بعد ساعة من وصول السفينتين الى الميناء شاع خبر وقوع سفينة القراصنة في الأسر ، ولما اتضح الموقف
جيدا وعرف الجميع ما حل بالقرصان (قنفذ البحر )
لم يجد القبطان ( مورهوز ) بدا من الذهاب الى مركز
خفر السواحل و تسلیم القراصنة الذين ما زالوا
موثقين بالحبال.
قضى القبطان ( مورهوز ) تلك الليلة في غرفة
ضيقة في المركز بأنتظار ما يقرره الحاكم بشأنه ، وقد
سمح لاصدقائه بزيارته وتوفير ما يحتاجه من لوازم .
وما ان طلع الصباح حتى فوجئ بما حل بالسفينة
« دی جراسيا » في منتصف تلك الليلة.(قضى القبطان مورهوز تلك الليلة في غرفة ضيقة في المركز)
فبعد أن هدأ الميناء وساد السكون تماما شبت النار
في وسط السفينة ولم تنطفيء الا بعد ان اتت عليها
كلها ، ولم يبق منها سوى الهيكل الذي تغمره المياه
احتار الجميع كيف يفسرون ما حدث للسفينة
( دی جراسيا » فقد كان ذلك اليوم الأول لوصولها
الميناء ، والبحارة جميعهم خرجوا في المساء وما زالوا
غارقين في لهوهم وعبثهم ، ولم يفكروا بالعودة الى
سفينتهم قبل الفجر ، فهل حدث ذلك الاهمال
واللامبالاة ام أن يدا عابثة هي التي اشعلت النار وأختفت في الظلام ؟
كان الاحتمال الثاني اقرب الى الحقيقة ، فهم لم
يتركوا نارا دون أن يطفئوها ، ولم يعلقوا فانوسا
وينسوه في غمرة فرحهم وبهجتهم بالوصول
وحين وصل الخبر إلى القبطان « مورهوز » في
الصباح هز رأسه بهدوء وارتسمت على وجهه ابتسامة
غامضة لم يفهم سرها احد من الحراس الذين ابلغوه.ظل القبطان جالس على كرسيه صامتا ، مطرق
الرأس ، لا أحد يعرف بالضبط ما الذي كان يدور في
خياله تلك الساعة . فها هو الان ينتظر ما سيصدره
الحاكم بحقه بسبب تسرعه في اصدار الأوامر واطلاق
النار على زعيم القراصنة « قنفذ البحر » لقد لاقي
بسبب هؤلاء القراصنة الاوغاد مصائب وأهوالا كثيرة
اخرها فقدانه سفينته الوحيدة ومصدر رزقه ورزق
بحارته التعساء . وحتى لو خرج الان من المركز دون
محاكمة فما الذي بقي لديه ؟
ولكن القبطان « مورهوز ) ليس من اولئك
الرجال الذين ينهارون بسرعة أمام الكوارث ، ولا هو
ممن تصيبهم الهموم والأحزان فيفقدون توازنهم
وشجاعتهم عند اول مشكلة تواجههم . لقد كان جريئا ،
علمه البحر الصاخب وامواجه العاتيه ان يقف كالطود ،
شامخا ، باسلا ، لا يلين ، وها هو الآن يبتسم بغموض
وهو يتلقی اقسی خبر في حياته .
وحين وقف أمام هيئة المحكمة بعد أيام لم يزد
شيئا على ما قاله الشهود في وصفهم الحادث ، وقد
اندهش كثيرا من معاملة الحاكم له وما رافقها من
محاولات لتخفيف الاتهام وتحويل القضية إلى جانبه ،
فقد قام بدوره في البحر بشرف وكان يطارد قراصنة
عتاة ولصوصا لم يسلم منهم احد في البحر .
وهكذا وجد القبطان « مورهوز » نفسه طليقا
بعد أيام قليلة من حجزه في مرکز خفر السواحل وحين
اعادت المحكمة التدقيق في اوراق القضية ثانية و بحثت في حادث احتراق السفينة « دی جرامي » اصدرت حکما اخر كان بالنسبة للقبطان « مورهوز ) بمثابة انتشال له من وضعه البائس الجديد .
لقد قررت المحكمة مصادرة سفينة القراصنة
وتسليمها له تعويضا عن خسارته تلك .
انتقل القبطان « مورهوز » وبحارته الى سفينتهم
الجديدة وقرروا - بعد خلاصهم من ذلك المأزق الكبير
ان يعودوا الى الصيد ثانية ، فقد ولى « قنفذ البحر )
الى غير رجعة . وما عادت سفينته تعترض احدا في
اعالي البحار ، ولا ألاعيبه و حیله توقع الأخرين في
شراكه راح القبطان « مورهوز » وبحارته يستعدون لرحلتهم الجديدة لصيد الحيتان ، فرمموا سفينتهم واعادوا طلاءها ثانية واخذوا يجمعون المؤن واللوازم التي سيحتاجونها في رحلتهم هذه والتي ربما ستمتد إلى عدة اسابيع.
في تلك الأثناء لم تكن الأمور تجري بالسهولة التي كان الجميع يتوقعها بعد موت « قنفذ البحر » ودخول القراصنة جميعهم السجن ، فما زال بعض بحارة
القبطان « مورهوز ) يعتقد ان امورا غريبة تحدث في
سفينة القراصنة وان الأشباح لم تغادرها حتى الان
واذا كانوا قد وجدوا تفسيرا لبعض الظواهر الغريبة فما
هو تفسير تلك الصرخة التي سمعوها وهم في عرض
البحر ؟ والطرقات المتوالية التي كانت تصدر عن عنابر
السفينة من كان وراءها وقد فتشوا كل شبر دون أن
يجدوا أحدا يختبيء هناك ؟ الم يلاقوا الأهوال
والمصائب من وراء هذه السفينة ؟ فكيف يرحلون
عليها ويغيبون اياما طويلة في عرض البحر دون أن تفتك بهم وتقودهم الى الهلاك ؟
کانت مخاوف البحارة تزداد يوما بعد يوم وهم
يتهياؤن لرحلة الصيد الطويلة تلك ، وفي أثناء ذلك
حدث شيء جعل مخاوفهم تصل الى الذروة . فقبل
يومين من بدء الرحلة وفي منتصف الليل شق السكون
وابل من الرصاص . وحين استيقظ القبطان «مورهوز)
و بحارته عرفوا أن الأمر ليس بعيدا عن سفينتهم ، فقد
كان البحارة المكلفون بالحراسة مازالوا يركضون على
رصيف الميناء ، وحين انجلى الأمر وعاد الجميع الى
السفينة كان « جاك ) يلهث من التعب وما زال يمسك
بمسدسه الذي تفوح منه رائحة البارود .وقف امام القبطان « مورهوز » وقد جحظت عيناه
وبات الهلع يملأ تقاطيعه
۔ ما بك ؟ ماذا جرى ؟ سأله القبطان مستفسرا .
ولكن ( جاك » ظل صامتا وكأنه اصيب بخرس
مفاجيء وحين التفت القبطان الى الاثنين اللذين عادا
مع « جاك » انبرى احدهما قبل ان يسمع ما يريد ان
يقوله له القبطان قائلا :
- لا ندري ! رأيناه يصرخ ويطلق النار فركضنا
خلفه
- هل رأيت شيئا ؟ سأله القبطان .
لا، لم أر شيئا غير ( جاك » وهو يركض ويطلق
النار .
وفي تلك الأثناء كان « جاك » قد استعاد بعضا
من هدوئه ففتح فمه وقال تلك الكلمة التي جعلت
الجميع يرتجفون من الذعر :
لقد رأيت (قنفذ البحر) ينزل من السفينة الى
رصيف الميناء.