احترس عزيزي القارئ فأنت توشك على الدخول إلى فجوة مكانية وبعد أخر. لا تجهز الكثير من العتاد والمال فلن ينفعوك بشيء، فما تحتاجه هنا هو ذكائك؛ فهو عملتك وطريقك للنجاة، ولن تحتاج لسيارتك الفارهة فسرداب "فوريك" سيأخذك للمكان المنشود.
نعود مرة أخرى مع رواية رائعة للكاتب المبدع "عمرو عبد الحميد" وهي ثنائية تتكون من روايتين هما "أرض زيكولا" و"أماريتا"، اليوم سنتحدث عن أرض زيكولا. احتلت الرواية المركز الثاني في قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في عام ٢٠١٦.
عندما قرأت هذه الرواية عرفت أنه لا حدود لعقل الإنسان وتخيلاته وأفكاره، ففكرة الرواية جديدة وغير مألوفة، تأخذك الرواية لعالم جديد مليئ بالإبداع .
سمعنا كثيراً عن الفجوة الزمنية ولكن هل سمعنا عن الفجوة المكانية!! حيث تنتقل إلى مكان أخر ولكنك لا تزال في نفس الزمن. بالفعل سمعنا عنها وقرأنا كثيراً فيها، حيث أنها تعتبر كبوابة لعالم أخر، وقد جاءت هذه الرواية بتشيكل هذا البعد وتزيينة بفكرة رائعة وهو الذكاء.
دارت فكرة الرواية عن التحكم في مصائر البشر، فذو السلطة يسنون القوانين كما يشاءون، ويملؤن عقول الناس بما يريدون، يجعلون الناس يعتادون الظلم وكأنه أمر بسيط وطبيعي، يجعلون الناس تعتاد القتل وهم يهللون لأنهم نجوا من القتل، ولا يتساءلون عن سبب القتل، أو يثورون لقتل الفقير، فلماذا نقتله، ماذا فعل، فكل منّا معرض لذلك؛ والفقير هنا بالرواية كناية عن الضعيف في عالمنا الحقيقي، وكأن الذو السلطة يجيزون قتل الضعيف.تناول الكاتب الرواية بلغة كانت خليط بين الفصحى والعامية خاصة في الفصول الأولى التي كثرت فيها العامية ثم تدرجت اللغة لتصبح في فصولها الأخيرة عربية فصحى، وبالرغم من عدم حبي للروايات التي تكتب بالعامية-نظراً لأن اللهجة العامية التي كتبت بها تكون حكراً لأهل المنطقة التي كتبت بلهجتهم، ولا يستطيع باقي القُراء من مختلف الدول فهم الكثير من العبارات، كما أن لغتنا العربية لغة رائعة يجب تزيين كتاباتنا بها- إلا أنها لم تكن منفرة؛ بل كانت سلسلة ومفهومة.
أما عن الحوار والسرد فقد كان السرد على لسان الراوي وبطل الرواية "خالد" فعشنا معه خلال الرواية مشاعره وأفكاره وخضنا معه مغامرته الرائعة، وكان يفضل لو كان السرد كله على لسان البطل، فقد كان السرد عن طريق الراوي مملاً قليلاً، كما كان الحوار جيد ومتناسق ولم يكن هناك تشتيت للقارئ أو تعقيد.
وبالنسبة للزمان والمكان فقد توافقوا تماماً ولم يكن بينهم أي ثغرات، وكانوا متناسقين مع أحداث الرواية.
وعن الحبكة وواقعية الرواية فكانت رائعة في أغلب الأحداث ولم أجد فيها اي خلل إلا في بداية الرواية؛ حيث العقدة التي واجهت الكاتب في معرفة خالد لأمر السرداب وحلها عن طريق الجد؛ فأجد أن الكاتب لم يعالجها بشكل صحيح وسليم، فبداية الرواية كانت واقعية ولكن نجد خلل في شخصية الجد، الذي كان يشجع حفيده على النزول إلى السرداب، أب فقد أبنه الوحيد وزوجته عندما نزلوا لهذا السرداب فمن الطبيعي أن لا يذكر اسمه أبداً لحفيده لكي لا يشجعه ذلك على البحث عن والديه -إن عرف- او يصبح لديه حب للمغامرة والإستكشاف، ولكننا نجده يهيأه منذ صغره لنزول السرداب عن طريق قص الحكايات عليه وتشويقة.
فلو نظرنا لصفحة ١١ بالرواية سنجد جملة جده(لا... أنت أحسنلك تدفن نفسك في سرداب ) الجملة لا تقال هكذا فهي تقال (ادفن نفسك في التراب أو الرمل ) وكأنه يحثه على تذكر السرداب وهذا بالفعل ما حدث فعندما قال جده هذه الجملة تذكر خالد السرداب على الفور وقرر النزول.
ثم وقوفه عند غرفة حفيده ليستمع له وهو يحدث نفسه وكأنه توقع أمر نزوله لهذا السرداب ولم يظهر عليه علامات القلق والرفض او حتى الغضب والندم، بل سنجد بعد ذلك أنه كان مؤيد له وشجعه وساعده.
وفي صفحة ٢٠ قال له جده :(يمكن كنت بتبص لها انها مجرد حكاية عشان اسكتك بيها، ومتعرفش إني كنت بنمّي فيك السبب ده .....) ، الجد لا يُنمي أمر خطير عند حفيده خاصة إذا فقد ابنه فيه، بل الطبيعي أن يكون عنده حماية زائدة ورغبة في عدم معرفة حفيده لهذا الأمر، ولكننا نجده يضع حجه وهي حب المغامرة، الفكرة غير عقلانية وغير واقعية بالمرة.
أجد أن الكاتب أخطأ هنا؛ حيث أنه واجه مشكلة معرفة خالد بأمر السرداب وأراد أن يمهد لنزوله، فعرض الحل عن طريق جده، وهو ما أجده لا يتناسب مع واقعية الرواية وواقعية الشخصيات، بل يقلل من قيمة شخصية الجد المحب العطوف. كان من الممكن أن يعرض هذه الفكره عن طريق صديق جده فيجعله يتردد كثيراً على منزلهم منذ صغره وأثناء عدم تواجد الجد يحكي "لخالد" عن السرداب. وبذلك تكون واقعية الرواية أفضل.
YOU ARE READING
بحر الخيال (أفضل ما قرأت في الخيال)
Fantasiألا تجد من الصعب العثور على قصص وروايات جيدة؟ روايات تنسيك القليل من هموم الحياة، هل عانيت من قراءتك لبعض القصص المملة؟! هذا ما حدث معي. لذلك قمت بكتابة هذا (ليس رواية، ليس قصة قصيرة ) إنما هو يشمل كل ما قرأته من روايات جذبتني في موضوعها أو طريقة سر...