الفصل الثامن
زفرت هذا النفس المثخن بجراح الروح النازفة... تقبضت يدها الصغيرة بقوة و هي واقفة أمام باب غرفة الصالون المتواجدة بها والدتها... أغمضت عينيها و شعور بالألم ينسف قصور قوتها النفسية... بعد فترة ليست بقليل فتحتهما و قد التمع بهما شيء من حب الثأر... لا تعرف كيف ستفعلها و كيف ستنقلب على قلعتها الحصينة و التي احتمت بها دهرا من مصائب الزمن... أمها!...
أمسكت مقبض الباب و سرت رعشة في جسدها و لكنها تحاملت عليها لتفتحه بأعين تائهة رغم وصولها للبر... رغم رؤيتها لوالدتها التي هبت واقفة تبتسم لها بكل حنان تواجد في العالم... فاضت الحسرة من عينيها و لسان حالها يصرخ عاليا بسؤال يهشم روحها...
(لماذا فعلتم ما فعلتم بيّ؟!...)وقفت "رباب" بأنفاس متسارعة و هي تراقب صغيرتها التي فقدتها قبل أيام للأبد... هاتان العينان البنيتان اللتان زارتا منامها في ليالٍ مضت... هذا الوجه الأبيض الناعم المشع برونق خاص تعشقه بها... هذا الشعر الطويل الأسود الذي مشطته لها مرار من قبل... هذه هي طفلتها الصغيرة التي أراد القدر أن يبعدها عنها قبل أن تُشبع أمومتها منها... تحركت و عيناها لا تزال ترمق صغيرتها بلهفة بادية على محياها... أزاحت كومة الأكياس الورقية الكثيرة التي جلبتها كهدية لأول زيارة لبيت ابنتها...لبيت العروس!...
في خطوات قليلة تفصل بين حنين أم و شوقها و بين جراح قلب ابنة و ألمها... خطوات تزينت بالورود تحت أقدام "رباب" و انغرست بالأشواك تحت أقدام "رُبى"... نفس المسافة الفاصلة و لكن شتان بين أقدامهما... هناك في قلبيهما فراغ تشعره كلتاهما رغم اختلاف كنهه!....
في غمضة عين سكنت أحضان والدتها المشتاقة... بين نفس الضلوع الحامية عادت لوطنها... لكن ما باله الوطن أصبح خراب و أرضه بور لا تصلح للعيش!...
("رُبى" صغيرتي... كيف حالكِ حبيبتي؟ ، طمئنيني...)انعمت "رباب" أنفها بشم صغيرتها ... دفنت وجهها في رقبتها تتحسس كل نبض صادر منها لتُطمئن قلبها الملتاع عليها... آه كُتمت في صدرها كي لا تفزع صغيرتها من شعورها بالفقد... لكنها توقفت بعدما ادركت أن ابنتها صامتة بين أحضانها... حتى أنها لم تكلف نفسها لترفع ذراعيها تحيط بهما والدتها... ابتعدت "رباب" للخلف بحذر تراقب وجه ابنتها بترقب... التقت عيناهما و كم كانت عينا ابنتها جامدتين جمود أفزعها!... همست "رُبى" بصوت بارد لا حياة به:
(تأخرتِ كثيرا...)التمعت الدموع في عيني والدتها... رفعت كفها تمسح فوق وجه ابنتها بحنان فقالت:
(آسفة حبيبتي... لو تعرفين ما حدث لعذرتي غيبتي... زوجة خالكِ مريضة و تحتاج إلى عملية جراحية لذا كان علينا الاطمئنان عليها )انزوى فم "رُبى" للجانب لتتشكل بسمة صغيرة ساخرة عليه... تعمقت في عيني والدتها لتقول بصوت جامد:
(هذه ليست من شمات رجال الأعمال ... أن تترك البضاعة بعد البيع دون أن تعرف رأي المشتري بها!!)
أنت تقرأ
فوق رُبى الحُب(مكتملة)
Romanceرواية بقلم المتألقة آية أحمد حقوق الملكية محفوظة للكاتبة آية آحمد