8- أنا أُحبُّكَ، أنا أُحبُّكِ

553 33 52
                                    

الفصل الثامن
"أنا أُحبُّكَ، أنا أُحبُّكِ"


كانت جميلة بفُستانها الأنيق الأبيض الحريري والذي اختارته فضفاضًا طويلًا وفوقه توبٌ مُزخرف مليءٌ بالورود الصغيرة الوردية، فوق رأسها استقرَّ تاجٌ من الورود الجورية الوردية وحوله أخرى بيضاء مُنمنمة..
سارت بطلتها الناعمة وهي تخرُج بحياءٍ وسط صديقاتها ووالدتها تتهادي في مَشيتها بخجلٍ حتى وصلت لياسيف الذي كان بثغرٍ مُتدلى يُطالِعهُا بانبهارٍ فتوردت وجنتيها وجلست جوار والدها الذي قبل رأسها بفخرٍ لطفلته الجميلة التي صارت أخيرًا عروسًا جميلة وهو اليوم وليُّها يزفها لعريسها وأخيها طِلال وصديقُ عريسها وِضاء شاهدين على الزفاف.
"يا عريس؟"
صاح المأذون البشوش فالتفت ياسيف إليه مُرتبكًا بعدما كان غير مُنتبهٍ ليُشاكسه الشيخ قائلًا: "رَكِّز معنا يا عريس العروس لن تطير؛ دقائق وستكون حلالك يا ابن الحلال!"
خجل ياسيف وتوردت أُذناه فقد أطال النظر للؤلؤته ونسى كل شيءٍ غيرها ليقول بلهفةٍ غير مقصودة وهو يُمسِكُ بكف والد العروس ويجذب المنديل من فتاةٍ كانت واقفة ثم يضعه على كفه المُحتضن لكف والد العروس قائلًا: "هيا يا شيخ ماذا أقول؟
قهقه الشيخ فقال الوالد بلومٍ مُصطنع: "تمهل يا ولد" زاد خجلُ لؤلؤة بينما همس ياسيف بصبرٍ نافذ وبؤس شديد: "زوجوني هيّا أنا لا أُطيقُ الانتظار.."
ضحك الجميع بقوة حتى لؤلؤة التي زاد احراجها وكادت تتركهم وتهرب لكن أُميمة ثبتتها في مكانها قائلة: "لا عليكِ استحمليه قليلًا فهو كان عانسًا منذُ أيامٍ فقط"
ضحكت عفراء برقةٍ وعيونٍ دامعة وهي تحتضنُ زراع أميمة الآخر قائلة: "يا الله أنهما لطيفان للغاية، ادعوا الله أن يُبارِك لهما ويجمعهما على خيرٍ إن شاء الله"
أمَّنت أُميمة بحبٍ بينما بدأ الشيخ بإدلاء الصيغ المُعتادة الرسمية للزواج على مذهب الحنفي ووالد العروس يُردد خلفه ومن بعده العريس حتى أختتم حديثه أخيرًا بجملته الشهيرة: "بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير"
صاح الجميعُ مُهللًا فاستقام ياسيف بلهفةٍ وشوق وسط الجميع غير مُكترثٍ بأحد وقام بجذب لؤلؤة مُحتضنًا إياها بعاطفةٍ جارِفة وسط المُباركات والضحكات السعيدة ليتراجع وِضاء خطوتان للخلف مُبتسمًا سعيدًا لسعادة صديقه ورغمًا عنه تحركت عيناه نحو ما يخصه، زوجته التي ارتدت فستانًا بسيطًا باللون الأزرق القاتم وفوقه خمارٌ ماليزي طويل بل في الواقع طويلٌ جدًا وبالطبع نقابٌ بنفس اللون تنخفضُ قمته بشدة نحو عينيها فلا تُظهر منهما شيء..
وهو أحب هذا وأرتاح له كثيرًا لأنه يُقسِمُ أنه لو رأى أحدهم لون عيناها لفُتن بها وهو لن يتحمل رؤية شخص ينظرُ لها فما بالُكَ بشيءٍ من الافتِتان!
هكذا سيتركها باطمِئنانٍ محميَّةٌ من كلاب الشوارع الضالة، أليس كذلك؟
شعرت أنه ينظرُ نحوها فرفعت عيناها إليه لتجده يُحدقُ بها بما يشبه ابتسامةٍ غامضة..
ورغم ذلك شعرت بالأمان الذي لم يغرب عنها طول فترة مكوثهِما معًا في الجناح المُخصص لهما، أمانٌ غريب افتقدته بعد وفاة والدها وحُرمت منه تمامًا منذُ تزوجت في المرَّةِ الأولى، لكن المَرَّةِ الثانية مُختلفة لقد بدد زواجها الثاني كل الخوف، كل القلق والارتجاف والتوتر والبرود والخواء وحل محلهم شعلةٌ دافِئة جعلت منها ساكنة مُطمئنة وعند تلك اللحظة فقط؛ فهمت أخيرًا معنى كلمة رجل.. الرجلُ هو الذي يمنحُكِ أمانًا لم يسبق لكِ تذوقه، الرجل هو الذي في حضرته يختفي كل الخوف والقلق، هو الحامي هو الحائط المنيع الذي يُمكنُكِ التحامي به كما تشائين والاعتماد عليه.
وضاء كان كل هذا بالنسبةِ لها ففي البداية حماها من ذاك المُغتصب الذي لطالما تعرض لها..
أواها في منزله الذي وجدت السكينة والطُمَأنينة بين جدرانه، كلماته التي لطالما كانت معها لطيفة ودودة لم يُشعرها أبدًا أنها ثقلٌ عليه أو أنه مُجبرٌ عليها وهل تُجبرُ الرجال كالنساء!
عاملها بحبٍ كأنها أُختٌ صغيرة، ربما ليست بقرب أُميمة منه لكنه عاملها بما لم تحلم به قط أو تتخيله!
اقترب منها فخفضت وجهها وعادت بعينيها لأُميمة التي كانت تضحكُ بسعادة على العريس الذي يتحايلُ على والد العروس ليأخذها ويهرب بها بحُجة العشاء فيرفض العم مُحمد ويُخفي ابنته خلف ظهرِه قائلًا: "ابنتي لن تذهب في أي مكانٍ ياسيف، اقعدا قليلًا أو خذا طِلال معكما"
فتذمر ياسيف ببؤسٍ قائلًا: "يا عمي إنها زوجتي"
لينفي مُحمد قائلًا بحزم: "طالما ألاء في بيتي فهي ابنتي فقط"
طال الشجارُ بينهما والجميعُ يُقهقهُ عليهما لتنتفض فجأة على صوت وِضاء الذي اقترب منها وأمسك بيدها قائلًا: "لدي فكرة يا عمّي، ما رَأيُكَ أن أذهب أنا وزوجتي معهما والطبيبُ طِلال أيضًا بالطبع، سيكون عشاءً جماعيًا ولا تقلق لن اسمح له بالانفراد بها"
فكّر العمُّ مُحمد قليلًا ثم قال بحزم: "سأثقُ بكَ وِضاء فلا تخذلني"
أومأ وضاء فرضخ الحاج مُحمد ووافق ليُهلِّلُ ياسيف اعتقادًا منه أن وِضاء سيجعله ينفرد بزوجته كيفما يشاء وكاد يحتضنُ عروسته مجددًا ليحول الأب بينهما قائلًا: "تأدَّب يا ولد، أم أن الموضوع أعجبك!"
"نعم أعجبني كثيرًا جدًا وأريدُ إعادةَ هذا الشعور الغامر للروح مُجددًا" همس ياسيف بانتشاءٍ داخله ثم تذمر بحزنٍ مصطنع أمامهم جميعًا: "يا عمي أنها زوجتي!"
"وِضاء خذ صديقك وأرحل لا بنات عندنا للزواج" هتف مُحمد مشاكسًا ياسيف بجديته المُصطنعة فقفز ياسيف بحنقٍ قائلًا وهو يجذبُ لؤلؤة لتقف خلف ظهره: "نعــــم!
واللهِ لن يحدث ليس بعدما أصبحت زوجتي"
وبالتغاضي عن كل ما يحدث كانت ألاء في ملكوتٍ مُختلف تمامًا، بداخلها مشاعر غريبة لا تفهمها..
كيف يمكن لهذا الغريب الذي لم تلتقيه سوى مذ أسابيعٍ قليلة فقط أن يحتل كل هذه المشاعر داخلها؟
أن يكون لها الأقرب من دقات قلبها يلمسها بحريةٍ دون أن يخاف ارتكاب ذنبٍ أو يراه أحدًا؟
أيُمكن أن يكون لها اقرب من والدها الذي كان سببًا في احضارها للحياة ثم احتضانها لأكثر من عشرين عامًا كاملًا!
كيف؟!
عندما احتضنها شعرت بخجلٍ رهيب ثم بالحب..
وهي التي لطالما قرَأت عن الحب ولم تُجربه، الآن فهمت ما هو الحب وشعرت به.
الحبُّ هو الانتماء والتملك، الشعور بأن هذا الشخص لكِ وحدكِ.. خُلق لأجلكِ، ليكون شريك الدرب والروح!
والأجملُ من كل هذا أنه حبٌّ صادِق، لا ألاعيب فيه ولا كذب ولا مجال به للتخاذل أو التراجع لأنه مُباركٌ من المولى عز وجل، لأنه برضا الرحمن فيرضيهما الله بالبركةِ واللذَّةِ كاملة..
إنها الحقيقة التي لا تُكذَّب، الوعدُ الذي لا يُخلف، الميثاق الذي بيننا وبين الإله الأحد الفردُ الصمد، إنه الحلال..
ولأن الحلال أجمل فانتظر.
❀•❀•❀
عاد لمنزله بفكٍّ مُتصلب وعينان مُلتهبتان بحقدٍ شديد، كان يُخطِّطُ ويُفكِّر في عقابٍ يجعلها تندم، يقسم أن يجعلها تركع أمامه لتُقبل قدمه نادِمة، عندما جاءه خبرٌ بكونهما قد رفعتا مُجددًا قضيةَ خلعٍ لكن هذه المرّة كانت لطلاق تاج وخيّال أراد قتلها وتمزيق أحشائها..
الحقيرة تُريدُ تدمير عمله ومُستقبلة!
حينها تصاعد غضبه ولم يشعر بنفسه إلّا هو يصرخُ أن الحب كما قالت مديحة لعنة تجعلكَ ضعيفًا وقد تهدم كل شيءٍ فوق رأسك..
وهو أحبها وضعف لأجلها وسَكت لفترةٍ على طلاقها علها تهدَأ وتعود إليه وحدها بعد نوبة عصيانها المُفاجِئ فيُلقنها حينها درسًا لن تنساه أبدًا أو يشفع لها ندمها وحبها عنده لأنه ومع كامل الأسف مازال يحبها..
لكنها لم تندم ولم تعد بل زادت من عِنادها الوقِح وتخطت خطوطه الحمرّاء جميعها، وجد نفسه فجأة أمام البناية التي أمر أحد رجاله باللحاق بهم إليها ثم صعد لطابقها وطرق الباب مُختبئًا فوق السليمات الأولى من الدرج وعندما فتحت الباب ترتدي زي الصلاة تهجم عليها وانهال عليها ضربًا بقبضته العنيفة وهو يجرها من شعرها خلفه ولم ينتبه إلّا على اللون الأحمر الذي أغرق المصعد ولوث ثيابها الفاتحة ثم كلماتها المُرتعبة المُبعثرة التي لم يهتم بها ومن بعدها فقدانها للوعي فجأة..
أدرك حينئذ فداحِة فعلته فجذبها لصدره يحتضنها بهلع، رودين تنزف فاقدة للوعي!
هل آذاها؟ أكان عنيفًا معها؟
"يا إلهي" صاح برعبٍ يتفاقم وهو يحملها ليُهرولُ بها نحو اقرب مشفى يُمكنُه أن يُسعفها.
زفر بخفوتٍ وهو يُلقي بمفاتيحه وجواله فوق سطح الطاولة بعصبيةً ثم يجلسُ فوق أريكته يُفكِرُ في ذاك الذي ذكرت المُمرضة اسمه، مالِكُ المشفى!
مَن هو مالِك المشفى هذا وما الذي يُريده من رودين ولماذا وصَّى عليها؟!
"اخبرتُكَ سابقًا أنها سوسةٌ حرباءة تلعبُ بخبثٍ مِن أسفل الطاوِلة، أشكُّ أنها في علاقةٍ غرامية مع آخر وتتخذُ زواجنا حُجّةً لـ.."
صدح صوت ماهي من مكانٍ ما في عقله وهي تلفظ بجملتها التي طنَّت كثيرًا في أذنه لكنه تغاضى عنها لأنه يثق برودين التي أخذها طفلةً بريئة وتعلمت كل شيءٍ على يده..
يثق برودين التي عشقته بكل جوارحها ووهبت روحها له ليرضى عنها، يثق بها ويعلمُ أنها أهلٌ لهذه الثقة لكن الآن وبعد حديث المُمرضة بدأ يُراوده الشك لا بل بدأ يتخلل ثنايا قلبه!
أخانته رودين لترد له الضربة؟ هل أحبت غيره؟
أاستطاعت تجاوزه والمضي في حياتها قدمًا أم أنها خانته قبل الطلاق وطلبت الخلع لتصبح مع عشيقها!
وهنا لم يستطع التحمل فانتفض واقفًا يحملُ هاتفه ليتصل بزراعه الأيمن قائلًا: "أنتَ يا زفت اسمعني جيدًا سأُرسِلُ لك موقعًا جُغرافيًا لمشفى بعينه وأُريدُ كل شيءٍ يخصُّ صاحبه وهل كان يذهبُ ذاك الشخص لرودين وتاج في غيابي أما لا وإذا كان قد ألتقى بهم مسبقًا هل تفهم!
أُريدُ تقريرًا كاملًا عن كل ما يتعلق به في أقرب فرصة"
أومأ الشخص قائلًا بإطاعةٍ: "حاضر سيدي" أغلق سراج الهاتف في وجهه ثم بدأ عقله يأخذ منحى آخر أكثر شرًا، الآن هناك ما هو أهم وأولى بخططه فتلك الغبية الحقيرة إن نجت من النزيف ستخبر الشرطة بما فعله بها لذلك عليه التفكيرُ في حلٍّ سريع يُؤمِّنُ به نفسه جيدًا، دون الانتظار لثانيةٍ واحدة اجري مُكالمةٍ ثعبانية ماكرة ثم جلس براحةٍ ينتظرُ حصاد خطته المُثمرة بالتأكيد فهو لا يفشلُ أبدًا.
"أف يا سرُّوجتي لقد مللتُ هذا المنزل القبيح، لما لا نُغيره ونشتري واحد جديدًا يفوقه أناقة أو لنُغير أثاث وديكور المنزل كاملًا فهو بلدي جدًا ولا يُقارِبُ ذوقي بتاتًا"
تأففت مديحة مجددًا بعدما انهت جملتها مُتذمرةً بضيقٍ فهذه ليست الحياة التي تزوجت سراج لأجلها!
لم ترتاح يومًا في هذا المنزل المنحوس والمشؤوم، ففي اليوم الأول لهما تُطاردهما الدجاجات مسعورة وفي الليل لا تستطيعُ النوم مع زوجها فوق سرير الغرفةِ الرئيسية لامتلائه ببدرة شوكية غُرِزت في جلديهما فجعلت جسديهما يلتهبُ من كثرةِ الحكة العنيفة والألم الذي يزدادُ بشكلٍ بشع وكأنها زُجاجاتٍ صغيرة مُفتتة حُشرت بين ثنايا بشرتيهما ومع الحركة تُزيد من تألمهما، كل هذا لا يُقارنُ بما وجده في اليوم الثاني من جرذان في غرف الخزين والثلاجة ثم اختلاط السكر بالملح ووجود الشطة شديدةُ الحرارة في غسول الشعر ومعجون الأسنان وكريمات البشرة أيضًا!
في الواقع لقد قضت أفظع أيام حياتها في المكان الكريه فبغضته بشدة وكرهته ولم تعد تستطيعُ تحمله.
أجاب سراج باقتضابٍ وبرود مع ابتسامة صغيرة ثعبانية فرودين ما زالت مِلكه وتحبه، مقالبها الصغيرة هذه تدل على غيرتها عليه وحبها له، عند هذه النقطة شعر بانتشاءٍ وسعادةٍ مُتغطرسة فخورة برجولية المزعومة الكاذبة فالرجال لا تُبكي النساء أو تضربها: "ليس الآن يا ماهي"
زفرت بحنق ثم قالت بغضب مكتوم عندما رفض سراج مطلبها: "لماذا ليس الآن يا سراج أيُعجِبُكَ ما نعيشُ فيه هذا؟!"
نعم يُعجبه، بل في الواقع يُعجبه وبقوة فكل تلك الأشياء تذكره بحبيبته المُتمردة الصغيرة ويُبرهنُ على عشقها الكبيرُ له وأنها ستعود له ولن تكون لغيره، تركها سراج واستقام واقفًا ليجيب على أتصالٍ هاتفي بعد أن هتف لها ببرود: "اختاري غرفةً واحدة لنغير أساسها ونُجددها حسب ذوقكِ، أما الآن فابتعدي عنّي يا ماهي"
أتجه للشرفة ليُجيب بفحيحٍ بعدما استمع لما هتف به الطرف الآخر: "احسنت صنعًا، الآن انتقل للخطوةِ الثانية"
أغلق الهاتف ونظر أمامه بنظراتٍ خبيثة وهو يهمسُ بتوعد: "لن أكون سراج إذا ما وضعتُ عنقكِ أسفل قدمي يا رودين!"
❀•❀•❀
العشاءُ كان رومانسيًا على أضواء الشموع الخافتة، جميعهم كانوا على طاولاتٍ مُتفرقة لكنها قريبة من بعضها البعض بالكاد تبعدُ مقدار مترٍ واحد أو مترين، جميعهم يتهامسون بخفوتٍ رومانسي ما عدا طِلال الذي كان موعده الغرامي مع كتبه العلمية المُعتادة مُصطحبًا معه صديقه الأقرب لقلبه ورفيق عمره وزميل مهنته وائل عبيد، تحدث الشابان في أشياء كثيرة كلُّها مُتعلقة بالدراسةِ والعمل حتى انتهت بدعوة وائل له لدراسة حالة مرضية مُعقدة في حديقة منزله الواسعة بعيدة عن منزل طِلال متوسط الحال والذي غالبًا ما يكون مُمتلئًا بصديقات أخته والأقارب والجيران بسبب زفاف ألاء توأمته وصديقهما الثالثة في مرحلة الطفولة.
أما عفراء ووِضاء فحفَّهما بعضُ الخجل والتحفظ مع الكثير من الطمأنينة والمودة، حدثها عن نفسه قليلًا وطبيعة عمله وقرب موعد سفره وأنه سيضعُ لها في حسابها مبلغًا كبيرًا سيكرره شهريًا لسداد احتياجاتها الشخصية مُحتجًا بكونها مسؤولةً منه وعليه التكفُّل بكل ما تحتاجه..
وهي أعلمته بطبيعة عملها ودراستها التي تفاجأ بها فلم يكن يعلمُ عنها شيئًا، الحديثُ يؤلِّفُ بين القلوب فتحدثوا بكلماتٍ معقولة، لا تُزيدُ فيمل الطرف الآخر ولا تقتضبوا فيفقد الحديث التهابه وحرارته، إن انتهت المواضيع فاحكوا لبعضكم البعضٍ ما يجِدُّ في أيامكم، تشاركوا معًا حلوها ومرّها إلّا إذا كان الطرف الآخر مهمومًا فاكتفوا بالحديث الجيد المؤنس للروح المُطيب للقلوب والمُزيلُ للهموم، أما لو كانت الأمور على ما يُرام فادلوا بمكنونات صدوركم بكلماتٍ حاولوا جعلها لطيفة وتخيروا الأوقات واتركوا لأنفسكم مسافة كي لا يختنق أحدكما فجأة وتفتر علاقته بالأخر..
تذكروا أن خيرُ الأمور أوسطها فتوسطوا.
عند العروسين كان ياسيف سعيدًا مُنتفخ الريش بسعادةٍ جامحة وهو يُمسِكُ بكف زوجته ولا يقبلُ بتركها أبدًا أما اليد الأخرى فكان يأكل بها مُستمتعًا بمُشاهدة لؤلؤة المُتحولة لفراولةٍ شهية من شدة الخجل كأرنبةٍ تخفضُ رأسها بحياءٍ وترمقُ طاولة طِلال أخيها وطاولةَ صديقتها عفراء الموجودتان حولها بارتباكٍ وتخبط، لم يرها هكذا أبدًا فلطالما كانت حادة قوية تُخرجُ مخالبها في وجهه إن تجرّأ واقترب منها، كانت تعبثُ في صحنها بتوترٍ ولا تضعُ لقيمةً واحدة داخل ثغرها، طال احتضان كفه لكفها فهتفت بحشرجة وهي تحاول جذب كفها: "يا.. ياسيف كف عن هذا الجميعُ سينظرُ لنا"
"حينما تخجلين تكونين شهيةً جدًا" همس بهُيامٍ فارتبكت أكثر وخفضت رأسها ليجذب كفها نحوه أكثر قائلًا: "أنتِ زوجتي يا لؤلؤتي فلا تخجلين" بعدها همس بنبرةٍ بطيئة ثملة: "في الواقِع يحقُّ لي أكثر من هذا أتعلمين أنا.."
"كفاك وقاحةً يا ياسيف، أنتَ غيرُ مهذبٍ" هتفت باشتعالٍ في جنتيها وقد عادت لحدَّتِها وهي تسحبُ كفها بقوةٍ منه فقهقه ياسيف بقوةٍ حتى التفت وِضاء وطلال له ثم عادوا للتركيز مع أنفسهم بعدم اكتراثٍ ليعود ياسيف برأسه إليها هامسًا بسعادةٍ تُدغدغ أوصاله: "أخيرًا عاد الأخ جعفر! اشتقتُ لكَ يا رجل حمدًا لله على سلامتك"
طالعته بحنقٍ ثم نفضت يداه بعيدًا عنها وامسكت بمعلقتها تأكل من صحنها تُتمتِمُ بغيظٍ وحنق: "حقير، أضاع اللحظاتِ الرومانسية"
لكنه سمعها فزاد من قهقهته ليقترب منها أكثر ويحتضن كفها الآخر قائلة: "لنُعيدها مُجددًا إذًا!
يُمكنُني صنع لحظاتٍ أفضل منها صدقيني، فقط جربي.."
نفضت كفيها منه صائحةً بغيظٍ وغضب ممزوجٌ بخجلٍ واحمرارٌ في وجنتيها: "ابتعد ياسيف، أنتَ لا تعلمُ غير الوقاحةِ فقط"
هدأت ضحكات ياسيف وهو يستقيمُ ليُقربها منه مُحتضنًا إياها برفقٍ هامسًا وهو يحمد الله في نفسه أنهم حجزوا قاعة المطعم لأنفسهم ولا غريب هنا بينهم إلّا وكان الناسُ سيسلمونهم لشرطةِ الآداب بتهمةِ فعلٍ فاضِح في مكانٍ عام: "أُحبُّكِ يا روح ياسيف"
شلّتها الصدمة مُجددًا وهي تقول باستنكارٍ: "ماذا؟!"
فضحك وهو يُزيد من احتضانه لها بشوقٍ جارف قائلًا: "لا أعلمُ كيف ومتى لكني أُحبُّكِ، أُحبُّكِ وأُريد أن أقضي المُتبقي من حياتي برفقتك"
يا إلهي هل هذا اعترافٌ منه بالحب للتو!
وقبل أن تُقوم بأي ردَّةِ فعلٍ كان طِلال يُفرِّقُ بينهما بغيرةٍ قاتلة قائلًا بابتسامةٍ صفراء: "تلامُس آخر وسأُخبرُ أبي أقسِمُ بالله".
❀•❀•❀
وصلا لقصرٍ كبيرٍ فاخِر دلفا إليه بصحبة أيهم في سيارته الحديثة التي اصطفَّت جوار الباب الداخلي فهبطت تاج بخفوتٍ وساعدت رودين الشاحبة الجامدة كالأموات في النزول برفقةٍ ثم خطت خلف أيهم صاحبُ الخطوات الثابتة القوية والهيبةِ الطاغية وهو يُنادي على الخادِمة لتأتي وتُساعدهما بينما يحملُ عنهما حقيبتيهما الصغيرتان جدًا والتي كانا بهما بعض المقتنيات التي اشتروها في الطريق، دلفا للبهو الواسع الأنيقُ بطابع عصري مُحافظٌ على هويته العربية كان ساحرًا بكل ما للكلمةِ من معنى!
وتلك كانت رؤية تاج للقصر الذي رغم ثرائها وترف عيشتها لكنها لم ترى شيئًا مُميزًا مثله أبدًا، أما رودين فلم تنتبه أو تشعر بأي شيءٍ سوى موت الروح التي كانت تحملها داخل رحمها وتنبض بين ضلوعها..
اجلستها تاج على السرير في الغرفة التي أوصلتهم الخادمة لها بابتسامةٍ بشوشة، تلقائيًا نامت رودين تضمُّ قدميها لصدرها وجروحها وكدماتها تغطيان وجهها وكفيها والكثيرُ منها يُعانِقُ جسدها المُستتر أسفل ثيابها الواسعة بينما جلست تاج جوارها تُربِّتُ فوق كتفها بدعمٍ ثم ألتفت لتنام خلفها وتحتضنها بخفوتٍ علّها تُواسِيها فلا كلمات تستطيعُ مواساتها الآن وهي أشدُّ الناس علمًا بهذا!
بدأت رودين في البكاء بحرقةٍ فزادت تاج من احتضانها وهي تهمسُ في أذنها بخفوتٍ ودعم: "أبكي حبيبتي أبكي أنتِ تحتاجين لهذا، أبكي رودين ولا تحبسي هذا الألم اللعين بصدركِ يا حبيبتي، طفلُكِ الآن في الجنة مع الله يا رودين وبصحبةِ رسول الله وكل المصطفين الأخيار، بإذن الله هو بخير لذا عليكِ أن تكوني بخير لتجتمعا معًا في الجنة بعد عمرٍ طويل إن شاء الله"
تابعت رودين بكائها وهي تتذكرُ حملها لطفلها الميت مُكفّنًا بالقماش الأبيض قبل أن يأخذوه منها ليذهبوا به للصلاة ثم الدفن في القبور الصغيرة المُخصصة للأطفال.
بكت بحرقةٍ أكبر وهي تحتضنُ بطنها الفارغة فعانقتها تاج بقوةٍ أكبر وقد بدأت في البكاء معها بألمٍ يُمزِّقُ نياط القلب حتى غفت كِلتاهما والدمعُ يسيلُ علي وجنتيهما.
❀•❀•❀
حضَّرت ما ستعرضه على طلّابها غدًا من أصوات ومقاطع مرئية لمواطنين أصليين يتحدثون تلك اللغات الأعجمية، ثم لخَّصت ما ستشرحه في ورقةٍ واحدة أعدتها بنظامٍ مُعين يُبسط اللغة ويجعلُها سلسلةً للفهم وأخيرًا انتهت بتصحيح الواجب للطلاب بعدها استقامت واقفة بإرهاقٍ مُبتسمة، لقد أحبت هذا العمل وسعدت لأنها اختارته عن تلكَ الشركة خاصةً بعدما صارت في فترةٍ قصيرة جدًا أهم مُعلمات اللغة في المدينةِ بأكملها كما أن الدخل الذي يعود عليها في ثلاث ساعاتٍ فقط كل يوم لستِّ مجموعاتٍ مُختلفة يوازي مُرتبها الذي كانت ستحصُل عليه من تلك الشركة البغيضة وتحكُّمها الذي لا تنتهي، أما وظيفتها كمدرسة فهي وظيفةٌ حرّة تمامًا ولا أحد يتحكمُ بها، نعم العمل مع الطلاب أكثر إرهاقًا والمسؤوليةُ الواقعة فوق عُنقكِ عظيمةٌ جدًا وعليكِ اتقانُها والتفاني في أدائها لكنها مُمتعة، بعضُ الطالبات الحالمات بمستقبلٍ مُشرق يهونون عليكِ مشقة هذا التعب والبعضُ الأخر النهَّام للمعرفةِ يجعلُكِ سعيدةٌ بانتشاء للإجابةِ عليه وإعطاءه المعلومة كاملة، ثم النيةُ مع الله في تربية وتعليم جيلٍ واعي مُثقف يقود الأمة الإسلامية ويرتقي بها كما أوصى الحبيبُ صلَّ الله عليه وسلم..
وأخيرًا تعليمهم علومًا دينية بسيطة يستطيعُون قولها باللغةِ المُعلَّمةَ لهم وجعلهم يتسابقون في ما بينهم ليرونَّ مَن يستطيعُ ترديد جُملٍ دينية أكثر باللغة الأجنبية.
إن كُنتَ مُعلمًا فلا تنسى النيةَ رجاءً لتحويل هذا العمل الدنيوي لعبادةٍ تُؤجرُ عليها إن شاء الله، كنية نشر الوعي والعلم بين الناس تيَمُّنًا بحديثه صل الله عليه وسلم: "إن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر" رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني، أي أنَّكَ بعلمِكَ هذا مُكلَّفٌ بأداء رِسالتك وتعليمها للناس كما الأنبياء بالضبط.
دلفت للمطبخ لتُعد عشاءً سريعًا فخرج لها سند يحملُ كتابه هاتفًا بحاجبين مُقطبين: "عِطر أنا لا أفهم مقصد هذا السؤال فهلَّا وضحته لي؟"
أومأت بابتسامةٍ مُرحبة وهي تأخذ منه الكتاب لتقرأ السؤال المُراد ثم أعادته له وبدأت في شرح الجزئية الخاصة به باستفاضةٍ لتُشبِع تساؤله، بالفعل أصبحَ يسيرًا لعقله وأدرك مفاده ليبتسم بفخرٍ مُرددًا: "جيدٌ أننا اكتشفنا موهبتكِ يا توتا سأستغلُّكِ جيدًا هذه السنة لتشرحي لي كل شيءٍ بطريقتك الرائعة هذه" قهقهت عطر بنبرةٍ عالية فتنحنح سند وهمس بتروٍ: "عطر!"
أجابته بابتسامةٍ حلوة مثلها: "نعم؟"
فهتف ببعض التوتر: "اسمعيني أنا أدرسُ جيدًا وأُراجِعُ كثيرًا لكني أشعرُ بالملل ولدي مُتسعٌ من الفراغ فـ.. فهل.."
صمت يبتلعُ ريقه فأطفأت عفراء الموقد واستدارت له قائلةً بتفهم: "أفعل أي شيءٍ تُريده في وقت فراغك سند، هذه السنة ليس سجنًا لأمنعك فيه من مُمارسة حياتك الطبيعية!
تستطيعُ الخروج مع أصدقائك والتسكع معهم أو لعب ألعاب الفيديو أو حتى السفر خارج المدينة لتهون عن نفسكَ قليلًا لكن عدني أمام اللهِ بأمرين وأقسم أنك لن تخلفهما أبدًا"
"أعدُكِ واللهِ" قالها بحماسٍ شديد فهمست بجديةٍ وحسم: "أولهما أن لا ترتكب مُحرمًا مهما كان بسيطًا أو تترك فرضًا دون تأديته، الشرط الثاني أن لا تُهمل دراستك أو تجعلها تتأثر بأي شيءٍ ستفعله!"
"وأنا موافق" قفز مُهللًا وهو يركضُ مُتجهًا لغرفته فسألته عِطر مُبتسمة: "ما بكَ يا مجنون ماذا ستفعل؟"
"سأشترك في تدريــب السباحةِ مع أصدقائــي"
❀•❀•❀
"جهِّز لي سيارة السفر وألغي لي كل مواعيدي يوم الثلاثاء القادم فأنا ذاهبٌ للعاصمة"
قالها ثم أغلقَ الهاتف دون أن يستمع لإجابة مساعده على الطرف الآخر، زفر بهدوءٍ وهو يقف كعادته بسروالٍ مُمزقٌ من الجينز القاتم في شرفَةِ قصره يأخذ نفسًا عميقًا من الهواء الطلق أمامه أثناء تدخينه لسيجارته الفاخرة، ربما حان الوقتُ المناسب للقاء أولاد عمته واخذ قسطٍ من الراحة بعيدًا عن سِراج ومشاكلة المعتوهة، سيأتي بهم لقصره ليعيشُوا معه حيثُ لم يفعل أي شخصٍ من قبل بعد إخوانه المغدور بهم، سيُحاول أن يكون لهم الأخ الأكبر الذي عجز عن تأديةِ دوره مُسبقًا، سيكون أخًا صالحًا كما كان من قبل فهو يحتاجُ هذا، داخله فراغٌ رهيب لن يملَأه إلّا وجود حور وجنة ومُحمد من جديد!
وجودهم الذي سُلِب منه على حين غرّة ومعهم قلبه وعقله ولم يبقى له سوى الانتقام فقط..
لكن ماذا لو سُلب منه أبناء عمته أيضًا؟
سؤالٌ شيطاني يُراوده لكنه لن يسكت له، لن يستطيع أيُّ مخلوقٍ ابن أمه على سطح هذا الكوكب فعلها، لقد صار الآن أقوى ويستطيعَ الفتكَّ بهم جميعًا وطحن عِظامهم الحقيرة داخل قبضةِ يده.
إدمانِه؟
سيخافُ عليهما من نفسه! سيخشى أن يُصيبهم بمكروهٍ وهو غيرُ واعٍ لما يفعل..
لا، لا لن يؤذي إخوانه، لن يؤذي أطفاله، لا يُمكنه أذيتهم هو ليس وحشًا، حسنًا ربما هو وحشٌ كاسِر بلا رحمةٍ فعلًا لكنه لن يكون وحشًا معهم، سيقطعُ يده قبل أن تمسهم، سيقتُل نفسه قبل أن يقترب منهم..
عصفت الأفكارُ بعقله فذهب لدرج طاولته وكاد يُخرج منه سمَّه الأبيض ليُزيل عنه الألم لكنه في اللحظةِ الأخيرة توقف!
توقف وهو يرى حور بكل لطافتها ونعومتها تهمس له ببراءتها المعهودة: "أخي.. ماذا تفعل؟"
ثم من بعدها جنّة تجلسُ على قدمه وتهمسُ بطفولةٍ وتلعثم بسيط: "أنا أُحبُّكَ أكثرَ من الحلوى" بعدها بسعادةٍ تحتضنه لتقول بابتسامةٍ واسعة: "رائحتُكَ جميلةٌ جدًا"
بعدهما يأتي دور مُحمد الذي يدلف مُهللًا وهو يُعانقه قائلًا: "سأدرسُ القانون يا أخي وأكون لكَ سندًا ورجلًا يُدافِع عن الحقوق فتفتخرُ به!"
القانون؟
هو لم يخضع للقانون أبدًا بل كسره وتخطّى حدوده كاملة، عارض رِجال القانون وحاربهم بل قاتلهم وقتل منهم من اعترضه..
نفض كل هذا عنه وأخرج سيجارةً أخرى وهو يُعاود الخروج من الغرفةِ مُرددًا إن السيجارة وحدها ستفي بالغرض.
سينطلقُ بعد يومين لإعادة أولاد عمته والباقي غير مهمٍ أبدًا طالما هو واثقٌ أنه هذه المرّة سيحميهما، لقد امتلك المال والجاه والقوة وقصره صار أكثر بقاع الأرض أمنًا وأمانًا لاحتضان إخوانه واحتوائهم.
لم يكن يعلم أن الخطأ الذي ارتكبه مُسبقًا سينحر ذاك الأمن المُدعى ويدفن ذاك الاحتواء والدفيء المُراد في بحر الظلمات من جديد.
❀•❀•❀
مرَّ بضعةِ أيامٍ من أسوأ الأيام على رودين التي كان مُدمرة نفسيًا وجسديًا لكن بفضل الله ثم أيهم تحسنت حالتها كثيرًا خاصةً برؤيتها لقاتِل طفلها خلف قطبان السجن بعدما أرسل أيهم له قوّاتٍ حاصرت منزله وزجُّوا به في زنزانةٍ انفرادية والمُحامي الذي كُلِّف مُسبقًا بقضية طلاقها الآن هو مكلفٌ بأخذ حق صغيرها، نامت قريرةَ العين لساعاتٍ أخيرًا وقد شفى غليلُها قليلًا وبردت روحها وحولها الخالة أم أيهم وريتاج التي أحبتها وساعدت في رعايتها الأيام السابقة، استقامت جالسة بينهم بابتسامةٍ هادِئة بعدما رضت بقضاء الله مُردِّدةً أن ما اختاره الله لها هو الأفضل رغم ما تشعرُ به من فراغٍ رهيب ووحدة قاتلة وسط كل المُلتفات حولها في منزل السيد أيهم الذي لا تعرف طريقةً لرد جميله عليها ووقفته الرجولية معها وتحمله لكامل مسؤوليتها هي وتاج بكل شهامةٍ بلا تزمُّرٍ أو ملل وهذا ما لن تنساه أبدًا، بعد فترةٍ قصيرة خرجوا جميعًا معًا فقد جُهِّزت طاولة الطعام لهم وأصرّوا عليها بالخروج معهم وأن لا تتناول الطعام اليوم بمفردها على سريرها، كانت السفرة مجهزة بأشهى المأكولات وأروعها فالتفوا جميعًا حول الطاولةِ يأكلون في جوٍ لطيف خالص بالمحبةِ والمودة خاصةً بوجود الحاجة أم أيهم ذات القلب الطيب والابتسامةِ البشوشة والحنان المُفرط والقليل من العناد لريتاج التي كانت تحبُّ مُشاكستها بالمثل، ساد المرح والهدوء بينهما حتى قاطعه صوت رسالةٍ نصية أضاءت شاشةَ جوال رودين التي لم تكن لتُجيبها لولا أنها كانت آتية من رقم سراج!
فتحتها بارتعاشٍ فسراج في السجن الآن.. اعتقدت أنها زوجته وتُريدُ التعارك معها لكن ما رأته جمَّدها وصدمها!
"ابنك لم يمُت يا رودين وما زال معنا، بسهولةٍ رشونا مُمرضة واستطعنا تبديل الطفل بآخر ميت، ما زال لديكِ الفرصة يا زوجتي الجميلة، إذا أردته حيًا يُرزق فنفذي ما سأقوله لكِ بالحرف الواحد.."
ثم أرسل بعدها صورةً لطفل صغير موضوع في لفّةٍ بيضاء مُهملة ومُلقى على الأرض الخشنة مُحاطًا بالقاذورات وروث البهائم، صرخت بارتعاشٍ والهاتف يسقط من بين يديها لينتبه الجميع لها ويلتفّوا حولها لتهتف تاج بقلقٍ: "ما بكِ رودين؟"
لكن رودين لم تُجب بل شحب وجهها وتناثرت قطراتُ العرق على جبينها لتسقط فجأة مغشيًا عليها.
سندتها تاج وريتاج بينما تناول أيهم الهاتف ليقرأ ما فيه بصدمةٍ فيتصاعد غضبه ويتصلب فكّه وهو يجزُّ على أسنانِه قائلًا: "يا ابن الـ*** يا سراج، أقسِمُ بالله أن أجعلكَ تحيا في جحيمٍ لعين لن تهنأ بعده أبدًا"
ثم التفت راحلًا بغضبٍ أعمى والشياطينُ تتراقصُ أمام عينه، أما والِدته المسكينة فتضرعت لله بقلبها أن يحفظ ولدها البار الذي لم تسمعه منه كلمةً بذيئةً قبل اليوم!
❀•❀•❀
دلفت لمنزلها مع أطفالها الثلاث بعد يومٍ صاخِب من الاحتفال بعقد قران لؤلؤة، وضعت كل طفلٍ من أطفالها في سريره ودثته بالغِطاء جيدًا ثم بدلت ملابسها وارتدت منامةً مُريحة، أعدت كوبًا من الشوكولاتة الباردة واخرجت رواية جديدة لتقرأها بعد أن تفحصت هاتفها ولم تجد من زوجها الحبيبُ أي رسائل جديدة..
لقد طالت غيبته هذه المَرّة، طال بعده وقلَّ حديثهما وهي اشتاقت له حد البؤس!
لم يستطع القدوم في عُرس وِضاء ولا المُناسبات التي سبقتها مُعتذرًا بحُجَّةِ أن لديه عمل.
تخافُ أي يأتي يومٌ يقلُّ حبهما أو تفتر علاقتهما بسبب هذا التباعد فلا يبقى بينهما صلةٌ غير الأولاد، هي أُميمة المُؤمنة بالحب وكل خِصاله غير قادرةٍ على عش هذا الحب والتنعم به لغياب المحبوب وبعده عنها.. تنهد بخفوتٍ وبؤس ثم فتحت روايتها وبدأت في القراءة وفجأة شعرت بحركة خارج غرفتها وظِلٍّ أسود يتحرك بسرعة فأغلقت كتابها ووضعت كوبها جانبًا ثم نادت على أولادها فلم يُجبها أحد..
خرجت من الغرف ليهجم عليها فجأة شخصٌ مُلثم كمم ثغرها وقيدها من الخلف فشحب وجهها وجف حلقها وبردت أوصالها وتذكرت ذاك الذي تهجم على عفراء وحادثة هروبه من السجن بالأمس والتي أخبرها وِضاء بها وقرر اخفاء الأمر عن زوجته حتى لا تهلع، يا إلهي إنها هالكة!
قاومته وحاولت ضربه أو قضم يده لكنه كان يُقيدُها بمهارةٍ ليقترب منها ويهمس في إذنها قائلًا: "رحِّبي بعودتي يا مليكتي".
❀•❀•❀

بجد هنا سأسكتُ قليلًا 🥺🤍🤍
شكرًا جدًا لتصويتكم وكومنتاتكم اللطيفة ربنا يسعد قلوبكم والله فرحت بيها جدًا حتى اتشجعت أنزل الفصل التامن بسرعة وكمان هنزلكم الفصل الجاي في معاده مع جروب الجيش الأزرق يعني بكرة أو بعده بالكتير بإذن الله 😍❤❤
قراءة سعيدة ودمتم بود إن شاء الله 💞


منى علاء شاهين
الجيش الأزرق Blue army 🌍💙

استوصوا بالحبيب غزلًا "للكاتبة منى علاء شاهين"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن