19- ستندمين

456 19 27
                                    

الفصل التاسع عشر
ستندمين

أخرجت رَأسها من سيَّارةِ الشحن برفقٍ وترقُّب عندما شعَرت بحركةِ السيارة قد تتوقف، أشعةُ الشمس تغلغلت أركان المكان بأكمله فعلمت أنها قضت ليلتها كاملة في السيارة، بحثت بعينيها في المكان فوجدتهم على مقربةٍ منها يتهامسونَ بشيءٍ ما لم تفهمه فخرجت من السيّارة على مهلٍ شديد حتى استقرت فوق الأرض خلف السيّارة، استعدت عدِّة ثواني ثمَّ ابتعدت بعدها مُتجه نحو ذاك المنزل الريفي الواسع المُتهالِك، بحثت عن ثغرٍ ما لتدلف منه بقلبٍ حجر يهوى الصعابَ والاثارةَ ولا يغشى شيء، لحظاتٍ أخرى ووجدت بابًا لقبوٍ قديم فتحته برفقٍ ثمَّ دلفت إليه بحذرٍ لتسمع أصواتًا قريبة، تبعت الأصواتَ لتصل لساحةٍ عملاقة بها عددٌ ممَّن تبحث عنهم؛ تعرفت عليهم بسهولة لأنهم كانوا كثيرًا ما يتوافدون على والِدها من أجل استئجار قاتلٍ أو خاطف أو أي عمليّاتٍ مشبوهه، ابتسمت بانتشاءٍ ثم رفعت ملابسها ببطء لتفتح الحقيبةَ الصغيرةَ وتخرجَ منها هاتفها والصدمةُ كانت هنا عندما لم تجده، فجأة تذكرت أنها رمته على الكرسي بجوارها بعدما انهت مُكالمتها مع خيّال!
ضربت جبهتها بحنقٍ على غبائها ثم جلست تفكِّرُ قليلًا حتى حسمت أمرها وقررت الاعتماد على نفسها، هي لا تُريدُ منهم سوى شخصٌ واحد ألا وهو عتمان الغفير، ستُمسكه وتعود به لخيّال لتُريه مَن هي تاج شمسُ الدين، بحماسٍ بدأت تُمشِّطُ الجُمَّع السُكارى من أثر المخدرات بعينيها تبحثُ عن ذاكَ المنشودَ حتى وجدته، يجلسُ في أحدِ الأركان وسَط بعض الشبّان الأخرون ويُصدِرون ضحكًا ملعلعًا، فكرت قليلًا حتى شعرت بشخصٍ يقتربُ منها فاختبأت جيدًا حتى وصلَ للغرفةِ التي كانت بها فتابع سيره موليًا إيّاها ظهره وكاد يخرجُ من باب القبو لولا أنها تبعته ثم ضربته ضربةً مُحكمة بقبضتها القويّة في مؤخرةِ رأسه جعلته يتأوه بألمٍ ثم يسقط مغشيًّا عليه، خلعت جاكته ثم حملت سلاحه الذي كان بين يديه ووضعته بحقيبتها المخفيّة ثم ارتدت فوق سترتها الجاكت الكبير المتهالك وفردت لياقته لتُغطي بها رقبتها المغطاةُ بحجابها القاتم بعدها أخذت قبعته وارتدتها ثم فتشت جيوبه للبحث عن هدفٍ مُحدد، عندما وجدته أخيرًا جذبت الرجل نحو الركام الذي كان في أحد أركان الغرفة ثم دسته بينهما لكي لا يُفضح أمرها بسهولةٍ بعدها خرجت من الغرفةِ كما دلفت إليها وابتعدت قليلًا حتى أقربِ منطقةٍ آمنة بالنسبةِ إليها ثم اختبأت هناك وأخرجت ما بحثت عنه في جيوب ذاك السكِّر والذي لم يكن سوى هاتف خلوي تستطيعُ التواصُل منه بأي شخصٍ تستنجد به، لكن المُشكلة كانت هنا فهي لا تحفظ الأرقام!
❀•❀•❀
انتهى العزاء بدفن جثمان زوجها المُتفحِّم الذي قُتل في حادث مأساوي حيثُ اندلع الحريقُ في إحدى غرف وَكر سلّاف باشا عندما كان زوجها وحبيبها بالصُدفَةِ في الداخل، ربما لو كان شخصٌ غيرها لكان صدَّق أنه حادثٌ غيرَ مُفتعل ومُجرد قضاء وقدر لكن هي تعرفُ الحقيقةَ كاملة وتعرفُ ما يخفيه زوجها مِن سِرٍّ سيُلقي بسلّاف خلفَ غياهب الشمس إن وصلَ لأيدي ولده خيّال.. وبما أنَّ سلّاف قرر التخلص من زوجها ليبقى آمنًا ستُخرجُ هي الحقيقةَ وتُسلمُها في الخفاء لخيّال الساعي خلفَ الماضي ثأرًا لوالِدته، أما حقيبةَ الأموال التي أرسلها سلّاف لها؛ لن تردعها عن الاقتصاص منه وستعتبرُ تلك الأموال هي حقُّ صغارها لتُنشِلهم من بيئتهم القذر لبيئةٍ أخرى نظيفة فتُعوضهم ولو قليل على رحيل أباهم.. أغمضت عينيها تبتسم بتشفٍ وهي تعلمُ أنه الآن يعتقدُ نفسه قد أمِنَ شرها لكن ما لا يعلمه هي تلكَ الأسرار الشيطانية المحبوسة داخلها والتي ستكون حبل مشنقته الذي سيُوصله لأسفلَ أسفلين.
أخذت نفسًا عميقًا وهي تتجه نحو الصالةِ التي قَتلت فيها أختها.. رغمَ أنَّ أطفالها قد شهدوا مَقتلها بخنجرهما المسموم لكنها استطاعت تزوير موتها ليبدوا كأنها ماتت مُنتحرة بسبب هروب حبيبها وهجره لها بعد أن علمَ بحملها، تلكَ الغبية ماتت قبل أن تجهض جنينها فانكشفت مصيبتها بعد موتها فما كان منها إلا أن استغلت فضيحتها لتُخرج نفسها من جريمة قتلها فـ بالنسبةِ لها الآن.. الحي أبقى من الميت، لتُكمل تمثيليّتها وتعلن تبرُّؤها من أختها الزانية ثم تتركها لأعمامها ليتولينَ أمر دفنها، رغم ذلك.. هي تقسمُ أنها ستأخذ بثأر أختها كما زوجها وتقتلك تلك الفتاة المُتطفلة التي جاءت تسأل عن زوجها المغدور به والذي كانت سببًا في طعن أختها وفي كل ما جرى لهم، غامت عينيها باموع عندما التفتت لصورتها مع زوجها في زفافهما الشعبي الصاخب والتي كانت مُعلقة على الحائط المُقابل لفراشهم، لا تُصدِّقُ أنه قتل.. ولا تتخيلُّ أنه دُفن وصار جثَّةً هامدة مُشوهه تقبعُ أسفلَ التراب.. خبر وفاته الذي جاءها منذُ ساعاتٍ قليلة فقط كان كالفجيعةِ المدوية لقلبها، لقد أحبته، تقسمُ بأعظم الأيمان أنها أحبته وتمنت لو تُعطيها الحياة معه فرصة ليتخلصوا مِن زلّات الماضي ويستكملا الحياة معًا حتى آخر العمر.. لكنَّ عمره كان قصير، بل أقصر مما توقعا وتخيَّلا.
❀•❀•❀
كان وِضاء يقود السيارةَ بتهجُّمٍ وعَصبية برفقةِ ياسيف الواجم بخوفٍ يجثمُ فوق صدره في طريقهم لتلكَ البقعة التي اتفق المجرمُ عليها مع ألاء، طالع ياسيف وِضاء ليقول بألمٍ: ”أسيكون بخير؟“
ثم تلألأت عيناه بالدموع وهو يقول بوهن: ”لا أُصدِّقُ أن ألاء كانت لتكون بخطرٍ بسبب قربها مني وأخاها مفقود بسببي!“
ثم تابع بشحوبٍ قائلًا: ”هل يمكنُ أن يكون تحذيرًا ثاني مِن ذاك الدكتور الذي حاول سرقةَ بحثي سابقًا وتصديتُ له؟“
ابتلع وِضاء ريقه وهو يهتفُ بقلقٍ رغم غضبه المُتفاقم مِن ذاك الحقير الذي يحاول الضغط على صديقه ليتنازل له عن مجهوده في السنوات السابقة: ”ذاك الوقح سأُلقنه درسًا لن ينساه“ ثم تابع وهو يضربُ تارةَ القيادة مرتين: ”لا أصدقُ بأنه لم يعبَأ بتهديدي وحاول التعدي على مَحارمنا“
خفض ياسيف رأسه قائلًا بقلبٍ نازف: ”سأتنازل عن بحثي“
”هل أنتَ مجنون!“ صاح به وِضاء وهو ينعطفُ يمينًا بسرعةٍ مدوية فتمسك ياسيف جيدًا قائلًا بهوانٍي وضعف: ”لن أتحملَ أن يُصيب ألاء مكروه! بل لن أقدِرَ على أن يتأذى أحدُ أفراد عائلتها بسببي، لقد كِدتُ أعثرُ على أقارب أخيرًا“
صمت وِضاء للحظاتٍ وعيناه تزدادُ قتامةً ثم قال بصريرٍ مكتوم: ”سأجعله يندمُ أشدَّ الندم“
وأثناء توعده توقَّف فجأة بعد أن كاد يصطدمُ بسيّارةٍ سوداء تقف في مُنتصف الطريق بحمقٍ فقد تضربها سيارةٌ في أي لحظة بسبب هذا الطريق المُعتم الذي لا يوجدُ عليه أي عواميد إنارةٍ ولونها القاتم الذي يُزيدُ الأمرَ سوءً.. فنزل من السيارةِ وهو يتأكدُ من وجود مُسدسه في جيبه الخلفي وقد قرر أن يتعارك مع ذلك الغبي إن لم يكن له عُذرٌ يجعله يرفأ به، ليجده طلال.. يقفُ أمام السيّارةِ كاشفًا عن المُحرك وهو يزفرُ بحنقٍ ويحاولُ العبثَ بأي شيءٍ علها تُعاوِدُ التحرك مُجددًا، فتلاشت ملامح وضاء المُتهجمة ليقول مُتفاجِئًا: ”طِلال!“
تطلع طلال إليه ليبتسم قائلًا بلهفة: ”وِضاء!“ ثم تابع بسعادةٍ وكأنه أخيرًا قد مُدَّ له حبل نجاة: ”الحمد لله أنكَ مَررت مِن هنا فسيّارتي تعطلت في هذا الطريق المقطوع منذُ أكثرِ مِن ساعةٍ إلّا ربع ولا أدري كيفَ أُديرها كما أنَّ هاتفي قد نفذت بطاريته“ تنهد وِضاء براحةٍ ثم أخذ نفسًا عميقًا ليقول بتروٍ: ”لا تقلق أنا خبيرٌ بالسيّارات دعني أُلقي عليها نظرة“
وبينما كان وضاء يفحصُ المُحرِّك قال طِلال بشيءٍ من العبوس: ”لقد كنتُ ذاهبًا لمُقابلةِ ياسيف لكن تعطلت سيَّارتي ثم فرغت بطاريتي من بعدها فلم استطع التواصل معه، أعتقدُ أن عليَّ الاعتذار منه“ فابتسم وضاء وهو يرفعُ وجهه نحو طِلال قائلًا: ”ياسيف معي في السيارة ولا تقلق سيتفهمُ الأمر، لقد كان يُريد مقابلة عروسه ويعتقدُ أن الوضعَ هنا كما الحال في البلاد الأجنبية التي أقمنا بها وقتًا طويلًا لكنني وضحتُ له كلَّ شيء وأعلمته بأنكم لن تقبلا بخروج ألاء في هذا الوقت المُتأخر وبصراحة أعجبني كونكَ لم تسمح لها بالذهاب“
فهمَ طلال ما حدث فقال بهدوءٍ: ”فعلًا طِباعنا حامية قليلًا لكنِّي أثقُ في الدكتُور وأعلمُ أنه لم يقصد سوءًا“
أومأ وضاء قبل أن يقول بابتسامةٍ عملية: ”أدر السيارةِ لنعلم هل نجحتُ في اصلاح العطل أم أنها ستحتاجُ للصيانةِ“
فأومأ طِلال وذهب ليُشغل السيارةَ بينما ياسيف كان قد وصل إليهم مُستفهمًا: ”وضاء لماذا تأخرت؟ سنتأخرُ على..“ ثم بتر جملته عندما وجد طِلال أمامه فانفرجت زوايا ثغره قائلًا: ”طِلال!“
بعدها عانقه بحرارةٍ قائلًا: ”الحمد لله أنكَ بخير“ فتنحنح وِضاء ليهتف مُسرعًا: ”لقد وضحتُ لطلال كل شيء وأخبرته أنك أخطأت باتصالك على ألاء لتُقابلك في هذا الوقت“ فهم ياسيف ما يرمي إليه وِضاء فقال مُعتذرًا: ”وضاء معه حق يا طِلال أتمنى أن لا تُسيء فهمي“
فأومأ طِلال ببشاشةٍ قائلًا: ”لا تقلق يا صِهري أنا أثق بك“
وابتسم وضاء ليهمس في نفسه قائلًا: ”صِدقًا رُبَّ ضارةً نافعة“ ثم هتف عاليًا لطِلال: ”أدر السيارةَ يا طِلال“ أومأ طِلال ثم أدار السيارة لتُطلِق صوتًا صاخبًا سُرعان ما انتظم الصوت لتعمل السيارةُ دون مشاكل، ودَّع وِضاء وياسيف طِلال بينما الأخير وصل لمنزله سالمًا أما عند وِضاء فقال بتفكيرٍ عميق أثناء قيادته للمنزل: ”لن نستطيع الاستمرار بهذه الطريقة مع هذا الرعب الذي نعيش به، علينا التخلصُ من تهديدات ذاك البغيض قبل سفركما أنتَ وألاء“
ليهتف ياسيف بلهفةٍ: ”علينا فعلُ أي شيء لن أصبر حتى تُصاب لؤلؤتي بمكروه!“
فقال وِضاء بنبرٍ غامضة: ”انتظر وسترى“.
❀•❀•❀
اتجهت نحو المبنى المهيب الذي يُلقبُ بوكر عصابةِ خالها لتبتلع ريقها وجلٍ وهي تتجه للداخل فأوقفها حارسُ الأمن ذو البنيةِ الضخمة العضلية والبزَّةِ السوداء الأنيقة قائلًا: ”ممنوعٌ الدخول“ فقالت بتوتُّرٍ وتلعثم: ”لكنَّ خالي دعاني“ فضيق الحارس عينه بلا مُبالاةٍ لتقول مُدعيةً القليل مِن الحزم: ”معي موعد“
ليقول ببرود وهيئةٍ مُتخشبة: ”أخرجي بطاقةَ الهوية“ كادت تفعل لولا خروج ابن خالها أمامها بهيئةٍ مُخيفة وصراخٍ زلزل روحها وهو يهتفُ لذاك الذي يركضُ خلفه بتعثُّرٍ وتلعثم مِن هيبةِ خيّال: ”كيف احترقت الغرفةُ فجأة! كيفَ تُخرجنَّ جثمانه قبلَ عودتي؟“
”واللـَّـهِ يا باشا لا أعلم لقد كنتُ أمام باب الغرفة حينما شممتُ رائحةَ حريقٍ وشعرتُ بسخونةٍ تخرجُ من خلفي، قبلها لم أسمع أي شيء ولم أشعر بأي غرابةِ، أظنُّه انتحر بل..“
”ولماذا سينتحر وقد..“ قاطع خيّال حديثه بكلماتٍ جعلت عروقه نافرة ثم بتر كلماته وقد بدأ يستوعبُ ما حدث، لقد تخلصَ منه والِده.. ثم تساءل في نفسه مُستنكرًا عن السبب بعدها هز رأسه نافيًا وهو يهتفُ لنفسه أنَّ حنفي لن ينتحر وقد أفضى إليه بكل شيء، نعم يعلمُ أن هناك حلقاتٌ ناقصة لكنه سيتوصَّلُ لها وإن لم يكن مِن حنفي فسيكون مِن وجهته التالية؛ عتمان الغفير.
أما عنها فقد كانت مُلتصقة بالحائط تُشاهِدُ خُروج ذاك المُدمر بعاصفته الهوجاء والذي لم ينتبه لها ثمَّ التفتت للحارس وقالت بارتجافٍ: ”سأعود لاحقًا“ بعدها عادت ركضًا للشارع الرئيسي وهي تستوقف أولَ سيّارةِ أُجرى تمرُّ أمامها ليتجمد الدم بعروقها عندما سمعت ذاك الصوت المُدمر يعصفُ بها قائلًا: ”عِطر!“
❀•❀•❀
”رودين..“ همست ريتاج بتلعثمٍ لتدنو رودين قائلةً بخفوت: ”نعم حبيبتي، أتحتاجين شيئًا؟“ فقالت ريتاج بخجلٍ فطري: ”هل يُمكِنُكِ تحضيرُ أي شيءٍ آكله“ ثم وضحت قائلةً بوجنتين مُلتهبتين: ”أنا جائعة وجدتي قد خرجت منذُ قليلٍ أما أبي فلم يعود للمنزلِ بعد وأنا لا أُجيدُ الطهو“
أومأت روين وهي تمسك بكفها وتتجه للمطبخ معها قائلة: ”بالطبع يُمكنُني، أما أنتِ فيُمكنُكِ طلب كل ما تشائين منِّي كما تُريدين.. اعتبريني صديقتك“ فابتسمت ريتاج بسعادةٍ جمَّة وهي تسيرُ خلف رودين لتهمس ببعض التردد: ”ألآ يُمكنني اعتباركِ كأُمي؟“
طالعتها رودين بحنوٍ وقد شعرت بيتمها فقالت بخفوتٍ وهي تحتضنها: ”بلى يُمكنُكِ اعتباري ما تشائين“
بادلتها ريتاج الاحتضان بينما يقفُ أيهم على مقربةٍ منهم وهو يشعرُ أنه لم يُخطِئ الاختيار.. ابتلع ريقه ثم فرَّ مُتجهًا لغرفته في الطابق العلوي قبل أن يُفتضح أمر وقوفه هنا مُقررًا تركهم ليعتادوا رويدًا رويدًا على مشاعرهم الجديدة.
بعد عدَّةِ دقائق دلفت رودين لغرفتها لتُحضر شيئًا ما فإذا بها تجدُ أيهم أمام دولابه عاري الصدر يبحثُ عن قطعةٍ ما لتهمس بتورُّدٍ: ”هل عُدت!“
فالتفت لها قائلًا بلهجةٍ حنونة: ”منذُ قرابةِ النصف ساعة“
لتقول بتلعثمٍ: ”لم تتناول غداءك فوالدةُ حضرتك ليست موجودة لكنني حضرتُ بعضَ الطعام الذي أُجيد، هل أضعه أنا لك؟ يُمكنُني تجهيزُ الطاولة بسرعةٍ“
ختمت جملتها وكادت تهمُّ بالذهاب لولا أنه أوقفها قائلًا وهو يُمسِكُ بكفها: ”رودين“ فالتفتت له لتجده قريبًا جدًا منها فتلعثمت واحمرت وجنتيها قائلًا بحياءٍ: ”نعم“
ليهتف بنبرةٍ حميمية وهو يُقرِّبُها منه أكثر: ”أنا لا أحتاجُ إلّا إياكِ الآن“ فابتلعت ريقها وهي تستسلم له تمامًا دون أدنى اعتراضٍ ليغيبَا معًا حيث جنَّةِ لا تسعُ سواهما ولا تقبلُ ثالثًا لهم.
❀•❀•❀
التفتت إليه وقد دبَّ الرعب في أوصالها فقال صارخًا وقد واجهها بعينيه الغاضبتين القاسيتين: ”ما الذي تفعلينه هنا؟“ فأجابت وهي تدعي الصمود أمامه بعد أن همست داخلها بفزع: ”أنا لا أخافه، أنا لا أخافه“: ”لا دخل لك“
ليهتف وهو يقتربُ منها خطوتان بينما عينيه تُصيبُها بشظايا مُحترقة تُحذىها مِن الإطالةِ في عنادها: ”لا تستفزِّيني في هذه اللحظةَ أبدًا“
ابتلعت ريقها وتلفظت كلماتها باختناقٍ وقهرٍ قائلة: ”جئتُ لأى خالي ولكنني نسيتُ بطاقتي فسأحضرها وأعود“ وكادت تذهبُ لكنه أوقفها بنبرةٍ مهددة صارمة لا تقبلُ النقاش: ”إيَّاكِ والمجيءُ إلى هنا أبدًا“
وكادت تعترض لكنه تابع بإصرارٍ: ”لا يأتي إلى هنا سوى المجرمين القتلة المُغتصبين والعاهرات فقط“
فأُلجمت كلماتها لتومِئ برأسها في فزعٍ بعدما ارتعدت أوصالها لتصعد إلى سيارة الأجرة وتُغلق باباها بارتعاشٍ وهي تسمعُ خيّال يقول للسائق الشاب بلهجةٍ طاغية: ”أوصلها إلى حيثُ ما تشاء“ قال كلماته أثناء القاءه على للرجل بإهمالٍ بعض الوريقات المالية الكبيرة التي لم يحلم السائق في امتلاكها قط، ليهزَّ الشاب رأسه بابتسامة واسعة وفرحةٍ عامِرة قائلًا: ”بالتأكيد سيدي“.
❀•❀•❀
وقف صخر ينظرُ في أثر خيّال باستمتاعٍ وفضول، تُرى ما الذي يبحثُ عنه ذاك المُختال الذي لا يهابُ أحدًا.. نعم لقد نفَّذَ أوامِر سلّاف دون ترك دليلٍ خلفه مهما بلغ صغره لكنه يتطلعُ إلى نهاية ذاك الشامخ أمامه وإلى أي شاطِئ سترسوا سفينته، جاءت من خلفه غانية تُراقصُ مفاتنها أمام عينه تُحدِّثه بغنجٍ قائلة: ”صَخر حبيبي“ فالتفت إليها يرمقها بنظرةٍ مُحتقرة وهو يقول ساخرًا بتقزز: ”أحبَّكِ خنزيرٌ بقرنين“ ثم ابتعد عنها هاتفًا بحنق: ”لا تُريني وجهكِ المُفلطح هذا مُجددًا“.
❀•❀•❀
كان أدهم جالسًا في شُرفته يشعرُ بانقباضٍ لا يعلمُ مصدره، أغمض جفنيه بألمٍ ليظهر له وجهها العابس ثم المُبتسم ثم الناري المُتحدي.. ابتسم بتلقائية سُرعان ما تجمهر وجهه وهو يتذكرُ أمرَ زفافها، تاج باتت لغيره، زوجةً لرجُلٍ آخر يحلُّ له امتلاكها روحًا وجسدًا!
وعند ذاك الحد تصاعدت غيرته ليدخل لغرفته ثم يُلقي بجسده فوق سريره بينما وجهه يغوص داخل وسادته، ألن ينساها!
زفر بقهرٍ وهو يصيحُ صارخًا: ”يـــا رب، ألطف بي يـــا الله“.
❀•❀•❀
استيقظ سند يطرقُ باب غرفة أخته فلا يجدها، أخرج هاتفه لهاتفها بنزقٍ وهو يجدُ أن أخته أصبحت تخرجُ كثيرًا دون اخباره.. وما إن همَّت بالرد حتى أجابته قائلةً باقتضاب أنها قادمة، صمت سند يُفكِّرُ في أنَّ حال أخته لا يُعجبه، ثم استدار عائدًا لغرفته وهو يُقرِّرُ أن عليه التحدثُ معها في أقرب فرصةٍ للاطمِئنان أنها بخير ولا تمرُّ بسوء.
❀•❀•❀
كان خلف القضبان عابس الوجه يُحدِّثُ الجميعَ بفظاظةٍ كأنهم جميعًا دونه مكانةً ومُستوى، اقترب منه أحد المجرمين قائلًا: ”سيدي لقد ابتعتُ لكَ غداءً مُميزًا كما أمرت“
أومأ سراج بحنقٍ ثم قال بكبرياءٍ: ”اغسل لي ملابسي لكن قبلها أغسل يداك القذرة“ أومأ الرجل له بخنوعٍ فأخرج سراج جوّاله المُسرب إليه برشوةٍ لأحد الضبَّاط ثم هاتف أحد رجاله في الخارج قائلًا: ”ما الاخبار!“
فقال بترددٍ: ”مات حنفي“
ليهتف سراج بملل: ”استرحنا منه“
فهمس الرجلُ بخفوتٍ قلق من التالي: ”سلّاف باشا مَن قتله“
اسودَّ وجه سراج ليقول بخفوتٍ مُترقب: ”هل أفشى السر! هل خان؟“
فقال بوجل: ”لا أدري لكن السيد خيّال يبحثُ خلف الموضوع“
فقال سراج باهتمامٍ: ”وهل توصَّل لشيء؟“
فقال الرجلُ بخوفٍ: ”لا أدري“
ليلعن سراج قبل ان يصرخ قائلًا: ”ضع عينيكَ عليه وإياكَ ثم إياكَ أن يتوصَّلَ لأي شيءٍ يخصني، يكفيني البلوة التي أنا بها“ ثم تمتم بسخط: ”أينقصُني أنا ذاك النذل ليبحث في الماضي في هذه الأوقات الحرجة!“ ثم تذكر أمرَ الخزنةِ والتي ستكون بداية الطريق للوصول لغايته فهتف بلهجةٍ تحذيرية وعيدية: ”أُحرس الخزانة جيدًا وإياك أن يقترب منها أي مخلوقٍ ولدته أمه أتفهم!“
أومأ الرجلُ كأنَّ سراج يراه وهو يهتفُ بتوترٍ قائلًا: ”لا تقلق لقد وضعتُ صباح اليوم جهاز انذارٍ قُربها مُتصلٌ بهاتفي، إن اقترب منها أحد سأعرفُ فورًا“.
❀•❀•❀
بعثت الموقع الجغرافي الخاص بها في رسالةٍ لرقمها وهي تأملُ أن يصلَ خيّال لسيارتها وبالتالي هاتفها فيقرأ رسالتها، ثم بدأت تُخطِّط لأمساكِ ذاك العتمان أو حتى الهروب قبل صحوة ذاك المغشي عليه، فجأة رنَّ هاتف ذاك الحقير ليكون الرقم مُسجَّلًا باسم الغفير.. أيمكنُ أن بكون الغفيرُ هو نفسه عتمان الغفير؟
ترددت هل تفتح الخط أم تتجاهله.. لكن في كلتا الحالتين فانكشافها وشيك وعليها الهروب قبل انكشاف مكانها، صمتت تُفكِّرُ بحرصٍ شديد حتى استجمعت قواها وراسلت الشُرطة تُبلغُ عن غُرزة بها مجرمون مسلحون يُباعُ فيها المُخدَّرات والكحُوليَّات والممنوعات بعدها اغلقت المُكالمة وفتحت تطبيق المُراسلات لتجد بالفعل المُسجل باسم الغفير هو نفسه عتمان الغفير فقد كان يضعُ صورته كخلفيةٍ على ذاك التطبيق بابتسامته البغيضة واسنانه الصفراء الكريهة، فراسلته على أنها ذاك الشاب وطلبت منه الخروج لمُقابلتها في أمرٍ ضروري بعيدًا عن الوكر، وبالفعل أجاب عليها قائلًا: ”هل هناك أمرٌ خطير؟“
فأجابته بخبثٍ: ”بل شديدُ الخطورة، هناك أخبارٌ جديدة“
”أنا قادم انتظرني قُرب المُنحدر“
ابتلعت ريقها عندما قرأت رسالته، يا إلهي هل ستواجه ذاك الصُعلوك عند المُنحدر وحدها؟
ثم ابتلعت ريقها وهي تُحاول تذكُّر أي رقم لأي أحدٍ تعرفه، أيُّ شخصٍ قد ينتشلها مِن تلك الورطة التي سقطت بها وفجأة تذكرت رقمه هو الوحيد الذي تتذكرُ رقمه تقريبًا، ربما لسهولته وربما لأن صاحبه لم يكن مُجرَّدَ عابِرِ سبيلٍ في حياتها.. لكن أتجرُؤ!
أتجرُؤ على مُحادثته بعد أن غدرت به في سفره وتزوجت خيّال؟؟
هزت رأسها نافية بجزع وقد توترت معالمها وبدأت تنتفضُ بخوفٍ وتتمنى لو أنها استمعت لكلمات خيّال، يا ليتها أصغت إليه.. ابتلعت ريقها وهي تكتبُ رقمه عدَّةَ مراتٍ حتى شعرت أخيرًا أنها كتبته بطريقةٍ صحيحة بنسبةٍ كبيرة، لم تجرُؤ على مهاتفته أو سماع صوته فوضعت له موقعها الجُغرافي في رسالة بجوارها جمُلة واحدة كتبتها بتوتُّرٍ: ”هل يُمكِنُكَ إيصالُ موقعي الجغرافي لخيّال سلَّاف“ وتركت الرسالةُ مجهولة علَّه لا يعرفُ هويَّتها وقبلَ أن تُرسلها سمعت خطى تقتربُ منها فارتعدت أوصالها فأغلقت الهاتف لتضعه في جيبها وهي تلتفتُ بتوتُّرٍ لتجده يُطالعها من علوٍّ بتهجُّمٍ وغضبٍ شديد بينما صدره يعلو ويهبطُ بعصبيةٍ وكأنَّه بركانٌ ثائر على وشكِ الانفجار فهتف بنبرةٍ بطيئة تُنذرُ بالخطر: ”ستندمين أشدَّ الندم على ما اقترفته!“.

❀•❀•❀
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أعزَّئي أتمنى تكونوا بخير يا رب، الفصل دا أتأجل كتير أوي وكل مرَّة مبكونش عارفة هنزله أزي وأنا غايبة كل دا..
أنا امتحنت وبعدين اتجوزت وحصل عندي بعدها ظروف كتيرة وفقد شغف الكتابة تمامًا وبعدين امتحنت تاني وبعدها حاولت أكتب كتير لحد ما الحمد لله كتبته بس مكنتش عارفة هنزله أزي وهل لسه في حد مُنتظر ولا لأ!
أنا فعلًا أتأخرت وحقكم عليا دول 9 شهور يعني مش شوية خالص بس فعلًا غصب عني وأتمنى تلتمسولي العذر 🤍

دلوقتي بالنسبة للنشر حبينه يرجع تاني ولا بلاش رمضان؟
مش حابة نشيل ذنوب 💔
حابة رمضان يكون للعبادة فقط، بس وعد أحاول بكل ما أملك إني أكتبلكم على الأقل فصل كمان قبل رمضان، فلو عندكم اقتراحات ياريت 🤍🤍🤍

بالنسبة للأحداث فحقكم لو نسيتوا أنا ذات نفسي نسيت وقعد أفكر وأقول اللهمَّ صلِّ على النبي هم أسمائهم كانت إيه 😂!
بس خير قرتها وقرأت المسودة وافتكرت الحمد لله 🎉😂
المهم حاولوا تعملوا ريفريش وتقرأوا آخر فصل على الأقل علشان تربطوا الأحداث.
أنا محتاجة منكم تقولولي لو لقيتوني مُختلفة في السرد أو الحبكة أو الحوار لأني حاسة إن شخصيتي أتغيرت بشكل كبير في الفترة السابقة ودا أعتقد مأثر جدًا على كل حاجة حتى دا كان سبب من أسباب فقداني شغف القِراءة والكتابة 🥺

متنسوش تقولولي آرائكم وتوقعاتكم هستناها بفارغ الصبر لأنها بتشجعني جدًا وبتحمسني أكتب أكتر أصلًا أنا اتشجعت بعد ما لقيت أكتر من بنوتة بتسأل عن غيابي وعن تكملة الرواية كمان فقولت استحالة أزعلهم 💕

نسيت أقولكم أنا عملالكم مُفاجأة لعيد الفِطر إن شاء الله انتظروها هبقى أعلن لكم عنها وحدة وحدة 🤫🔥

رغينا كتير يلا دمتم بود وحشتوني جدًا جدًا، حب كبير ❤❤❤❤

منى علاء شاهين
الجيش الأزرق Blue army 🌍💙

استوصوا بالحبيب غزلًا "للكاتبة منى علاء شاهين"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن