الفصل الثالث والعشرين

776 33 1
                                    



الفصل الثالث والعشرين

مسحت نوار الغبار الذي تراكم فوق جبينها بكم قميصها وهي ترفع رأسها باحثة عن آدم في أنحاء المكان الذي تغيرت حاله مع حلول الظلام .. الصناديق المتراكمة اختفت ... والفوضى التي كانت تعم الصالة انقشعت أخيرا .. وفود الأشخاص الذين جاءوا لنيل حصصهم من المعونات الغذائية تلاشوا .. ولم يبق في المكان سوى بعض المتطوعين الذين بقوا كي يساعدوا بترتيب المكان ...
لأول مرة في حياتها .. تشعر نوار بهذا القدر من الانتعاش والفرح بعد عمل شاق كالذي كانت تقوم به منذ الصباح إلى جانب آدم .. عمل كان الهدف منه يفوق بكثير رضاها الشخصي عن نفسها .. لقد كان يهدف بشكل كلي إلى مساعدة الآخرين ... حسنا .. ليس بشكل تام .. إذ أنها كانت فرحة أيضا بمشاركة آدم جزء من هويته .. مما هو عليه .. مجرد رجل راضي بما يحظى به .. قانع بما لديه .. بل ويقدم الفائض للأقل حظا منه بسعة قلب نادرة الوجود ... لا ... لم تكن نادرة .. فكل من كان يعمل هنا كان يكرس وقته الفائض لأجل الغير .. في لفتة لم تكن مألوفة في عالمها القديم والأناني .. حيث تنتهي علاقة الإنسان بالغير عندما يستطيع أخذه منهم ... وما يقولونه عنه لا أكثر ...
هنا .. كانت ترى الضحكة العفوية التي كان يتبادلها كل مع الآخر .. راحة الضمير وهم يتشاطرون الشطائر البسيطة التي أرسل عصام بطلبها للجميع وقت الغداء .. كانت مفتونة بالابتسامة التي كان آدم يوجهها نحوها بين لحين والآخر كلما التقت أعينهما .. ابتسامة كانت تقول صراحة إلى أي حد كان فخورا بها .. ومعتزا بمشاركتها .. حتى أنه في فرصة انتهزها عندما اقتربت منه همس لها :- ما يثير جنوني بك لا اعرفه عنك .. بل ما أكتشفه فيك يوما بعد يوم
كيف لرجل كان غريبا عنها قبل فترة قصيرة يعرف كل مفاتيحها ويستخدمها بهذه المهارة ؟؟
لم يكن آدم داخل مقر الجمعية .. فابتسمت معتذرة من الأشخاص الذين كانت تساعدهم في العمل .. وخرجت تبحث عنه أمام المبنى .. لتجده هناك بالفعل .. إلا أنه لم يكن وحيدا ..
تجمدت أطرافها تماما وقد هربت منها الدماء تاركة إياها أشبه باللوح مكانها وهي تنظر إليه واقفا إلى جانب تلك الفتاة التي كانت تتحدث إليه بحماس وهي تلوح بكفيها يمنة ويسارا .. بينما كان هو يستمع إليها بتسلية ... دون أن يخفى عن نوار رغم المسافة التقدير التام والمعزة الكبيرة التي كان يكنهما للفتاة ...
الفتاة الجميلة .. اليافعة في السن ..ذات الشعر الكستنائي المعقود خلف رأسها على شكل ذيل حصان ..
لم تكن الفتاة بارعة الجمال ... لم تكن أنيقة حتى وملابسها البسيطة تبدو أبعد ما يكون عن الموضة ..
إلا أن نوار لم تشعر في حياتها كلها بهذا القدر من الصدمة والتهديد ... إلا مرة واحدة فقط .. وكأن الزمن يعود بها إلى الوراء .. ليسحب منها من جديد كبريائها .. وكرامتها .. واحترامها لنفسها ...... وقلبها
أطلق آدم ضحكة عالية كردة فعل على ما قالته الفتاة قبل أن تبتعد وهي تلوح بيدها نحوه مودعة .. وعلى وجهها المليح القسمات ارتسمت ابتسامة حلوة مزقت أعماق نوار حتى ما تركت شيئا سليما داخل روحها .. وعندما استدار آدم ليعود نحو المبنى رآها ... وتجمد بدوره وهو يلحظ التعبير المرتسم على وجهها الشاحب .. ارتباكه لم يستمر سوى لحظات قبل أن يقطع المسافة الفاصلة بينهما وهو يقول بقلق :- ما الأمر يا نوار ؟؟
سألته بصوت مكتوم وبدون مقدمات :- من تكون ؟؟
رمش بعينيه مأخوذا قبل أن يدرك إشارتها نحو الفتاة التي كان يتحدث إليها فقال :- أمان ؟؟ إنها صديقة .. لقد أردت أن أقدمها لك إلا أنها كانت في عجلة من أمـ ...
قاطعته بصوت كالهدير :- لا تكذب علي ... لا تكذب علي يا آدم .. تلك الفتاة لا يمكن أن تكون صديقة .. كما لا يمكنك أبدا أن تقدمها إلي .. أبدا أبدا ..
هز رأسه بتوتر وهو يقول :- لماذا تقولين هذا ؟؟؟ هل تعرفين أمان من قبل ؟؟
:- أعرفها ... ليس بشكل شخصي طبعا .. فكل ما سبق ورأيته منها من قبل صورتها المختبئة في جيب زوجي السابق ... تلك الفتاة هي عشيقة فراس ... هي المرأة التي دمرت زواجي من قبل .. وأنا لن أكون نوار إن سمحت لها بأن تدمر زواجي للمرة الثانية ..

فى قلب الشاعر الجزء الخامس من سلسلة للعشق فصول لكاتبة بلومى حيث تعيش القصص. اكتشف الآن