الفصل الاربعون

600 31 0
                                    

هو يجيد الإنتظار ..التمهل ..بارع في اقتناص ثغرات الغير ..في عرف الحرب هو القائد الذي لا يفضل الهجوم ..ولا ينتظر حتى وقت الدفاع .. هو فقط يلتقط انفعال العدو ..شغف الانتصار بعينيه .. استمالته إلى اظهار منهاج نصره .. ثم ابتسامة ماكرة و يبدأ بالمواجهة ...
دخل الى المنزل بخطوات ثابتة روتينية ..الهدوء يعم المكان ..وضع حقيبة عمله على سطح طاولة ما بالجوار برفقة أشيائه الخاصة يبحث عنها بعينيه ..
: يمنى ..؟
ناداها يقينا بلا شك من انها تسمعه ..ولا جواب ..أجازت افكاره وجودها بغرفتها ..صعد الدرج المؤدي اليها ..بخطوات ثابته ..واحدة تلو الأخرى ..مشى الرواق الخاص بغرفتها .. خطوات ثابته كانت بمثابة عد تنازلي لتوقف خفقاتها العنيفة ..ترتجف تحت غطاء فراشها .. تغطي جسدها بالكامل ..بشرتها شاحبة اللون وكأن احدهم أحدهم سلب دمائها من العروق..تكتم بيديها شهقات بكائها بذعر ..ومع اقتراب صوت خطواته ببطء مرعب ..توقفت انفاسها .. طرقة هادئة على باب غرفتها تبعها فتحه ..
: يمنى ..؟
كانت اهدأ من الأولى وأرق ..واكثر رعبا ...اقترب منها يكشف الغطاء عن رأسها ..بمعجزة استطاعت تصنع النوم .. ابتسم بحنو يميل مقبلا جبينها ..وكانت لإمالته  وقبلته أثر الجاثوم  ..انتفضت بفزع جالسه دفعة واحده .. وقد لاحظ هو تعرقها الشديد وتصلب عضلات وجهها فنظر لها بتعجب قلق يتحدث سريعا ..
: مالك يا حبيبتي  ..؟ اهدي ؟
صدى صوت شيطان ما يهمس الآن قرب أذنيها مذكرا اياها ببعض تعليماته ..وربما شيطانة ..لتذدرد ريقها تجيبه كاذبة وقد رأت نصف النجاة بكذبتها .. ويحتمل حديثها الصدق ايضا
: ک ک كابوس .. كابوس يا أبى ..
قالتها بارتباك تجوب عينيها ملامحه برعب لم يخفى عليه ..جلس جوارها جاذبا اياها بيد واحدة نحو صدره والأخرى يربت بها على وجنتها برفق يحاول تهدئتها ..
: اهدي ..انا جانبك ..
قالها بدفء حاني ..لتقع افكارها في شتات .. نزاع ..تصدق صدى ذلك الحديث منذ قليل بأُذنيها ..لن تُكذبه ..تصدق ما رأت في تلك الشاشة الصغيرة بعينها ..لن تُكذبه ..وتصدق ايضا ذلك الدفء الذي طالما اعتادت عليه بين ذِارعيه ..تعرفه عن ظهر قلب ..و للعبث ستُكذبه ..حيث يمتلك الشيطان قدرة الخداع الاقوى ..هدأت بعض الشيء او تصنعت الهدوء لتبتعد إلى اقصى الفراش ..حيث ثغرة ما هو بصدد إقتناصها ..لم تعتاد صغيرته الابتعاد هكذا ..تحدث بابتسامة قابلتها هي بنظرات خوف مترقبة ..
: انا عارف انك زعلانه مني عشان انشغلت عنك الفترة دي ..حقك عليا .. يالا اجهزي عشان نخرج سوا ..
يرفرف قلبها الصغير كإنتفاضة عصفور كسير بلا حيلة ..لترد سريعا ..
: لا لا ..انا تعبانة شوية ..خليها وقت تاني ..
التقط القائد انفعال عدوه بعينيها .. بذلك الخوف فيهما ..وخذة من ألم اصابت خافقه ..لكنها حرب .. قوانينها لا تبيح الانسحاب ..
: تحبي اجيبلك دكتور ..؟
نبرته معتادة الثبات ..لكن النظرة تختلف ..النظرة تجسد حسرة ما تنطق  ب( إلا انتِ صغيرتي )  .. ردت بهروب ،تتمدد جاذبة الغطاء فوقها كليا
: لاء، انا محتاجة انام وهبقى كويسة ..
استقام ينظر اليها بشرود ..أغلق عينيه بألم يتنهد بغضب ..حيث التقط المنافس اول بيدق فوق رقعة الشطرنج ..تحريكه خسارة فادحة بالنسبة إليه  ..حيث البيدق المقرب إليه رغم وجوده بجيش الملك ...
____________________________
هل للشيطان ان يحترق رغم كونه مخلوق ناري ...؟
تشتعل دمائها داخل عروقها بنيران الإنتقام ..الإنتقام المُصقل بقتل ولدها ..ولدها الذي قتل على يد ابن حنان ومنصور .. اطعمت و كست و أثقلت ظلامه ليصبح رجلا فيقتل ولدها ..اي حسرة تشعر بها الآن ..تجوب بخاطرها فكرة "طباخ السم لا بد ان يذوقه " .. لتتذكر تلك اللحظة التي واكبت تأهب براكين الأرض لتحرق فُوئادها بنهم ...

أحيت قلب الجبل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن