الفصل الثالث والثلاثون

757 26 1
                                    




الفصل الثالث والثلاثين


بدون أن تفكر .. كانت تدفعه عنها متخلصة من قبضته وهي تهس بصوت كالفحيح :- لا تلمسني ..
كيف تراها فكرت في هذا الرجل ذات يوم كفرد من عائلتها .. كأخ لها تثق به وتحترمه .. هذا الرجل الذي استغل وجودها في بيته .. ثقة شقيقتها به .. ظروفها هي ... وهشاشتها بعد اكتشافها الحقيقة حول أبوة أيمن الشاعر لها .. هذا الرجل الذي كان أول من شوه صورة العالم الوردي من حولها .. ومزق أي فرصة للتواصل بينها وبين عائلتها التي تحب .. الواقع يقول أنه أقرب إليهم منها وقد تزوج ريا وأنجب منها طفلين .. وان أي تواصل بينها وبين شقيقاتها مآله أن يكشف حقيقته مدمرا شقيقتها الكبرى تماما .. وزين لن تسامحه أبدا على فعلته هذه بها ما عاشت ..
وجهه كان شاحبا .. كما كان شعره أطول مما تذكر .. لحيته نابتة وملابسه مهلهلة .. كان يبدو مختلفا وهو يقول بصوت مختنق :- أرجوك يا زين .. استمعي إلي .. إكراما لريا ..
على الفور .. طار غضبها بعيدا وهي تقول :- ما خطب ريا ؟؟هل الطفلة بخير ؟؟
:- هي تريدك ... تريد أن تراك .. أرجوك تعالي معي ... لأجلها .. لأجل ابنتها التي سمتها باسمك ... لا تخذليها ..
تصاعد خوفها وهي تسأله بهستيرية :- ما الذي حدث ؟؟
أشار إلى سيارته الواقفة قريبا وهو يقول :- تعالي ... سآخذك إليها ... ستكون سعيدة برؤيتك .. بمجيئك معي سيحل كل شيء ... كل شيء ..
لم تفكر وهي تستقل السيارة برفقته وقلبها يخفق بقوة جزعا من الأفكار السوداء التي كانت تتصارع داخل عقلها ... ما الذي تراه حصل ؟؟ أهي مضاعفات ما بعد الولادة ؟؟؟ أهي الطفلة ؟ أتراها مريضة ؟؟
بينما كان يقود عبر شوارع المدينة هتفت به فاقدة أعصابها :- قصي أخبرني ... ما الذي حدث ؟؟
كان يصب تركيزه كاملا على الطريق .. وقد اعتلى وجهه تعبير مصمم جعلها تعود إلى صوابها مرة واحدة وهي تدرك ما منعها هلعها من إدراكه في البداية ... قصي كان يكذب ..
زمجرت به :- أوقف السيارة ... أوقف السيارة حالا ..
قال من بين أسنانه :- ليس قبل أن تستمعي إلي ... ليس قبل أن أخبرك بما لدي .. ليس وقد حظيت بك معي أخيرا ..
التفتت إليه وهي تصرخ به :- أوقف السياااااااااااارة ..
تشبثت يدها بالمقود .. ودفعته بحدة جعلت السيارة تنحرف فجأة عن مسارها فبذل جهدا كبيرا للسيطرة عليها حتى اضطر لإيقافها في النهاية ...
قبل أن يلتقط أنفاسه كانت تغادر السيارة بدون تردد فتعتلي الرصيف أمام أنظار المارة الذين توقفو وقد لاحظوا توقف السيارة الدرامي ... سمعته يصيح من ورائها يائسا :- فقط استمعي إلي .. أرجوك يا زين .. أرجوك..
وعندما تابعت طريقها دون أن تنظر إليه هتف :- لقد تركتني ريا ..
جمدت مكانها ... بينما قال بتعاسة :- لقد رحلت ... أخذت الأولاد .. وتركت البيت .. ورحلت ..
استدارت تنظر إليه بجمود ... فرأت شيئا هزها في عينيه .. شيء لم يسبق أن عرفته في حياتها حتى في أحلك أوقاتها .. لقد كان الانحطاط التام .. عندما يصل الشخص إلى القاع في سقوطه فما يبقى من نهوض بعده .. حدقت به بشيء من الذهول وكأنها ترى كائنا لم يسبق أن رأت مثله .. لم تكن تعرف إن كان عليها الشعور بالشفقة عليه .. أم على ريا التي ربما اكتشفت حقيقة قصي بعد أن أصبح العطب صعب الإصلاح .. سألته بتوتر :- لماذا ؟؟ ما الذي فعلته بها ؟؟؟
هز كتفيه قائلا :- إنها ترفض التحدث إلي .. كانت صامتة وهادئة منذ الولادة ... وفجأة بعد أيام غادرت دون أن تترك خبرا .. حاولت رؤيتها في منزل والدتها فرفضت رؤيتي ..
أحاطت نفسها بذراعيها وهي تقول بعصبية :- وما الذي تتوقع أن أستطيع فعله أنا لأجلكما ؟؟ أنا لم أتحدث إلى ريا منذ فترة طويلة ..
قال بلهفة :- ستستمع إليك إن تحدثت إليها .. إن ذهبت إليها ورأيتها .. إن أخبرتها بأنني متمسك بها ..
نظرت إليه مترددة ... ترى بريق عينيه فلا تعرف لماذا تبدو لهفته فارغة .. مزيفة .. غير حقيقية . تمتمت :- لا أستطيع يا قصي .. أنا لم أطأ منزل والدتي منذ أخرجتني منه .. ولن أعود إليه أبدا .. حتى لأجل ريا ..
اقترب وهو يقول برفق :- أعرف ... أعرف بأن ما فعلته بك والدتك مؤذ ومؤلم .. وأنك ضائعة الآن بعد وفاة والدك الحقيقي .. لقد عرفت بالأمر طبعا إذ أن الخبر يملأ الصحف .. أنا آسف لأجل خسارتك يا زين ...
نظرت إليه بتوتر .. تشعر بنفورها منه يتضاعف .. متساءلة إن كان سبب رحيل ريا معرفتها بما فعله بها قصي .. أم أنه سبب آخر .. قال بصوت خافت :- أعرف بأنك تعانين الآن ... خاصة وأنه مات قبل أن يعترف بك إبنة أمام المجتمع ..
ارتدت إلى الوراء شاحبة الوجه وهي تقول :- كيف عرفت هذا ؟؟
:- الأمر سهل ... ما لا يتحدث عنه الناس .. هو شيء لم يحدث قط .. لو أنه اعترف بك لما توقف الناس عن تداول قصة الإبنة التي ظهرت فجأة من العدم لأيمن الشاعر ..
ابتلعت ريقها وهي تقول :- الأمر لا يشكل فارقا لدي ... أنا لا أحتاج إلى عائلته في شيء .. أستطيع تدبر أمري وحدي ..
:- سيكون الأمر أسهل إن سمحت لي بمساعدتك ...
حدقت فيه مجفلة بينما نظر حوله وهو يقترب منها قائلا :- تعالي معي لرؤية ريا ... سأوصلك إليها .. إن لم ترحب بك والدتك في شقتها فلا بأس ... صديق لي أخبرني بشقة متاحة للإيجار ... هي صغيرة .. ومفروشة .. ومناسبة تماما لإقامة امرأة وحيدة .. أنا سأساعدك .. سأساهم في دفع إيجارها .. وسأهتم بك ..
أحست زين وكأن يدا تصفعها بقوة وهي ترى النوايا القذرة ترتسم على وجهه .. تندفع مع أنفاسه اللاهثة وهو ينظر إليها متمعنا في ملامحها ... ومسترقا النظر نحو ما ظهر من قميصها تحت معطفها الأخضر ظانا أنها لا تراه ... تراجعت إلى الوراء .. وهي تقول ببرود :- إن قررت الذهاب لرؤية ريا ... فأنا لن أنتظر منك أنت أن تأخذني .. أما عن مساعدتك التي تعرضها علي .. فأنا لست بحاجة إليها ..
استدارت لتذهب فسارع يمسك بمرفقها يجذبها بقوة وهو يقول بخشونة :- أتظنين امرأة وحيدة وضعيفة مثلك تصمد وحدها في العالم الخارجي ؟؟ سرعان ما ستنهشك الذئاب .. وستقتتل صراعا في لملمة بقاياك .. امرأة تعيش وحدها بدون معيل أو رجل يرعاها ... هي مشروع عاهرة لا أكثر ..
دوى صوت الصفعة القوية التي تلقاها وجهه من كفها ليجذب انتباه الناس مجددا من حولهما ... مما دفع البعض للتوقف فضولا وشوقا في معرفة ما يحدث ..
نظرت إليه باشمئزاز ترمقه بقرف من رأسه حتى أخمص قدميه وهي تقول :- على الأقل ... أنا أضمن لك بأنني لن أستحيل إلى واحدة وفقا لشروطك الحقيرة أنت يا قصي .. أما عن حمايتي فاطمئن .. هناك من هو مستعد لتمزيقك إربا إن عرف بأنك حاولت الاتصال بي أو رؤيتي مجددا ... وريا .. أنا متأكدة بأنها ستكون أفضل حالا بكثير بعيدا عن زوج بدون ضمير مثلك ... هي وأطفالها على حد سواء ..
ثم استدارت تاركة إياه واقفا في منتصف الطريق .... وسارت مبتعدة ..

فى قلب الشاعر الجزء الخامس من سلسلة للعشق فصول لكاتبة بلومى حيث تعيش القصص. اكتشف الآن