لم يعد بمقدور ماركوس رؤية بينالوبي بين الحاضرين ، فستانها الأزرق المنفوش واللامع لم يعد هنا ليتتبعه بعينيه
ظن انها قد ذهبت للحديقة أو الشرفة فهي ليست من النوع الذي يحب الزحام لوقت طويل
تابع كلمته القصيرة ،صفق له الحاضرين وبدأ جيفرسون يُقَلّده أوسمته
أما بينالوبي فوجدت نفسها تتكئ لكفها على أريكة مريحة في الجناح الملكي الخاص بولي العهد سوربنت
حيث جرفتها نميمة الفتيات عند التتويج لذكرى بشعة بعيدة
عندما مرت مع زميلاتها الإناث في الكتيبة من جانب عرّافة عجوز ، فوقفن يطلبن منها قراءة طالعهن كنوع من التسلية
لكل واحدة منهن قرأت كف يدها وأخبرتها بمستقبل جميل ، مع الحبيب الذي سيحبها ويخطفها على ظهر فرس ،أو الزواج أو أنها ستجد توأم روحها
فأغدقن عليها بالمال بعد أن روت لهن الأكاذيب التي يحببن سماعها ، ومع أنهن جميعاً يعلمن يقيناً أنها كذب ،لكنها أسعدتهن
حتى جاء دور بيناولبي ، التي ابتسمت بلطف بينما العجوز تقرأ كفها
لكن السيدة الدجالة رفعت بصرها وقالت : أنت ...طالعك مشؤوم ، ستعيشين وحيدة
انكسر قلب الصبية الصغيرة لنصفين مجدداً ، وهي التي تحاول جاهدة ألا تشعر بهذا الشعور مرة أخرى
لكن ما قالته العرّافة ،كان كاف لإحساسها بتلك الوخزة المقيتة في صدرها
احتقن البكاء في حلقها وشعرت أن رقبتها تتضخم وأن قلبها لا ينبض ،وإنما يعصر قطران أسود
او كأن أحداً يعتصره بقبضته ويغرز أظافره به
عادت بي لها مرة أخرى في اليوم التالي وهي تحمل المزيد من النقود ، وضعتهم في يد العرافة وهي تبكي وتقول : لقد جلبت لك المزيد من النقود ، كي تقولي كذبة بيضاء لي كما فعلتي مع زميلاتي
بقيت العرافة صامتة بينما بي تتأملها وهي تبكي بقهر
بي : أنا أعلم أن كل ما تقولينه كذب ، فلما بخلتي عليي بكذبة تبهج قلبي وقد أعطيتك المال كما فعلن ؟ ألا استحق السعادة أنا أيضاً ؟
العرافة : هذا ما أخبرني به كفك ، طالعك هكذا ،ستعيشين وحيدة ، وقد يكون هذا هو الأنسب لك
نهضت بي وفي عينيها دموع المكسور وهي تتنهد بأسى ،دون أن يواسي أحد خاطرها
ومن بعد هذا الجرح العميق ،أصبحت تندفع للمهمات كالمتوحشة ، تطلق الرصاص دون تردد ،تقتحم الأماكن المهجورة دائماً ،تقاتل عن الجميع وتحمي زملائها والرتب الأعلى منها
حتى بدأ الضباط الأعلى يشكون أنها تحاول القيام بعمل انتحاري وتقضي على نفسها ، لكن لم يحاسبها أحد حينها فعندها بدأت تتردد للمستشفى لوجود ضعف في عضلة القلب لديها ،وأن حياتها العسكرية شارفت على النهاية