الفصل الثالث والاربعون

753 30 1
                                    

الفصل الثالث والأربعون



:- إياك أن تخلعيه ..
التفتت نوار نحو آدم الذي وقف عند باب غرفة نومها القديمة حيث أصرت والدتها على بقائهما لتأخر الوقت حتى الصباح ... مستندا إلى إطاره الخشبي في حين كانت عيناه تلتهمان تفاصيلها كما كانتا تفعلان طوال الأمسية ... يبدو شديد الجاذبية بسرواله الأنيق الأسود .. وقميصه الرمادي الرسمي وربطة عنقه المناسبة .. ابتسمت بخبث وهي تقول :- سأضطر لخلعه في النهاية ... الثوب أجمل من أن أنام فيه فأفسده ..
انتزع نفسه من مكانه .. وخطا إلى داخل الغرفة وهو يقول بصوت أجش :- ستخلعينه في الوقت المناسب ... في الواقع .. سأخلعه أنا عنك وبطريقتي عندما أقرر هذا .. وحتى ذلك الحين .. أنت ستظلين فيه .. لأن الحفل لم ينته بعد ..
قالت بتحدي :- حقا ؟؟ حفل الزفاف ينتهي دوما عند مغادرة العروسين إلى بيت الزوجية .. وقد مرت ساعات على رحيل أسرار وقائد ...
أغلق الباب ورائه وهو يقول :- أنا لا أتحدث عن حفل أسرار وقائد .. أنا أتحدث عن حفلنا أنا وأنت .. حفل لم نحصل عليه قط ..
قالت بسرعة :- أنا لم أرغب بحفل ... أنت وحدك من أردت ..
ابتسم ... دون أن يعلق .. فراقبته بترقب وهو يخرج هاتفه من جيبه ... ويفتحه ضاغطا عدة أزرار فيه ... قبل أن يضعه فوق منضدة الزينة الصغيرة ذات المرآة المنمنمة والتي اتخذت شكل قلب ... لتبدأ بإذاعة لحن موسيقي ناعم ... جعل قلبها يخفق بين جنباتها وهو يمد لها يده ويمنحها شبه انحناءة قائلا :- هلا منحتني شرف هذه الرقصة يا سيدتي ؟؟
تورد وجهها وهي تمنحه يدها وتتركه ليسحبها إلى منتصف الغرفة .. ضاما إياها إليه حتى التصقت به فتغمرها رائحته المميزة فتسكرها وتدفعها للاستسلام مانحة إياه جسدها في رقصة رقيقة ... هادئة ... فغمغمت :- ممممم ... موسيقى ... ورقص ....
:- الحفل لن يكون حفلا بدون موسيقى أو رقص ...
:- أظن أسرار وقائد كانا أكثر تلهفا للانفراد مع بعضهما من أن يهتما بتفاصيل كهذه ..
:- أعذرهما .. فأنا كنت أفوقهما لهفة إليك يوم زواجنا ... ولكن بما أنني قد حظيت بك بالفعل .. فأنا أمتلك الآن كل الوقت في الدنيا لتعويضك عن زواجنا السريع والخاطف ..
همست :- أنا لا أريد سواك ..
:- وأنا لم أرغب قط بسواك ...
رفعت رأسها إليه ... ليتبادلا نظرة طويلة .. عاصفة بالمشاعر الجياشة .. قبل أن يقاطعها آدم قائلا بصوت خشن :- أنا أحبك .... أحبك يا نوار ...
اغرورقت عيناها بالدموع وهي تهمس :- آدم ..
:- ششششش
لامست أصابعه شفتيها لتسكتها وهو يقول :- لا تقولي شيئا ... أي شيء .. اتركي سحر هذه اللحظة يأخذ مجراه .. دعيني أنهل من حب امرأتي في غرفة عرفتها طفلة .. ثم مراهقة .. ثم أنثى لا مثيل لجمالها كفاكهة كانت تنضج ببطء وصبر في انتظار أن أقطفها أنا .. كوني لي هذه الليلة يا سيدتي ... كوني لي كلك .. وأنا أعدك بأن أكون ملكك ما حييت ...

يتبع ..

جلست كل منهما مقابلة للأخرى فوق تلك المقاعد المثيرة التي تناثرت في انحاء صالة الاستقبال في المستشفى المخصص للنخبة ... حيث كان المكان خاليا تقريبا إلا من بعض أفراد طاقم المستشفى المناوب في هذا الوقت المتأخر .. نظرت هزار حولها وهي تتساءل إن كان همام يستخدم بعض سلطات آل شاعر كي يتجاوز الحدود المسموحة له كزائر .. ثم تذكرت شاحبة الوجه أن ملكية هذا المستشفى تعود لزوج والدة كريم ..
انسحبت الدماء من وجهها وأطرافها مما جعلها تشعر بالبرد .. وبجسدها يرتعش متناغما مع أنفاسها التي ازدادت عنفا وحدة ... هل أحست الفتاة الأخرى بالتغير الذي طرأ عليها ؟؟؟ إذ كانت هي أول من قطع الصمت قائلة بهدوء :- أنا أتفهم إن لم ترغبي بالتعاطي معي ...
نظرت إليها هزار باضطراب .. بينما تابعت الفتاة :- لقد أخبرني همام مرة أنك كنت تعرفين بأمري منذ سنوات طويلة... أقدر أن الأمر لم يكن سهلا .. في الواقع .. هو مضحك بعض الشيء ... إذ أنني أنا لم أعرف بأمري إلا قبل أشهر قليلة فقط ...
تمتمت هزار :- لقد عرفت بأمرك صدفة في فترة صعبة للغاية من حياتي ... لقد كنت طفلة صغيرة .. صدمتي بك ترافقت مع رحيل همام ... وزواج أسرار المفاجيء .. ثم ... حصول الكثير من التغيرات في حياتنا .. أظن أنني لم ارغب قط في معرفة أي شيء عنك لفترة طويلة ... وربما كنت بقيت على إصراري هذا لولا ...
صمتت ... إلا أن زين لم تكن بحاجة لأن تسمع التتمة لتعرف ما قصدته هزار ... إذ أن ما مرت به كفيل بتغيير أكثر الناس عنادا .. وجه الفتاة كان شاحبا ... متعبا .. عيناها كانتا متسعتين طوال الوقت وكأنها في حالة حذر لا تتوقف ... كانت تبدو صغيرة جدا رغم أن زين تعرف جيدا أنها في مثل عمرها .. الفتاة لا تريدها أختا .. وقد كان هذا واضحا حتى من كلام همام المبهم عنها .. إلا أن زين لم تستطع منع إحساسها العميق بالعطف على الفتاة ... بالحاجة لأن تقف إلى جانبها .. وتدعمها مؤكدة لها أنها لن تزيد أبدا من الضغوط الكثيرة التي تكالبت عليها في الآونة الأخيرة
أخذت هزار نفسا عميقا لتكمل :- حتى الآن أنا ... أنا لا أعرف كيف أتعاطى مع تعرفي إليك ... الأمر غريب لا أكثر .. أن تدخل حياتي أخت جديدة بشكل مفاجيء
قالت زين بهدوء :- أنا لدي ثلاث شقيقات بالفعل ... ولا أحتاج حقا إلى المزيد منهن ..
نظرت هزار إلى عيني الفتاة الشبيهتين بعينيها وقالت :- أنا أيضا لدي شقيقتين ... ولم أفكر قط بالحصول على شقيقة أخرى ..
ساد الصمت طويلا بينهما ... تفكر كل منهما بكلمات الأخرى ... قبل أن تتمتم هزار :- ربما ... ربما نحن لسنا مضطرتين لأن نكون أختين .. ربما ... ربما نستطيع أن نكون صديقتين ... في الوقت الراهن على الأقل ..
رمشت زين بعينيها .. قبل أن تبتسم بشحوب قائلة :- أظنني لا أمانع حصولي على صديقة .. فلا أصدقاء كثر لي ..
تمتمت هزار :- أظنني في حاجة ماسة إلى صديقة ... وقد خلت حياتي من الأصدقاء مؤخرا ..
بموت ليان .. وإرسال والد أسماء لها إلى الخارج للعلاج في مركز تأهيل مرموق ... هزار كانت تشعر حقا بالوحدة ..
:- هل أقاطعكن ؟؟؟
رفعت الفتاتين رأسيهما بغتة لتحدقان في الشاب الذي وقف يطل عليهما .... هزار قطبت في استغراب عندما تعرفت إلى هويته وقد كان موجودا في حفل عقد قران أسرار وقائد قبل ساعات قليلة .. بينما انسحبت الدماء بشكل تام من وجه زين وهي تهمس مرتعشة باسمه :- رائد ...

فى قلب الشاعر الجزء الخامس من سلسلة للعشق فصول لكاتبة بلومى حيث تعيش القصص. اكتشف الآن