في الصباح جلس القبطان ( مورهوز ) في قمرته
مع اثنين من مساعديه ، وارسل احد البحارة يستدعي
« كوبر » للمثول بين يديه ، فجاء هذا يسير متمهلا و على وجهه ابتسامة ساخرة لا احد يعرف مغزاها غير القبطان نفسه.
وحين وقف داخل القمرة كانت نظرات الجميع
مصوبة نحوه ، ولا أحد يعرف لماذا طلبه القبطان دون
سواه .
لم تدم فترة الصمت غیر ثوان قليلة بعدها فتح
القبطان « مورهوز ) فمه قائلا :
- اعطني كيس التبغ الذي معك .
ودون أن يقول شيئا ، مد «كوبر» يده في قميصه
واخرج کیسا صغيرا ملفوفا بعناية وقدمه الى القبطان
وحين فتحه هذا اخرج منه عددا من اللفائف بدت
الدهشة واضحة على وجوه مساعديه والبحار الذي
استدعى « كوبر » وما زال واقفا جواره حتى تلك
اللحظة أخذ القبطان ( مورهوز ) ثلاث لفائف وقدمها
الى الرجال الثلاثة الواقفين قربه ، وطلب من « كوبر »
ان يشعلها لهم أمامه راح البحارة الثلاثة يدخنون لفائف « كوبر » دون أن يعرفوا شيئا مما يبغيه القبطان من وراء ذلك وحين انهوا لفائفهم ساد الصمت قمرة القبطان
فترة من الوقت كان الجميع خلالها بانتظار ما سيحدث،
فلابد للقبطان « مورهوز » من أن يقول شيئا يفسر لهم
كل ذلك ۰۰۰ لماذا ارسل البحار الاستدعاء ( كوبر ) ؟
ولماذا طلب منه اخراج کیس التبغ ؟ ثم ماذا كان يقصد
من وراء تقديم تلك اللفائف لمساعديه وللبحار الاخر
الموجود معهم في القمرة.
في تلك اللحظة خرج القبطان عن صمته وسأل
أحد مساعديه مستفسرا :
- هل تشعر بشيء الان؟
اجابا بصوت واحد :
لا شيء اطلاقا سيدي القبطان
۔ حسنا ليذهب كل واحد إلى عمله
وهكذا خرج الجميع من قمرة القبطان دون أن
يبين لهم ماذا كان يرمي من وراء هذه اللعبة الغريبة ،
ومرة اخرى سمع الجميع البحار ( كوبر ) وهو يطلق
ضحكته الساخرة تلك ولكن بصوت خافت هذه المرة
وما أن صاروا على سطح السفينة وتجمع حولهم بعض البحارة حتى شاعت بينهم قصة لفائف « كوبر )،
وسرعان ما كثر الطلب على تلك اللفائف ، حتى لم
يستطع «كوبر» أن يخفي کیسه في قمیصه ، فأخرجه
واخذ يوزع ما فيه على البحارة هنا وهناك جلس البحارة كل في مكانه وفي فمه احدى لفائف
(کوبر) لا لشيء و الا لان القطان ( مورهوز ) اختاره
من بين جميع لفائف البحارة ليقدمها بنفسه إلى مساعديه في قمرته.
وفي الليلة التالية تمدد ( کوبر ) مسترخيا على
فراشه بعد العشاء اذ لم تقع عليه احدى نوبات الحراسة
تلك الليلة ، وظل القبطان على عادته يتفقد بحارته وهم
منتشرون في أركان السفينة حتى منتصف الليل ، وحين هدأت الا من حركة الحراس على السطح ، ذهب الى قمرته ليستريح ، ولم يشعر وقتها کم مضى من تلك
الليلة ، فقط غط هو الآخر في نوم هاديء عميق . في
تلك اللحظة دوت على السطح صرخة ضارية لم يستطع
احد تحديد مصدرها أول الأمر ، وحين هرع القبطان
و بحارته الى مكان الصرخة لم يجدوا حارس المقدمة في مكانه ، وبدا واضحا أنه سقط في البحر
فقد سمع بعض من كان متيقظا تلك اللحظة صوت طرطشة الماء ينبعث مباشرة بعد سماعهم الصرخة .
وامتدت عدة رقاب نحو الماء ورفعت عدة فوانيس
لاضاءة المكان وبين هلع الجميع وتوترهم شاهد
القبطان ( مورهوز ) حبلا يتأرجح عن يمينه وقد ربط
بأحكام في احدى البكرات ، وامتد طرفه الاخر في
البحر ، وحين دقق النظر جيدا وجد الحبل يتحرك وكأن
هناك يدا تحرکه من طرفه الاخر ، في تلك الأثناء سمع
الجميع صوتا من وسط الماء يستغيث طالبا النجدة :
- انقذوني .. انا « جرانجر » ما زلت مربوطا
بالحبل
وانصت الجميع إلى هذا الصوت وهو يأتي من
اعماق الماء ... انه البحار « جرانجر »، من رماه في
البحر ؟ وماذا يعني بقوله .. انه مازال مربوطا بالحبل ؟
ولم يدع القبطان « مورهوز » الوقت يضيع سدی ، فسرعان ما التفت الى من كان حوله وأمسك بطرف الحبل الذي جواره قائلا لهم : اسحبوا معي بسرعة قبل أن يجرفه التيار وبلحظات كان « جرانجر » على ظهر السفينة وقد بدأ عليه الاجهاد واضحا ، ولم يفهم احد وقتها لماذا كان مربوطا من بطنه بالحبل ربطا محكما ، وهو الذي ترکه رفاقه قبل ساعات ليأخذ مكانه في حراسة مقدمة السفينة ؟
وحين اراد القبطان معرفة ذلك لم يجب بغير كلمة
واحدة ثم اغمي عليه
وفي الصباح تحسنت قليلا حالة « جرانجر » وعاود
القبطان ( مورهوز ) استجوابه لمعرفة تفاصيل الحادث،
فعاد وكرر الكلمة ذاتها التي قالها بالامس ( لا ادري ) •
عندها صرخ القبطان في وجهه صائحا :
۔ اخبرني ماذا جرى ؟ وكيف حدث ذلك وقد تركتك تحرس رفاقك النائمين ؟
- اقسم لك يا سيدي انني لا اتذكر شيئا كل الذي اتذكره انني ذهبت لأستعير من « كوبر » احدی اللفائف ولم اشعر بعد ذلك الا وانا اهوي داخل الماء واجد نفسي مربوطا بالحبل .... انني ما زلت اعاني من ضغط الحبل على بطني ومما ترکه ماء البحر في جوفي من غثيان.
وما أن سمع القبطان « مورهوز » اسم ( كوبر )
يتردد ثانية حتى همهم بينه وبين نفسه بكلام لم يسمعه احد ثم ذهب الى قمرته
وبعد قليل هبط أحد المساعدين من قمرة القبطان
و نادى على البحارة بالتجمع على السطح ، وما أن
ازدحم سطح السفينة بهم حتى اخرج ورقة صغيرة وراح يقرأ بصوت عال :
لقد اصدر القبطان «مورهوز» امره بطرد البحار
( کوبر ) من عمله وانزاله في اول مكان يصادفنا
ولعدم الاطمئنان اليه وهو طليق في السفينة تقرر حجزه في أحد عنابرها حتى انزاله إلى اليابسة.