الفصل الرابع والاربعون 2

573 31 0
                                    


الشيطان يريد شربة ماء ...
_____________________
تكالبت الحقائق فوق ادراكها ..فلم تحتمل ..حقائق كانت اثقل من ان تتحملها سنوات عمرها القليلة ..بعيون قاتمة تختبئ خلفها غابات محترقة ..دخل إلى غرفتها بالمشفى وحرب تشيد داخل صدره لا يهزم فيها سوى قلبه متألما ..اقترب منها ..مجمدة كالصنم .. تتمدد بروح باردة ..باهتة ..فاقدة للألوان ..قطب جبينه يضيق ما بين حاجبيه ينظر اليها بألم ..حيث عينيها مفتوحة معلقة بسقف الغرفة وحركة حدقتيها جامدة بلا حراك ..
: يمنى ..
بصوت متهدج ناداها ولم تستجيب ..هي حاضرة غائبة بعالم آخر ..ربما كانت حبيسة خلف قضبان الحقيقة تمد يديها لهفة لتطول حرية كاذبة ..
: يمنى ..
نداء آخر ..وقد ادرك انها لن تستجيب ..انفاس حارقة ..النيران على اهبة الاستعداد .. ركض كمن يلاحق شيطانا يجري ضاحكا بجنون ..حاول يوسف ايقافه فدفعه يكمل خطواته الراكضة بعزم ..
: مازن ..
صرخة واحدة منها كانت كافية ان توقفه ..رغما عنه ..والدته ...اغمض عينيه يسحق اسنانه غضبا وألما ..بدورها خطت نحوه دامعة العينين وكلمة اختها لها لا تفارق مسامعا ( هقتله ) ..ببكاء حار التقطت يديه تقبلها برجاء
: عشان خاطري خليك يا ابني انا هموت يا مازن لو جرالك حاجة ..ابوس ايدك يا ابني ..
يعلو صدره ويهبط ..غضبه اشبه ببركان مختنق يريد الانفجار ..وجمله واحدة لفظها بهدوء حيث هي لا تستحق انفجار البركان ..
: مش هسيبها ..
وازت كلماته خطواته الراكضة يتبعه يوسف راكضا خلفه كظله ..اما عن قلب الام ..فشاخ حزنا ..مدت يديها في الهواء .. إلى أثره زاهلة العينين ..تفتح فاهها قليلا بصدمة ..وكل تفكيرها انها لن تراه مرة ثانية ..لحظة استسلام ..وسقوط في ظلام دامس ..ثم ارتطام جسدها الضئيل بالأرض فاقدة للوعي ...
___________________________
تهالك ..ركض حد الانهاك ..لهاث حارق وانفاس جليدية ..وقطعة لحم تضخ الدماء بغزارة عنيفة ..فالشياطين لا تمتلك القلوب ..جف لعاب حلقها أثر الركض دون وجهة ..الركض بلا سبيل .. حتمية النهاية لا تشكل لها العظة ..حتمية الجحيم ذاته لا تكترث لها ..وربما لا تعترف بوجوده من الاساس ..ستحرق ..تخرب ..تدمر حتى لفظ النفس الأخير ..انحنت خائرة القوى باستسلام ...اتجهت إلى احد الوحدات السكنية قيد البناء ..صعدت درجها الهيكلي الشكل ..فقد ابتعدت بالقدر الكافي عن الخطر ..ارتمت ارضا  تستند بكفيها وركبتيها فوق سطح البناية المحدد بسور صغير ..تسارعت انفاسها لبعض الوقت حتى بدأت تهدأ شيئا فشيئا ..وفجأة رفعت وجهها بنظرة ثاقبة مظلمة إلى الأمام وقد اخذت تلهث في ركض من نوع آخر ..صرخت تفرغ ما تعبئه داخلها من غضب ..كانت على مشارف هزيمة ..كاد الشيطان يحترق ..استندت بظهرها إلى عمود صخري حديث البناء تخرج من جيب سترتها هاتفها الخلوي ضاغطة على زر الفتح ..لتجري اتصالا بمراد .. وبنبرة انتقامية الصيغة تهمس من بين لهاثها ضاغطة على اسنانها عندما استقبلت عدم الإستجابة ..
: بعتني ..سلمتني تسليم اهالي يامراد الكلب ..
.. ولاول مرة لا يجيد الشيطان اختيار رعاياه .. وضعت الهاتف جوارها بإهمال حانقة فكما توقعت لن يجيب ..وثغرة ..فوهة صغيرة احدثها الجبل .. مدخل للوصول .. هاتف شقيقته وآخر رقما تحدثت إليه ..ومن ثم تحديد مكان الرقم بدقة ..كانت على مشارف هزيمة ..باتت الآن بوسط حرب ..بينها وبين شيطانها ..حيث اتسعت عينيها ينسكب منها الغضب منصهرا ..مع صوت اصتكاك حلقة معدنيه بأحد الأسياخ الملتوي طرفيها بداخل العمود ..واحتجاز يسراها بالحلقة المعدنية الأخرى ...اصفاد ..والشيطان رهن اعتقال .. نظرة بركانية قاتمة صوبها تجاهها قصي من أعلى ..يمر امام ناظره طفولته البائسة بتوقيعها ..آلام الفقد بعيني والديه..مرورا بفقد اخيه ..والخاتمة يمنى ..صغيرته .. قبضت يمناه بحزم على سلاح ناري موجه نحوها ..الأمر منتهي ..الآن بكل منون يضع الجبل توقيع نهايتها
: خلاص ..دمرتي بما فيه الكفايه ..دورك انتهى ...
تضغط على اسنانها تطلق صوتا كالزمجرة ..تلهث ومن بين لهاثها تبتسم بسخرية قائلة ..
: لسة ..لسة يا ابن حنان ..
انتهى الامر .. رصاصة واحدة وينتهي كل شيء ..وهو لا يتردد ..
: قصي اوعى تعمل كده ..
بعيون متسعة قالها يوسف من بين انفاسه اللاهثة .. يرفع كفي يديه امامه في حركة مفادها تهدئة صديقه قائلا بتمهل ..
: بلاش تضيع نفسك يا قصي .. اوعى تعمل كده ..هي كده او كده ميته ..
لا يرد ..فقط ينظر اليها وسلاحه مازال مصوبا نحو رأسها ..وهي تنظر إلى عينيه باستهزاء و يقين تام انه لن يطلق رصاصة واحدة ..تحدث يوسف يذدرد ريقه قائلا
: سلمها يا قصي ..ما تتهورش وسلمها  ..
التفت برأسه نحو صديقه ينظر إليه نظرة غامضة .. يحاول يوسف ردعه ببعض الكلمات ..بينما هي بحوزتها سلاح ..تنظر إليه جوارها بخبث ..مدت يديها ببطء لتمسك به فإذا بصوت رصاصة صرخ لها يوسف متسع العينين ..
: لاااااء ..
وازت صرخته صرختها المتألمة ...حيث استقرت الرصاصة بذراعها الأيمن مازال هو ناظرا إليه ، اقتنص اهتزاز حدقتيها في لمحة منه فصوب السلاح نحو يمناها ..التفت اليها ببطء ولم ينزل سلاحه بعد ..وهي تنحني بلهاث متسارع الأنفاس ..وصوت أخرى تردد صداها وكأنها احلال أسر ما .. ثم صرخة ثانية خرجت منها كان صداها أقوى من الرصاصة ..
: آاااااه ...
واستقرت الثانية بقدميها ..صرخ بعدها يوسف ينهره
: كفاية ياقصي ...
انزل سلاحه ..ينظر إليها بغموض ..تتألم أمامه ولا يبالي بها ..البعض يستحق بجدارة عدم المبالاة بألمه ..اذا كان سيسلمها ..فليفقدها فرصة الهروب مرة أخرى ... اقترب منها يهبط لمستوى جلوسها ..يضع فوهة المسدس تماما فوق أعلى رأسها ..رفعت نظرتها اليه متعرقة الجبين ..تحترق انفاسها لا تقوى على النطق ..يسكن الشيطان حدقتيها ويتولى هو ارسال رسائل صامتة عبر نظرتها ..بصوت رزين تحدث قائلا
: عشان ما تحاوليش تهربي تاني ..
ثم اشار برأسه نحو المسدس فوق رأسها مردفا
: لو فكرتي تحاولي ..التالتة هتبقى في راسك ..
انفاسها عبارة عن مرجل متقد يصب احدهم الزيت فوقه ..تتأجج ..ومن بين دخان احتراقها تحدثت .. ويبدو ان الشيطان يحتضر خارجا منها كالروح ..بتقطع قالت
: هقتلك ..هقتلك يا قصي ..هاخد حق عمر ..مش هسيبه ..هقتلك زي ما قتلته ..
وانتزع الشيطان امانته منها ..غابت عن الوعي في سبات قهري نتيجة الشعور بالألم .. اتسعت عينيه اتساع طفيف ..تسائلات وخيوط عدة ..تعلم بموت عمر ..تتهمه بقتله ..يمنى وانهيارها وفقدها للحياة ..من المؤكد انها وشت به لها بما لم يفعله .. الصغيرة لم تحتمل ...
خيوط عدة ..وجميعها تؤدي نحو شيطان آخر ..لم تكن هي سوى وسيلة ضمن وسائلة ...
_________________
تبدد الظلام بأشباحه ..وأشرق نور ملائكي جديد ...
صعد بإرهاق درجات السلم الداخلى للمنزل ..لم يذق طعما للنوم منذ ليلة امس ..ليلة عرسه ..تنهد بحنق يتجه نحو باب غرفته ..هم بطرقه فتوقفت يداه بالهواء ..قائلا في نفسه ..انه مازال الوقت مبكرا ربما تكون نائمة ..فتح الباب ببطء حريص ..ولج يتجه نحو خزانة الملابس وقد لمح جسدها الضئيل متكورا بزاوية السرير في وضع غير مريح ..يتدلى رأسها فوق كتفيها غارقة في نوم عميق .."كل هذا من مجرد لمحة فقط "..اخذ ملابسه وعيناه تحول بينها وبين باب الغرفة بتردد ..يبدو عليها التعب وذلك الوضع غير مريح لها ..زفر باستسلام يتجه نحوها ..حملها برفق ممددا اياها على الفراش بوضع نوم مريح ..ثم دثرها بالغطاء وهم ان يستقيم ..فظل على وضعه ينظر بتمعن نحو وجهها ..ملامحها الصغيرة ..خط عينيها الطويل واهدابها المتراصة بكثافة طبيعيه عليه ..ينم عن عينين واسعتين ..تسللت ابتسامة لا هوية لها تظهر على شفتيه ..وشعور غريب بانها جزء منه وازى تسلله تسلل تلك الابتسامه ..سرعان ما تدارك نفسه خارجا من الغرفة بخطوات متسارعة ينهر تلك الفكرة اللتي نبتت بداخله .. يؤد شعورا ما قبل رعرعته ...
وهناك فوق السرير جسد ضئيل يتمدد على الفراش ..وقلب يخفق بعنف ..نبضاته كقرع الطبول ..كانت مستيقظة ..طوال الليل تقاوم نومها خوفا من عودته مرة أخرى ..وعندما شعرت به يفتح الباب تصنعت النوم بمكانها لم يسعفها الوقت لتتمدد على الفراش ..كانت تخاف من عودته ..التي انبتت نفس الشعور المتسلل بداخله داخلها ..وابتسامة نتاج فكر ..هل يوجد من يهتم لها ..من يهمه راحتها ..من يلتفت لوجودها  من الأساس ..؟ ..لم يكن كما ظنت امس ..يبدو ان تلك السيدة زوجة عمه محقة فيما يتعلق به ..
___________________
استيقظت تحتضن بين ذراعيها عبائته ..تستنشق عبقه بها ..ارتسمت ابتسامة عاشقة على شفتيها وبمجرد ادراكها وفتح عينيها اختفت الابتسامة ..متذكرة فعلته ..القت العبائة جوارها ثم نهضت جالسة تنظر اليها بشرود ..تساقطط دموعها ببطء قائلة بهمس ..
: صعبتها اوى سالم ..صعبتها عليا اوي ..مابقاش ينفع حتى افكر فيك .. عاملتك السودة في بت عمنا واقفة قصادي .. زي السور ..ومن الناحية التانية اللي شايلتني جميل لازمن اصونهولها العمر كله ..دمها بيجري جوايا ..لولاها كان زماني ميته ..صعبتها عليا اوي يا ابن عمي ...
تنهدت بحزن ثم نهضت تخفي عبائته بداخل خزانتها ..تتجه نحو الحمام تستعد للنزول ..او بالأحرى لمواجهة عاشق ثائر حان وقت ظهور عشقه ...
____________________
وقف امام تلك النافذة الزجاجية ينظر اليها بألم ..قطعة من روحه ..تتالم ،تبكي ولا يجد السبيل لكفكفة دموعها ..هو لها الآن كل عائلتها ..وهي بكل إصرار لا تريد رؤيته ..حديث الطبيب مازال يتردد صداه بأذنيه ..عندما دخل عليها الغرفة برفقة والدته منذ قليل ..وثارت ثائرتها خوفا وفزعا بمجرد رؤيتهم ..( صدمة نفسية أدت لانهيار عصبي مؤقت ..) ...
تفاجئ بيد حنونة لها أثر طيب تربت فوق كتفه ..التفت ليقابل اجمل ابتسامات الكون الباعثة للأمل والحياة ..
: هتبقى بخير ما تخافش ..
قالتها حنان ثم نقلت نظراتها إلى الصغيرة عبر ذلك الزجاج الشفاف مردفة بإشفاق  ..
: انا حاسة بيك وبيها ..اللي حصل كان صعب اوي عليها ..الحمد لله ان ربنا جابها على اد كده ..الحمد لله ..
تنهد قصي بعمق ناجي من اعماق الظلام ..لتسأله حنان بلهفة قائلة ..
: صحيح .. حياة فين ؟..منصور قاللي انها معاك ..
اغمض عينيه بهم ..فعليه المجاهدة لإرضائها بعدما فعله أمس ..بنبرة هادئة اجابها ..
: رايح اجيبها دلوقت ..
__________________
جلس  محسن بانتظار سالم  في مكتبه ..التقط فنجان قهوته يرتشف منه متنهدا بحرارة كلما مرت صورتها في العرس امس  بمخيلته .. ليفلت لسانه هامسا لنفسه ..
: آه .. قمر وهي قمر بصحيح ..
: بتكلم نفسك يامحسن بيه ولا ايه ..؟
اجفل على صوت سالم يلج إلى المكتب مرحبا به لم يلحظ ما تفوه به.. استقام يرد التحية بأيدي مرتجفة وضع فنجان القهوة فوق سطح الطاولة يسلم عليه بارتباك ..جلس سالم على كرسي مكتبه قائلا ..
: نورتنا يا محسن بيه ..تشرب ايه ..
اخرج محسن منديلا من جيبه يجفف جبينه المتعرق قائلا
: لا لا ولا حاجة انا شربت قهوة خلاص ..
عم الصمت لبعض الوقت مما اثار حفيظة سالم لحدوث شيء لن يستهوية .. تحدث محسن مبتسما بحرج
: انا في الحقيقة يا سالم بيه مش جاي بخصوص المحصول ولا الشغل .. انا جاي في موضوع شخصي ..
: ده بيانه نهار ازرق على الصبح ..
قالها سالم بخفوت ..ليتحدث محسن قائلا
: بتقول حاجة يا سالم بيه ..؟
: لا بقول خير ايه الموضوع الشخصي ده ..
حمحم محسن متحدثا بابتسامة تكاد فيها شفتيه تصل إلى اذنيه ..
: انا ..طالب القرب منك في بنت عمك ..قمر ..
عفوا. ..! هل يشتم احدكم رائحة احتراق ما ..للحظة لم يستدرك ما تفوه به ذلك الثمين "النتن" كما نعته بداخله ،الجالس امامه .. وهناك بداخله مارد هو لم يوقظه بطلبة هذا ،لا هو دفعه نحو هاوية الجنون ليسقط بعدها فوق رأسه مهشما اياها بتلك الفكرة التي اشعلت غضب عاشق على محبوبته ..انتفض محسن أثر لكمة عنيفة ،تتسع عينيه بلهو ..تفاجئ المسكين ،انتقل من حلم وردي محلقا في السماء جوار القمر .. إلى حلبة مصارعة ثيران ..
: ايه ده ... في ايه ...؟ في ايه يا سالم بيه ؟
انقض سالم يمسكه من تلابيبه ينفجر زاعقا في وجهه بصوت جهوري وقلب ثائر  وعاشق غاضب ..
: قمر مين اللي طالب قربها يا ابن النتن  .. ده انت طلب قربك عزرائيل انهارده ،يومك مش فايت ...
____________________________
جلس امامها ينظر إليها بشرود ..كيف ومتى استحوذ عشقها على كيانه بأكمله لا يدري ..وكأن حبها شيء راسخ بقلبه ..ولد معه وظهر فقط بظهورها امامه ..تنهد بارتياح حيث زال خوفه ..الآن فقط استيقظ من كابوسه المرهق ..ذلك الكابوس طويل الامد ..لم يعد له وجود  ..فتحت عينيها ..جميلته ،حياته .. وقد بدا عليهما بقايا بكاء طويل كما اخبرته عنايات قبل رحيلها ..
استيقظت تنهض مستندة على كفيها تنظر إليه بتفاجئ ..سرعان ما نظرت إلى الجهة الأخرى بغضب ..
..ابتسم ابتسامة صغيرة ثم استقام وقد علم انها غاضبة مما فعله امس ..
: عنايات فين ..؟
سألته باقتضاب عندما لاحظت عدم وجودها ..ليرد بمراوغه مبتسما
: مافيش صباح الخير ..؟
صمتت تأبى النظر إليه .. غاضبة ..تجهل سبب جفاء تركه لها بذلك المكان دون شرح ..همش شخصيتها بسطوة تحكمه بها ..همت ان تستقيم ناهضة فامسك بكف يديها برفق ..يسبل عينيه في برائة لن تنكر انها رقت لها ..
: عايز اتكلم معاكي ..عارف انك زعلانة من اللي عملته امبارح ..
سحبت كفها من تحت يديه تستقيم قائلة بجفاء يخالف مكنون قلبها ..
: ما فيش كلام ما بينا ..عنايات فين ..؟
نهض بدوره يضع يديه بجيب بنطاله يبتسم بمشاكسة.. يبدو ان بعضا من بنات حواء لا تجدي معهم البرائة ..
: مشيتها ..احنا هنا لوحدنا ..انا وانتي بس ..
استشاطت غضبا من تلميحه بوجودها معه بمفردها ..والعجيب انها لم تخف ..بنبرة حادة ردت
: انا عايزة امشي من هنا ..لو سمحت روحني ..
تنهد يقترب من الفراش متمددا عليه يضع ذراعه خلف رأسه بأريحيه قائلا
: مافيش مشايان من هنا ..
ثم التفت ينظر اليها وهي تنظر اليه بزهول غاضب وكم يثير رؤيتها هكذا ضحكته
: إلا لما اتكلم معاكي ..
زفرت بضيق شديد تربع يديها امام صدرها .. يستغل وجودها بمفردها معه متحكما بها كما يشاء .
: على فكرة انا هقول لخالو على كل اللي عملته ..
لم يستطيع كبح جماح ضحكته ..مما أثار غضبها أكثر ..ليرد قائلا
: هتعملي ايه ..؟
استقام يخطو نحوها عندما لاحظ غضبها الشديد ..وقف قبالتها وهي تولي وجهها لأي شيء وكل شيء سواه ..
: تفتكري هيعمل ايه لما تقوليله ..؟
تصنع التفكير للحظة ثم اردف بتأثر مصطنع ..
: انتي جاحدة على فكرة، ده مش بعيد يمنع عني المصروف ..
نظرت إليه بتعجب ..لتلاحظ سريعا تهكمه ، همت بالابتعاد عنه في اعتراض عما يفعله ليمسك هو سريعا بمرفقها ..يسبل عينيه في أسف حقيقي يلثم كف يدها قائلا بنبرة اذابت جل غضبها تجاهه ..
: انا آسف ..حقك عليا ..ممكن نقعد نتكلم بقى ..؟
رمشت بأهدابها عدة مرات ثم اتجهت إلى مقعد ما بجوار الفراش ..اخذ هو آخر يجلس قبالتها وقد اتخذت معالم وجهه الجدية ..
: ناهد اتقبض عليها ..انا عملت كده عشان كنت خايف عليكي ..كان ممكن تأذيني فيكي ..وانا ما كنتش هستنى لما ده يحصل ..
نظرت اليه بتمعن وريب ..مبدأه اثار فيها رهبة ما .. حديثه له معنى واحد ..كلما تعرضت للخطر سيلغي ارادتها ..سيغض الطرف عن شخصيتها ،وجودها ..لترد باعتراض ..
: وده يخليك تلغيني كده زي ما عملت امبارح ..؟ كان لازم تعرفني .. على الاقل ابقى عارفة دافع غصبي على وجودي في مكان زي ده ..تعرفني ليه، مش تلغي شخصيتي ياقصي ..
: انا ما فكرتش غير اني احميكي وبس ..ما حسبتش اي حسابات تانية ..و لو كنت عرفتك ورفضتي ..؟
سواء وافقتي او لاء كنت هجيبك هنا ..
رده أدى إلى تعقيد الأمر اكثر  ..هو لا يجيد التعبير عن مخاوفه ..وهي لن تفهمه ..استقامت ترد بحدة غاضبة ..
: انا مش هسمحلكش تتحكم فيا بالشكل ده ..كونك تلغيني وتلغي شخصيتي ده مبدأ مرفوض حتى لو بحجة خوفك عليا ..
: نظر اليها نظرة دبت في حواسها الخوف ..لتخفض من نبرة صوتها لا اراديا مردفة بتوتر داخلي اجادت اخفائه
: انا عاوزة اروح .. مش عايزة اقعد هنا تاني ..
استقام واقفا بمعاندة يرد ..
: وان قولت لاء ..؟
بترو وفهم ..ردت ..
: لو سمحت ياقصي مش معنى اني مراتك انك تتحكم فيا بالطريقة دي ..
:لاء انا بتحكم وانتي مش مراتي ..احنا مش متجوزين اساسا ..
لحظة ..بل لحظات من البلاهة و عدم الفهم ..ونظرات التعجب التي توجهها له ..يبدو انه لزم احد الأغبياء فأصيب بعدوى الغباء ..اذدردت ريقها ترد بصدمة ..
: يعني ايه ..يعني ايه مش مراتك ..مش متجوزين ازاي ..؟
: العقد غير صحيح ..عشان ماكانش عندك علم اثناء العقد ..وموافقتك شرط من شروط صحة الجواز ..غير كده العقد باطل ...
اصاب خافقها وخزة ما لاتعلم لما ..ليتحدث هو مردفا
: هنكتب الكتاب تاني في اقرب وقت ممكن ..
وهنا ستستخدم حواء احد اسلحتها "ألا وهي العقل ..ان وجد ".. ربعت يديها تنظر إليه بتحدي ..بنبرة شرطية ، رفعت رأسها بكبرياء وموقفها جدي كل الجد ..مردفة ..
: شوفت بقى.. انك مش هتعرف تعمل حاجة ازاي من غير موافقتي ..
ابتسم و قد خضع قلبه صريعا تحت ليل عينيها ..قائلا بلا مبالاة معاكسة لما يشعر به
: لو عاوزة ترفضي ،حقك ..
بصدمة نظرت إليه ..اذدردت ريقها بكبرياء صامت ..ليردف ..
: بس ابقى برري لخالك بياتنا انا وانتي هنا ..
يمرر نظراته على الاشياء من حولها وكأنه يلقي عليها تحية بعد الظهر ..وهي تتسع عينيها باستنكار قائلة ..
: بياتنا ..؟ بيات ايه ..؟ انت سبتني مع عنايات ومشيت ..
اقترب منها ببطء ومازالت يداه بجيب بنطاله ينظر إلى عينيها عن كثب ..يرفع كتفيه بعدم اهتمام قائلا ..
: اثبتي بقى ..
ثم اشار نحو الفراش برأسه مردفا ..
: وهقول كمان على كل اللي ما حصلش بينا هنا ..
احمرت وجنتاها .. بل احمر جميع وجهها ..تتسع عينيها لآخرهما تنظر إليه بصدمة مما يتفوه به ..بنبرة تحذيرية أردف يسألها
: ها..؟ هتوافقي بما يرضي ..؟ ..ولا اخليكي توافقي بما لا يرضي الله ..؟
تسارعت خفقاتها ..يسيطر عليها الغضب ..كيف يبتزها هكذا ..دفعته بذراعه تتجه نحو الباب قائلة بإقرار مندفع  ..
: انت اتجننت ..خالو اساسا مش هيصدقك .. افتح الباب ده خليني اخرج من هنا ..
هي مستديرة توليه ظهرها ..توترت عندما لم يرد ..عم الصمت للحظات وفي النهاية قررت الالتفات ..لتجده ينظر اليها نظرة ثاقبة تتحرك انامله فوق ازرار قميصه فاتحا اياها ..وابتسامة جانبية منه دبت الخوف بجميع اوصالها ..بنبرة مرتجفة مستعطفة ونظرات خائفة مترقبة قالت ..
: قصي ..انت بتعمل ايه ..؟ ..
اقترب منها قائلا بنبرة غامضة .. والآن فطنت هي غموضه ..
: هسيبله اثبات ..هخليه يصدق كلامي  ..
كانت نبضاتها تتسارع الآن هي تخفق بجنون .. الآن هي بين قاب قوسين أو أدني من الموت زعرا ...

أحيت قلب الجبل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن