الفصل الثاني عشر

51 10 3
                                    


فتح هارون عيناه من جديد بعد ساعاتٍ يجهل عددها فشعوره بالارهاق فاق كل شيء، لم يجد بيان بالجوار فظن انها رحلت ولكن ظنونه تبددت حين فُتح باب المرحاض وخرجت هي منه ثم ألقت نظرة سريعة عليه وقالت :

-صحيت
-حالا اهو، الساعه كام؟
-سبعة

نظر هو حيث النافذه فوجد الشمس قد فارقت السماء لذلك قال متعجبًا :

-سبعة بليل !، مش معقول احنا نمنا كل ده!
-عادي

كانت هادئة على غير المعتاد وردودها مقتضبة إلى حدٍ لذلك اعتدل هارون في جلسته ثم قال :

-انتي كويسة؟
-كويسة، لازم ارجع البيت دلوقتي
-حصل حاجة يا بيان؟

لم تكن هي تنظر إليه وذلك ما زاد تعجبه قليلاً، لم تجبه هي فنهض هارون ثم ذهب إليها وأمسك بيدها بلطف وجعلها تنظر إليه ثم قال مجددًا :

-في حاجة حصلت؟

نظرت هي حيث عيناه فشعرت بـ كيانها يُزلزل خاضعًا لجيوش الحب وذلك في الواقع ما اغضبها، استائت كثيرًا حين شعرت بالأمان برفقته وغضبت حين عشقت قربه وازداد غضبها حين شعرت وكأنها سوف تسقط في الحب!، هي تخشي التعلق وتخشي الحب لذلك لم تكن تتحلى بالشجاعة الكافية للمواجهة فقررت الهروب!، أبعدت بيان يده عن يدها ثم قالت بحدة :

-متتعداش حدودك يا هارون
-ايه؟!!

قالها متعجبًا ثم ضحك بقوة فرفعت هي كلتى حاجبيها بتعجب وبعدما انتهى من فقرة الضحك تلك قال بالتعجب ذاته :

-حدودي؟!، حدود ايه يا بيان اللي بتتكلمي عنها بالظبط؟، هو احنا بينا حدود اصلا؟!
-بيني وبينك حدود كتيرة اوي يا هارون، بيني وبينك بلاد واسوار عالية

ثم ضحكت بسخرية وتابعت :

-بيني وبينك ابوك وابويا، هنقدر نتخطي كل ده!
-ده مكانش كلامك امبارح يا بيان، قولتلك انا هارون الغنيمي قولتيلي انا بيان بس، وانا كمان هارون بس يبقى مفيش بيني وبينك اي أسوار ولا الكلام الفاضي ده
-بتحلم

قالتها ثم ذهبت وجلست على الاريكة وشردت بينما عقد هو يداه أمام صدره في انتظار حديثها، تحدثت بيان بعد قليل قائلةً :

-انت عايز مني ايه ياهارون
-انا مش عايز منك اي حاجة، انتي كبرتي المواضيع كدا ليه

نهضت بيان ثم قالت بإنفعال بعدما مررت يداها بين خصلات شعرها :

-عشان هي كبيرة اصلا عشان هي كبيرة!، انا مش عايزه احبك ولا عايزاك تحبني!، لو حبينا بعض محدش هيتأذى غيرنا، ده اسمه غباء لما نجيب النار جنب البنزين، هنتحرق كلنا!

دنى هارون منها من جديد ثم امسك يدها بلطف وقربها منه ثم قال وهو ينظر إلى عيناها مباشرةً :

-مستعد يجرالي اي حاجة مادام هكون معاكي

اتسعت عيناها من جُرءة حديثه، لم تظن انه قد يخبرها بحديث كهذا أبدًا، ظلت تنظر إلى عيناه التي تشبه الوطن بالنسبة إليها وهي المغترب الذي تاه عن وطنه لأعوام، لوهلة شعرت بقلبها يؤنبها كثيرًا ويخبرها ان ترتوي من نهر الحب فقد اتعبه الظمأ ولكن عقلها ناقد حديثه تمامًا ووجدته الأصوب، لمعت عيناها ثم ابعدت يده بلطف وقالت بهدوء :

بين الحرب والحبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن