الفصل السابع و العشرون
تحركت أصابعه على الكثير من الإطارات الخشبية فوق مكتبه... يلامس كل ما تبقى له منها بروحه قبل جسده... ملامح سكنت فؤاده أصبحت محجوزة الآن خلف إطار خشبي للصور... مجرد صور جمعها طيلة الفترة الماضية لتصبح ما يملكه منها الآن... توقفت أصابعه فوق وجهها الباسم و هي في سن الثامنة عشر... ملائكية كما وصفها قلبه سلفًا ... شعرها الأسود الطويل يحتضن وجهها الابيض الذي اشتاق له ... عيناها اللامعة في انعكاس الكاميرا تبرز براءتها التي سحرته... ابتعدت أصابعه للوراء لتظهر مساحة كبيرة محتلة من مكتبه بصورها... صوت أنفاسه المتزنة تصدر بخفوت وسط فراغ المكتب... سحب كمية كافية من الهواء ليعود بعدها للخلف يستند على ظهر كرسيه مغمض العينين... وجهه تغير ليبدو نحيلا عن قبل... لحيته طالت بشكل ملحوظ على عكس عادته... رفع ذراعه يضعها ببطء فوق عينيه و يستكين كحاله قبل شهور... فما عاد هناك في الحياة ما يستحق سعيه!!... لا شيء يستحق بعدها سوى السكون...
سمع طرقا فوق باب مكتبه فأعتدل بعد فترة قصيرة بتمهل يأذن للطارق بأن يدخل... فتحت الباب بوجهها الذي حوى الحزن تهمس بخفوت حرج قائلة:
(صباح الخير سيد "أحمد"...)فور رؤيته لها هب واقفا من فوق كرسيه يتجه نحوها بملامح بدت مشتاقة بعض الشيء... تكلم اثناء تحركه لها بصوت اختلطت به اللهفة..
(صباح الخير يا "رحمة"... هل هي معكِ؟!)اومأت بهدوء تؤشر برأسها للخارج قائلة:
(نعم... هي مع "أدهم" بالخارج)أسرع يتحرك نحو الباب ليوقفه دخول "أدهم" بهيئته التي لم تتغير... يحمل بين ذراعيه طفلة رضيعة لا يتعدى عمرها الشهرين... لهفة حركته السريعة نحوها جعلته يحملها بسرعة من بين ذراعي "أدهم" ليضمها إلى صدره بحنان أختصها به منذ ولدت ... حنان مطابق لحنانه لصغيرته ذات يوم... قبّل خدها الناعم برقة يهمس لها متناسيا تواجد "رحمة" أو "أدهم" اللذان يتابعان ما يفعله بوجه حزين...
(حبيبتي الصغيرة اشتقت لكِ كثيرا... اشتقت لك "رُبى"..)هدهدها ببسمة خافتة حنونة حتى استكانت بين ذراعيه كحالها كل مرة... تقدمت منه "رحمة" تقول بخفوت:
(أخبرني السيد "مصطفى" أنك اردت رؤيتها ... تأخرنا قليلا بسبب تطعيمها)تكلم بهدوء يقول:
(لا بأس "رحمة" يكفي أنها هنا...)انزوت "رحمة" تحت ذراع زوجها تتمسك به بقوة كي لا تبكي ... شدد "أدهم" من ضمها له يهمس ...
(ماذا قلنا يا "رحمة"؟!... لا تبكي أمام "أحمد" تعرفين حالته منذ ما حدث!!)رفعت وجهها له تهمس بأعين دامعة:
(لا استطيع التحكم بنفسي يا "أدهم"... و الله لا استطيع)تنهد زوجها بتعب ينظر لأبنته بين أحضان "أحمد النجار"... قبل شهرين ولدت هي لتُطلق عليها زوجته اسم "رُبى" كي يظل اسمها منطوقا بين الجميع… و من يومها و الكل بات متعلقا بابنته آملًا أن تتحقق أمنية طالت حتى هددت قوى تحملها بأن تخور!... و كان نصيب التعلق الأكبر ل "أحمد"... لقد حبس نفسه في قوقعة صغيرة بعد ما حدث ... ينهي قوته في العمل ليل و نهار حتى باتت شركته من أكبر الشركات في العالم... و زاد بسببها صيت المجموعة ككل... لكنه ينزع كل هذا حينما يحمل "رُبى" بين ذراعيه ...
تكلم "أدهم" بجدية يسأله ...
(ألا يوجد جديد؟!)
أنت تقرأ
فوق رُبى الحُب(مكتملة)
Romansرواية بقلم المتألقة آية أحمد حقوق الملكية محفوظة للكاتبة آية آحمد