الفصل الخامس والاربعون

651 31 0
                                    

الشياطين لا تشرب الماء ...
الشياطين تحرق ..ولا تُحرق ...
________________________________
صراخ ..وهتاف معاتبة واستنكار ..وسالم يزعق بصوت جهوري ..الجميع يقف مستغربا لما يحدث ..ومن بين الجميع تقف هي في الوسط ..تحدث محسن هاتفا بلوم معاتبا بحنق عندما دفعه سالم للخروج
: ياسالم ما يصحش كده ..انا غرضي شريف وجاي طالب ..
باندفاع غاضب يقاطعه زاعقا بحده ..
: لو لسانك كرر اللي قولته جوه هندمك عليه ..
نظر له نظرة تهديديه ينفض عبائته يرد بعضا من كرامته المهانة ..
: ماشي ياسالم ..اللي تشوفه ..بس ما ترجعش تزعل بقى من اللي هيحصل ..
ثم خرج ينضج الخبز الساخن فوق رأسه مستشيط غضبا ..
الجميع يقف مستغربا وهي بالوسط ..ولا يرى هو الجميع سوى حيز الوسط ..نظراته ..خفقاته ..قلبه ..تجاهها..تحدثت فاطمة بتسائل
: ايه يا ولدي في ايه ؟ من امتى واحنا بنعامل ضيوفنا كده ؟
اسماعيل مستفسرا ..
: في ايه يا سالم محسن بيه بنتعامل معاه بقالنا سنين ؟ ..ايه اللي حصل غضبك كده ؟
قاطعهم يزعق بدون سبب من وجهة نظرهم ..
: مافيش حاجة كل واحد يخليه في حاله ده موضوع بيني وبينه ..
وجه حديثه إليها ..او غضبه لا فارق ..
: انتي واقفة كده ليه ..اطلعي على فوق يلا ..
اتسعت عينيها عجبا تنكر داخلها انه يخصها بالحديث ..لتنظر حولها في دهشة والجميع في حالة زهول مما يبدو عليه هذا الصباح ..انتفضت تصعد بخطوات راكضة إلى الأعلى تتبعها والدتها عندما اردف على نفس وتيرة نبرته الزاعقة ..
: على فوق قولت ..
ثم خطا نحو مكتبه صافعا الباب بقوة ...
________________________________

استيقظت مبكرا ..مبكرا عن موعد الطائرة بساعات ..او بالأحرى هي لم تنام من الأساس ..في عتمة الليل اخذت تقارن بينها وبين نظراته لها في ذاك الوقت  ..شهب نارية تلفظها السماء امامها كما لفظ هو كلماته التي نحرت كرامتها وكوت فؤادها ..أعدت الحقائب ..وأعدت عقاقير نسيان الماضي بكل مافيه ،الا و هي الإرادة ..نسيان كل ماضيها ..ماعدا حياة ..
: ممكن نعدي على واحدة صاحبتي اودعها قبل ما اسافر ..؟
قالتها بنبرة مشبعة بالحزن ..ليكون رده حانيا مبتسما بجوار انفطار قلبه لما تشعر به  ..
: انتي تؤمري ..
ابتسمت له بامتنان ليقترب منها داعما إياها بقبلة فوق جبينها قائلا ..
: لو مش عاوزة تسافري بلاش يا سارة ..انا هبقى معاكي مكان ماتحبي ..
جميع خلايا قلبها تتوسلها البقاء ..لكن للعقل رأي آخر ..وباللغة الدارجة ..( ما عادش ينفع ) ..
: بالعكس انا محتاجة ابعد ..انا عاوزة كده ..
قالتها بشرود عازم وكأنها تخبر نفسها ..تجبرها ...
خرجا يركبان السيار سويا يحتضنها تحت ذراعه بأمان ..هي نجمه المدلل ..وهو يحتويها كمجرة ...
_______________
يطلق صفيرا متناغما مع تلك الموسيقى الكلاسكية المنبعثة من مشغل الصوت الخاص بسيارته ..وبين حين وآخر ينظر اليها بجانب عينيه وكأنه يذكرها بتلك اللحظة القريبة ..بينما هي تجلس جواره بالسيارة تكتف يديها امامها بغيظ ..ابتزها بأبشع صورة ممكنه ..ووحدها تراها الابشع، اما هو فلا ..
جانب آخر تكتشفه بشخصيته ..
نظرت حياة اليه بغضب ثم زفرت تنظر عبر نافذة السيارة بغيظ ..فقد اعطته موافقتها بسرعة البرق مع اول خطوة تقدمها نحوها بعد خلع قميصه ..هكذا دون تردد ..دون ادراك ..اندهشت تنظر امامها بقلق ..حين توقف بالسيارة امام مشفى ما ..
: في ايه ..؟ وقفت هنا ليه ..؟
صف السيارة يرد بكلمات قلائل ..
: انزلي ما تخافيش ..مافيش حاجة ..
فضل عدم ذكر خالها بجوار كلمة رصاصة في جملة واحدة لتجنب الكثير من الزهول والدموع والصدمات ..فعندما تراه امامها يتحدث سيكون الوضع اخف وطأة ..وحسنا فعل ..
ولجا سويا إلى داخل المشفى ..انقبض قلبها بشدة تمسك بذراعه برجاء تنظر إليه قائلة بنبرة على وشك البكاء ..
: قصي في ايه ؟ قولي عشان خاطري ..
التقط كفها بين قبضته بحنو ينظر إلى عينها يبث خلال نظراته اطئنانا ما قائلا ..
: اهدي ماتقلقيش ..تعالي معايا ..
تبعته بارتياب تتمنى داخلها الا يكون مكروها ما قد حدث ..وقفا سويا امام الغرفة ليفتحها قصي ويظهر منصور ممددا على السرير الخاص بالمشفى ..اتسعت عينيها بزهول والأخير يبتسم لها في اشارة مفادها انه بخير ..رفع يديه امام وجهها قائلا سريعا عندما لاحظ دموعها التي على وشك الهبوط ..
: ما تخافيش انا كويس ..
تقدمت إليه بخطوات متسارعة ..تحتضنه ناظرة إلى عينيه بتسائل ..
: خالو ،مالك في ايه ..؟ انت بتعمل ايه هنا ..؟
: ماتقلقيش يا حياة انا كويس والله ..دي رصاصة ..
: ايه ..؟
قاطعته بصرخة متسائلة ..مط فيها الواقف خلفها شفتيه يائسا ..حيث ها هي الصدمات والدموع ستنهمر لا محالة ..
اكملت مستفسرة بزهول باكي ..
: رصاصة؟ رصاصة ايه دي ..؟ازاي ده حصل ..؟
مررت نظراتها سريعا على جميع جسده مردفة ..
: وفين ..جات فين ؟
: ماتقلقيش يا حبيبتي والله بسيطة ..جت في رجلي .
تساقطت دموعها ألما عليه وبين كيف ومتى ولما، كان منصور يجيبها ..بينما هو خلفها يغزو داخله شعورا ما بالارتياح ..بالقصاص ..عندما تذكر ان احدى الرصاصتين سكنت قدم ناهد باستقرار تام ..هدأت قليلا ليلتفت إلى والده عندما تحدث قائلا..
: قصي ..في شغل لازم يتسلم في معاده ..انا هعتمد عليك انت وحياة ..وماتنسوش حفلة الشركة الاسبوع الجاي ..
توترت حركة عينيها ..ارتبكت حيث وعلى ما يبدو وجودها معه في مكان واحد يصيبه بمتلازمة خلع ملابسه .. تحدثت تعير افكارها السلام المؤقت قائلة ..
: ماما فين ؟
رد منصور يرجع ظهره إلى الوراء ..
: راحت تتطمن على يمنى ..
اتسعت عينيها بصدمة ..بينما هو غامت عينية بالحزن ..
: مالها يمنى ..؟
تنهد منصور بأسف يجيبها متجنبا بعض التفاصيل المرهقة لعقلها الصغير ..تلقائيا نظرت إلى قصي بحزن ، تعلم انها مقربة إليه واكثر من كونها اخت ..
_______________________________
دخلت إلى غرفتها يجتاع الغضب جميع حواسها ..لتتبعها والدتها تتحدث بعدم فهم
: ايه اللي حصل يابنتي ..؟ و سالم بيزعقلك ليه فهميني ؟
: ما عرفش حاجة ..انا نزلت على صوته اشوف في ايه لقيته زي ما شوفتي كده بيزعق فيا من غير سبب ..
قالت كلماتها بحدة دفعة واحدة ..لتحوقل فاطمة قائلة
: ايه اللي جرى بس ياربي ..دي عين وصابتنا ولا ايه ..انا لازم ابخر ..
قالت كلماتها تخرج من الغرفة لتجلس قمر فوق فراشها بحنق تسترجع ما حدث ليلة امس ..علها اغضبته ..
بينما يطرق بابها وتدخل منه (سعدية ) احب الخدم إليها وأصغرهم سنا ..دخلت متسللة تنظر خلفها بحذر ..تنظر قمر إليها باستغراب لما تفعله ..
: في ايه يا سعدية ..داخلة بتتسحبي كده ليه ..؟
اشارت لها بسبابتها نحو فمها ان تصمت ..اغلقت الباب تتجه نحوها قائلة بهمس ..
: عاوزة اقولك على حاجة مهمة ..
استقامت قمر تنظر اليها باهتمام ..لتردف سعدية وكأنها تفشي بأسرار حربية ..
: وانا معدية من جنب المكتب وداني وقعت مني على الباب شوية ..
نهرتها قمر قائلة ..
: انتي لسة ما بطلتيش الداء ده ..
: اسمعي بقى ده انتي هتشكريني دلوقت ..
انصتت لها قمر بإصغاء لتتحدث مكملة ..
: سمعت محسن بيه بيطلب ايدك من سالم بيه ..
وحتمت حديثها بنظرة فخر وكأنها استمعت لأسرار دولة ما ..اما هي اصتبها الوجوم ..تخبطت افكارها ..نصل حاد لايزال بطبيعته مغروزا بقلبها لكن وكأن احدهم ضغت فوقه لتشعر بألم العشق ..من الجنون بقائها هكذا دون زواج فكما تنص الحياة لا بد لها من بيت زوجية وهي بكل بساطة لا تريد ..لكن لابد ..
: انتي متأكده من اللي بتقوليه ده يا سعدية ..
: إيوة زي ما انا متأكدة اني شايفاكي دلوقت ..
تنهدت بحزن
: طب وبعدين ...ايه تللي خلى سالم يغضب ويطرده كده ؟
: ما اعرفش هو اول ما الراجل نطق بانه طالب يتجوزك ..وعينك ما تشوف الا النور ..نزل فيه ضرب وشتيمة من غير سبب ..بس بقول يمكن شايف فيه حاجة تعيبه وانه مش قد مقامك ..
اخذت تثرثر بكلمات لا تستمع اليها هي بالمرة ..حيث غرقت في البحث عن شيء واحد ..سبب غضبه؟..ما تعرفه ان ذاك الرجل لا تشوبه سمعته شائبة ..اجابات عدة واسباب ..واجابة واحدة تستنكرها تماما ..ودائما ما نستنكر الحقائق ..نستبعدها ..سالم يحبها كأخت له وهذا ما تراه ..لا تدرك ان حبها يسري بشراينه مقترنا بدمائه ...
_______________________
رابط الصداقة ..رباط له قدسيته لمن يدرك قيمة الصديق ..عناق حار ..بكاء ..ودموع  ..عندما لم تجد سارة احد منهم بالمنزل هاتفتهم فعلمت بوجودهم في المشفى ..تحدثت حياة تشد على عناقها بتشبث قائلة
: هتوحشيني أوي ..هتسافري ليه خليكي هنا ..
لم تخبرها بذلك الكابوس المميت الذي مرت هي به ..غضت الطرف عنه ،تناسته حيث هي ستبدأ حياتها مجددا بلا كوابيس .."فقط شبح واحد سيبقى " لن تستطيع نسيانه ..
: تغيير ..
قالتها بمرح زائف ..عيون مثقلة بالكثير من الآسى ..ونبرة تحمل هموما جوار حروفها ..
مسحت حياة عينيها تنظر إلى آدم بريب ..
: انتي متأكدة انه أخوكي ..؟
ضحكت سارة لسؤالها ثم تنهدت تنظر إليه بشرود تومأ مبتسمة ..
: متأكدة ..انا للحظة دي مش مصدقة ان ربنا بيحبني للدرجة دي يا حياة ..آدم ده رحمة ربنا عليا ..الدنيا طبطبت عليا بيه ..
: يعني لقيتي الطبطبة ..؟
تبادلا الضحكات سويا لتغمز لها سارة تشير إلى قصي واقفا على بعد منهما
: انتي لسة مالقتيهاش ؟ ..
تنهدت حياة تنظر إليه بيأس قائلة
: لسه ..انا بشوف معاه المرمطة بس ..
والأحاديث لا تنتهي .."نجد دائما لذة خاصة ..فريدة، في آواخر الأشياء المحببة لدينا "
استأذنت منها سارة بعدما اطمأنت على منصور مودعة اياه وحنان ..وذهبت حيث عالمها الجديد ..ستشرق الشمس بعوالم أخرى .. تاركة جانب ما من الكون رمادا ...
_________________
بعد مرور عدة أيام ...
جلست جوارهم وكأن جبلا ما يجثم فوق صدرها ..جدها وبعض اعمامها يتملقون بحديث زلق تعلم تماما عدم صدقه ..تتحدث فاطمة بترحيب رغم ضيقها الشديد من وجودهم بعد علمها بما كانوا يفعلوه بتلك المسكينة اللتي سكنت قلبها سريعا ..
: أهلا وسهلا ..نورتوا ..سالم نازل حالا
تحدث عوض يوجه إليها نظرات غامضة لاحظتها حور لكن لم تفقهها ..
: البيت منور بصحابة يا فاطمة يابنتي .. خليه ياخد راحته احنا ما بقيناش اغراب ..
: عن إذنكم ..
تركتهم وشيئا ما يلح عليها بالبقاء جوارها ..شيء مجهول الهوية وشعور لا يريدها تركها بمفردها معهم ..
بمجرد ذهابها اسرع احد اعمام حور بالجلوس جوارها ينظر حوله بحذر ..هامسا
: ها ..عملتي ايه ..جيبتي اللي قولنالك عليه ..؟
اذدردت حور ريقها بخوف ..تتلعثم وقلبها يكاد يلفظه صدرها من شدة خفقاته ..
: للل..لسه ..؟
قبض عمها على ذراعها بقسوة يتحدث من بين أسنانه بغضب
: هو ايه اللي لسه يابت انتي ..بقالك اكتر اسبوع معاه ومش عارفه تتصرفي ..يمين بالله يا حور ان ما نفذتي اللي بنقولك عليه لهعيشك سواد بقيت حياتك ..
دمعت عينيها ألما أثر شدة قبضته ..وصعوبة تنفيذ ما يطلبونه منها ..لتتحدث بعفوية مسرعة لتتخلص من قبضة يده الطاغية..
: غصب عني .. هو مش بيبات في البيت من ساعة ما اتجوزنا والله العظيم ..
تبادل النظرات ووالده ..نظرات لا يفقه معناها سواهما ..ليدفعها بعنف وينطق عوض ببطء وصوت رخيم ..
: من ليلة الفرح ولا بعدها ..؟
سؤاله يحمل مضمونا ما ويريد اجابة معينة هي بعيدة كل البعد عن ادراكها ..تحسست ذراعها دامعة تمسح عينيها كطفلة تجيبهم
: لا من ليلة الفرح ..
التمعت عينيه يبتسم ابتسامة جانبية ..يميل إلى جانبه هامسا لاحد ابنائه بشيء ما ليستقيم خارجا من المنزل بخطوات متسارعة ...
استمع إلى صوت خطوات سالم ينزل الدرج ليشير إليها بمسح دموعها وسريعا هي تطيع اوامره بقهر كما اعتادت دائما ...
_______________________
ينتظرها منذ ساعة تقريبا وكلما هاتفها تجيبه بعلامة الرد المسجلة ( انا خلاص نازله اهو ) ..واخيرا التمعت نجمته ظاهرة في تحدي واضح تضاهي نجوم السماء جمالا..نظر إليها بافتتان ..شارد الفكر عما حوله سواها ..يراها تخطو نحوه كأميرة هاربة من احدى حواديت الجدات ..تتألق بفستان أسود لامع وحجاب ذهبي اللون ..نزل من السيارة ونظراته معلقة بها ..حمحمت بإحراج لتحديقه بها وخفقاتها تدعي الجنون وتنكر نبضات عشقا ما تفضحه عيونها بكل رحابة ..
: اسفة ..اتأخرت عليك ..
لم يرد ..فقط ينظر لها بتمعن ..رفعت نظرتها إليه قائلة
: ايه مش هنمشي ..؟
تنهد ينظر بجانبه ثم التفت يفتح لها باب السيارة لتركب مبتسمة بسعادة ..ركب جوارها يدير محرك السيارة ولا إراديا نظرته لا تحيد عنها ..
: هو مافيش مأذون قريب من هنا ..؟
توردت وجنتاها تحاول كبح جماح ابتسامتها بفشل ..لتنظر إلى الخارج عبر النافذة ..وسريعا تندثر ناظرة إليه بعيون متسعة بزهول عندما اردفف وهو يحررك السيارة ..
: واحد صاحبي عايز يطلق مراته ..
جرعة من السعادة كادت تصل إلى حد النشوة بحواسها ..لتهبط مجددا بخيبة أمل فادحة ...ويبتسم العاشق خفية بنظرة خاطفة تمنى لو أراد مداراتها عن العالم بأكمله فقط بين جفنيه ...
______________________
على الجانب الآخر ..يسوق السيارة متذمرا بملامح حانقه ..ينظر إلى تلك الصغيرة جواره بيأس ..
: كان لازم يعني البيبي سيتر تعتذر في يوم الحفلة ..
نظرت إليه تلاعب جروها الصغير تضغط على شفتيها كاتمة ضحكتها ببرائة مشاكسة ..
: انا وعدتك يابابي مش هروح في حته وهفضل جنبك انا بيكسي ..
زفر ينظر إلى بيكسي بامتعاض ،حيث أصرت ابنته على شراء حلة سوداء بربطة عنق فضية .."للكلب" ..معللة ( لازم بيكسي يلبس بدلة زيك يا بابي ) فاليوم حفل ضخم لمجموعة شركات لها مقامها الاول وكانت شركته من ضمنهم ..ومن ضمن المدعوين كلب ابنته ..
: هتقعدي مكان ما اقعدك ما تتحركيش يا حياة ..والا هزعل اوي منك وهخاصمك ..
رفت الصغيرة الكلب باتجاهه قائلة ببرائة عفوية
: انا هسمع الكلام ..بيكسي هو اللي بيجري ويسيبني ..قوله انك هتخاصمه لو سابني وجري ..
نظر إليها بتعابير وجه عير مقرؤه سرعان ما علت ضحكاته يوجهه تعليماته لبيكسي كما ارادت ...
_________________________
ولج اسماعيل إلى المنزل يترائي إليه جلوسها منكسة الرأس يبدو على ما يظهر من معالم وجهها الحزن ..او شيء اعمق لا يفقه ..بمجرد دخوله يلقي السلام عليهم باقتضاب ..تسارعت خفقاتها تنظر إليه وكأنه البرد والسلام الذي يكاد يطفئ جحيمية تلك الجلسة فوق قلبها ..بنبرة غامضة قال عوض ..
: اهلا يا زينة الرجال ..
مرر نظره بينهم ببرود يجيب
: اهلا بيك ..نورتوا ..
ما كاد يجلس جوارها وقد شعرت انها تحتمي به ..حتى دخل عمها الاصغر الذي خرج منذ قليل يتبعه غفير العمدة قائلا ..
: العمدة جاي ورايا حالا ..
تبادل اسماعيل وسالم نظرات الاستغراب ..ما الذي يستدعي وجود العمدة في منزلهم الآن ..اشار اسماعيل اليها برأسه ان تنهض حيث المجلس سيزوره غرباء ..همت بالنهوض ليهتف عوض بما جعلها تفقد القدرة على التنفس ..تتجمد اطرافها و ترتخي في آن واحد ..
: لااا ..لازمن تبقى موجودة وحاضره اللكلام ..
ضيق اسماعيل ما بين حاجبيه بضيق يتحدث غاضبا ..
: كلام ايه ..؟كلام ايه اللي هتحضروا مراتي في قاعدة رجالة ؟
ابتسم عوض باستهزاء ساخر  ..
: مراتك ..ولما هي مراتك سايب بيتك ليه من ليلة الفرح ياولدي ..؟ ..
اتسعت عيني سالم غضبا .. اما هو فنظر اليها نظرة قاتمة ..معتمة ، تكاد تجزم ان سواد عينيه طغى على بياضها ..ارتعبت .. ترتجف ساقيها خوفا ..مررت نظرها بينهم بهلع ..تخمن بأفكارها ..لمن سيكون السوط هذه المرة .. وكل ما تتمناه ان لا تكون قبضته هي الحاملة للسوط ..
: هو حر ..
نطق بها سالم بنبرة غامضة رغم حدة حروفها ..عندما لمح نظرة ترقب متلهفة لشيء ما بعيني عوض ..وحتما ذلك الشيء سوء لهم ..
: هي مراته وده بيته يعمل اللي على كيفه هو حر  ..
نظر إلى عينيه بتحدي مغلف بشرارات غضبه المكبوت اللتي لم تستطيع نظراته كبح جماح تناثرها ..
دخل في ذلك الوقت العمدة ..جلس يلقى التحية ثم وجه حديثه إلى عوض
: خير يا عوض ايه هي المشكلة اللي بعتلي عشانها ..
هم ليتحدث ليقاطعه سالم بنبرة قوية قائلا وقد لم الآن بما في نفس عوض
: اقولك انا ايه المشكلة ..
نظر إلى عوض بمهانة مردفا
: المشكلة ياحضرة العمدة ان عوض وولاده ما عرفوش يربوا حريمهم صح ..ولا يعلموهم ازاي ما يطلعوش اسرار بيوتهم لأي حد ايا كان ..
شهقت هي تتساقط دموعها واحدة تلو الأخرى وقد أدركت ان ضربات السوط اهون مما تشعر به الآن ..اما عنه فهناك بداخله حرب ..ثورة .. فلو كان احد آخر غير أخيه هو من تفوه بذلك الكلام لما كانت لأنفاسه الدخول مرة أخرى إلى جسده ..اشار لها مرة ثانية بمغادرة المجلس ..تسارعت بخطواتها مغادرة ليبتر تلك الخطوات المرتجفه صوت صارم
: اقفي عندك ..
كان صوت سالم ..تجمدت بمكانها وقد ذهبت انفاسها ادراج الرياح ..
إلى هذا الحد وكفى لن يستطيع الصبر اكثر ..دمعانها وارتجافها خوفا يؤلمه ..اراد لو احرق جميعهم والابتعاد بها فقط مطمئنا اياها ..رغم غضبه الشديد منها ..بصوت جهوري نادا سالم
: سعدية ..
اتت الخادمة مهرولة ليكمل
: اطلعي لمي هدوم مرات اخويا ..هتروح مع اعمامها وجدها ..اللي ما تصونش سر بيتها مالهاش مكان عندنا ..
الآن هي بين المطرقة والسندان ..تكاد تموت من فرط الخوف ..تتمنى لوفقط ترحم تلك الأرض بها وتنشق صلابتها لتبتلعها وستكون رحيمة عن تلك القلوب المتحجرة .. وتأتيها الرحمة غاضبة معنفة لسالم ..
: جرى ايه يا سالم ،حور لساها عيلة ..مالقيتش اللي يوجهها ويوعيها ..غلطت اه لكن مش معنى كده يبقى خلاص ونخرب البيت ، نفهمها غلطها ولو اتكرر تاني يبقى لينا الحق بعد كده ..لكن ماتحسبهاش على غلطة مش مقصودة ..بالهداوة يا ولدي مش اكده ..
لفظت فاطمة بتلك الكلمات وفكرة تأصلت بداخلها" لن تتركها بين يدي هؤلاء زوات القلوب عديمة الرحمة ابدا" بعدما رأت من تشوهات بجسد تلك المسكينة ..هتف زاعقا وكأنها لم تقل شيئا
: سعدية ..همي نفذي اللي قولتلك عليه ..
نظر عوض إلى ولده بتوتر عندما شعر ان كل ما خطط له سيضيع هبائا ..
:  حور مش هتمشي  ..
التفت الجميع يتظرون إليه ..ليردف
: بعد إزنك يا اخوي كلامك فوق راسي ..مراتي غلطت وانا بس اللي احاسبها مش اي حد تاني ..
قالها باشتعال مكبوت ليتقدمهم جميعا يقبض على ذراعها صاعدا الدرج ، تتبعه وعينيها معلقة بجانب وجهه بزهول ..غارقة هي تختنق والموت محقق ..وهو ضفة النهر الآمنه ..والمنقذ الشجاع..والحبيب المنتظر نجاتها على تلك الضفة ..هو جميعهم ..فليفعل بعد ذلك ما يشاء ..وصل أمام باب الغرفة ليتحدث من بين أسنانه ناظرا إليها بغضب مشتعل ..تحترق حروفه جوار نبرته ..
: اذا كان أهلك ماعرفوش يربوكي ..فانا هوريكي التربية تبقى ازاي  ..
هكذا فقط ثم دفعها إلى داخل الغرفة مغلقا عليها الباب بالمفتاح ..عائدا اليهم مرة أخرى ..
تحدث العمدة قائلا ينهر عوض بنظرات محتقرة ..
: انت كمان باعت تجيبني وانت المحقوق ..كيف ياعوض يطلع منك الكلام الماسخ ده ..ده انت راجل كبير وعاقل ..لو طلع من عيالك هنقول معلش ..
هو يتنفس الصعداء لما حدث فلينهره الجميع وسيتحمل ..فقط لتبقى حور ها هنا لتنفيذ ما خطط له ..جلس سالم يصك اسنانه غيظا ..لما فعله اخيه من معارضة لأوامره ، ..تحمد الله فاطمة بداخلها لتصرف اسماعيل رغم غضبه البادي لكنها لن تسمح له بمساسها بسوء ...
_____________________________
اضواء متراقصة ..ونغمات كلاسكية هادئة ..تحتضن الصغيرة جروها بملل تذكره كلما حاول القفز من بين يديها بتعاليم والدها بصوت عال تقصد به الوصول إلى مسامعه..
: بابا هيخاصمك يا بيكسي لو نزلت ..
ثم تدنو نحو اذنيه تهمس قائلة ..
: اصبر لما يبعد شوية وننزل انا وانت ..بعدين نبقى نصالحه ..
~~~~~~
وعلى جانب آخر من الحفل ..تجلس هي بملل مشابه حيث امر صارم ومتحكم منه ..بعدم مشاركتها وسط رجال الاعمال ونخبة من المتملقين الذين يتوددون إليها بحديث لزج، ..ارادت الذهاب إلى الحمام فنهضت تتجه إلى آخر القاعة لتسأل عن مكانه فدلها احد القائمين على الحفل ..انتهت من ترتيب هيئتها واعادة هندام فستانها وخرجت لتصتدم بجرو صغير هيئته مؤلوفة لديها ..سريعا عرفته عندما لمحت تلك الطفلة تركض خلفه بمرح ..
: حياة ..
هتفت بها تنادي الطفلة الصغير لتتوقف حياة الصغيرة للثوان تنظر إليها بتذكر سرعان ما ركضت تحتضنها مقبلة وجنتها حين دنت حياة إلى مستواها
: انتي هنا بتعملي ايه ؟ ..اوعي تقولي ان بيكسي جري وانتي جريتي وراه وبابا تاه منك تاني ؟
: واضح انك عارفاها هي واستاذ بيكسي كويس ..
قالها علاء بمرح ينظر إليهما بزهول ملتقطا الجرو الصغير من الأرض ..استقامت حياة سريعا لتتولى حياة الصغيرة مهمة التعارف قائلة بلهفة وكلمات متسارعة تتشبث ببنطال ابيها مبتسمة بسعادة  ..
: بابي بابي دي طنط حياة الطيبة اللي مامتها صاحبة ماما في الجنة هي دي ..
نظر اليها بصدمة يذدرد ريقه بحرج عندما هتفت الصغيرة
:اللي اخدها عمو الشرير بعد ما ضربك ووقعك في الارض ..
حمحمت حياة باحراج تنظر حولها بينما الصغيرة بنظرة زهول متسائلة التفتت اليها قائلة
: صحيح انتي هربتي منه ازاي ..قتلتيه وجيتي الحفلة صح ؟
بنبرة مؤنبة هتف والدها
: حياة ..
التفتا له سويا ليرتبك قائلا
: انا متأسف جدا للي حصل المرة اللي فاتت ،حياة شرحتلي الموقف ..حقيقي كان سؤ تفاهم مني ..والموقف ما ساعدنيش افهمه ..
عبثت حياة بشعر الصغيرة تشعر بالتوتر ولا تدري لما شعورا ما يجتاحها بالخوف من ان يراها قصي بتلك اللحظة ..
: لا ابدا انا عذره حضرتك اكيد اي اب في موقفك كان هيعمل كده ..
نظرت أرضا بحرج مردفة ..
: انا اللي بتأسف جدا ليك ولحياة على اللي حصل وزي ما حضرتك قولت كان سوء تفاهم ..
مد يديه نحوها يقدم نفسه قائلا ..
: لا ابدا حصل خير ..باشمهندس علاء الحسيني ..
نظرت ارضا تهم بالاعتذار عن السلام ..و قبل ان تنطق بحرف واحد ..رفعت نظراتها إليه فإذا بحائط جداري يتصلب امامها يحجب عنها الرؤية ..ظهر شخص ما لم تدرك انه هو إلا عندما ابتعدت خطوة للوراء وصوت الصغيرة يهتف برقة وصدمة تنظر إليها..
: عمو الشرير ..؟ انتي ما قتلتيهوش ..؟
فقط لو تصمت تلك الثرثارة .. والا سيزداد الامر سؤا ..هكذا حدثت نفسها بخوف ..بينما عيون صقرية ..وقبضة يد فولاذية ظاهرها سلام وباطنها يسحق كف يد علاء الممدود اليها منذ قليل ..نظر اليه علاء ببرود يفرد قبضة يديه بدوره ليشد بها على يده مثلما يفعل ..يتبادلان نظرات التحدي لتتحدث حياة واقفة امامهم قائلة بتوتر وابتسامة مرتعشة ..
: ده باش مهندس علاء ياقصي والد حياة .. قصي ابن خالي ..
تحاول جعله امر عادي ..وصمتت يهرب منها الكلام من شدة ارتباكها ..حدجها بنظرة حادة غاضبة ..ليتحدث الآخر قائلا باقتضاب
: اهلا وسهلا ..
: اهلا ..
هتف بها قصي وكأنه يبصق بصقة ما ..ثم وجه نظرته اليها مرة ثانية مردفا
: استانيني في العربية ..
سئمت من تلك الطريقة اللتي يعاملها بها فذهبت بخطوات  غاضبة تنفذ امره على مضض ..
بينما وقف كلا منهم قبالة الآخر ليتحدث قصي بمعالم وجه جامدة قائلا بتسائل لم يفقه الآخر مبتغاه ..
: مش غريبة نتقابل مرتين صدفة ..؟
مط علاء شفتيه بابتسامة صفراء مضيقا عينيه قائلا
: ده القدر ..الصدفة لما بتتكرر بتبقى قدر ..
لا يستسيغ كلماته ..او بالأحرى لا يستسيغه كليا ..علم من هويته الخاصة انه مهندس معماري لشركة صغيرة ..اي لا وجود للخطر من ناحيته ابدا .."لكنه لا يستسيغه"
ابتسم قصي بجمود ابتسامة قاسية قائلا عن قصد
: صدفة سعيدة يا بشمهندش ..ياريت ما تتكررش تاني ..
ثم تركه  بنظرات صادمة مما قاله ذاهبا إلى خارج الفندق ..وسرال واحد يدور داخله ..كيف لفتاة بهذه الرقة والنقاء الطاغي ..ان تتعامل مع من بمثل وقاحته ..؟
~~~~~~~
بينما خارجا جلست بداخل السيارة غاضبة من تصرفه تجاهها يعاملها وكأنها طفلة كل ما عليها ان نطيع أوامره ..تفاجأت بطرق رقيق فوق زجاج السيارة والصغير تبتسم لها بسعادة ..استغلت انشغال والدها و"الشرير" لتتسلل إلى الخارج حيث امر هام للغاية ..فتحت الباب نازلة من السيارة تقبل الصغيرة ..
: ايه اللي خرجك لازم نفضل جمب بابا عشان مايتوهش تاني ..
: هقولك حاجة صغننة وهدخل ..
ابتسمت حياة تومأ لها إيجابا وكم احبتها ..ارتسمت معالم الحزن على ملامح الصغيرة قائلة
: ممكن تخلي مامتك تقول لمامتي انها وحشتني اوي ..وتخليها تيجي تلعب معايا زي الاول في الحلم ..بقالها ايام كتير مش شوفتها ..
اندثرت ابتسامتها تجذب الصغيرة في عناق عميق تدمع عينيها سريعا ..خرجت الصغيرة من احضانها تسألها برجاء
: هتقوليلها ..؟
اومأت لها تمسح دموعها المتساقطة
: حاضر ..هقولها ..
قبلتها قبلة رقيقة فوق وجنتها ثم شكرتها تكض ذاهبة إلى الداخل مرة أخرى ..استقامت حياة تنظر إليها بحزن ..قد اعادت لها تلك الصغيرة ذكرى لحظات سعيدة كانت تقضيها برفقة والدتها ..تفاجأت بها تأتي إليها مرة أخرى قائلة بجد واهتمام ..
: انا هعرف ازاي لما تقوليلها ؟..انا مش عارفة مكان بيتك عشان اجيلك ..ولا انتي تعرفي بيتنا ..
تصنعت حياة التفكير ثم وكأنها وجدت فكرة ما قائلة تخرج من السيارة ورقة صغيرة وقلم ..
: امممم ..بس ،لقيتها ..خدي رقمي خليه معاكي ووقت ما تحبي نكلميني هتلاقيني رديت عليكي على طول ..
قفزت الصغيرة تسفق بفرح تأخذ منها تلك الورقة ..القت بنفسها داخل احضانها بسعادة وكأنها تشكرها ..وفي تلك اللحظة خرج هو ينظر إليهما بضيق ..لاحظته حياة لتهمس للصغيرة بالدخول ومهاتفتها في وقت لاحق ..ثم ركبت السيارة بمعالم وجه جامدة تعبيرا عن غضبها منه ..ركب هو جوارها ينظر إليها نظرات غير مقروءه ..ثم حرك السيارة مغادرا دون كلمة واحدة ..ليعم الصمت بينهم حتى وصولهم ..نزلت من السيارة بغضب وهو لم يلحق بها ..بل حدق بهاتفه عندما رن يعلن عن استقبال رسالة ما من رقم مجهول ..نصها احكم قضبان العشق حولها ..نصها ..بمثابة دعوة لدخول الجحيم .. حكم عليها بالمنفى  ..هناك حيث قلب الجبل .. حيث الظلام ...
( حياتك بين ايديا ) ...
______________________
خرج عوض  ومن معه من المنزل ليزفر ولده بارتياح قائلا
: كل حاجة كانت هتضيع في ثانية ..شوفت فاطمة كيف بتدافع عنها ..تفتكر عرفت حاجة ..
ضيق عوض عينيه اللتي يحولها تشقق جاف آثر تقدم سنوات عمره قائلا بسخرية يلفها الحسرة و ذكرى وفاة ولده على يد سالم تجول بخاطره ..
: لا ..هي طول عمرها حقانيه ..ما افتكرش انها عرفت حاجة ..
ثم نظر إليه قائلا بغموض وقد شرد قليلا
: لو عرفت الحقيقة ماكناش خرجنا من عنديهم على رجلينا ..لو انكشف المستور هتقيد النار من تاني ..ولابد من كشفه ..لاجل ما اطفي ناري القايدة بحرقهم ..
قالها بحقد سوداوي ..زفر ولده بنفاذ صبر ..ليعودا ادراجهما بخف حنين ..لا يدرك ان تلك النيران سينال منها مايستحق ...
__________________
البعض منا وسيلة ..و الشيطان فكرة ..و الفكرة لا تموت ..مادامت الوسائل على قيد الحياة ...
مدداها على ذلك السرير الحديدي ..بعجز تام صكت اسنانها غيظا ..لايمكن ان ينتهي بها المطاف إلى هنا ..هناك بجعبتها الكثير ..تلك النهاية المخزية لا تليق بها ..تشعر بالعار ..بالقهر كون مجرد ممرضتين يحملانها من كل جانب كي تتمدد فقط ..عينيها متأهبة في اقتناص تام لأحدهم ..احدى الممرضات التي رأتها تسرق خلسة احد الأدوية باهظة الثمن ..ابتسمت بشيطانية ..تلك هي الوسيلة المناسبة لفكرتها ..والشيطان هنا يقترح النجاة على هيئة   " تبديل الأدوار "
: عندي ليكي صفقة ما تتعوضش ..تبقى غبية لو ضيعتيها من ايدك ..
قالتها ناهد تلتمع حدقتيها بحماس داكن ..تقف امامها الممرضة تلوك علكة ما بفمها بشكل مقزز قائلة تنظر حولها بحزر
: صفقة ايه يااختي ده انتي مقبوض عليكي وتقريبا محكوم عليكي بالاعدام يعني مافيش منك منفعة ياحسرة ..
ابتسمت ابتسامة جانبية ..لن تنال المشنقة ..ذلك الحبل القاسي لا يناسبها ..يليق أكثر برقاب الساذجون ..يناسب حنان ..نسختها ..بهمس شيطاني ردت
: اسمعيني كويس ومش هتندمي ..مش هتحتاجي اكتر من ازازة ماية نار صغيرة ..هترشيها على واحدة في مكان معين ..انتي ..او تجيبي حد ينفذ ..براحتك ..المهم تكوني واثقة فيه ..وبعد التنفيذ هيبقى في ايدك 50 الف جنيه ، مبلغ مش قليل هيخليكي تبطلي سرقة الدوا لحسابك ..قولتي إيه ..؟
بزهول لا تسمع سوى تردد عدد المبلغ ، وعينين متسعتين ولعاب قذر يسيل بمجرد تخيل مبلغ كبير كهذا بالنسبة لها ..
: 50 الف جنيه ..؟
رمشت بأهدابها المكحلة بشكل مبالغ فيه تفكر قائلة ..
: مواقفة بس اخد الفلوس الاول ..
اتسعت ابتسامتها اكثر تومأ لها بالموافقة .. اقتربت منها الممرضة تسئلها..
: تبقى مين تعيسة الحظ اللي عايزة تشوهيها دي بقى ؟
اتسعت عينيها لآخرهما بزهول وصدمة عندما ردت ناهد قائلة بعيون مشتعلة ونبرة مستمتعة ..
: انا ..
: انتي مخك لسع ياست ولا ايه ..؟عايزة تشوهي نفسك ..؟
ردت ناهد قائلة
: هفهمك كل حاجة ..
ثم كشفت عن خلف رقبتها ليظهر الاختلاف الوحيد بينها وبين توأمها ..تلك الشامة اللتي تراها ما يفرق بينهم ..بينما الاختلاف بينهم مجرة ..اردفت تندثر ابتسامتها قائلة
: الاول عاوزاكي تخفيلي دي بنفس المادة ..
نظرات زهول من الممرضة القتها عليها بتعجب ..بينما اخذت تلبي اوامرها ..ففي النهاية ستحصل على ذلك مبلغ الكبير...
________________________
بعد مشادات كلامية شائكة بينه وبين اخيه ادت إلى خروجه من المنزل مندفعا بغضب .. بينما جلس هو وحده بمكتبه لوقت متأخر ..استقام بتعب يصعد إلى غرفته ..واثناء مروره توقفت قدما اما باب غرفتها ..يتنهد بغضب مما حدث منذ أيام ..ادرك الآن انه يريدها بكل جوارحه ومشاعره ..لم يكن يدرك مقدار عشقه لها وقد ادرك ..فالغيرة  هي نار على علم ..هي احدى علامات الحرب ..والحب ..استمع إلى حركة بداخل غرفتها فعلم انها مستيقظة ..بدون إدراك طرق الباب ..لتفتحه بعد لحظات وتتفاجئ بوجوده ..وذلك النابض بيسارها اخذ يخفق بجنون ..خفقاته تلعن عشقا يدميه حد الموت ..
: خير ياسالم في حاجة ..؟
قالت كلماتها بجفاء كاذب ..ورد هو بكلمة واحدة ..نظر إلى عينيها مباشرة بكل احتياج ..اشتياق ..لوعة ..
: تتجوزيني ياقمر ..
اذدردت ريقها وقلبها الآن لا تعد لخفقاته نبضا ..اتسعت عينيها باتساع طفيف ..مشاعر مضطربة ..متفاجئة ..خمنت انه فاقد لوعيه او ما شابة .. بارتباك اجابت متلعثمة ..
: سالم ..ااا ..انت تعبان ..فيك حاجة ..؟
اومأ ببطء تخترق نظرات عشقة عينيها ..يرد بجد من اعماق قلبه
: انا بحبك يا قمر ..
وضعت يديها على شفتيها تكتم شهقة قاتلة ..قلبها المحترق الآن ازدادت نيرانه اكثر ..غامت عيونها بقوة تنهمر منها العبرات متتالية ..لا تصدق ما تسمعه بإذنيها منه ..ما يطلبه لا يمكن حدوثه ..ولا حتى بأحلامها ..مسحت دموعها امام نظراته المتعجبة ينتظر ردا ..رفعت رأسها بشموخ تنفي بها ببطء قائلة ..
: لاء ..
المقصلة إحدى وجوه العشق ..وبعض القلوب تستحقها ..
انقلبت عينيه بنظرات شرسة..مظلمة ..يتحدث من خلال قلبه القابع ببراكين العشق الآن ..
: ليه ..؟ في حد تاني في حياتك ..
ضغطت على شفتيها بألم تغمض عينيها ثم تفتحه قائلة بحزن ونبرة باكية ..
: انا مفيش في حياتي غيرك ..طول عمري وانا بتمنى صوتي يرجع بس عشان اقولك اللي في قلبي ..قلبي اللي انت موته ألف مرة باللي عملته ..
نظر بزهول اليها يلهث بضعف ..لتردف
: صوتي رجع بس يوم فرحك ياسالم  ..رجع وانا باخد الرصاصة مكانك هنا ..
أشارت إلى قلبها ..
: وانا بموت بين ايديك وماكنتش عايزة حاجة تاني اكتر من انك تكون آخر حاجة اشوفه ،اقفل عنيا عن الدنيا عليك ..زي ما فتحتها عليك وتحت جناحك ..
تلقى كلماتها على قلبه كالصواعق ..كالقذائف المتفجرة ،تتساقط دموعها بحرقة وبكاء حار ..اكملت بانفعال تشير إلى قلبها بعنف
: لحد ما فتحتها على كابوس اني لسه عايشة ..لسه ده هيتوجع تاني ..لسه هيتحمل نار قايدة ما بتطفيش كل ما هشوفك مع بنت عمي اللي انقذتني من الموت ..واللي خدتها غصب عشان الفلوس و الورث ..عرفت ليه لاء ..؟
وتحت المقصلة ..قبل الموت بلحظات ..يكتشف قلبه جميع الحقائق ..نظر إليها بزهول لم يكن يتخيل انها تعيش كل ذلك العذاب وهو غافل عنها ..صغيرته وساكنة قلبه ..تتألم كل ذلك الألم وهو غافل لا يدرك ..
اختطفها ..في عناق لا هوية له ..فاقد قلبه وقلبها جميع الهويات ولا يعترف بغير الحب هوية في تلك اللحظة ..اغمضت عينيها بألم تبكي فوق صدره تستمع لخفقات قلبه وكم تمنت ذلك كثيرا ..اخذت تهمس من بين دموعها وقد اكتفت باستماع أذنيها لنبضات عشقه ..
: ما عادش ينفع ..خلاص يا سالم ما عدش ينفع ..صعبتها قوي يا ابن عمي ..انا عمري ما هبقى ليك يا سالم ..
إلى هنا وتحولت طاقة العشق إلى الغضب ..اخرجها من احضانه يهزها بعنف متحدثا بانفعال ملتهب مدمج بملكيته لها ..
: انتي مش لحد غيري ياقمر ..انتي فاهمة ؟..ما فيش قوة  هتمنعني عنك بعد انهاردة ..
: انا همنعك ..وابقى خدني غصب لو قدرت ..لكن بالرضى مش هيحصل ..
حدجها بنظرات بركانية وقبل ان يهم بالرد ..استمع إلى صراخ أحدهم مستغيثا يهرول إلى داخل المنزل ..
: ياسالم بييييه ..يا سالم بييييه ..الحقنا يا سالم بيه ..بيتنا اتخرب ..حريقة ..حريقه ..
نزل الدرج راكضا ليخر الرجل ارضا بمجرد ان رآه يولول باكيا ..
: الحقنا يا سالم بيه بيوتنا اتخربت ..المخازن اتحرقت باللي فيها ...
وازت كلماته دخول اسماعيل لينتفضا سويا يركضان نحو النيران ...
____________________________
اشرق الصبح بدون شروق ..نيران حارقة جعلت ظلام الليل نهار ..دخان متصاعد فوق اللهبة النيران بقتامة واقعية تناسب نفوس احدهم مبتسما بشماته.. شظايا هنا ورمادا هناك ..وكل شيء متفحم بلا استثناء ..بعض النساء تصيح مولولة والاخريات يلطمن وجوههن  ..والآسى يملئ وجوه الرجال ..وبعضهم تدمع عينيه بحزن ..حيث قطعت ارزاقهم وعليه السداد ..وقفت قوات الاطفاء برفقة قوات الشرطة ..وهو واخيه من بينهم تتجسد الحسرة بنظراتهم ..والفاعل مجهول ...
~~~~~~~~~~
والمجهول يقف بسيارته في مكان نائي بعيدا عن الأنظار بانتظار احدهم .. من بين الغيطان الكثيفة ظهر رجل ملثما ينظر حوله بحذر ..لينزل المجهول مفتعل الحريق من سيارته لمقابلته ..وبمكان آخر أكثر رقيا قد يكون المجهو طبيبا ..وربما عاشقا ...
نزل حمزة من سيارته يتحدث إلى ذلك الملثم قائلا
: عملت ايه ..؟
: كله تمام يا باشا ..المخازن بالمحصول جم على الأرض ..
: متأكد ..
: بيته اتخرب يا باشا ..
ليست الشياطين فقط من تحرق ..العشّاق ايضا يفعلون  ..فلينالوا شظية مما شعر به يوما ..اومأ إليه يخرج من سيارته حقيبة نقود متوسطة الحجم ..والرجل يفرك بين يديه بلهفة متحمسا ..يأخذ الحقيبة من بين يديها ليغرق مرة أخرى في بحر الغيظان الأخضر ..وينطلق ذو القلب المحترق بسيارته عائدا نحو كونه طبيب ..طبيب لا يزال عاشقا ...
__________________________
صباح معطر برائحة الموت ..
خطت خارجة من مكتب مدير المشفى بخيلاء حيث هي قدمت استقالة ابدية ،فلن تحتاج إلى ذلك العمل الشاق والمرهق الذي يدر عليها بقلائل النقود ..هي بصدد ثروة قدرها 50 الف جنيها ..اما عن القيمة ..الجوهر في تلك المهنة ..هي لا تعلم بوجود تلكا المصطلحين من الاساس ..اليوم ستستلم كل التعليمات الخاصة بالصفقة ..مكان المهمة ..اسم السيدة التي ستشوه الجزء المقصود منها ..والأهم طريقةةأخذ النقود ..اتجهت نحو غرفتها ذات الحراسة ..مرت خلال سيرها بعمال يتكبدون تعبا في اصلاح مصعد المشفى المتهالك .. لتنظر إليهم بسخرية ومهانه ولسان حالها يقول .(.لا تأتي الفرص للجميع ..كم هي محظوظة)
وفجأة انطلقت صافرات الانذار من جميع الاتجاهات.. ومضات نور تنطفأ وتشتعل والجميع بين صراخ وركض وهرولة
: حريقاااااه ..حريقاااااه

حريق هائل اثر ماس كهربائي ..والمشفى تحترق ...
كل ينجو بحياته ..وهي وحدها بغرفتها المغلقة ..تصرخ بأعلى صوتها ولا يلبي احد صراخها ..ابتسمت ..حيث الشيطان يملي عليها قوانينه ..يدفعها نحو مايليق بها ..اخذت تتحامل على قدم واحدة حتى وصلت إلى ذلك الكرسي المتحرك بنهاية الغرفة ..سريعا دفعته بيد واحدة حيث الأخرى مصابة ..وفرصة نحو الفرار ..نحو ما تستحق تماما ..فتحت باب الغرفة والحماس يملئ عينيها ..لا وجود للحراسة ..فروا بحياتهم ..خرجت تدفع بالكرسي ولا تسعفها يد واحدة بين ذلك الجمع الغفير الراكض ..جميعهم ينزلون الدرج ..ولا احد يستخدم المصعد ..والمصعد على بعد امتار في رواق خاص لا يوجد به أحد ..والباب مفتوح ..بجنون ترى الهروب محقق ودرب الانتقام لم ينتهي بعد ..ذاك الكثير بجعبتها سيلقى حتفه ..بكل قوة دفعت نفسها بداخل المصعد ..صراخ لم يسمع ..وسقوط ..حيث لا وجود لكابينه المصعد ..والماس الكهربائي ..الحريق ..بأسفل البئر الخاص به ..والشيطان يقف في احد الاركان المشتعلة ضاحكا بانتصار.. يشاهد خسارتها ..سقوطها في نيران اخرى اشد واقوى  ..في معركة هو خاسر بنهايتها لا محالة ..فقط لو كان يدرك ....

أحيت قلب الجبل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن