الفصل التاسع

907 41 0
                                    

خرجت تفيدة تجلس بجوار سارة مرة اخرى ، تبتسم لها ، يتقافز الفرح بعيونها حيث تأكدت من ان حفيدها يهتم بتلك الفتاة اهتمام خاص ، سألتها تفيده بابتسامة حنون و هي تلتقط كأس العصير الذي قدمته لها سابقا
: اتفضلي يا ... انتي اسمك ايه ؟ .
أخذت منها الكأس تعاتب نفسها سرا على دخولها لمنزل ذلك الطيب قائلة
: سارة ...
اتسعت ابتسامة تفيدة بلا سبب من وجهة نظرها فقالت تفيدة
: اهلا بيكي يا بنتي
أومأت لها سارة تبتسم بتوتر قائلة
: شكرا .. تسلم ايد حضرتك
لا تعلم تفيدة لماذا لاحظت في عيون سارة لمحة حزن و كثير من الانكسار .. يقال ان العيون هي نافذه ارواحنا تعكس دائما ما نشعر به .. و هي كالطير الشريد يبحث عن مأوى ، و المأوى بالنسبة لها روح تسكن اليها مطمئنة .. آتاها صوت تفيدة تسألها و يبدو ان بجعبتها عدة اسئلة
: عايشه مع بابا و ماما .. ؟
اغمضت سارة عينيها تحدث نفسها بسخرية ، فمن الطبيعي ان تعيش بين والدها و والدتها ، لكن اختار لها القدر الا ترى والدها مطلقا و ان تفارقها والدتها ، ان تعيش طوال حياتها تشعر بالغربة .. فبعد وفاة والدتها .. لا احد لها الان ، تجمعت الدموع بعينيها عندما تذكرت والدتها لترد على تفيدة قائلة
: بابا و ماما متوفين .
نظرت لها تفيدة بتأثر و قد رق قلبها لها تقول في نفسها
ان اقدارهم متشابهة لتسألها باهتمام
: اومال انتي عايشة مع مين .. ؟
توترت حركة حدقتيها تذدرد ريقها ببطء حدثت نفسها بسخرية مريرة .. اذا علمت انها تعيش بمفردها فستنظر لها بإحدى النظرتين اما انها ستظن بها السوء .. كما قال ابن عمها المبجل ذاك .. او ستنظر لها بعين الشفقة و انها منكسرة و وحيدة و ربما تعرض عليها ان تأتي لتعيش معها..
قبل ان ترد آتاها صوت حمزة قائلا
: صباح الخير
حمدت الله ان الطبيب اتى في الوقت المناسب حيث عفى عنها الاجابة على ذلك السؤال ، اسقامت تومأ للطبيب تنظر الى القفص بيده لتتسع عينيها تلمع بها نظرة الفرح تقدمت بخطوات متسرعة و ابتسامة فرحه .. مندفعة بعض الشيء نحو القفص بيده قائلة بسعادة من وجهة نظره مبالغ بها
: ده عايش .. !
نست بشأن ابن عمها .. و بشأن الطبيب و جدته .. و نظرت فقط الى ذاك الذي بين يديها في قفص يتحرك بخفة و نشاط .. ، انتبهت فجأة لما فعلته ، لترفع نظرها الى الطبيب دون تحريك رأسها لتجده يحدق بها ببعض الاستغراب نقلت نظرها الى الجدة لتجدها ترفع حاجبيها و على وجهها ابتسامة مستغربة ، لتتنحنح سارة و قد ادركت اندفاعها و قربها زيادة عن اللازم من ذلك الطبيب لترجع خطوة الى الوراء تبرر تسرعها تلك بابتسامة مرتعشة
: اسفة ! بس اصلي .. انا ماكنتش متوقعه انه يعيش
اومأت لها تفيدة ثم تنحنح حمزة يشير الى عيادته قائلا
: اتفضلى معايا اقولك على بعض التعليمات اللازمة و الادوية اللي هيحتجها
: اومأت له سارة و خرجت معه الىخارج الشقة نحو العيادة دلف حمزة بيدة القفص ، جلس على مكتبه و دعاها للجلوس امام المكتب ، ارتبك بداخله لا يعلم بماذا يبدأ كلامه ، سخر من نفسه يحدثها قائلا بداخله ، .. ماذا يحدث .. ؟ انت طبيب يا مغفل تحدث فقط و كأنك طبيب .. الامر سهل .. ، تحدث مندفعا قائلا بنبرة مغلفة ببعض الفضول الذي لا علاقة له بالطب و لا بكونه طبيب يسألها
: انتي اسمك ايه .. ؟
و ليته لم يتحدث ..
نظرت له بعسليتيها باستغراب لتتوتر هو حدقة عينيه يشعر بالاحراج يضيق ما بين حاجبيه بجدية مصتنعه ثم اخرج ورقة الكشف المدون عليها اسمه و اسم عيادته يبرر قائلا
: علشان البيانات ..
آتاه سؤالها الغير متوقع .. و الذي يستبعد الاجابة عليه الان
: هو حضرتك بتسجل بيانات المريض و لا صاحبه .. ؟
توتر جدا ما هذه الفتاة اليس و اضحا كفاية انه هو الطبيب ؟ ، لماذا اذا تسأل بتلك الطريقة الواثقة ؟ ، ليرد عليها قائلا باحراج
: الاتنين ..
ردت سارة تعارضه
: انا اعرف ان المفروض تسجل بيانات الحيوان المريض نوعة فصيلته الحاجات دي .. بس ماشي
صمتت قليلا ثم زفرت مردفة
: سارة .. سارة فؤاد
سارة .. !  هذا هو اسمها .. كم هو اسم رقيق .. بل في غاية الرقة و الهشاشة .... و هذا ما كان يحدث به الطبيب نفسه و هو يدون اسمها ، ثم نظر للعصفور بخبث نظرة خاطفة مفادها " لقد علمت اسمها بدون الحاجة اليك "
ثم سألها مباشرة
: ايه اللي عمل فيه كده .. ؟
تذكرت الموقف .. لكن بصورة اخرى .. تذكرت الوقت .. الذي لم يتجاوز عدة ساعات .. تذكرت مواجهتها لابن عمها الذي لم تعلم اسمه بعد .. و اثناء شرودها نظر حمزة اليها يتسائل ما سر تلك الفتاة ، و لما يظهر على ملامح وجهها كل ذلك الحزن كلما سألها عما حدث للعصفور ، و لانه طبيب يقدر الخصوصية جيدا .. و كم كره كونه طبيب و يود الان و بشدة اختراق تلك الخصوصية .. لكن احتراما لصمتها اردف
: لو مش عايزة تقولي .. تمام
نظرت هي ارضا للحظات ثم تحدثت قائلة
: كان في صقر ..
و صمتت ، نظر لها متسع العينين لا يفهم .. بداخله تهللت اساريره فقد عادت اخيرا المختلة مرة ثانية .. اردفت و هي تنظر للعصفور الذي يتحرك بخفة و نشاط داخل القفص
: كان بيحاول يوصله .. و هو استخبى ورا  الورد على الشباك عندي
اصتنت اليها باهتمام .. للمرة الثانية ينعتها بالمختلة و للمرة الثانية يسحب ذلك اللقب .. ابتسم باعجاب و هو يتذكر حالتها امام العيادة صباح ذلك اليوم ..
اردفت سارة
: زقيته بعيد عنه .. و اخدته و جيت هنا على طول
سألها باهتمام ، و السؤال هنا ليس من حمزة الطبيب البيطري لا ، بل حمزة فقط مجرد من كل الالقاب
: زقيتي الصقر بأيه ..؟
نظرت له بتعجب ثم زفرت بتعب قائلة
: بالمسترة بتاعتي ..
ابتسم ملئ شدقيه .. باعجاب تام قائلا و هو مزهولا من تصرفها
: برافو ...
اطرقت هي برأسها تشعر بالحنق من ذلك الطبيب المتطفل .. سألته و هي تنظر للعصفور قائلة
: ممكن اخده و امشي
"لا لا تذهبي" اذدرد ريقه يحدث نفسه بها لكنه رد بعكس ما يفكر به قائلا
: اكيد طبعا .. لكن هيحتاج زيارة تانية
و هنا الضمير لا يعود على العصفور و ان بدا كذلك ..
ثم اردف
: حضرتك ساكنه قريب من العيادة .. ؟
اجابته تلك المرة بتلقائيه دون تفكير
: اه في اول الشارع ..
ابتسم بداخله بسعادة قائلا بعمليه و جديه ظاهريا فقط
: تمام .. هحتاج اشوفه كمان 3 ايام
اومأت له ثم استقامت تتجه نحو القفص اخذته بين يديها متجهة به الى الخارج ، نظر هو لها بشرود يتسائل بداخله .. هل ستأتي .. ؟ .. هل سيراها مرة اخرى ، التفتت اليه بغتة ، ارتبك ، توتر ، فأبعد نظره عنها حتى لا تلحظ شروده لترد قائلة بأسف
: انا متأسفة جدا .. نسيت خالص تمن الكشف ..
وضعت القفص على الارض تخرج من حقيبتها كيس النقود ليستقيم حمزة من مكانه يتجه اليها قائلا بابتسامة
: مش باخد فلوس قبل ما الحالة تخف خالص
نظرت له ثم اومأت تشكره ، اخذت القفص من على الارض مستديرة للخروج ، وجدت تفيدة امامها تبتسم لها اومأت لها بدورها في ابتسامة قائلة
: بعد اذن حضرتك ..
ربتت تفيدة على كتفها بحنو و هي تمر بجانبها قائلة
: مع السلامة يابنتي ..
، ثم تركتهم سارة و ذهبت ، و حمزة ينظر في اثرها بشرود شبه مبتسم ، انتشله من شروده  صوت جدته متسائلة باستنكار
: من امته يا دكتور و انت مش بتاخد فلوس قبل ما الحالة تخف .. ؟
نظر لها بقهر قائلا في نفسه .. من اين تخرج لي هكذا .. ؟
اتسعت عينيها بزهول عندما رد قائلا باستنكار
: تيتا .. انتي فصيلة !!
ثم تركها و خرج بخطوات سريعة حتى لا تطاله عصاها الفولازية ، لتبتسم هي له عندما خرج تنظر في اثره تتمنى له السعادة بداخلها .. و لاتدري هي ما سيلقاه و ماذا سيكون مصيره مع تلك الفتاة ..
______________________
يجلس قصي بمكتبه ، طرقت السكرتيرة باب المكتب و دلفت تعطيه بعض الملفات التي طلب منها تحضيرها التقط منها الملفات ، امرها قائلا
: مش عاوز ازعاج .. و هاتيلي قهوة  ..
اومأت له السكرتيرة ثم خرجت من المكتب ،
جلس قصي يتفحص صفحات الملفات بتركيز تام ، شخصت عينيه بزهول غير مصدقا عندما قرأ اسم " منصور محمد المنياوي " شريكا لهم اغلق الملف امامه شاردا غير مصدقا لتلك المصادفة العجيبة ،
جلس يفكر ما الذي عليه فعله ؟ ، من حيث ظرف منصور و الحادثة ، فمن الصعب اتمام الصفقة بالنسبة له ، و لو علم والده بأمر حادثة شريكه و تعطيل الصفقة سيطبق عليه الشرط الجزائي و سيعتير ذلك انسحاب من الصفقة .. و هو بمثابه الانتحار حيث سيخسر منصور جزءا كبيرا جدا من ثروته ، و لا يدرك هو ان شراكة منصور مصادفة مدبرة و مخططة من والده ..
قرر قصي ان يتحدث اولا الى منصور ليرى ماذا عليه فعله ... ؟
_______________________
وصلت حنان الى المشفى  بخطوات سريعة وقلب متلهف لرؤية محبوبه و ساكنه ، تتعطش عيناها لرؤيا ابتسامته لها ، تتحفز جميع جوارحها للإطمئنان عليه ، اقتربت من الغرفة بينها و بينه بضع خطوات ، فتحت باب الغرفة بعيون دامعه تقترب منه بخطوات بطيئة لكن داخلها متلهفا لرؤيته بشدة ، تتساقط دموعها واحدة تلو الاخرى ، و هو ممدد امامها موصل به بعض الاسلاك و الخراطيم ، شعر هو بوجودها ابتسم بداخله فهو قادر على الشعور بها حتى لو بينه و بينها مسافات ، عشقه الذي توغل بداخله حتى صار يجري بعروقه مجرى الدم ، دنت منه تطبع قبلة اعلى جبهته تتساقط دموعها على وجهه ثم استقامت تنظر له ، تمسح على شعره بيديها ، جثت ارضا على ركبتيها تقبل يديه قائلة ببكاء تترجاه .. تتحدث و كأنه امامها يراها
: قوم يا منصور .. قوم انا محتجالك ما تسبنيش
تشهق بانتحاب خائفة من فكرة فقدانه مجرد فكرة فقد احدهم تصيبها بالجنون و كأنها تعاني فوبيا الفقد ، اردفت و هي تستند بجبهتها على يديه و شلالات الدموع تنهمر باستفاضة من مقلتيها
: حياة محتجالك يا منصور .. ما لهاش غيرك .. قوم رجعها
علت وتيرة بكائها ، لتتفاجئ بيد تربت على راسها فوق حجابها .. صمتت عن البكاء لكن ما زالت شهقاتها مستمرة اتسعت عيونها ترفع نظرها نحو وجهه لتراه .. ترى نظرة عينيه التي تفيض بعشقه لها .. ترى ابتسامته التي طالما خففت عنها اوجاع سنوات العذاب .. تلك الابتسامة التى تبعث في نفسها الأمل بعد الألم .. تبتسم و دموعها مازالت تنهمر على وجنتيها .. تبكي .. تبتسم و تبكي في آن واحد ..
لتتوهج الفرحة بداخلها تنير ظلمة وحشتها و تطرد شبح الفقد خارجا عندما آتاها صوته قائلا من بين ابتسامته
: انتي بتعيطي ولا بتضحكي .. ؟ !
اتسعت ابتسامتها تمسح دموعها بظهر يدها قائلة من بين شهقات بكائها التي تحاول جاهدة اسكاته
: لا مش بعيط اهو ..
ضحك بخفوت ليتأوه من مجرد ضحكة خافتة ، اردفت قائلة بلهفة من بين بكائها
: سلامتك ..
ثم نظرت له بتأثر مردفة
: حمدا لله على سلامتك ..
نظر لها يبتسم قائلا
: ما تخافيش .. انا كويس .. طمنوني عليكم
ليعود لها فيضان الدموع مرة اخرى تكتم شهقة بكاء بيديها ، ليعلم هو ان سر بكائها حياة .. يعلم تماما مكانتها عند زوجته ، و ان لم تكن ابنتها ، لكنها تعتبرها كذلك فهي ربتها منذ الصغر فكانت عوضا لها لجبر كسور امومتها المسلوبة ، لم تكن حياة قد بلغت سن السادسة بعد عندما اخذها من رشدي و عند تذكره .. اشتعلت بداخله نار حارقة تتوعد لرشدي و باسم بالهلاك لتفكيرهم فقط بإيذاء صغيرته ، اذدرد ريقه بتعب يطمئن حنان قائلا
: ما تخافيش عليها .. هي في أمان
ابتسمت بلهفة ترد متسائلة
: ما سافرتش ... ؟
نفى لها برأسه لتعاود سؤاله مرة اخرى و يبدو انها لن تكف عن الاسئلة حتى تراها امامها سالمة
: اومال هي فين .. ؟ .. عاوزة اشوفها .
ليرد عليها قائلا بحزم حتى تكف عن قلقها ذلك
: حنان .. حياة بخير و هتشوفيها قريب .. لما اقوم من هنا
و قلب الام يتآكل قلقا ، يتولى التفكير .. و يتنحى العقل جانبا مؤقتا و ربما يتنحى للابد في سبيل رؤيتها امامها مرة اخرى .
: طب هي بتاكل كويس .. ؟ .. بتنام فين ؟ .. و عند مين .. ؟
ابتسم منصور بيأس يبدو انها لن تكف عن اسألتها تلك فرد من بين شعوره بالألم قائلا
: ما تقلقيش يا حنان .. حياة كويسة .. مش عايز اي حركة تهور تكشف مكانها ليهم .. لو وصلو لها و انا هنا .. مش هقدر اعمل حاجه .. ساعتها هموت بجد يا حنان
مالت للامام تربت على كتفه قائلة ببكاء
: بعد الشر عنك .. ما تقولش كده تاني .. ان شاء الله هتقوم بألف سلامة و ترجعها في حضننا تاني .
قاطعها دخول الطبيب يطلب منها الخروج مراعاة لحالة المريض ، همت بالخروج و لو خيروها لظلت ما تبقي من عمرها بجواره ليأتيها صوت منصور قبل خروجها قائلا
: ابعتيلي شاكر .. عاوزه ضروري
اومأت له تودعه ثم خرجت ، ليتفحص الطبيب جرحه و اماكن اصابته .
_________________________
جلست على الفراش بجوارها تتأوه بخفوت قائلة
: اه يا لهوي .. رجليا مش حاسه بيها يا اختي
لترد عليها عليا متلهفة لمعرفه ماذا حدث قائلة
: الف سلامه عليكي .. ها ريحيني و قولي لي عملتي ايه ؟ .
تنهدت ام ورد بتعب تقص عليها ما حدث ..
ليغيم الحزن على معالم عليا تتمنى لمنصور الشفاء العاجل ، لولا عجزها و عدم قدرتها على الوقوف لذهبت اليهم بنفسها تخبرهم عن ذلك السر الذي يؤرق مضجعها .. و يأسر روحها .. اردفت ام ورد تنهي كلامها
: هو ده كل اللي حصل انا قولت لو هو ما شفهوش يبقي مراته بقى اللي تشوفه .. سامحيني يا اختي ماعرفتش اعمل اكتر من كده .
اغمضت عليا عيونها تتنهد بتعب قائلة و هي تربت على قدم ام ورد
: كتر خيرك يا حبيبتي .. انتي عملتي اللي عليكي و زيادة ..
لتتركها ام ورد مع وعد لها ان تمر عليها مسائا
شردت عليا بحزن و ندم تتذكر اليوم الذي دفعت و مازالت تدفع ثمنه من ندمها و حسرة روحها حين ما وافقت تلك الملعونة على خطتها ...
Flash back
صعدت عليا درجات السلم ، تحمل بين يديها الروقه التي القاها اليها احدهم و هو يمر بجوارها و هي عائدة من عملها ، مدون عليها عنوان ما و بجوار العنوان جملة واحدة جعلتها تذهب الى هناك بدون تفكير " لو عاوزة ابنك يعيش و تعمليله العمليه تعالي على العنوان ده "
ذهبت عليا سريعا بقلب ام يرتجف خوفا من مجرد التفكير بفقدان ولدها .. طرقت باب الشقة التي تحمل نفس الرقم المدون على الورقة لتفتح لها خادمة ما ، دلفت في ترقب خائفة تتسائل من ياترى .. ؟ ، من سيفعل لها ذلك المعروف .. ؟ و ستكون مخلصة له طوال العمر ، حتى لو طلب منها روحها لن تتردد في منحه اياها في سبيل ان يشفى ابنها فقط و يمارس حياته كباقي الاطفال ، و بعد عدة دقائق خرجت اليها بخطوات متمهلة .. واثقة .. بجبروت امرأة و ابتسامة كبرياء جانبية تقدمت تنظر لها بعلو قائلة
: ازيك يا عليا .. ؟
انتفضت عليا واقفة من مكانها زعرا تتسع عينيها لآخرهما بزهول تبسمل قائلة
: بسم الله الرحمن الرحيم .. ست ناهد .. ؟؟؟
ابتسمت لها ناهد ثم جلست امامها تضع قدما فوق الاخرى قائلة
: اكيد مستغربة .. ؟
ضحكت بخفوت ثم اردفت
: ما تستغربيش يا عليا ..
ثم اشارت لها نحو المقعد
: اقعدي ..
لتنظر لها عليا بعدم تصديق تسألها
انتي عايشه ؟؟ .. انتي لسه عايشه .. ؟
ردت ناهد ببطء ، بعيون تلتمع بتصميم رهيب ، و بنبرة تخرج من بين حروفها نار حارقة
: انا عايشة .. انما انتي لو عايزة ابنك يعيش تسمعي الكلام اللي هقولك عليه .. و انا هتكفل بكل مليم لعملية ابنك ..
نظرت لها عاليه و ما زالت في زهولها
: انا مش فاهمة حاجه ابدا .. انتي ازاي عايشه .. ؟ ! ! ، ازاي عايشه بعد الحادثة .. ؟
لترد عليها ناهد بمكر راق لها
: مش مهم دلوقتي ازاي عايشه بعد الحادثة .. المهم ابنك .. و انك تسمعي الكلام اللي هقوله لك بالحرف الواحد .
ضيقت عليا ما بين حاجبيها في استغراب تسألها
: كلام ايه .. ؟ .. انا مش فاهمة حاجه ..لما انتي عايشة ليه ما عرفتيهمش .. ؟ دي حالتهم كانت صعبة اوي بعد الحادثة و خبر موتك .. و بالخصوص ست حنان تعبت اوي بعد ...
لتنتفض عليا خوفا تتسع عينيها و خفقات قلبها تدوي كالطبول تنكمش على نفسها زعرا
عندما قاطعتها ناهد زاعقة بصوت جهوري من يراها لايظن ابدا ان ذلك الصوت من تلك الفاتنه امامها ،
صوت يحمل بين نياط حروفه حمم بركانيه على ما يبدو تحبسها هي بداخلها .. لو اطلق سراحها لأحرقت الاخضر و اليابس .. لأحرقت العالم حقدا و كرها .. بدت كشيطانة غاضبة .
: ما تجيبيش سيرتها قدامي ...
ثم اخذت تلهث .. تحترق انفاسها .. و بنبرة بطيئة كالموت اردفت
: اسمعي اللي هقولك عليه و تنفذيه بالحرف الواحد .. و إلا مش هتلحقي تشوفي ابنك .. و هو سايح في دمه ..
انتفضت عليا خائفة تتوسلها ببكاء و قد استشعرت من منظرها ذلك انها تفعلها .. تفعلها حقا و تاخذ منها صغيرها ان لم تفعل ما تريد ...
: لاااء .. لاء ابوس ايدك يا ست ناهد ابني لاء ، عاوزاني اعمل ايه و انا هعمله .. ؟
جلست ناهد مرة اخرى تتنهد بحقد ، تبتسم بشر و قد نالت ما تريده .. ، تحدثت بتمهل تحذرها قائلة
: اول حاجه لو حد شم خبر اني عايشه و انك شوفتيني و اتكلمنا هيكون تمن ده ، ابنك ...
اومأت لها عليا عدة مرات خوفا و ذعرا ، لتكمل ناهد بحرقة .. بشر اسود تشبعت به روحها و يفيض من عينيها قائلة
: تاني حاجه .. و اللي عاوزاكي تسمعيني فيها كويس اوي
... بعد اسبوع عيد ميلاد المحروس ابنها .. انا هظبط كل حاجه كل اللي عليكي انك تجيبي الولد اول ما النور يقطع في الفيلا ، من الباب الوراني للجنينة تسلميه للي هيبقى واقف هناك ..
اتسعت عينا عليا بذهول غير مصدقة تتسائل لماذا تريد الصغير .. ؟ ما الذي ستفعله به ؟ !! ، لتلاحظ ناهد خوفها الذي بدى على ملامح وجهها ، فاردفت قائلة
: بعدها انتى ما تعرفيش حاجة .. ما شوفتيش اي حاجه ، و ابنك هيدخل احسن مستشفى .. و احسن دكتور هيعمله العملية ، و يعيش معاكي .. و كمان بعد العملية هيبقى معاكي قرشين حلوين .. تقدري تعيشيه منهم كويس .
نظرت لها عليا شاردة بتفكير حائرة و صورة صغيرها و هو يلعب هنا .. و يجري هناك .. يضحك بين اصدقائه امام نظرها .. تتمنى رؤية هذه اللحظة .. تتمناها بشدة ، و العرض مغري .. فاردفت ناهد كمت يقولون " تطرق على الحديد و هو ساخن "
: ما عندكيش خيار تاني يا عليا .. يا تنفذي اللي قولت عليه يا هيكون تمن رفضك .. ابنك

أحيت قلب الجبل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن