الفصل العاشر

884 41 0
                                    

دلف من باب المنزل يصدر صوت حشرجه عاليه بحنجرته، يشبه سعال مقصود ،فتلك عاداتهم لتنبيه من بالمنزل من سيدات لوجودهم ، حتى ولو كان منزله ، صادف دخوله نزولها من الدرج الداخلي للمنزل ترتدي عبائة بأكمام من اللون السكري ..تلف حول رأسها حجاب بني بإهمال تسترسل من خلاله خصلات شعرها الحريري، تصل الى اسفل ظهرها ..عيونها كالون اوراق الشجر في بداية الربيع ،اقتربت منه بابتسامة واسعة وعيون تنطق بالعشق ..عشق ربما لا يفقهه هو ..لا يدرك مداه ..والى اي حد قد وصل ..،نزع عنه عبائته يلقيها على ظهر الأريكة بجواره يبتسم لها قائلا
: كيفك ياجمر ..؟
معذبة ..معذبة انا بعشقك يا مالك فؤادي ..نطقت بها عيونها ..عاجزة كل العجز عن قولها مسموعة ، اشارت له بيديها إشارات مفاداها انها بخير ،ليظهر على ملامحها الحزن تطرأ برأسها ارضا ، حينما تذكرت كلامه الغير مباشر عن ابنة عمهم الآخر، التي ظهرت من العدم ..تتسائل في نفسها ..هل من الممكن ان يتزوجها ، ولا يشعر بما تشعر به هي ..؟، هل له ان يرى ما بداخلها ...ما يكنه له قلبها افصح من النطق بألف كلمة تقال ..، اقترب منها ينظر لها باستغراب مهتم يتسائل ما سبب حزنها ذالك
: به..ليه حزينة ..؟
ثم ابتسم بحنو مردفا
: مين زعل جمرنا ..؟
مهلا ..مهلا فأنا لا اتحمل..، نظرت له وقد اشتدت خفقات قلبها حبا وعشقا له ربما يكاد يسمعها هو
..نبرته ..ابتسامته ..نظرته ..تصيب قلبها بصعقات تزلزله ..يكاد يخرج عن محجره صارخا بعشقه ..
اللعنة على ذالك العجز ،الذي يقيد قلبها بسلاسل من نار عن البوح بذالك العشق..، نفت له برأسها
ليرد هو عليها يشاكسها بابتسامة محببة لها
: جولي ما تخبيش ،مين اللي مستغني عن عمره، وزعل جمرنا ..انتي ماعرفاش غلاوتك عيندينا ولا ايه ...؟
نظرت له ارادت ان تسأله حينها .. بل اريد معرفة مكانتي عندك ..داخلك ..بقلبك، ..تعلم تماما انه لا يراها سوى اخته ..ابنة عمه الذي وصاه عليها وهو يلفظ انفاسه الاخيرة منذ ان كانت طفلة ، ليتولى هو رعايتها منذ ذالك اليوم ،وتكبر تحت ظله في احضان رعايته لها ويكبر عشقها له يوما بعد يوم ..تموت ..تموت حرفيا بمجرد التفكير انه من الممكن ان يتزوج غيرها ،ومن الطبيعي ان يعيش هنا بمنزله ، بيته الذي ولد وتربى به ، كم مقتت تلك الفكرة ..كرهتها ..لا ، وتراها امامها تتدلل عليه ..،لا بمجرد التفكير بذالك يتألم قلبها ،يوشك على التوقف حزنا ،لا تعلم ماذا ستفعل حينها ، كيف ستقضي ايامها ..او بالأحرى كيف ستقضي حياتها ،
اطرأت برأسها تنظر ارضا بحزن يفتك بروحها فتكا ، غافل عنه كل من حولها ..لا يشعر به غيرها، لتنتبه الى صوت والدتها يأتي من خلفها قائلة
: حمدالله على سلامتك يا سالم يا ولدي..
رد سالم عليها وهو يلتقط عبائته مرة اخرى ،يتخطى قمر
: الله يسلمك يا مرات عمي ..
لترد امها قائلة وهي تنظر لها بعتاب
: كنت عاوزاك في موضوع اكده يا ولدي..
اتسعت عينا قمر تشير لها بالنفي سريعا برأسها ويديها
،لاحظ سالم نظرة زوجة عمه الى قمر ،التفت فجأة ، لتنتفض قمر فزعا من التفاتته المفاجأة تبتسم له بتوتر ، نظر لها بشك ،كان على وشك ان يرد على زوجة عمه بأنه متعب من السفر وانه سيحدثها في وقت لاحق لكنه وجد نفسه يرد عليها ونظره موجه الي قمر قائلا
: خير يامرات عمي..؟
ردت فاطمة قائلة
: لحالنا ..، نتكلمو لحالنا يا ولدي
نقل نظره من قمر الي زوجة عمه ثم أومأ لها يتخطاها متجها نحو مكتبه ،لتهم هي بأن تتبعه حتى وجدت قمر تمسكها من ذراعها تترجاها وهي تربت عدة مرات على صدرها بمعالم وجه تستعطف امها ألا تخبره، دفعتها والدتها برفق ثم توجهت خلفه نحو مكتبه .
دلفت واغلقت باب المكتب خلفها، اسرعت قمر تلصق اذنيها بالباب لتستمع الى حديثهم، وقلبها يكاد يتوقف من شدة الخوف لا تدري ما ردة فعله على ما ستقوله والدتها .
داخل المكتب ارتسمت على ملامح فاطمة الجد لتجلس على الكرسي امام المكتب ، نظر لها سالم قائلا
: خير يامرات عمي..كنتي عايزاني في ايه..؟
لتتحدث فاطمة قائلة
: شوف يا ولدي ، انا ما هيعجبنيش الحال ده ، لازمن تشوفلك صرفه ويا جمر
زفر سالم بتعب ثم رد عليها قائلا
: حُصل ايه يا مرات عمي ؟
تنهدت فاطمة بنفاذ صبر قائلة
: جايلها عريس ..
انزعج ..ولا يعلم لماذا ..يعلم انها لابد لها من الزواج ..لكنه انزعج كثيرا من تلك الفكرة ، ربما لأنه يريد لها شخصا افضل ..رجلا حقيقي كما يقولون، يقدرها ويدرك قيمتها جيدا..، ثم اردفت فاطمة بحزن
: ورفضته ..واهي على الحال ده ، كل ما ياجي عريس ترفضه
ليتحدث سالم اليها قائلا بااستنكار
: جرى ايه يا مرات عمي ..وانتي عاوزاني اجوزها غصب اياك ..؟
تنهدت قمر براحة من خلف باب المكتب المغلق عندما استمعت لرده على والدتها ..لكن سرعان ما ظهر على ملامحها الأسى والإنكسار عندما وصل الى مسامعها صوت والدتها قائلة،
فاطمة وهي تلتمع الدموع بعيونها حسرة على حال ابنتها الوحيدة
: لا يا ولدي ، انا ما جولتش اكده ، بس اجعد معاها وعيها..البنتة اللي في سنها دلوجتي معاهم 3 و4 عيال بيجرو حواليهم ..واني نفسي اشوفها في بيت عدالها قبل ما اموت
صمتت للحظات ثم اردفت بانكسار وحزن وهي تنظر ارضا
: وانت خابر زين عجزها ..،وفين وفين لما...
ليقاطعها صوت سالم زاعقا بحدة ينهض من مكانه يصفع سطح مكتبه بيده حتى انتفضت جميع الاشياء المستكينة فوقه
شعر بالغضب الشديد لمجرد التفكير في الإنقاص من قدرها ..ربما لأنه يعلم جوهرها وقيمتها جيدا فهو من رباها على يده منذ صغرها ليقول بصوت زلزل جدران المكان
: ما عايزش الكلام الماسخ ده ينعاد مرة تانيه ..جمر ما هياش معيوبة يامرات عمى ..وان ما كانش اللي هاياجي يعرف جيمتها ، ويقدرها زين ، يبجى ما يستهلهاش
لتتحدث فاطمة مسرعة تهدأ من غضبه و تبرر له مقصدها
: اني ما اجصدش ياولدي اني بس ..
ليقاطعها سالم مرة اخرى قائلا بنفاذ صبر ينهي الحديث بينهم.
: خلاص يا مرات عمي ..بزيادة حديث في الموضوع ده ،
اطرأت فاطمة برأسها تتجمع الدموع بعينها ، كأي ام هي، تريد رؤيه ابنتها سعيدة ببيت زوجها ،هنئية يتشاكسون اطفالها حولها .. فقمر وحيدتها.. لكنها غاقلة عن ما بداخلها ..لا تشعر بها .
زفر سالم ينظر جانبا، يستغفر الله بخفوت ، لا يعلم لماذا تألم عند ذكر والدتها لعجزها عن النطق على انه عيب ينقص من قدرها ، انزعج كثيرا من تلك الفكرة..أردف بنبرة اهدأ قليلا قائلا
: جمر ما هتتجوزش غير اللي توافج عليه برضاها ..انا مهجبرهاش على حاجه واصل ..
اومأت له فاطمة قائلة وقد فرت دمعة من عينيها
: اللي تشوفه ياولدي
ليستدرك نفسه حينما لاحظ دموعها ،اقترب منها ثم مال قليلا للأمام يقبل رأسها، فهي في حكم والدته
: حجك على راسي ما تزعليش ..جمر ما هياش ناقصة ولا معيوبة يا مرات عمي
صمت قليلا ثم اومأ باقتناع تام ينبع من معرفته لها مردفا
: جمر غالية ..
ربتت فاطمة على ظهره قائلة
: تسلم ياولدي ..ربنا يخليك لينا ومانتحرمش منك واصل.
بينما بالخارج لملمت هي أشلاء روحها المنثورة .. بدموع انكسار تملئ عينيها ..صعدت الدرج متوجهة نحو غرفتها تبث فيها حزنها وأوجاعها بمفردها...لا يعلم احد عن ما بداخلها ..تتذكر ذالك اليوم الذي فقدت فيه عزيزها والدها ومسكن روحها ،مدللها الوحيد الذي فارق هو الحياة وفارقتها هي الفرحة والسعادة.. ، منذ ذالك اليوم وبعد ان وقع والدها صريعا ضحية ثأر .. كانت طفلة لم تتجاوز بعد 5 سنوات،
فقدت النطق عندما تلقى رصاصة بصميم قلبه وهي طفلة تتشبث بيده ويدها الأخرى بيد سالم ، الذي لم يهنأ له بال الا وكان بعد ثلاثة ايام من مقتل والدها وقد اخذ بثأره واثلج صدر جدته ووالدتها .. ، رصاصة واحده ..غيرت مجرى حياتها نحو الجحيم ..رصاصة .. لا يزال صداها يتردد بقلبها..بروحها حتى اليوم ، ومنذ ذالك اليوم وهي تفتقد كل جميل ..حتى صوتها الذي كان يخبرها والدها انه اجمل من صوت العصفور عندما يشاكسها سالم بان صوتها يشبه صوت" البجعة الجائعة " فتتذمر.. ليحتضنها والدها وينهر سالم يأمره ان لا يقول لها ذالك مرة ثانيه ، ابتسمت لتلك الذكرى ،مسحت دموعها ..تتنهد بحزن ، تحمد الله بداخلها على ما اعطى وعلى ما اخذ ، لا تتمنى في تلك الحياة سوى شيء واحد فقط ، ان يشعر بها سالم وبما تخصه له فقط وحده بقلبها ، نهضت بيأس تمسح دموعها.. فلا احد يمكنه تبديل اقداره ..

أحيت قلب الجبل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن