حين خرج القبطان « مورهوز » من المخبأ السري
في سفينة القراصنة فوجيء الجميع بالزعيم «قنفذ البحر» يسير امامه منكس الرأس ، والقبطان خلفه وقد وضع فوهة مسدسه على ظهره مباشرة .
كان القرصان يجر ساقه الخشبية بصعوبة وكأنه
يعاني من تعب وارهاق شديدين، وبدأ منظره للبحارة
الاخرين مؤلما يستحق الرثاء والشفقة . وحين صار وسط جماعته الموثقين بالحبال كان يبدو وكأن اليأس قد تملكه وفقد كل امل في النجاة .
لم يغب منظره هذا عن القبطان الشجاع «مور هوز»
فشعر بعدم ضرورة تصويب المسدس الى ظهر الرجل
وهو الأعزل من كل سلاح . وحين أعاد مسدسه الى
حزامه وطلب من احد البحارة ان يهتم بالقرصان ويوثقه بالحبل جيدا حدث شيء لم يكن يخطر ببال أحد في تلك اللحظة لقد كان القرصان « قنفذ البحر » وسط عدد من بحارته الموثقين ينتظر من يأتي بالحبل ليوثقه هو الاخر .
وفي زمن لا يتجاوز الثانية أو الثانيتين سمع الجميع
صرخة ضارية تشق سكون البحر ، بعدها قفز القرصان
« قنفذ البحر » من بين الجمع ورمي نفسه بين الأمواج .
ووسط ذهول القبطان « مور هوز » وبحارته من
سرعة ما جرى امام اعينهم لم يستطع أحد منهم أن يفعل شيئا تلك اللحظة .
وما أن صار القرصان وسط الأمواج حتى اندفع القبطان « مورهوز » الى سياج السفينة الواطيء واخذ يطلق النار باتجاه المكان الذي سقط جن جنون القبطان
« مورموز » وهو يرى عدوه اللدود « قنفذ البحر » يهرب من بين يديه بهذه السهولة بعد ان لاقي ما لاقي من جهد وارهاق في مطاردته واللحاق به في أعالي البحار ، فأخذ يدور هنا وهناك محدقا في المياه صارخا ببحارته و كأنه فقد رشده تماما .
وحين نفدت اخر اطلاقة في مسدسه كان صبره قد
نفد ايضا فألتفت الى بحارته وصرخ فيهم أمرا بأن
يطلقوا النار في كل الاتجاهات والا يتركوا بقعة صغيرة
مما يحيط السفينة دون أن يرشقوها بالرصاص ، وقتها
صارت سفينة القراصنة تبدو للناظر اليها من بعيد و كأنها مخزن بارود كبير انفجر فجأة في عرض البحر . ولم يتوقف الرصاص الا بعد أن ظهرت بقعة حمراء قانية وسط المياه ، كان واضحا من تلك البقعة أن زعيم
القراصنة قد فقد حياته بين الأمواج ، ولن يمضي عليه
وقت طويل حتى يكون وجبة جاهزة لاسماك البحر .
جلس القبطان « مورهوز ) على دكة صغيرة واشعل غليونه وراح يدخن بصمت والجميع يحيطون
به ذاهلين مما جرى أمامهم في لحظات .
كان زعيم القراصنة لصا فاتكا ومغامرا عنيدا لم يسلم منه ومن اعتداءاته احد ، وكان يمسك بأعالي البحار قاطعا الطريق امام سفن التجار والصيادين يسلبهم أموالهم ومتاعهم وصيدهم ، ولكن ذلك كله لم يكن سببا كافيا لان يموت بهذه الطريقة البشعة . لقد كان القبطان
« مورهوز » يفكر في تقديمه للمحاكمة وارساله الى
السجن كي يخلص البحر من شروره ، ولكنه اصر ان
يختار مينته بنفسه . ويبدو أنه حقق بذلك ما كان
يفعله دائما ، فهو لم يقترب في حياته من الموانيء الا
قليلا ، ولم يضع قدمه على اليابسة الا لكي يملئ عنابر
سفينته بالماء والطعام ويمضي •
لم تأخذ هذه الحادثة من تفكير القبطان «مورهوز»
كثيرا ، اذ سرعان ما قام وامر بحارته بأخذ أماكنهم في
السفينتين والتوجه الى الميناء في الحال .