تجلس جواره بتوتر وخجل ..قلب يخفق بعنف ..وجنتين قد راق له النظر إلى حمرتهما ..لم تكن تعلم انها ستذهب اليه برفقة والدتها ..و تعود برفقته ..هي وهو فقط ..وذلك ما اضطر إليه الأمر .. ان تظل والدته بمنزلهم ..ويذهب هو ليوصل خطيبته إلى المنزل ..ليكون الأمر في إطاره الطبيعي امام اخته الصغيرة كما يدعوها ..
: متشكر ..
أجفلت على نبرة صوته رغم هدوئها ..فاذدردت ريقها تسأله بعدم فهم وقد نست الأمر ..
: على ايه ..؟
نظر إليها للحظات ثم تابع سيره بالسيارة قائلا..
: إنك انقذتي الموقف وقولتي انك خطيبتي ..
اشتدت خفقاتها أكثر ..ارتبكت ..وما زاد الارتباك وجنتيها سوى احمرارا ..رمشت بأهدابها عدة مرات ..والصورة كاملة محببة إلى قلبه .. فردت تبرر عن قصد انها فعلت فقط من أجل والدتها ..
: اصل اا..ماما يعني ما عرفتش ترد ..فإضطريت اقول كده ..
اومأ لها تلتمع عينيه بمكر وقد فهم مقصد التبرير .. ليتصنع الأسف قائلا
: بس في حاجة ما عملتيش حسابها ..
نظرت له بانتباه مهتم ..ليردف
: هتضطري تكملي الدور للنهاية ..
اتساع طفيف بعينيها ..ومازالت خفقاتها تعلو وتيرتها ..
: يعني ايه ..؟
فرد كمن يوشك على تقديم تضحية ما
: يعني انا وانتي هنمثل دور المخطوبين لحد ما نلاقي حل ..
شعور ما ولد داخلها بضيق ورفض ..ليس لفكرة الإرتباط .. بل لتمثيلها ..وها هو يرد لها الصاع بابتسامة داخلية ظاهرها أسف
: هضطر اطلبك من والدي ..خالك يعني ..
أطاح بما تبقى لها من رقة ..ولكل انثى بداخلها شخصيتين احداهما عكس الأخرى ..وهذا ما اكتشفه هو عندما ردت بنبرة مستنكرة ..حادة ..غاضبة ..تلتفت بجميع جسدها تجاهه
: هتضطر ..؟..مين قال اني هوافق اصلا ..؟
قابل غضبها ببرود ولا مبالاة قائلا
: انتي وافقتي خلاص ..انتي اللي ورطتي نفسك ..
هل نسى بشأن زواجهم كما أخبرها خالها ..ام لحديثه هدف آخر ..؟ ..تخاذلت مكانها بخزي ..تعدل من جلستها ..تنظر من خلال نافذة السيارة إلى الطريق ..ماذا يقصد بإضطراره للارتباط ..هل كان خالها محق بشأن حبه لها ..؟ ..هل أخطأت تفسير حديثه عن زوجته ..؟ وشعور أشبه بإصتدام وهم ما امام حقيقة ..وفكرة تترسخ بذهنها ..حتما اضطر هو ايضا رغما عنه قبول الزواج منها شهامة منه لا أكثر ...
يقال ان حواء لها القدرة على امتلاك الشيء ونقيضه في ذات الوقت ..الرقة والشراسة ..الثرثرة والرزانة ..الذكاء الداهي والغباء التام ..ويبدو ان الأخير يفرض سطوته الآن على جميع افكارها ..
اشتباك ما بين دموع لعينه عاصية التمعت تثور طالبة الخروج من عينيها ..و كرامة تنظر لها محذرة ..تدفعها لعدم الظهور أمامه .. وغافل هو عن تلك المناوشات بداخلها ..ابتلعت غصة ما بصعوبة تربع يديها امامها تنظر من نافذة سيارته ترفع ذقنها قائلة باندفاع
: زي ما انت ما إتورطت كده و وافقت على جوازك مني ..؟
نظر إليها بصدمة برع بأخفائها خلف معالم وجه غير مقروءه.. متى علمت بشأن زواجهم ..وازت نظرته التفاتة منها ترفع ذقنها للأعلى قليلا قائلة بكبرياء تستعيد به بعضا من كرامتها المبعثرة كما تظن ..
: انا مش موافقة ..وتقدر تقول اننا فركشنا الخطوبة أو ما حصلش نصيب ..
و مازال الغباء متحكما بشراسة ..
اما هو فلم تكن رغبته تطرف الحديث بينهما بذاك الإتجاه .. لكنه لم يرد ..لم ينكر ..ولم يبرر ..فقط صمت ..التفتت برأسها تجاه النافذة ..وما زاد صمته كرامتها سوى تبعثرا ...عضت باطن وجنتها ترغم عيونها على ابتلاع تلك الدموع ..وئدها ..حرقها .. بينما تلتمع عينيه للمرة الثانية ..وتلك المرة لم تكن إلتماعة ماكرة فقط ..بل أشد مكرا ..وابتسامة جانبية .. وضغطة قوية ..ثم ضغطات متتالية على مكابح السيارة بقدمه دون ملاحظة منها .. ارتدت اثرهما للأمام والخلف صارخة تتسع عيونها بخوف ..لتتوقف السيارة فجأة ..نظرت إليه بتسائل فزع
: ايه ده ..في ايه ..؟
زفر يحاول ان يدير السيارة مرة أخرى ..او بالأحرى يتصنع المحاولة ..لتنظر حياة حولها باستكشاف ..دب الخوف بأوصالها ..مسيطرا على جميع حواسها ..حيث طريق مظلم ..لا تستطيع تحديد هويته ..خالي من البشر تماما .. ونبرة هادئه تخبرها بأن عليها تقبل الأمر وكأنه من طبائع الكون الفيزيائية ..عندما قال قصي بلا مبالاة جالسا فوق مقعد السيارة بإسترخاء
: العربية عطلت ..مش هتمشي ..
حيث عليه ان يثبت لها كونه بات يفضل ذلك النوع من "ألورطه" يفضله بشدة ...
_______________________________
تهاوت جالسة على تلك الأريكة بمنزلها ..تنظر أمامها بخواء ..تفتقد احتضان والدتها بشدة ..شعور طاغي بالفقد يسيطر على جميع مشاعرها ..فقد ثقة ..حب ..امان ..سند ..ملجأ ...
تثور دموعها نزولا تحرق وجنتيها في حالة من الصمت ...صمت أباح لها وأخيرا الأنهيار ..أغمضت عيونها بقوة ..تطلق العنان لآهات أبت المكوث بجوفها أكثر .. آلام مهلكة حد الموت ..روح تحترق ..تنوح ..تمرر فقط صراخ حاد يكاد يشق ذلك السكون من حولها ..
: يا أمي ..يا أمي ..يا أمي
أخذت تصرخ ..تنادي الموتى في احتياج لضمة واحدة ..فقط ضمة لم تعثر عليها بين من يحملون قلوبا تنبض بالحياة ..كفت عن الصراخ تتهاوى أرضا ينشيج باكي ..يتخافت صوتها بانهاك ..ترتجف هامسة وقد تمددت تلامس وجنتها جفاء الأرض ..
: سبتيني ليه ..سيبتيني لوحدي ليه ..ارجعي يا أمي ..ارجعيلي انا ماليش غيرك ..
________________________
قادته شياطين غضبه نحو منزل منصور مباشرة ..صورتها لا تبارح عينيه ..كلماتها يتردد صداها بداخله ( ماما متوفية....بابا مات ..مات من زمان ..) يقترب من المنزل تشتعل عينيه بحمرة الغضب ..تحترق أنفاسه ..( مسافرة ..عند اهلي....ده ابن عمي ..عن إذنك ..) ..يصك اسنانه ببعضها قهرا ..يكاد يسحقها ..وكلمات جدته تجول برأسه تزيد من اشتعال نيرانه كالوقود ..( مالناش دعوة يا حمزة دول اهل مع بعض.....ابن عمها هيتجوزها ويصلح غلطته ) ...وهنا قد حطتمت كلماتها آخر حصون ثباته ..أخذ يطرق باب منزل منصور بعنف ..بجنون .. بغضب يكفي لإحراق الكون ..فتحت الخادمة الباب بزعر تنظر له بخوف ..لينطلق الى داخل المنزل زاعقا ..
: سارة ..سارة ..
لترد الخادمة سريعا بخوف
: انسة سارة مش هنا .. مسافره ..
التفت لها ..بوجوم صادم ..لم تأتي إلى هنا ..!
لم تلجأ لأحد غيره ..!.. ليزعق بألم ..بحدة ..باحتراق ..
: انداهيلي أي حد أكلمه ..
بتلعثم وخطوات خائفة إلى الخلف ردت الخادمة تجيبه بارتباك
: مااا مافيش ححد هنا والله العظيم ..كككلهم خرجوا ..
يلهث ..يعلو صدره ويهبط ..يرتجف قلبه بعنف ..أين هي ..؟ أين ذهبت ..؟ ..وتصور له خيالاته أسوء الإحتمالات ..بنظرات حائرة ..يشد علي شعر رأسه للخلف بعنف خارجا من المنزل ..ليتفاجأ بصديقه يصف سيارته بأهمال يهرول ناحيته راكضا ..(أخبرته تفيده بما حدث ليغلق الهاتف معها متوجها بسرعة البرق نحو منزل منصور ) ..والقلق يتجسد بنظرة عينيه ..وقف امامه قائلا بلهفة
: هي فين ..؟
زعق فيه بحده ..دافعا اياه بصدره قائلا
: وانت مال أهلك ..؟ إبعد عن وشي يا آدم ..
تخطاه خارجا ..ليمسك آدم بذراعه يلفه إليه صارخا
: سارة فين يا حمزة ..؟ اخت..
ولم يستطيع إكمال جملته حيث صب المارد عليه جام غضبه ..يكيل له لكمات متتاليه زاعقا ما ان نطق بإسمها
: قولتلك ابعد عن وشي ..ما لكش دعوة بيها ..
ارتد ادم خطوات للوراء تآثرا بلكمات حمزة ..ليتركه الأخير ذاهبا ..بينما أسرع آدم يقبض على تلابيب ملابسه من الخلف يرد له ما تلقاه منه من لكمات قائلا بتقطع يتناسب مع كل لكمه ..
: انت ..اللي مال ..أهلك ..بأختي ..
أنحني حمزة للأمام قليلا ..يمسح خيطا من الدماء اندفع يسيل من جانب فمه ..يلهث باستيعاب آخر كلمة ..(أختي ) ...بأنفاس متقطعة سأله بعدم فهم
: أختك ؟ ..هي مين دي اللي أختك ..؟
والآخر يلهث بدوره ..يزعق بغضب قائلا
: سارة ..سارة أختي يا حمزة ..تفيدة حكيتلي ..هي فين ..؟
وقف كل منهم صامتا لا يسمعان سوى صوت لهاثهما ..يحاول حمزة فهم ما تفوه به آدم ..ليتركه الأخير بنفاذ صبر راكضا نحو منزل منصور ..بعد دقيقة واحدة ..خرج آدم كالإعصار يركب سيارته ..وحمزة مازال واقفا بمكانه يحاول استيعاب قوله ..ليركض نحوه مباشرة ما ان رآه يتحرك بالسيارة .. فتح الباب يجلس جواره دون كلمة واحدة ..تشتعل براكين في عيني كل منهم ..تحرك بالسيارة مصدرا صريرا صارخا أثر احتكاك العجلات بالأرض ..يتجه بسرعة صاروخية باتجاه منزل أخته كمل علم سابقا حسب ما جمعه عنها من معلومات ...
_____________________
أنت تقرأ
أحيت قلب الجبل
Tajemnica / Thrillerهو ثابت كالجبل .. مهما عصفت الرياح .. او رعدت السماء ..لم يهتز ،ارسل له القدر نسمة هواء تحمل له زهرة ..استوطنت بقبله .. فدبت فيه الحياة