الفصل الرابع

1.1K 44 2
                                    


نظرت لمكان خروج والدها بزهول و مازال شلال الدموع يتساقط ،انتفضت تركض نحو باب المكتب ليسبقها باسم اليه ، اغلق الباب على كليهما، لتخر هي ارضا تبكي كالاطفال تنتحب و تصرخ بآه خذلان ,كم تتمني الان و فورا ان تكون باحضان خالها ،والدها الذي لم ترى والدا غيره ،
وقف ينظر لها من اعلى و هي تبكي ارضا قائلا
: لما تخلصي عاوز اوريكي حاجه
رفعت راسها تنظر له و الدموع تغرق وجهها تنتحب من شدة البكاء ، تنظر له و هو يعلوها واقفا امامها كذئب اصطاد فريسة و لن يتركها قبل ان ينال منها ،
تركها و عاد الى مكتبه جالسا واضعا قدم فوق الاخرى يداعب ذقنه بإصبعه السبابة منتظر انتهاء بكائها ،أمرها قائلا
:تعالي ...
لم تستجب لامره مسحت عيونها بظهر يديها بعنف ثم استقامت تخفي زعرها و خوفها منه
ابتسم هو لعنادها فهو أحد اسباب انجذابه اليها ، غزالة عنيدة ، يراها هكذا ، أعاد امره قائلا
: تعالي ..مش عاوزة تشوفي خالك ؟...
نظرت اليه في لهفة و قد ظنت انه سيتركها و لا تدرك انه يلقي باحدى سهامه لمحاصرتها تقدمت بخطوات مرتعشة من المكتب ،امرها بالجلوس و اخرج هاتفه يتصل باحدهم قائلا
: افتح الكاميرا ..و ما تنفذش غير بأمر مني
ليعاود غلق الهاتف يعبث به لبضع ثواني ثم اعطاها اياه ،
لترى من خلال شاشته خالها ،من شرفه مكتبه ،
احدهم يصوره من سطح احد المنازل، و يبدو انه يزعق بشخص ما هاتفيا و على وجهه علامات الغضب و التوتر و رأت ايضا امها, مسكن روحها و بلسم جراحها تقبض على موضع قلبها تبكي منهارة و المشهد يجسد بالنسبة اليهم فقدان الحياة ... ,ثم فجأه تدور الكاميرا لترى شخص ملثم بيده سلاح ناري يشبه البندقية يصوبه نحو خالها من خلال شرفة مكتبه ، وضعت يديها علي فمها تكتم شهقة بكاء ، بكت و كأنها على وشك الموت نست بشان انها بمفردها تحت قبضة ذلك المتصابي ، و نست بشأن والدها الذي باعها و قبض ثمنها ، و لا يوجد الان بخاطرها سوى خالها و بقائه على قيد الحياة ، ترجته باكية ، تشعر بالقهر ، تشعر و كأن احدهم يعتصر قلبها بيده
: الله يخليك ما تموتوش.. ارجوك انا هعمل اللي تقول عليه بس سيبه.. ما تموتوش ،
و غرقت بدوامه بكائها ،اما هو فقد نال اخيرا ما يريد ابتسم بانتصار يرفع الهاتف الى اذنه يهتف لمن بالجانب الاخر من الهاتف
باسم : ما تنفذش ..و تبقى تجيلي تاخد اللي اتفقنا عليه
لتغمض هي عينيها بارتياح فتتساقط الدموع اكثر على وجهها المنير
غزالة عنيدة ،يراها هكذا ، و عليه اصطيادها لكن باسلوبه الخاص ،حيث محاصرتها من جميع الجوانب فلا تجد سوى انيابه مخرج لها فتأتيه راغبة في افتراسها دون ادني مجهود منه
_____________________________
وقف في غرفة مكتبه يسير يمينا و يسارا غاضبا ، خائفا
فصغيرته مختفية منذ الصباح ، يتحرك كليث غاضب يكاد يفتك بمن خلف اختفائها ،تجلس بالقرب منه زوجته حنان تقرأ القرآن و كتاب الله بين يديها ، تتضرع الي الله ان يردها اليها سالمة ، تدعوه ان يحفظها اين ما كانت ،تساقطت دموعها ، تبكي و ذلك الشعور بالفقد لن يفارقها ،فحياة بالنسبة اليها نسمة الهواء الباردة التي اهداها اياها القدر لتثلج بها قلبها المحترق ، اتاه اتصالا فاسرع بالرد يتسائل بلهفة قائلا
:لقيتها ؟...
لتغيم معالم وجهه حزنا ،يأسا ، غضبا ، حين اتاه رد الطرف الاخر ب "لا"
اغلق الخط ثم توجه الى الاريكة بجوار زوجته ، جلس يضع يده على وجهه يستند بمرفقه الى ركبته ، ربتت حنان على كتفه تواسيه قائلة
:باذن الله بنتنا هترجع انا واثقة في ربنا انه مش هيحرق قلبنا ،
نظر اليها يحبس دموعه بعينيه، يتهدج صوته قائلا
: دورت في المستشفيات.. الاقسام ..،مش موجودة ..مش لاقيها
و هنا قررت الدموع الحبيسه الفرار هربا من عينيه ,
____________________________
اقتربت سيارة الاجرة من الشارع الذي يقع به منزلها و منزل منصور المنياوي ، تذكرت العصفور عندما مرت بجانب البنايه الخاصة بالعيادة البيطرية استأذنت سائق الأجرة بالتوقف و انتظارها بضع دقائق ، نزلت من السيارة متوجهه الي داخل البناية تتقدم بحرج فالليل على وشك الدلوف، تبرر لنفسها بانها ستاخذ العصفور و ترحل على الفور ، و في هذه المرة استخدمت المصعد، توقف المصعد امام العيادة وجدتها مغلقة مرة اخري ،
شعرت بالحرج الشديد لا يوجد امامها سوى طرق باب منزل ذلك الطبيب ،بخطوات مترددة اتجهت نحو باب شقته تقدم قدما و تأخر الأخري ، ضغطت على الجرس مرة و انتظرت قليلا ،... على الجانب الاخر نظر "حمزة" بعين الباب ليقول في نفسه ، حسنا هي لديها بعض الذوق .
انتظرت سارة بضع دقائق في توتر تام تلوم نفسها على ما تفعل ، لم يستجب احد لطرق الباب  ،فهمت بالرحيل عاقدة النية ان تأتي له صباح غد في موعد العيادة ، استدارت تعود ادراجها  ففتح الباب فجأة ، التفتت فإذا  بامرأة عجوز يبدو عليها الكبر متكئة على عصا خشبية ، ظنت سارة انها اخطئت في شقة الطبيب لتنظر خلفها مرة اخري تتاكد من مكان العيادة متذكرة مقابلتها الاولي معه ،فهو خرج من تلك الشقة ، نظرت لها السيدة تبتسم بحنو قائلة
:هي ...هي شقة دكتور حمزة
اخفضت نظرها باحراج ثم القت السلام فدعتها السيدة للدخول لكنها رفضت بشكل لائق
سارة : انا اسفة اني جيت في الوقت ده بس في الحقيقة انا ااا ..عاوزة العصفور
السيدة : ولا يهمك يابنتي
اومأت سارة بابتسامة لتلك المرأة التي يبدو عليها الطيبة و الوقار في نفس الوقت
اردفت السيدة : حمزة ..قصدي دكتور حمزة مش موجود ،تقدري تجيله في ميعاد العيادة الصبح
شكرتها سارة ثم عادت ادراجها الى السيارة .
اما السيدة فاغلقت الباب ثم استدارت اليه تلكزه بعصاها الخشبية قائلة
: بقي على اخر الزمن تيجي انت و تخليني اكذب في السن ده ..
حمزة متأوها يصتنع الالم
:خلاص ياتيتا هتكسري رجلي ؟ .انا اسف ياستي و ادي راسك ابوسها
مال يقبل راسها معتذرا ، زفرت تفيدة قائلة
: استغفر الله العظيم من كل ذنب ..انا مش عارفه ايه اللي بيخليني اطاوع عيل زيك
حمزة بصدمه متسع العينين مشاورا الى نفسه قائلا
: انا عيل ..انا عيل يا طوفي
تفيدة بااستنكار : اه عيل و ستين عيل كمان و بعدين تعالي هنا، انت ما قبلتهاش ليه ؟، و جبتني على ملى وشي افتح الباب ، ؟
لتجذبه من احدى اذنيه قائلة
:ما ادتهاش العصفور بتاعها ليه ؟
حمزة متأوها بجد
: ااااه يا تيتا ودني ودني هتطلع في ايدك
تفيدة : مش سايباك غير لما ترد عليا
حمزة: هقولك و الله هقول بس سيبي ودني
تركت تفيده اذنه ، ففركها حمزة سريعا مخففا الالم الناتج من اصابعها قائلا
:تيتا ..صوابعك دي ولا كماشه ؟
ضربته تفيدة مرة اخرى بعصاها الخشبية قائلة
: رد عليا .. في ايه و ايه قصة البنت دي ؟
حمحم في حرج قائلا
: اااا ..دي واحدة جابت العصفور بتاعها الصبح و كان مصاب و سابته و مشيت
نظرت له تفيدة ترفع حاجبها الايسر قائلة ببرود وكانها تخبره ان يأتي بالمفيد
تفيدة: و بعدين؟
نضر لها حمزة يتصنع القهر ثم قص عليها ماحدث صباح اليوم
حمزة :عرفتي؟..انا بقى عاوز اعرف ايه حكايتها ماهي لاما مجنونة لاما مجنونة
تفيدة و هي تفكر :بس شكلها و اسلوبها ما بيقولش انها مجنونة
ثم اردفت تبتسم ابتسامة حالمة
:دي زي القمر
اذدرد حمزة ريقه قائلا بارتباك
:و انا مالي انا زي القمر و لا زي الشمس
نظرت له بجانب عينيها ترفع حاجبها وكانها تخبره انه يكذب ، نهض سريعا يخفي توتره قائلا
:انا رايح انام تصبحي على خير يا طوفي ،
و طوفي هو ما يلقبها به دائما، توجه الى غرفته عازما على معرفة قصة تلك الفتاة ذات العصفور الرمادي..
اما جدته فنظرت له تبتسم و هو يدلف الى غرفته، تتمني له السعادة .
_____________________________________
جلست في الغرفة التي خصصها لها منذ اختطافها ،تبكي ، تشعر و كأنها تلفظ انفاسها الاخيرة ، لا حيلة لديها و لا مخرج ،سوى باب واحد فقط باب لا يغلق قط ، نهضت متوجهة الى الحمام الخاص بالغرفة توضأت ، و وقفت بين يدي الله تدعوه و تتوسل اليه ببكاء ..عجز ..قهر ،
: يارب يارب نجيني.. يارب ماليش غيرك يساعدني ..ابويا اتخلي عني و بعني ..و حياة خالي في خطر .
اشتدت وتيرة بكائها
:هيموت بسببي ..يارب نجيني منهم يارب
و فجأة مالت على الارض لم تشعر بالعالم حولها، فقدت وعيها
_________________________________
وصلت سارة الى منزل منصور فتحت لها الخادمة فسألتها عليه فاجابت الخادمة انه بالمكتب توجهت بخطواتها نحو باب المكتب طرقته فاذن لها بالدخول ،رأته يستند بمرفقيه على سطح المكتب واضعا كفي يديه على وجهه تعجبت فمنصور دائما يجلس في شموخ و هيبة لكنه الان منكسر يبدو عليه الحزن
سارة :السلام عليكم
رفع منصور نظره اليها ابتسم بشحوب
:و عليكم السلام
سارة معتذرة :اسفة يا انكل اني اتصرفت من غير ما ارجع لحضرتك
اومأ لها منصور ، يفرك وجهه في تعب قائلا
: مش عاوزك تعملي حاجه من دماغك تاني ...انا بعتلهم شاكر المحامي من يومين ..يتكلم معاهم بالحسنى الاول.
اومأت له سارة في ابتسام و هي تمسح ما علق بعينيها من دموع تشكره
:متشكره اوي يا انكل
لاحظت حزنه البادي على وجهه
سارة :مالك يا انكل حضرتك تعبان
نفى منصور برأسه قائلا بانكسار
: حياة
خفق قلبها بشدة خوفا على صديقتها فوجه منصور لا يبشر بخير
سارة و هي تبلع غصتها قائلة
:مالها ..حصلها حاجه
منصور و هو ينهض واقفا
: حياة مختفيه من الصبح .. تقريبا من ساعة ما سيبتيها
وضعت سارة يدها على فمها تكتم شهقة صدمة، اتسعت عينيها قائلة
:ازاي ..انا سبتها قدام الكليه بعد الامتحان على طول و قالتلي انها هتستنى حضرتك
زفر منصور في تعب وحيرة
سارة بدموع : طب ما بلغتوش البوليس ليه يا انكل
منصور : ماينفعش لازم على الاقل يعدي 24 ساعه من الاختفاء عشان نعمل بلاغ ..، كلمت معارفي. و لحد دلوقتي مالهاش اثر لا في مستشفي و لا قسم و لا حتي ...
و صمت ،لم يستطيع  نطقها ،و لا عقله علي تصورها ، ...فقدها هو تماما بمثابة فقد حياته .
جلست سارة على الاريكة تبكي ، دلفت حنان الي المكتب راتها تبكي فاسرعت اليها و دموعها تسبقها اخذتها بين احضانها تربت على راسها قائلة ببكاء
:هترجع ..باذن الله هترجع
_____________________________________
دلف الى داخل القصر متجها نحو مكتب والده طرق الباب ثم دخل فنظر له والده يدعوه للجلوس قائلا
:تعالى يا قصي كويس انك جيت
قصي و هو يجلس على الكرسي امام المكتب
قصي:خير يا بابا
عبد السلام : اعمل حسابك ان انت اللي هتسافر مصر
اعتدل قصي في جلسته يسأله
: ليه؟..حضرتك تعبان ؟
ابتسم عبد السلام بحزن قائلا
: شوية .. مش هقدر على السفرية دي
قصي :طيب نأجل لحد ما حضرتك تبقي مستعد
عبد السلام بجد : مش هينفع ..التزمنا معاهم خلاص و ما ينفعش نرجع ممكن نخسر ثقة العميل ، عشان كده انت اللي هتسافر
اومأ قصي بعينيه قائلا
:اللي تشوفه حضرتك ..بلغني بمعاد السفر قبلها عشان اجهز.
ضيق قصي ما بين حاجبيه في اندهاش عندما اتاه رد والده قائلا
عبد السلام  : بكره
قصي :بكره ؟.. ازاي ؟  في شغل كتير في الشركة لازم يخلص قبل السفر
عبد السلام و هو ينهض يدور حول المكتب ليجلس على الكرسي المقابل لقصي .
عبد السلام: انا هتولي مسؤليه الشغل اللي هنا و هاخد عمر معايا يساعدني
انتبه عدي عندما ذكر والده اسم اخيه و التمعت في راسه فكرة
قصي : اللي تشوفه حضرتك ..بعد اذنك الحق اجهز 
اومأ له عبد السلام و نظر في اثره بشرود
-------------------------------
خرج قصي من باب المكتب متجها الى جناحه الخاص ..عزلته ..محراب آلامه ، ذكرياته المظلمة
دلف الى جناحه ، اخذ حماما ، و ارتدى ملابسه ، تيشرت اسود بدون اكمام و بنطال رمادي سمع طرق الباب فاذن للطارق بالدخول التفت فتفاجأ بوالدته امامه تنظر له في جمود نظر لها ثم ولاها ظهره يعبث بهاتفه غير مباليا بوجودها ،فهي من صنعت ذلك الفتور بينها و بين ولدها ، اقتربت بخطوات بطيئه تجلس على الفراش ، الصمت يعم المكان لم يقطعه سوى صوت قصي يتسائل قائلا
: خير.. يا تري ايه سبب الزيارة المرة دي؟.. في تعليمات جديدة؟
نظرت له والدته بثبات قائلة
:لا ما فيش هو انا مش امك و لا نسيت ؟..،من حقي اجيلك في اي وقت
ابتسم قصي بسخريه قاتمه ..سخرية مريره . سخرية  تحمل فوق عمره عمرا آخر قائلا
:لا ما نسيتش.. ما نستش انك امي  ..بس ياريت حضرتك ماتنسيش اني ما بقتش العيل الصغير.. اللي لما كان يجيلك جري و هو خايف يترمي في حضنك.. تاخديه تحبسيه في اوضه ضلمه لوحده ..العيل الصغير اللي حكمتي عليه ما يقربش من اخواته ..لا يلعب معاهم.. و لا ياكل معاهم ، و لا حتي يتكلم معاهم
لا يعلم لماذا رأي في عينيها نظرة انتصار ،
اقترب منها واضعا يديه في جيوب بنطاله ، يقف امامها و هي جالسه على الفراش امامه
قصي و هو ينظر لها بتحدي قائلا
: و برغم من محاولاتك تفرقينا .. لكن ما قدرتيش
اشتعل الغضب بعيني زهيرة ،نهضت كالبركان خارجه من الجناح صافعة الباب خلفها بقوة .
اما هو تمدد على فراشه نصف جالسا ..منكسرا  . بداخله حزن دفين ،لا يدري لماذا تفعل والدته تلك الافعال ، يتذكر حنانها و دفئ احضانها و لعبها معه و استيقاظه بين يديها كل صباح يتذكر جيدا
Flash back

أحيت قلب الجبل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن