الفصل الخامس عشر

765 28 1
                                    



الفصل الخامس عشر

:- لقد فعلت ما طلبته مني فعله يا زين ... مررت هذا المساء على شقة ريا وأخذت أغراضك من هناك .. وسأمر غدا على مقر عملك لأسلمها لك ..
تمتمت زين عبر الهاتف :- شكرا لك يا ربا ..
صمتت ربا للحظات ثم قالت :- ما الذي حدث يا زين ؟؟ لماذا غادرت شقة ريا ؟؟؟ لقد كنا نراك على الأقل أثناء وجودك هناك ... أما الآن .... أنت حتى لا تخبريننا بعنوانك الجديد ؟؟؟ هل أغضبتك ريا بأي طريقة؟؟
:- لا ... أبدا ... أنا غادرت شقة ريا لأنني أحسست بنفسي عبئا عليها في وضعها الحالي ..
:- هي تظن بأنك غاضبة منها ... أو أن قصي قد أساء معاملتك بطريقة ما ... وإلا ما رفضت العودة ولو للزيارة .. هل أنساك والدك المزعوم إيانا ؟؟ هل هو من يمنعك بإخبارنا عن عنوانك ؟؟
أغمضت زين عينيها وهي تكبح إحساسها العميق بالألم ... ثم تمتمت :- لا ... أنا أحتاج فقط لبعض الوقت وحدي ... أحتاج لأن أفكر .. لأن أتخذ العديد من القرارات .. أنا حتى لا أعتبره أبا لي ... ولا أنوي البقاء في ضيافته طويلا ... كما أنني أعرف بأن أمـ ... أمكن لن ترغب بأن تتصلن بي ..
:- هذا هراء .... هي تحبك ... وأنت تعرفين هذا ... ربما عرفنا جميعا لماذا كانت خلال السنوات الماضية تعاملك بطريقة مختلفة عنا ... إلا أن هذا لا يعني أنها لا تحبك ... ما حدث ذلك المساء عندما جاء ذلك الرجل للزيارة هو أنها قد فقدت أعصابها ليس أكثر .. أنت تعرفين حالتها منذ توفي أبي ... لقد كانت في حالة شنيعة من تشوش الذهن .. أظنها نادمة الآن .. ربما هي لا تتحدث عنك أبدا إلا أنني أرى حزنها كلما مرت إلى جانب غرفتك .. هي نادمة ... وسرعان ما ستتصل بك هي لتطلب منك العودة
ثم أضافت بصوت أجش :- البيت موحش للغاية بدونك يا زين ... نحن نحتاج إليك .. لا شيء إطلاقا قادر على تغيير حبنا لك .. أنت شقيقتنا .. وستظلين كذلك ..
أنهت زين المكالمة وهي تفكر بألم ( أنا أيضا أشتاق إليكن ... وأحتاج إليكن كثيرا .. خاصة الآن )
تتصل بها شقيقاتها بشكل دوري منذ رحيلها ... لا يتوقفن عن السؤال عنها وطلب رؤيتها .. وهي كانت تختلق الأعذار تلو الأعذار رافضة رؤيتهن وخاصة ريا ... خشية أن تكتشف السبب الحقيقي لمغادرتها شقتها .. لطالما كانت زين كاذبة فاشلة ... بل إن الكذب لم يكن أصلا من خصال زين
( أنا لا أكذب )
أغمضت عينيها بقوة وهي تحاول كبح ذكرى مواجهتها مع رائد العمري ذلك النهار .. تحس بصدى كلماته وهي تتردد داخل عقلها بلا رحمة فتغرق عينيها بالدموع .. دموع الضعف والإذلال ... لا لأنها فكرت أبدا باقتراحاته الشائنة تلك أو فكرت بقبولها ... بل لأنها قد تأثرت بها .. لأنها قد سمحت له بنظراته الثاقبة .. بالوعيد بين طيات صوته العميق .. بالتغلغل داخل أعماقها .. بزرع الحاجة القاتلة داخلها .. الى وجود شخص يفهمها .. يحتويها .. يمنحها ما تحتاج إليه من عاطفة انتزعت منها بسبب كذبة حيكت حولها بدون رحمة
( أنا لا أكذب )
تمددت فوق السرير دون أن تطفيء المصباح الصغير المجاور له ... وظلت محدقة في السقف بشرود وهي تفكر بأنها الوحدة ... الوحدة ما جعلها سريعة التأثر إلى هذا الحد .. ما جعلها مكشوفة إلى هذا الحد لشخص بخبثه ومكره .. شخص اعتاد على الحصول على ما يريده بوسائله الملتوية ..
( أنا لا أكذب )
ربما هي ليست ملتوية تماما بما أنه كان صريحا معها تماما في طرح ما يريد ... صراحته هذه مطمئنة .. إذ أن وضوحه هذا ومنذ البدء هو ما سيمنحها القوة على صده .. سيمنحها القوة على مجابهته بوضوح مماثل ... هي أبدا لن تنتهي كوالدتها ... والدتها التي تكاد زين تشعر بروحها وهي تطوف في أنحاء الشقة .. تشعر بوحدتها وإحساسها بالإهمال في كل زاوية تشربت بالمشاعر السلبية للعروس الصغيرة والمخفية عن الأعين .. زين أبدا لن تكون مثلها .. إلا أنها ولأول مرة تفهمها ... تفهم ما أحست به الفتاة الصغيرة عندما وجدت نفسها وحيدة بعد وفاة والدتها ورحيل شقيقها ... عندما وجدت في حب رجل كأيمن الشاعر ملاذا لها ..
تمتمت هامسة للروح المطلة عليها فتكاد تشعر بأنفاسها تلفحها :- أفهمك ... لأول مرة أفهمك .. إلا أنني أبدا لن أكون مثلك ..
أغمضت عينيها لتنام ... وهي تؤكد لنفسها أنها عنت كل حرف من عبارتها الأخيرة


فى قلب الشاعر الجزء الخامس من سلسلة للعشق فصول لكاتبة بلومى حيث تعيش القصص. اكتشف الآن