الزواج ....

30 1 0
                                    

      على غير عادتها استيقظت سمر منتصف الليل فهذه هي الليلة المنتظرة فغدا هو اليوم الموعود ' يوم الزفاف ' خرجت تستنشق بعض الهواء فهي تشعر بالاختناق  ' بالرغم من وجود كل من تحبهم حولها إلا أنها تفتقد والديها كثيرا هذا اليوم ' جلست على الأرض وسط الحديقة تنظر للسماء و عينيها تلمع بالدموع ' مر شريط جميل ' حزين على خاطرها  ' رأت يزن وسط النجوم يلعب بدرجاته  ' جدتها تبتسم لها ' منصور ممسكا بيد سمر ذات الثمانية أعوام  يداعبها  ' ياسمين تحضر صحن الحلوى و سمر الصغير تهلل ماما ماما و بكاء الطفلة مروة ' رأت في عينيها منزلهم ' دفء البيت و صوت عميق داخلها ينادي '' إشتقت  لكم كثيرا ' صوت حزين ' أليم و مكسور ' ينبض بالحزن ' شلالات من المشاعر نزلت على قلبها بأن واحد ' فالبنت يوم عُرسها تحتاج أمها قربها ' يد أبيها تمسك بها لتخفف الخوف و التوتر ' نظرة جدتها الفخورة بطلتها الملائكية  '  تعلم أن الله عوضها بخالتها و عمها وهما لم يقصرا أبدا و لم يشعرونها بالنقص ولا الفقد و يحاولون بكل جهدهم أن تكون سعيدة في أجمل أيام عمرها ' لكن ماذا تفعل فهي لا تتحكم بمشاعرها و الوالدين لن يعوض مكانهم أحد مهما كان ' الاب والام هما نعمة لا يشعر بها إلا من تذوق مرارة فقدهما  ' نعمة لو زالت بهتت بعدها كل الحياة و ملذاتها  ' تفرح ولكن من دون نفس ' تبتسم ولكن خارج القلب ' تواصل حياتك ولكن من أمان محسوس بالروح ' الوالدين هما شمس الحياة و نور العين و البصر و يتلخص جمال الحياة و طعمها بوجودهم ' لم تشعر سمر أنها بدأت تأن بصوت منخفض ' لم تشعر إلا وهي تحتضن أرجلها و تبكي بحرقة ما لم تبكيه خلال كل السنوات الماضية ' فاليوم هي حقا تحتاج أبويها و حنانهم  ' اليوم فقط سقطت دموع و تعب كل هذه السنين ' اليوم إنهارت كل قلاع قلبها و إنهدمت حصون قوتها ' اليوم هي أضعف الخلق و أحوجهم لله ' كل هذه السنين تحملت و تابعت و مضت من أجل أختها  ' كي لا تشعر بالوحدة و الحوجة  ' ولكن من يسد حوجتها اليوم لوالديها  ' الآن هي سمر ذات الثمانية أعوام وليست سمر ذات العشرين ' سمر الضعيفة وليست الجبارة ' سمر الطفلة وليست الشابة ' بكت كل ألم و حزن ' كل ضيق لم تشتكي منه يوما ' بكت كل ما لم تنطق به أبدا '' اليوم هذه هي سمر منصور التي تحتاج من يعتني بها حقا ''
  شعرت سمر بيد صغيرة تحتضنها  ' رائحة طالما أحبتها  ' طالما حملتها و إعتنت بها ' شعرت بها تحتضنها و تربت على ظهرها  ' وضعت رأسها على أرجل أختها و بكت بصمت و مروة تمسكها بقوة و القمر منعكس على دموع الفتاتين البريئتين  ' الأختين  ذوات القلوب الضعيفة  ' ولكن هذه المرة مروة هي التي تعتني بوجع أختها  ' تفهم ما تمر به ' تقدر لها دموعها ' فهي أختها البطلة الشجاعة و التي بنظرها أسطورة جميلة ' أختها التي تحملت اليتم ' الحوجة ' الظروف ' الايام وكل شيء وهي ذات الثمانية أعوام فقط ' أختها التي كانت لها ملجأ و حضن ' أمان ' حماية و منزل في هذه الحياة  ' سمر التي واجهت كل شئ من أجلها و لها  ' لذا قررت أن الوقت قد حان لتأخذ سمر قسطا من الراحة بعد كل هذا العناء و المشقة  ' يجب أن تأخذ هي دور الحامي و المسئولية فهي الأن أصبحت فتاة كبيرة في الرابعة عشر من عمرها ' أصبحت مروة الأم وليست الطفلة و حان الآن لتتخلى سمر عن دور الام و تتركها تعتني بها قليلا فيجب أن ترد ولو قليلا من دين أختها و حبيبة روحها ' يجب أن تكون هي الملجأ و المنزل و الاحتواء الآن  ' يجب أن تكون قوية كسمر و مضحية مثلها ' يجب أن تعطي سمر الحب الذي غمرتها به و تعوضها عن كل ما حدث ''
تركت أختها تبكي بصمت على حضنها ' لم تتفوه بأي كلمة لتترك كل مكنون داخل سمر يخرج ' إحتوت شقيقتها بصمت و هدوء و تركت كل ما في قلبها يخرج بكل أريحية و من دون أي حواجز بينهما فهما يفهمان بعض من دون قول الكلمات و العبارات و هذا يكفي ..
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
. . . . . . . . . . . . . .
.
.
.
   كان كل من منصور و سمية يشاهدان ما يجري بحزن و قلة حيلة ' تتقطع قلوبهم على بناتهم ' لم يستطع اي منهما التدخل لانهم يعلمون أن سمر تحتاج حقا الآن للتواجد هي و مروة فقط ' يعلمان ما تمر به الفتاة  ' فكل من قد يحدث له ما صار مع سمر لن يصمد دموعه في هذا اليوم ' فالذي مرت به لم يكن قليل و هي مجرد فتاة صغيرة و تستحق أن تعبر عما بداخلها فقد تحملت الكثير بصمت ' و اليوم هي تحتاج أمها و أبيها  ' يعلمان مدى أهمية الأهل في هذا اليوم حتى لو فقدت والديك منذ الف عام ستظل تشعر بحرقة فراقهما كأنها البارحة  ...
    شروق تمنت لو احتضنت سمر في هذه اللحظة فهي مستيقظة منذ قبل أن تستيقظ سمر و لكن لم تريد أن تزعجها لذا إدعت أنها نائمة وعندما نهضت سمر تبعتها من دون أن تشعر  و كانت تعلم أنها لو قامت و اتجهت نحو سمر لن تستطيع أن تعبر عما فيها و لن يرتاح قلبها ' هي أختها التي أحبت بصدق و تعلم أنها تحتاج أن تكون لوحدها هي و مروة هذه الليلة و ستراقب بقلب محزون و يتمزق ' كانت تبكي كل دمعة مع سمر و تكتم شهقاتها  ' فسمر صبرت على الكثير و تحملت فوق طاقتها و طاقة كل البشر ...
  أما لجين كانت مستلقية على سريرها تفكر فى مشاعر سمر هذه الليلة فهي قلقة عليها جدا فقد جربت أن تفقد أحد والديك و تشتاق له في ليلة عُرسك ' جربت مرارة هذا الشعور الهالك ' لكن على الأقل هي كانت معها امها ولكن سمر .... '' ضغطت بيدها على قلبها متحسرة على حال صغيرتها و على ما تمر به ولكن هم جميعا أهلها و يحبونها و يعلمون أنهم لن يعوضوا مكان والديها ' لكن على الأقل سيقللون الشعور بالفقد و الحرمان لديها ولن يتركوها وحدها أبدا لا غدا ولا يوم من الأيام فيكفي ما رأت في حياتها ..
  حنين شعرت بسكاكين تدخل قلبها عندما رأت منظر حفيدتها فلم تشعر بأرجلها إلا وهي تحملها ناحية سمر و مروة و تحتضن كلتا الفتاتين بكل حب و صوت تخنقه العبرة و دموع تنزل كقطرات الندى على الورد وباتت تربت بيديها و تمد الطفلتين بالأمان و تعيد الثقة التي إنهزت  ' عززت داخل سمر الإنتماء و جددت أنهار الحب و هذا من دون أن تنطق كلمة واحدة ' من دون أن تقول كلمات مواساة أو طبطبة ' فأحيانا نحتاج الحضن الصادق أكثر من ألف كلمات قوة ' نحتاج يد تمسكنا من دون عبارات حب ' نحتاج أن نستشعر المشاعر أكثر من سماعها  ' و هذا ما قامت بفعله حنين مع طفلتيها المسكينات فكان إحتواء صامت يحمل كثيرا من المشاعر الصادقة ...   
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
. . . . . . . . . . . . . . . . .
.
.
.
    إستيقظ عمار و قد قضى ليلة سيئة فقد نام نومة غير مريحة فقد كان يشعر بضيق لم يستطع معه أن ينام بسلام ' شعر بقلق على سمر ' مع أنها معه على نفس سقف المنزل لم يكن مرتاح طوال الليل ' لذا قضى ليلة سيئة جدا ' وهذا هو يوم سعده و زفافه ' بالرغم من سوء الليل إلا أنه يشعر بحماس كبير و سعادة مفرطة ' يريد أن يعوض سمر عن كل شىء يريد أن يرى وجهها دائما مبتسم خال من الحزن ' و في نفس الوقت أيضا سعيد بأخته و لكن حزين لأنهم لن يجمعهم نفس السقف مرة أخرى ' هي قريبة منه و مسافة قصيرة إلا أنها في النهاية أخته الصغيرة شروق والتي يحبها و لازال يراه طفلة يلاعبها  و لن يراها كبيرة مهما حدث ' هذه هي مشاعر الأخوة و الترابط الأخوي العميق و المقدس ..''
   شادي كان يتمنى أن يكون هو اليوم سند أخته التي انجبتها له الحياة سمر ' ففي وسط فرحته طعنه خنجر الحزن و قد نسي أنهما يزفان لعرسهما في نفس الليلة ولكن لن يتركها و سيمسك يدها و يسلمها لزوجها ثم بعدها يستلم هو عروسه  ' فشروق لديها أسرتها كاملة من دون نقص ' لكن سمر وحدها تفتقد منصور و ياسمين لذا سيكون هو سندها اليوم و شروق لن تمانع فسمر أختها التي تحب ...
.
.
كان كل شئ مثالي تقريبا هذا اليوم فقد تمت دعوة الجميع ' حتى جيرانهم و أقاربهم بالمدينة ' و كل قريب و حبيب في كل الأنحاء و الأرجاء  ' سعادة تفيض و تشمل كل المكان ' تحيط بهم و من حولهم ' دموع ممزوجة بالفرح و الحزن ' أزهار الزنبق تعطر المكان ' الفل و الياسمين و الجوري و حتى البنفسج ' زينة و طرب ' موسيقى في كل مكان ' ألحان الفرح تعزف اليوم للاحباب ' طبول السرور تقرع بكل مكان ' و جنائح الفرح ترفرف عاليا كالغيوم ..''
الجميع هنا من أجل فرحة واحدة و سعادة واحدة ' هنادي لم تفارق سمر ' فاليوم هو يوم سعدها ' حبيبتها تُزف إلى عريسها ' طفلتها التي نشئت تحت ناظريها ' لعبت حولها ' نامت في أحضانها ' رائحة صديقتها حنين في كل مكان كما لو أنها موجودة ' وجه ياسمين يمر بعينيها هي و منصور تراهم اليوم في سمر ' فخورة جدا هي بطفلتها ' كما عهدتها سمر التي تشبه الملائكة و الربيع فكان عرسها في أجمل ربيع ''
  قام عماد و أسامة بتوزيع المال و الطعام على الجميع حتى القرى القريبة منهم ' فهم بهذا يريدون شكر الله على عطاياه التي لا تنتهي ' وزعوا بأنفسهم المال و الطعام ' قدموا للجميع هدايا المحتاج و غير  المحتاج نشروا سعادتهم في كل مكان و قرروا أيضا بناء ملجأ كبير بكل مقومات المعيشة و الراحة هدية لكل الأطفال المساكين و الذين ليس لهم مأوى ' سليم كان أول الداعمين معنويا و ماديا في هذا ' فهو يعلم قيمة الأسرة و أيضا قيمة الملجأ فهو رأى الكثير مِن مَن لا مأوى لهم و إلتمس ذلك في صديقه ماجد الذي تربى في ملجأ لكنه أصبح من أفضل ضباط البحرية ...

سأعتني بك يا اختيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن