الفصل السابع والثلاثون

743 32 0
                                    



الفصل السابع والثلاثون



الغداء كان ممتعا ... دافئا وعفويا ...بوجود عمتها غالية .. وكل من أفكار وأريج .. وقائد بالطبع ..
رحبت بها عمتها بشدة .. ضمتها إليها بقوة وهي تنقل نظراتها اللامعة بينها وبين قائد مما جعلها تتذكر ما سبق وقاله لها من قبل حول آمال والدته بزواجهما .. ودفع الاحمرار لتلوين وجهها أمام نظرات قائد المتسلية .. الوغد ..هو يعرف بالضبط بماذا تفكر .. وبماذا تفكر والدته أيضا ؟؟
كيف تراها تستقبل أي نوع من الارتباط بينها وبين قائد ؟؟ رغم ما قاله قائد لها .. لو أن أسرار مكان عمتها .. ما كانت لتقبل بزواج ابنها بأرملة حتى لو كانت ابنة شقيقها .. عمتها غالية .. لا تعرف بتاريخ قائد الأسود .. ولا تعرف بزواجه الغير رسمي والذي لا يعرف عنه أحد .. وأسرار التي لا تهتم عادة بما يقوله الآخرين .. شعرت للمرة الأولى بالخوف وهي تتساءل إن كان زواجها السابق سيقف في وجه ارتباطها بقائد أم لا ..
أريج كانت أما لطفلين .. عبد العظيم الذي سبق وقابلته أسرار في حفل خطوبة أفكار .. ومحمود .. ذو الثماني أشهر .. وما عرفته أسرار من التلميحات التي سبق وسمعتها من عمتها .. لا تأتي أريج دائما للزيارة بسبب طباع زوجها المتحكمة .. مهما كانت المشاكل التي تغمر حياة أريج .. فهي كانت تخفيها جميعا بغطاء الزوجة والأم المتفانية .. كانت تشبه أفكار بعض الشيء .. بدون ميل الأخيرة للسخرية السوداء التي كانت تتشبع بها كل كلماتها ..
قائد كان يراقبها من الطرف الآخر للمائدة .. على شفتيه ابتسامة باهتة وهو يستمع إلى حوارها الضاحك مع أفكار .. التي وجدت فيها خصما قديرا كان قادرا على رد كل تعليق بمثله .. حتى شع الغداء كله بجو منعش من الضحك والألفة .. وكان قائد من يخاطبها طوال الوقت من بعيد .. عيناه تقابلان عينيها .. ( أنت تحييني .. أنت وحدك .. من يحييني )
انتهى الغداء .. وانتقل الجميع إلى غرفة الجلوس حيث قالت أسرار بارتباك :- أنا .. احم .. أعتقد بأنني سأعود إلى عملي .. لقد تأخرت ..
هبت عمتها تقول برفض :- لا وألف لا ... سنحتسي القهوة معا ... ولعلمك فقط .. لقهوتي مذاق خاص لن تجديه في أي مكان آخر ..
قال قائد ضاحكا وهو يهز كتفيه مراقبا استسلام أسرار وإذعانها :- أشهد بذلك ... لا بديل لقهوة أمي ..
أمام عيني أسرار المتأثرتين .. مرت والدته إلى جواره حيث كان يقف عند الباب .. ووضعت يدها على ذراعه .. لتميل وتقبل كتفه قائلة بحنو :- لا بديل لي عنك ... أبدا يا أغلى أولادي ..
غابت خارج الغرفة .. فوقفت أفكار قائلة :- بالإذن ... سأذهب لأنتحر قليلا في غرفتي ثم أعود ..
ثم قالت بحقد مصطنع وهي تمر إلى جوار قائد :- إن افتقدتني أمي ... لا ... لحظة .. لماذا تفتقدني مادام أغلى أولادها موجودا ...
جذب قائد ذيل الحصان المتدلي من رأسها بخفة وهو يضحك قبل أن تخرج .. ثم التفت إلى إلى أسرار قائلا وهو يدير عينيه :- وتعتبرين عائلتك مجنونة .... انتظري حتى تقضي نهارا كاملا مع آل عمري .. لا غداءً واحدا فقط ..
قالت أريج وهي تحاول إسكات محمود الذي أخذ يتلوى بين يديها بنزق :- قائد ... تحدث عن نفسك لو سمحت .. ولا تعمم وإلا ركضت الفتاة هاربة من منزلنا خائفة من العدوى ... آه ... اهدأ يا صغيري .. سأعد لك زجاجة الحليب حالا .. هلا أمسكته يا أسرار .. سأغيب لدقائق قليلة فقط ..
ذهلت أسرار عندما وجدت نفسها فجأة ممسكة بالطفل الصغير ... تحدق مذعورة في وجهه الذي أخذ يبكي بدون توقف وهو ينظر إلى وجهها الغير مألوف ... أسرار التي لم تحمل في حياتها طفلا .. لم تعرف لم أحست فجأة في تلك اللحظة وهي تحمل ابن أريج .. بأنها .. بأنها قد خسرت الكثير ..
سمعت قائد يقول :- دعيني آخذه عنك .. يكون صعب المزاج عادة عندما يجوع ..
ابتعدت عن مرمى يدي قائد وهي تقول :- لا ... سأتدبر الأمر ..
بإرشاد من غريزتها .. وقفت أسرار حاملة الطفل .. مقربة إياه من جسدها لتحيط ساقاه المكتنزتان بخصرها . ويرتكز ثقله على عظام حوضها ... أخذت تربت على ظهره برفق وهي تهمس له ملاطفة .. ثم تغني له بنعومة جعلت بكاءه يتقطع في البداية .. قبل أن يسند رأسه على كتفها .. ويدس معصمه في فمه ويبدأ بمصه .. وجهه مغطى بالدموع .. إلا أنه بات هادئا الآن .. مما جعلها تشعر بالفرحة تغمرها ممزوجة بمشاعر أخرى لم يسبق أن عرفتها في حياتها ... مشاعر استحواذ غريبة .. وكأن جزءا منها كان يقول .. أريد مثله لي ..
ثم رفعت عينيها لتنظر إلى قائد .. وتتجمد تماما مكانها وهي ترى نظرته الذاهلة إليها
لدقيقة كاملة ظل كل منهما ينظر إلى الآخر وكأنه قد وجد فيه إجابة عن كل تساءلاته .. وكأن الكون قد توقف تماما عن الحركة .. تاركا لهما الفرصة لاستيعاب هذه الحقيقة .. حقيقة انتماء كل منهما إلى الآخر ..
:- آسفة لتأخري .. آه .. أرى أنك تتدبرين الأمر جيدا يا أسرار ... أنت أم بالفطرة .. يوما ما ستتزوجين برجل سيكون محظوظا بإنجابك أطفاله ... هاته ..
لم تع أسرار حتى أن أريج قد أخذت منها الطفل .. وجلست إلى جانبها لتتمكن من تلقيمه زجاجة الحليب .. كانت أنظارها مثبتة على قائد .. الذي تحرك فجأة وهو يقول بخشونة :- تعالي معي ..
أمسك بمرفقها ساحبا إياها إلى خارج الغرفة فصاحت أريج من ورائهما :- إلى أين تذهبان ... أمي تعد القهوة وستحضرها خلال لحظات ..
قال من بين أنفاسه العنيفة بصوت لم تسمعه أريج وهو يسحب أسرار إلى غرفة جانبيه :- لحظات هي كل ما أحتاجه ..
همست مضطربة وهو يدخلها إلى غرفة مكتب واسعة .. ويضيء النور مغلقا الباب ورائهما :- قائد ... ما الذي ...
لم يمنحها الفرصة لإكمال سؤالها ... إذ سرعان ما كان يضمها إليه بقوة كاتما شهقتها بفمه .. انتفضت بين ذراعيه .. مذعورة في البداية ويداه تسحقانها إلى جسده .. وشفتاه تقبلانها بعنف رجل جائع إليها .. ثم أدركت الحقيقة .. حقيقة أنه لم يعد قادرا على إنكار مشاعره اتجاهها .. عن إنكار حاجته إليها .. إن أظهرت له الآن خوفها من ضراوة مشاعره .. لعاد خطوات إلى الوراء .. هو لن يؤذيها ... هي تثق بأنه لن يؤذيها .. وتعرف بأنه يحتاج لأن يشعر بثقتها هذه ..
تحركت يداها لتلمسا ذراعيه .. تستشعران عضلاته الصلبة تحت قميصه القطني الأبيض .. تقرب نفسها إليه أكثر .. تستنشق رائحته الرجولية المميزة .. يا الله ... أهذا ما يعنيه أن تحب رجلا .. وأن تشعر بأنها مستعدة لفعل أي شيء لأجله ؟؟
أبعدها عنه فجأة كما ضمها فجأة ... لاهثا .. أنفاسه تتصارع .. أبقاها على بعد ذراع منه دون أن يتركها .. إذ ظلت يداه ممسكتين بها بقوة .. وكأنه يخشى أن يتركها فتختفي من أمام ناظريه .. قال بخشونة :- لن تنجبي أطفال رجل غيري ..
رمشت بعينيها تحاول إبعاد الدموع التي هددت بخيانتها .. وهي تهز رأسها مؤكدة :- أبدا ..
عندها فقط .. عندما استعاد سيطرته على نفسه .. عاد يقربها منه .. برفق هذه المرة .. حتى التصقت به .. فارتعشت وهي تشعر بقوة جسده إلى جانب رقة جسدها ونعومته .. همست :- أهذا يعني أنك .. أنك مستعد للمخاطرة معي ... لأجلي ؟؟
:- أنا مستعد للمخاطرة لأجلي ... لأن التفكير بك مع أي رجل آخر غيري يقتلني ..
لم تعرف لماذا أحست بالرهبة .. وكأن الأمر وقد أصبح واقعا .. بات بعيدا عن التصديق .. قال وهو يلامس خدها بنعومة ليبعد خصلة نافرة من شعرها فيعيد تثبيتها خلف أذنها :- ما رأيك ... هل نخبر أمي الآن ؟؟ أم ترغبين بخطبة تقليدية ؟؟ في جميع الحالات .. غدا سأكون في منزل عائلتك .. وسأخطبك من والدتك وهمام .. أتظنينهما يعترضان علي كزوج لك ؟؟
قالت شبه ضاحكة :- أتمزح ... العائلة تنتظر بفارغ الصبر لحظة زواجي مجددا وخلاصهم مني .. فما بالك بحصولهم على قائد العمري صهرا لهم ؟؟
كيف تستطيع هي ... من دون الناس جميعا .. منحه ذلك الإحساس العميق بأنه رجل ليس ككل الرجال .. كيف تنسيه نظرة منها .. ماضيه وحاضره .. فلا تترك له سوى مستقبل معها ليفكر فيه ؟؟
عرفت بأنه سيقبلها .. لابد أن يقبلها .. فاختفت ضحكتها .. واتسعت عيناها بترقب .. ليدوي صوت طرقات حادة على الباب وصوت أفكار يقول بنزق :- القهوة بردت على فكرة ... وإن كنتما قد أنهيتمها شجاركما .. فوالدتي تنتظركما في غرفة الجلوس ..
وجه قائد المرتبك .. وقد خشي للحظة دخول شقيقته الصغرى إلى مكتبه لتضبطه يقوم بعمل شائن .. كان مشهدا لا يقدر بثمن .. ضحكت وهي تمسك بيده قائلة :- تعال ... سنخبر والدتك معا ..

فى قلب الشاعر الجزء الخامس من سلسلة للعشق فصول لكاتبة بلومى حيث تعيش القصص. اكتشف الآن