البارت التاسع

18 4 1
                                    

مضت الليلة الأولى بسلام ، والعنبر رقم - ٣ - مشغول
مخمسة سجناء كان وجودهم طليقين خطرا على رحلة الصيد هذه .
الا ان وجودهم في الحجز لا يخلو من صعوبات سرعان ما فكر فيها القبطان بأهتمام . فهؤلاء جميعهم من البحارة الشجعان الأقوياء ، وأذا ما تيسر لهم اكتشاف احد الحيتان فتكون مطاردته وصيده صعبا للغاية بالعدد القليل المتبقي من البحارة .
فماذا سيفعل القبطان «مورهوز» في هذه الحالة
فكر قليلآ ولاكنه ترك الأمر للظروف وللوقت الذي
تظهر فيه الحيتان أمامهم.
وفي الليلة التالية كانوا قد اقتربوا كثيرا من مكان
الصيد، هنا سيحاولون التوقف بأنتظار ظهور الحيتان ، وليس أمامهم الا البقاء هكذا حتى يتحقق أملهم بالصيد والعودة الى الميناء مع رزقهم الموعود هذا .
وقبل بزوغ الفجر بوقت قصير استيقظ القبطـان على صوت ارتطام جسم ثقيل على جدار قمرته ، فخرج مسرعا ليرى ماذا اصاب القمرة . ولكنه لم يرى شيئا هناك ، فعاد الى مكانه متوترا ، منزعجا من هذه الحوادث الصغيرة التي اخذت تتكرر كل يوم بأشكال وأساليب مختلفة .
وفي الصباح طرق الحارس عليه الباب بأدب وطلب منه ان يخرج ليرى تلك الورقة المعلقة على واجهة القمرة الخلفية .
حين نظر القبطان (مورهوز) أصيب بالدهشة والعجب
، فهناك ورقة صغيرة مثبتة بسكين حادة عل خشب القمرة .
فكر قليلآ قبل أن يمد يده لألتقاطها وقراءة ما فيها . لقد عرف الأن سر الضربة التي أحس بها قبل ساعات على الجدار ذاته .
سحب القبطان «مورهوز» السكين وأخذ يقرأ في الورقة المثبتة فيها .
(إنتم مهددون جميعآ . خذوا قوارب النجاة وغادروا السفينة خلال يـومين ، وألا فلن يكون مصيركم ومصيرها أفضل من مصير دى جراسياه).
طوى القبطان الورقة بهدوء ومضى الى قمرته يفكر بهذا التهديد الغريب وبالشخص الغامض الذى لم ينفك يلاحقهم منذ فترة .
لم يخبر أحدا بسر الورقة ولا بالتهديد الذى تضمنته ، ولم ينسى في حينها ان يحذر البحار الذى شاهد السكين من عواقب ذكر تلك الحادثة او اخبار أحد من البحارة بما شاهده .
وبقي وحيدا في قمرته يفكر بمواجهة هذا التهديد والخروج من المأزق بسلام قبل أن ينفذ هذا الرجل الغامض تهديده ويقدم على احراق السفينة في الليل وهي في عرض البحر .
في الليلة الأولى ضاعف القبطان «مورهوز» عدد الحراس وظل معهم مستيقظ حتى الصباح دون أن يحدث شي .
وفي الليلة الثانية استمر الأنذار ، وكان يدور بين الحراس طول الليل ليرى ان كنوا في اماكنهم أم لا .
مضت تلك الليلة بسلام أيضا وانتهى في نهايتها موعد التحذير لمغادرة السفينة ، ولابد أن ينفذ تهديده الأن .
أحس «مورهوز» في الليلة الثالثة بالتعب والنعاس ،
فقد مضى عليه ثلاث ليال دون ان يذوق النوم الا لساعة أو ساعتين في النهار . فتجول في السفينة حتى الساعة الثالثة بعد منتصف الليل ثم غادرها الى قمرته ليستريح .
وفي الصباح فوجئ ، الحارس المكلف بأرسال الطعام الى السجناء الخمسة بأن العنبر خالً الا من البحار ( كوبر ) أما الأربعة الباقون فقد اختفوا منه ولا اثر لهم هناك ، وحين أخبر القبطان بذلك هرع هذا مسرعآ وكأنه أصيب بجنون مفاجئ .
نظر القبطان «مورهوز» الى البحار القذر «كوبر»
فوجده متكئا على قضبان العنبر الحديدية وأبتسامته الساخرة لا تفارق شفتيه ، فسأله والنار تقدح من عينيه :
- أين ذهب هؤلاء
- لا أدري
ـ كيف لا تدري وأنت معهم ؟
ـ ومن اين أعلم اين ذهبوا ؟ لقد سألـوني ان كنت
أرغب بمغادرة السفينة فرفضت ، وهذا كل ما جرى امامي .
ـ أخبرني بالتفصيل ما الذى جرى امامك ؟ 
- حسنا ان كنت ترغب بذالك فسأخبرك
أن البحار «كوبر» يتحدث بهدوء تام من بين القضبان
فيما آن القبطان ( مورهوز ) يحترق من الغيظ والغضب .
اخذ البحار القذر نفسا عيقا من غليونه المعقوف وراح يحكي للقبطان تفاصيل هروب البحارة الأربعة من العنبر :
( في الساعة الرابعة صباحا قدم شخص يضع لثاما اسود على وجهه وفتح باب العنبر بمفتاح كان معه ثم طلب منا مغادرة السفينة ، وأخبرنا بأنه أعد لنا احد القوارب وجهزه مئوونة تكفينا لعدة ايام . فوافق بحارتك الأربعة على الذهاب ولاكنني رفضت )
ثم أضاف البحار ( كوبر ) ضاحكا ضحكته الساخرة تلـك
قائلا :
( البقاء معك سجينا افضل من الهروب مع هؤلاء
الأوغاد في قارب صغير لا اعرف ان كنا سنصل الى
الساحل بسلام ام لا ).
اشتاط القبطان غضبا وأمر مساعديه بألقاء الحراس
جميعا في السجن. ، ثم عاد صاعدا الى قمرته . وحين مد يده في المخبأ الصغير تحت سريره وجد مفتاح العنبر رقم - ٣ - في مكأنه .
كيف تم فتح القفل الحديدى الكبير أذن ؟ وكيف خرج
هؤلاء؟!
سر جديد اضيف الى قائمة الأسرار والألغاز المحيرة التي تواجهه في رحلاته هذه الأيام . .
وضع القبطان يده على عينه وغرق في تفكير عميق .
اشتد الحزن والقلق بالقبطان «مورهوز» بعد سلسلة الحوادث التي رافقت رحلتهم على سفينة القراصنة ، وآخرها كان هروب البحارة الأربعة على أحد القوارب الصغيرة .
وحين استعاد مع نفسه الحكاية التي سردها عليه البحار كوبر فكر مليا بشان هذا البحار القذر :
لقد كن بقاؤه في السجن وعدم هروبه معهم عملآ جيدا يستحق عليه إطـلاق سراحه وإعادته الى عمله في السفينة ، خاصة وأن القبطان الآن بأشد الحاجة اليه بعد النقص الذي تركه هروب البحارة الأربعة .
ذهب اليه في العنبر وتحدث معه كما يتحدث صديقان حميمان .
اراد القبطان ان يجرب معه الأن اسلوبا جديدا في
التعامل بعد ان فشل معه اسلوب الشدة والتحدى .

السفينة الغامضةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن