الفصل الأول

389 18 39
                                    


ليلة غائمة ممطرة يملؤها البرق والرعد كعادة ليالي ديسمبر في مدينة الإسكندرية، كلٌ في منازله يحتمي من شدة الأمطار والشوارع خالية هادئة كهدوء ما بعد الحرب، وبين الحرب والحب تأرجحت هي على ذلك السور، تقف عليه بثبات كـ لاعبة محترفة في سيرك ما ولكن لا ريب إذ هبت القليل من الرياح ان تدفعها لتسقط في الماء وهي التي لم تعلمها الحياة السباحة بالرغم من انها علمتها العديد والعديد من الدروس في عمرها الصغير، تأملت البحر الكبير اسفلها فوجدت المواجه عالية تحذرها بعدم السقوط فإحتمالية النجاة مستحيلة! ولكن تحذيراته بائت بالفشل فمن قال بأنها تريد النجاة من الأساس!، تداعبها مياه الأمطار وكأنها تواسيها وتخفف عنها وطأة مصائب الحياة التي تتابع عليها واحدة تلو الأخرى منذ كانت صغيرة في المهد، لم تكف الحياة عن مشاكستها حتى اوقعتها في الحب رُغمًا عنها، والعشق لفتاة مثلها يشبه حرب خاسرة معلوم نهايتها ولكنها كـ جندي قُتل جميع زملاؤه قرر المحاربة حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة وها هي تلفظها بعدما ضاق بها الكون الفسيح، كون كبير كهذا لا يحمل مكانًا يحتوي فتاة مثلها!، أعادت ترتيب حساباتها من جديد أثناء مداعبة الأمطار لها، تعلم بأنه سيفتقدها وربما هو وحده من سيفتقد اثرها في ذلك الكون الكبير ولكنها خسرت وبريق عيناها انطفأ بفعل الحب كما كان يلمع أيضًا بفعل الحب، الحب معركة خاسرة نكابر في خوضها حتى تنتهي بخسارة جزء من قلبنا لن يعود كسابق عهده أبدًا، فماذا بعد بريق عيناها الذي انطفأ تُرجى ياتري؟، اخذت نفسًا عميقًا اخرجته بزفير بطيئ ثم أسلمت كامل جسدها الرياح، اغمضت عيناها وهي تمد قدمها للأمام قليلاً حيث ستسحبها الجاذبية إلى النهاية التي لطالما انتظرتها وبينما كانت قاب قوسين او أدنى من الموت انتشلتها يد أحدهم من خصرها، جذبها بقوة إليه فتحالفت معه الجاذبية ضدها واسقطتها بين احضانه لا بين أحضان المياه، وبعودتها إلى احضانه عادت للحياة!، تأملت عيناه المذعورتين خوفًا من فقدانها، إذن لقد قرأ رسالتها!، وبين أمطار وهواء ومشاعر جذبها بقوة إلى احضانه وكأنه يحميها من قسوة العالم وتشبثت به هي كطفلة فقدت الأمان وها هي تسترجعه، خذلتها عيناها وبدأت تبكي سرعان ما اجتاحها الحنين ومر على عقلها سريعًا ما صار في الأشهر السابقة..
                                     ***
"قبل تسعة أشهر"

بدأت تتململ بكسل في فراشها عندما زال مفعول دواء "المنوم" الذي تأخذه كل ليلة حتى يعانقها النوم في سلام ولا يهجرها كعادته، فتحت عيناها ببطء ثم أمسكت بهاتفها لتنظر إلى الساعه، السادسة صباحًا ميعاد استيقاظها كل يوم، قررت النهوض عن الفراش ولكنها شعرت بثقل حالها، فأحيانا اكبر إنجازات المرء تكون نهوضه عن الفراش صباحًا بعد ليلة قاسية مرت عليه، وأما عنها فجميع لياليها قاسية تتمنى اللين، تنهدت ثم استجمعت قوتها ونهضت ثم ذهبت إلى المرحاض الملحق بغرفتها وغسلت وجهها ثم تأملت حالها لبضع وهلات قبل أن تعود إلى غرفتها لتبدل ثيابها إلى قميص ابيض اللون وبنطال أسود وحذائها الأسود المفضل ذا الكعب العالي، لم تضع اي من مساحيق التجميل تجنبًا للشجار مع والدها في الصباح الباكر لكنها تركت شعرها الأسود القصير دون قيد ثم خرجت من غرفتها نحو حديقه المنزل، ألقت تحية الصباح على كل من شقيقها ووالدها ثم جلست بجاور شقيقها ثم قالت إليه

بين الحرب والحبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن