الفصل الخامس

7.3K 210 14
                                    

الفصل الخامس

الصمود....
يا لها من كلمة صعبة التحقيق... حينما تجرفك الحياة بكل بطشٍ نحو الأعماق المظلمة من خفاياها... بعدما تقطع أنفاسك في لحظات الترقب الصعبة و ربما المميتة... في وقت أنت فيه كورقة شجر ذابلة لا تتحمل المزيد... يأتون متناسين كل ما بك من جروح و يسألونك الصمود!!... أهو إجحاف متفق عليه من البشر؟!... أو طبيعة خُلقنا بها تجعل السليم يُنّظِر على العليل!... يشاهد موته البطيء و يطلبه ألا يصرخ... هل تذوقوا هم مرارة الصمود ؟... هل وقفوا في وجه الحياة بجسد متهالك و روح نازفة؟... هل جربوا الشعور فقط أم أنهم يتشدقون بمثاليات لا يفهمون صعوبتها؟!....

.........................................

انكمشت جوار باب غرفتهما بذبول...تضع يدها فوق فمها المرتعش كحال جسدها الصغير... عيناها المتسعة تتكوم بها الدموع الملتهبة و تتساقط بضعف فوق خديها... لا تشعر بما يدور حولها و كلمته الصغيرة ترن في أذنها تؤلمها... «نعم»!!
بكل بساطة نطق بها لتشعر بعدها بالنقص و الذل...

جلس "مصطفى" على عاقبيه جوارها مترددا في أن يمد يده فوق كتفها المنتفض...نظر أكثر من مرة تجاه أخيه الذي جلس مثله أمامها بأعين ضائعة لا يعرف كيف يتصرف... تنحنح قائلا بخفوت:
("رُبى" ... هل كنتِ تجهلين الأمر؟)

لم تجب عليه مما دفعه ليرفع كفه فوق كتفها يؤازرها في محنتها... نظر "أحمد" حيث كف أخيه و شعور بالذنب تجاه هذه الصغيرة يفتت عقله... استوعب الموقف بصعوبة و وجد أن عليه اتخاذ الخطوة القادمة بدلاً من أخيه...
همس بتردد بعدما رفع عينيه يتفحصها بها....يا الله كم بدت ضعيفة هشة و ضائعة ... و كم أوجعه الظلم الواقع عليها بعدما اكتشف الحقيقة...
(لا بأس بالبكاء... لكنه ليس الحل لما نمر به ، عليكِ التعود بأن الحياة قاسية و كلما كبرنا تزداد قسوتها معنا...)

نظرت له ...و تجمد هو....

عيناها الباكية خطفته من العالم لتلقي به داخل عالم آخر... عالم قرأ فيه ما تعانيه بسهولة و عرف خلاله أنها متألمة حد الموت... شفتاها المرتعشة خلف كفها الصغير كانت تعزف لحنا خاصا بعنوان القهر...
لحن قد كتب جزءً من نوتته أمس و هو يعقد قرانه عليها...أنفها المنمق المرقط بالأحمر أرسل بداخله شعور بالألم عليها... شعرها الأسود الناعم الممشط بطريقة دقيقة كان كأسواط من نار تجلده و تحمله ذنبها... كلها أمامه بدت كقربان شارك في تقديمه لوحش العمل يلتهمه بتلذذ كي لا ينقلب عليهم...

قربان صغير ناعم هش لأقصى درجة... فاق من نظرته الطويلة لها حينما صدر صوتها الخافت المتقطع...
( و ما ذنبي أنا لتقسو حياة لم أعشها بعد عليّ؟... ماذا فعلت لأكون ثمناً لمصالحكما معا؟... لماذا وافقت و اشتركت معه في ألمي؟)

تاهت الكلمات من عقله و جف لسانه من انتاجهم... ألجمته بكلماتها الباكية و ألزمته الصمت... كل ما قوى على فعله أنه أمتلك وجهها يتفحصه بأعين جامدة لا تظهر النيران المستعرة خلفها...

فوق رُبى الحُب(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن