الفصل السابع عشر

799 28 2
                                    




الفصل السابع عشر

أدار المقبض بهدوء ... ففاجأته استجابته الفورية ... الباب غير مقفل ... ثم فكر بأنها لم تجد سببا يدفعها سابقا لقفل الباب في وجه الآخرين .... حتى الآن... ورغم هذا ... ها هو الباب مفتوح في انتظار اقتحامه إياه .. ألا يدل هذا على سذاجة مفاجئة ؟؟؟ أن تثق به هو ؟؟
الساعة كانت قد تجاوزت منتصف الليل ... مما يجعل طرقه الباب قبل دخوله بدون فائدة .. دفعه برفق فتحرك أمامه بسلاسة دون أن يصدر صوتا ... وفور أن خطا إلى الداخل تساءل ... ما الذي يفعله هنا ؟؟؟
لقد عاد لتوه من حفلة التعذيب التي كان يحضرها مع عائلته ... ودعهم في الطابق الأرضي قبل أن ينصرف كل منهم إلى سريره ... في حين لم يتمكن هو حتى من دخول غرفته ... وقف أمامها متأملا فقط قبل أن يتحرك دون أن يفكر متجها نحو المكان الذي تقبع فيه المرأة التي احتلت كل أفكاره طوال الأمسية ...
بينما كان يصعد الدرج .. لم يعرف لم أحس بأنه يعتلي طريقا مؤديا نحو المنفى ..... بأن زوجته لم تكن كما كان يصفها ساخرا في الماضي ( تعيش في برجها العاجي بعيدا عن عامة الشعب ) ... بل هي منفية بعيدة عن باقي البشر ... كمن فيه عيب يخشى أن يراه الآخرون ... أو كمن .... يختبيء ... لأن الآخرون لا يرونه في جميع الحالات ... صدمته تلك الفكرة ... أن تكون ليلى غير مرئية حقا ... بأن الآخرون لا يرون منها إلا ما يظهر منها فقط .... أو ما تريدهم أن يروه ...
فكر وهو ينظر في أنحاء الصالة الصغيرة الغارقة في الظلمة الجزئية ..... بأنه يريد أن يعرف عنها المزيد ... يريد أن يعرف ليلى التي تختبيء خلف الواجهة الجليدية ... تلك التي اختفت لتسع سنوات منذ مات والدها نابذا إياها مفترضا الأسوأ بها .... مباشرة بعد نبذ زوجها لها ...
ضوء خافت كان يبدد ظلمة المكان .... ضوء قادم من باب جانبي خمن أنه يؤدي إلى غرفة النور .. توتر وهو يفكر ... أهي مستيقظة ؟؟؟
فكر وهو يسير عبر الصالة .. مجذوبا بحبال غير مرئية نحو الباب المفتوح ... مدفوعا بطاقة جبارة ما كان أهلا لمقاومتها ... بأنه يخطو في طريق ملغوم ... يعرف بأنه قد ينفجر فيه في أي لحظة .. إلا أنه كان مستعدا للمخاطرة ... خاصة وهواء الغرفة مشبع برائحتها ... توقف فجأة مفكرا بقلق ... متى تسنى له أن يميز رائحتها ؟؟؟ رائحة ناعمة ... بسيطة .. لا رياء فيها ... رائحة ورود لم تسقها سوى أمطار السماء ... رائحة لا تشبهها ... أتراها تشبه ليلى الأخرى ... تلك التي كانتها يوما ؟؟؟
فضوله هذا ... تحرقه هذا لأن يعرف كان يقلقه .... حاجته التي تولدت منذ عاد من جديد ... منذ رآها من جديد خلال مرتين كان يخرج في كل مرة منها فاقدا لأعصابه ... متوترا كقط على صفيح ساخن ... غاضب .. وجائع .. جائع للغاية إلى شيء لا يدركه ...
عندما وقف عند الباب المفتوح جمد تماما مكانه والفكرة ترتسم في عقله مرة واحدة فور أن وقع بصره إليها .... لقد كان جائعا إليها ...
فوق السرير المزدوج ... إنما من النوع الصغير الحجم كانت ممددة ..... غارقة تماما في النوم .... ينعكس نور الأباجورة المضاءة فوق المنضدة المجاورة للسرير و المائل للصفرة فوق صفحة وجهها النائم بسلام ... فوق بشرة ما ظهر من جسدها المغطى جزئيا بالملاءة بينما اكتسى ما تبقى منه بقميص نوم حريري بالكاد حجب عنه مفاتنها ...
لم يدرك بأنه كان يحبس أنفاسه حتى أحس بالاختناق ... خطا إلى الداخل بجرأة لا إرادية ... وانحنى ليلتقط الكتاب المفتوح والملقى على الأرض إلى جوار السرير
( قواعد العشق الأربعون ) لإيلاف شافاق ...
عنوان مثير للاهتمام ... ذكره بأنه لم يقرأ رواية مكتوبة باللغة العربية منذ دهور ... أغلق الكتاب واضعا إياه فوق المنضدة إلى جوار الأباجورة ... وعاد ينظر إلى وجه زوجته النائم عاجزا عن التوقف عن تأملها .. وتأمل وجهها الذي بدا مختلفا بدون زينتها المتقنة ... والقناع البارد الذي كانت تكسيه به كلما قابلها ...
لقد كانت امرأة جميلة جدا .... إلا أنها لم تبد له قط أكثر جمالا مما هي عليه الآن ... أترى هذه هي ليلى التي لا يعرفها الآخرون ؟؟؟
( فعليا لا أحد يعرف عن ليلى إلا ما ترغب له بأن يعرفه )
( ليلى لا أصدقاء لها )
اقترب أكثر حتى حجب ظله شيئا من الضوء عنها ... فتململت في نومها وكأنها قد أحست بوجوده ... جمد مكانه وهو يراقبها تتحرك بقلق ... حتى انحسرت الملاءة عن جسدها كاشفة ما كان خافيا عنه من قميصها الحريري القصير ... أزرق اللون كلون عينيها ... لم يخفي شيئا إطلاقا من جسدها البض الرشيق .. والذي ارتسمت حناياه بدقة عبر القماش الرقيق .. فتتبعت أنظاره مصحوبة بأنفاسه اللاهثة خطوط جسدها دون أن يغفل عن تفصيل واحد ... ابتداءً بشعرها الفاحم السواد ... المتناثر حول رأسها فوق الوسادة كستارة من المخمل الثمين مغريا إياه بلمسه .. إلى عنقها الرقيق الطويل .. ذلك العنق الذي حرصت دائما على إظهاره برفعها شعرها بطريقتها الملوكية ... والذي رغبفي إحاطته بأصابعه وخنقه في كل مرة كانت تستفزه فيها ... أي في كل مرة كان يراها فيها ... انزلقت أنظاره نحو صدرها العارم .. والذي أبرز الحرير نعومته وتفاصيله المذهلة ... فابتلع ريقه وهو يسافر بعينيه حتى خصرها الدقيق وبطنها المسطحة ... ثم ساقيها اللتين انكشفتا بسفور من أسفل القميص القصير ..
رباه لكم يريدها ... رباه ... كيف حدث هذا ... كيف يمكن لشخص أن يكره امرأة ... أن يحقد عليها ... يشتهي خنقها ... ثم يريدها بهذا الشكل المجنون ...
بينما هو يتألم ... عاجزا عن القيام بأي إجراء يخفف من وطأة ألمه ... ضربته تلك الحقيقة كالصاعقة .. بأن هذا الإغراء الصارخ ... هذه الأنوثة الطاغية ... وهذا الجمال الذي لا يضاهى .. كان ملكه هو ... بحكم الشرع والقانون .. له ... له هو .. ليفعل به ما يشاء .. غير أنه قد فقد الحق حتى في التفكير بلمسه ..
هذا الجسد المحرم عليه ... أتراه حل لغيره ؟؟ أترى رجلا آخر عرف تفاصيله وتجرع مما يكاد يموت شوقا لتذوقه ؟؟
وهذا القميص المصمم بالذات لتدمير ما لدى أي رجل من سيطرة .... هل كان الغرض من امتلاكها له الرضا الذاتي لا أكثر ؟؟ .. ام أنها اشترته لأجل رجل بعينه ؟؟؟ رجل قطعا لم يكن زوجها ... رجل ترغب بالحصول على الطلاق لأجله ...
لوهلة ... لوهلة فقط ... كاد كل ما اكتسبه همام خلال السنوات التي قضاها في الولايات المتحدة من ضبط نفس وتمدن يطير مع الهواء ... لوهلة ... أراد أن يترك العنان للوحش الكاسر الذي ظل غافيا داخله لتسع سنوات أن يصحو من سباته فيمزق هذا القميص المستفز وصولا إلى ما تحته .... ليفترس كل ما تطوله يداه وأسنانه من أنوثتها الباردة ... فقط كي يثبت بأنها ليست باردة ... بأنها ليست بعيدة المنال كما تريده أن يظن .. بأنها لم ولن تكون لرجل غيره قط ...
بإرادة من فولاذ ... وبعد عدة أنفاس طويلة وبطيئة ... تمكن همام من استعادة هدوئه وسيطرته على نفسه .. ومال ليسحب الملاءة فيغطي بها عري جسدها .. ويتراجع بتصلب .. ملقيا نحوها نظرة أخيرة طويلة ... ثم سحب من جيبه تلك الزهرة الحمراء التي انتزعها رائد من إحدى الباقات الضخمة التي زينت صالة الاحتفال هذه الليلة وقدمها لهمام مهديا إياها ساخرا لزوجته المصون ...
حسنا ..... هي زوجته حقا ... مصونة كانت أم لا ... وستبقى كذلك حتى يقرر عكس ذلك ..
وضع الزهرة فوق الكتاب المغلق .... ثم أطفأ النور ... وتراجع منسحبا من غرفتها ثم شقتها بهدوء وصمت .. كما دخلها بالضبط ...



فى قلب الشاعر الجزء الخامس من سلسلة للعشق فصول لكاتبة بلومى حيث تعيش القصص. اكتشف الآن