عرفت ان دكتور فارس هو في الاصل قتال قُتلة ... هتروح في ستين داهية مش كدة ! و مش بعيد تاخد اعدام ، طب و اختك تفتكر ايه اللي هيحصلها !  الناس هيعاملوها ازاى ....هيعايروها بأخوها صح 
____
سيدرا (وضعت كلتا كفيها على أُذنها بعنفٍ و جسدها يرتعش بحالة هيستيرية) :  مش عايزة اسمع حاجة  ..مش عايزة
غيث : (هتف بقسوة) كل واحد فيكوا في اللحظة دي بيتمنى الموت هاا ...طب و انا هستفاد ايه لما أريحكوا و أموتكوا كدة بالساهل ! 
___
اروى :  اسكت !!
غيث : (ضحك باستهزاء) أسكت !!  دا انتي الوحيدة اللي باجي معاها و بتكلم يا أروى  ...
بس  تعرفي ان انا فعلاً خدت اللي أنا عاوزه ...يعني ...
هو مرمي زي الكلب جوا و مش عارف اخته بيحصلها ايه و لا هيحصلها ايه ... انتي بعيدة عن حبيب القلب جوزك اللي ماتقدريش تستغني عنه عكسي تماماً ، أما بالنسبة للحلوة  فهي حسابها تقل شوية وخدته الدوبل
اروى : انت اييه يا اخي ، لا بترحم و لا بتسيب رحمة ربنا تنزل ! عايز ايه بعد كل دا ...عايز تموتنا ..اتفضل احنا قدامك ، بس ماتفتكرش إنك هترتاح ، أنا يمكن أكون الوحيدة اللي عاشرتك و قدرت ادخل جوا قلبك و افهمه ...و انت يا غيث ..انت ضعيف  ، و هتفضل متعذب سواء موتنا ..او فضلنا عايشين ، و افتكر كلامي دا كويس أوي
_____
و بعد مرور ثلاثين يوماً آخرين أصبحت الفترة الكاملة هي شهرين و نصف منذ انعزالهم التام عن العالم الخارجيّ و الدلوف المُدبر لذلك القصر
"وَقَالَ رَبُكُمُ ادعُونِى أستَجِب لَكمُ "
____
نظر للأعلى بعينين زائغتين و تمتم بشفتيه قبل تراخي قوته الضئيلة المُتبقية بضعفٍ شديد ...
فارس : يارب
____
صاحت بصوتٍ مُتقطع و هي تضم جسدها النحيل بيديها قائلة
سيدرا : يارب ...يارب أنا ماليش غيرك دلوقتي ينجدني من اللي انا فيه ، خليك معايا وماتسبنيش يارب
____
أروى : انا ماكنش قصدي أجرحه بالشكل دا ، أنا لو كنت اعرف انه هيعمل كدة ماكونتش سبته ، بس انا انسانة و ليا طاقة ، و يارب انت عارف ان طاقتي كانت خلصت من زمان ...
*-*-*-*-*-*-*-*-
"لَعَّلَ اللهَ يُحدِث بَعدَ ذَلكَ أمراً"
أغمضت عينيها بعدما اسمعت لصوت انفتاح الباب فسقطت دموعها و هي تُهيئ نفسها على استقبال كلماته اللاذعة من جديد و امتصاص غضبه بصمتٍ تام لعدم امتلاكها القوة للمقاومة ، فتحت عينيها عندما لم تستمع لأي شيئٍ سوى صوت الرعد المُستمر لعدة أيام مُتواصلة ، اعادت النظر حولها فلم تستطع الرؤية و بخوفٍ شديد حَذِر  بدأت بالسير نحو ذلك الباب الشِبه مُغلق و سحبت مقبضه لينفتح و تتطلع بالظلام الدامس الذي يسيطر على الطريق بالخارج ...اغمضت عينيها و استجمعت شتات نفسها محاولة محو ارتعابها من العتمة رغم اعتقادها في بادئ الأمر بأن كل ذلك ما هو إلا خدعة لتنفيذ الحكم بالاعدام عليها اذا أراد غيث التخلص منهم تماما ، انتظرت عدة دقائق أخرى و عندما وجدت الأمر مُستتب بدأت بالسير بجانب الحائط و هي تتلمس كل شيئ تستطيع الوصول إليه ، و بعد مسافة لا بأس بها ترددت لتفتح ذلك المقبض الآخر الذي توصلت إليه لكنها حسمت الأمر باستكمال الطريق للتخلص من كل ذلك حتى لو كان على حساب حياتها ، فلم تعد تملك شيئ لخسارته ، انفتح ذلك الباب معها بسهولة عكس توقعها ثم عقدت ما بين حاجبيها بتوتر عندما لاحظت الاضاءة الحمراء المسيطرة على الغرفة و تلك القابعة محلها بالداخل التي رفعت كفيها بحركةٍ تلقائية لتجنب أية صفعات عنيفة ستتلقاها أو كم هائل من المياة المُثلجة يُسكب فوق رأسها في أكثر الليالي الشتوية قارصة البرودة ! أنا عن أروى ف فتحت عينيها على وسعهما و هي تركض نحوها صائحة بقلق
أروى : سيدراا ، سيدرا انا أروى ...سمعاني
توقفت عن البكاء و أظهرت عن وجهها و هي تتأملها بتشتت ثم بدأت بالحديث المُتقطع ...
سيدرا : ايه اللي ....
أروى : صدقيني دا مش وقت الانهيار خالص ، احنا لازم نخرج قبل ماحد ييجي ...دي فرصتنا الأخيرة
سيدرا : ف...فارس !!
أروى (نظرت بعمق داخل عينيها و أكملت بتوتر) ماعرفش عنه حاجة !
سيدرا : لأ ...لا يا أروى مش هينفع احنا جينا هنا احنا التلاتة و هنخرج تلاتة انا مش هسيبه
استندت على الحائط لتستطيع الوقوف أمامها ثم اكملت و هي تتجه نحو باب الغرفة
سيدرا : احنا مانعرفش هما فين ولا بيفكروا ازاي ، بس انا مش هاجي معاكي غير لما ألاقيه ، امشي انتي ....على الاقل تقدري تتصرفي لو ...
تحركت أروى من موقعها و أمسكت بكلتا يديها كشافين من الاضاءة الحمراء الرديئة و اعطتها اياها ثم اكملت ....
أروى : انا هكمل تدوير هنا و انتي انزلي تحت ..
_______
توقفت لوهلةٍ و هي تتطلع بتلك الغرفة النائية التي تسللت الاضاءة من خلف الباب الخاص بها لتتوجهه نحوها على الفور ، ابتلعت لعابها بتوتر و هي تدفع المقبض للداخل و ما لبثت أن أغمضت عينيها بسبب تلك الاضاءة البيضاء القوية المُسلطة على جميع أرجاء الحجرة ، قضت عدة لحظات تحاول الاعتياد عليها و بعد نجاحها الجزئيّ تجمدت أطرافها عندما وجدته غارقاً بين دماءه فاقداً لوعيه ، ركضت نحوه مُتلهفة و ابعدت تلك القيود الحديدية الغليظة - التي بالفعل تم تحريره منها مُسبقا-  عن طريقها و صاحت ب اسمه عدة مرات متتالية علّه يستجيب لها  و يبث بداخلها الأمل المُنطفئ ، شقت ابتسامة عابرة الطريق لوجهها بين دموعها الغزيرة و هي تستمع لهمهماته الغير مفهومة و تبينت منها نطقه لحروف اسمها
سيدرا : فارس خليك معايا و النبي ...احنا خلاص ..خلاص هنطلع من هنا
و بعد محاولات عديدة استطاعت بصعوبة بالغة احاطته بكلتا يديها لاسناده للتوجهه خارج الغرفة بقوة ضئيلة منه حيث الباب الرئيسي ، صاحت سيدرا بصوتٍ مرتفع منادية أروى و بالفعل تمكن كلتاهما من المُضي معه مُتشبثين بأيدي بعضهم البعض ، دفعت سيدرا الباب الحديدي الخاص بذلك المكان محدثا صداً قوياً لم تعبأ به و لم يعبأ اي منهم بتفحص المكان من حولهم انما فقط توجهوا للخارج بحركة ليست سريعة ...لكنها ليست بمتخاذلة 
  يتبع...
#نسمة_حمدي

غَيثْحيث تعيش القصص. اكتشف الآن