13- أنا كُلِّي لكِ

429 32 97
                                    

الفصل الثالث عشر
”أنا كُلِّي لكِ“


إلّا وسمعت نداء مَن كان مِن المُفترض أن تكون روحه قد رحلت عن الدنيا وصعدت لبارِئها، ارتعش بدنها وانتفض قلبها ليسقط بين قدميها وهي تلتفت إليه هامسة بتشنجٍ: ”وائل!“
خرج وائل من غرفةٍ جانبية وهو يضعُ كفيه في جيبا سرواله قائلًا بابتسامةٍ مُظلمة: ”بل شبحَه“
ثم تقدم منها وهو يسألها بعينين قَاسيتينِ وابتسامةٍ بارِدة: ”أليسَ مِن المُفترض أن يكون ميتًا الآن..“
فقالت بتلعثمٍ وهي تتراجعُ للخلف: ”مـ ما الذي تقصده؟“
ازدادت ابتسامته المُظلمة وهو يُقِرُّ قائلًا: ”وضعتي لي السُم في حسائي!“
ومن شدّة توترها وتخبطها قالت دون تفكير: ”لم أفعل إنها غالية، أنا لا أدخل المطبخ منذُ جاءت“
طالعها بمكرٍ فها هي كالحمقاء تُثبتُ التهمةَ عليها ليقول بتلاعبٍ: ”يعني كنتِ تعلمين بأمر السُم؟“
تهجمت ملامحها وصمتت غير قادرة على الرد، تراجعت خطوتان للخلف وهي تبتلعُ ريقها قائلة بتوترٍ شديد وعدم تصديق: ”أنا.. أنا..“
صمتت فقال ببطءٍ: ”قاتِلة!“
لتُدافع عن نفسها بعجلةٍ قائلة دون مُراقبةٍ لما تلفظت به: ”لا لستُ كذلك أنتَ لم تمت“ ثم شهقت بصدمةٍ وهي تضع كفيها فوق ثغرها لا تُصدِّقُ أنها اعترفت على نفسها..
”تعترفين أنكِ مَن وضعتِه!“ سألها بمواربةٍ فقالت بحنقٍ وقد بدأت تظهر بوجهها الحقيقي أمامه: ”أخبرني مَن سيُصدِقُك! لن تستطيع أن تفعل شيء“ همست آخر كلماتها بشماتةٍ وهي تُتابع بسخريةٍ قائلة: ”كما لم يستطع والِدُك الغبيُّ أن يفعل شيء“ ثم رمقت سكين الفاكهة الموضوع على الطاولةِ المجاورة لها بمكرٍ لتخطفه فجأة وتركض نحوه قائلة: ”اليوم ستكون في قبرِك كما أردنا يا ابن عبيد الحقير“
”سيدة صفاء توقفي“ صوت الشرطي الجهوري الذي خرج من خلف وائل أوقفها فارتعش بدنها برهبةٍ ثم اصفَرَّ وجهُها وتخشبت أطرافها ليتقدم منها يوجه سلاحه إليها قائلًا ببأسٍ شديد وصلابةٍ أشد: ”أنتِ رهنُ الاعتقال بتهمةِ محاولة القتل العمد بتسميم ثلاثةِ أشخاصٍ ثم الاعتداء على أحدهم بالسكين في حضور الشرطة“
أما عن وائل فجذبه لفظ الجماعةِ التي تحدثت به!
مَن له صالِحٌ في إيذائه ووالِده..
مَن يُساعِدها في تدبير المكائد لهم ومحاولةِ التخلص منهم؟
والسؤال ظلَّ مُعلقًا في الهواء حتى بعد خروج الشرطة بالحقيرةِ صفاء وخلو الفيلا من الجميع عداه، فِداءُ غالية له لن يذهب هباءً، لقد وصل لطرف الخيط وأمامه الآن طريقٌ طويل ليصل به للحقيقةِ كاملة.
❀•❀•❀
عندما انتهوا من العشاء حمل أيهم أبنته ريتاج واستأذن منهم ليذهب معها لغرفتها حتى تنام، أمّا عنها فأصرَّت على التنظيف بعد الطعام مع السيدة مِسك وعدم تركها تفعل هذا وحدها، انتهت فأوصلتها مِسك لغرفتها وقبلت وجنتيها قائلة بحنوٍ وسعادة: ”منذُ رأيتُكِ أول يومٍ ويشهدُ ربّي أنِّي أحببتُكِ في الله وارتاح قلبي لكِ أنتِ وتاج“ خجلت رودين وتوردت وجنتيها فتابعت مِسك الخِتام بمحبةٍ: ”أيهم ولدي طيب القلب حنون يُجيد الاهتمام بمَن هم حوله ويُصِرُّ دائمًا على أنه بخير ولا يحتاج للاهتمام، يتحجَّجُ بأن سعادته تكمن فقط في رؤيتنا سُعداء لكن هذا لا يكفي بُنيتي فلا تسمعي له، أيهم مَجروح القلب مَهموم.. لقد خذله الحب، الحبُّ الذي كان يؤمنُ به تخلَّى عنه وكسره فلا تكوني عونًا لكل ما هو مُرُّ عليه“
أومأت رودين ثم همست بتلعثمٍ وخجلٍ فطري كأنها لم تتزوج من قبل: ”لا تقلقي دكتُور أيهم سيكون في عيني“ ثم تابعت بحرجٍ شديد: ”أنا مدينةٌ له بالكثير لذلك لن أنسى معروفه أبدًا“
رمقتها مِسك بحنوٍ ثم ربتت على كتفها قائلة بثقة: ”لستِ مَدِينة وهو لم يقدم معروفًا لكِ، الرجالُ لا يتزوجون معروفًا يا بنيَّتي، أنا أُخاطِبُ قلبكِ الآن رودين“
ثار الخافِق في صرها لتخفض نظرها بتوردٍ شديد فتضحك مسك بخفوتٍ وهي تدفعها لجناحها برفقٍ قائلة: ”هيا يا فتاة أدخلي غرفتكِ وتجهزي لزوجك لقد اقترب موعد قدومه“
أومأت ودلفت لتُغلق الباب خلفها برفقٍ ثم تقف خلفه مُستندةً عليه تحتضنُ وجهها قائلة بصدمةٍ مُتأخرة: ”يا إلهي اليوم يوم زفافي!“
ثم ركضت على السرير برهبةٍ قائلة: ”حماتي كانت توصيني منذُ قليل على ابنها.. أيهم زوجي!
وسراج؟ أنا لم أخونه يومًا فكيف أِفكِّرُ في غيره؟ كيف يلمسُني غيره؟ كيف أضع نفسي مع آخر في إطارٍ واحد؟!“
النفور اجتاحها والقلق اعتراها خاصةً مع طرق أيهم على الباب بوتيرةٍ هادئة ثم دخوله المُبتسم بهدوءٍ ورزانةٍ بعدها، طالعته بوجلٍ ثم سُرعان شعرت بالراحةِ والاطمِئنان، أيهم زوجها.. عليها تكرارها مِرارًا أيهم زوجها ولا يُمكنُها النفور منه!
أمسك بكفها فانتفضت تتساءل في نفسها برهبةٍ متى تحرك نحوها ومتى وصل إليها؟
”تعالي معي“ همسته الخافتة الدافئة بددت كل ما حولها، جذبها خلفه بحزمٍ لا يخلو من الرقةِ فتبعته مُستسلمة مُأخوذةً به وقلبها يصرخ هي الآن آمنة، لا لم تشعرُ بالنفور منه أو بذنبٍ يؤنِّبُ ضميرها نحو سِراج.. وعِند ذِكر أسمه ابتلعت غصتها وهي تشعرُ أن ذِكره أو مُجرَّد التفكير به هو الذنبُ بعينه، الخِيانةُ بنفسها والنفور على حقيقته، اسم سراج عليه أن يُمحى من قاموسها للأبد.. لأجل الله الذي أمرها بصون زوجها لأجل أيهم نور حياتها الجديد ولأجلها لأنها تستحق.
وقفا معًا أمام بابٍ صغير داخل جناحِهما فالتفت لها قائلًا بابتسامة مُهلكة أذابت فُؤادها: ”سنبدَأُ معًا من هنا؛ حيثُ أحبُّ مكانٍ لقلبي، مكانٌ هو جنَّتي على الأرض“ رمشت عدَّة مراتٍ بفضولٍ فتمسك أيهم بكفها أكثر ثم فتح الباب قائلًا بعينين تفيضان حنوًا: ”أنرتِ عالمي يا رودين“
أذهلها جمالُ المكان واتساعه، غرفة مُذهبة تشِعُّ نورًا ولمعانًا، ستائِرُ بيضاء كالحرير ناعمة، فرشٌ ناصِعُ البياض شديدُ النعومةِ يجعلك تفقد كل حواسك فلا يبقى لكَ سوى الصفاء والاسترخاء الذي لا مثيل له، عند أحد أركانها كانت تستقِرُّ مكتبةً كبيرة مليئة بالكتب القيمة والتي تجزم على أنها في المقام الأول دينية تشريعية وتعليمية، على الجهةِ الأخرى تربعت القِبلة المُذهبة بشموخٍ تدعوك لتستقبلها وتُقابل ربَّك أمامها، وبجوارها حامِلاتُ القرآن الكريم ومن فوقها يستقرُّ المُصحفَ الشريف، عادت رودين بعينيها الدامعة لأيهم المُبتسِمُ فتقدمها وجذبها برفقٍ يحثّها على الدلوف قائلًا: ”أنتِ أوَّل إنسانةٍ ستُشارِكُني هذا غيرَ أُمِّي وريتاج“
”هذا مهيب تاللهِ مهيب“ همست داخلها مقطوعةَ الأنفاس وضميرُها يعنِفُها: ”أنتِ لا تستحقِّيه“ بينما يُوسوس لها شيطانها قائلًا: ”لا تُدنسي هذا المكان الطاهِر بدخولك، أنتِ لستِ أهلًا له، لقد جِئتِ من بيئةٍ مُدنسة يُحِلُّون ما حرَّم الله وهم يعلمون فسَكتِّ وتغاضيتِ عن فسوقهم، لقد قصَّرتِ كثيرٍ في دينكِ واحتشامكِ لتُرضي بعض البشر، أهملتِ صلاتكِ كثيرًا فلا تدعي الفضيلةَ وتنخرطي مَع مَن يُقيمُونها“ سالت دموعها بحرقةٍ فتوقف أيهم وتقدمها قائلًا بحماسٍ: ”سنُصلِّي معًا“
لتعترض بارتعاشٍ قائلة: ”لكنني.. أقصد أنا.. لم أكن..“
قاطعها بحنوٍ: ”هل أنتِ على وضوء؟“
أومأت فقال بحسمٍ ودود: ”إذًا لا اعتراض، أتركِ كل شيءٍ خلفكِ وفكري فقط في كونكِ الآن ذاهبة لمُقابلةِ المولى عزَّ وجل لتحمديه وتشكُريه ثم تُخبريه عنِّي وتدعيه أن يُبارِك زواجنا ويجعلُني لكِ زوجًا صالحًا“
كلماتِه كبيرة وفي قاموسها المسكين لا كلمات تستطيعُ الرد عليها، سالت دموعها أكثر وتوجهت للقبلةِ التي كانت أمامها برهبةٍ وقلبها يتساءلُ: ”أيقبلُني؟“
أما عن أيهم فاحتضن يديها مُجددًا وجذبها لتقف على الخط الذهبي الذي يلي موضع الإمام مُباشرةً ثم ترك يدها وتقدمها مُستقيمًا للصلاةِ مُعتدلًا، في تلك اللحظة تأهبت لما هي مُقبلةٌ عليه، سيقبلُها الرحمن ويغفر لها، سيقبلها الحبيبُ لأنه يُحبُّها، سيُقرِبُها الله منه وهي ستسعى أن لا تحيد عن طريقه أبدًا، دمعت عينها بفرحٍ هذه المرّة وهي تشعرُ بقلبها ينشرحُ مسرورًا لِلقاء الله عزَّ وجل، الصمتُ الغامِرُ لهما جعلها تنفصلُ عن كل ما حولها، تجهزت للصلاة بتضرُّعٍ لأول مرةٍ، روحها تشعرُ ببدايةِ عهدٍ جديد وعمرٍ جديد وتوبةٍ أبدية إن شاء الله، رفعت عينيها نحو أيهم وابتسمت؛ سيكون المُستقبل معه عامرًا بحب الله مُعطرًا بسيرةِ المُصطفى والمُختارُ حبيب الله صلَّ الله عليه وسلم، رفع أيهم كفيه قُرب أذنه مُكبرًا للصلاةِ قائلًا: ”الله أكبر“ الله أكبر من كل شيءٍ وأي شيء، الله أكبر فاستقيمُوا وتوجهوا إليه، الله أكبر فتوبوا إليه جميعًا لعلكم تُفلِحون، الله أكبر فادعوه بجوارِحكم وقلوبكم فهو سميعٌ قدير، قدَّرَ كل شيءٍ فله الحمد وله والشكر وإليه المصير.
❀•❀•❀
جلست في غرفة المعيشة تنتظرُ عودته  بعد لأداء فريضةَ الفجر، كانت ساهمة في الّا شيء تفكِّرُ فيه وفي حالها مِن بعده، أحبته؟
لا تعرف ولا تعتقدُ أن الأمر وصل لهذه المرحلة لكنه شعور الأمان والاطمِئنان، تخاف فقدَ كل هذا برحيله، لقد وهبها البيت والدفء والعائلة و.. أسمه، أسمه الذي تشعرُ بالفخر كلما اقترن باسمها وكأنه وسامُ شرفٍ تُدمغُ به، رجولته معها في كل شيءٍ يجعلها تتمنى الركن له تسنِدُ رأسها على كتفه أو صدره وتنامُ براحةٍ دون قلق، دون كوابيسٍ أو أطياف حقراء الماضي تُلاحقها، لا تظنُّه سينفيها من حنوه الذي يغرق الجميع به، أليسَ من حقها القليلَ من هذا الحنو والحمايةِ اللامُتناهية!
”عفراء! لماذا ما زلتِ مُستيقظة؟“
تبعثرت دقات قلبها بهمسه المُستنكر فاستقامت بتوترٍ قائلة: ”أردتُ التحدث معك“
ابتسم ثم أشار لها بالجلوس فجلست وجلس جوارها: ”خيرًا إن شاء الله؟“
ابتلعت ريقها وأشاحت عنه بخجلٍ ووجنتيها تتخضبُ قائلة: ”اقترب موعِدُ سفرك..“
كان هذا دوره ليبتلع ريقه هامسًا لأول مرةٍ بندمٍ شديد: ”نعم، بعد بضعةِ أيامٍ قليلةٍ جدًا سأعود لعملي“ ثم تابع بابتسامةٍ مُغتصِبة: ”لن يكون هناك داعٍ بعدها لتُشارِكيني التمثيل في مسرحية الزواج وأداء دور الزوجة هذا في كل مناسبةٍ أصحبُكِ بها“
”سميكُ العقل واللهِ“ هتفت بغيظٍ داخلها ثم قالت بحنق: ”لم أكن مُنزعجة“ ابتلعت ريقها بعدها قائلة: ”أريدُ..“
فقاطعها قائلًا: ”لا تقلقي ستُمارِسين عملكِ بشكلٍ طبيعي جدًا يا حضرةَ الدكتورة وأيضًا إن أردتِ العمل في أحدى المستشفيات الخاصة فصديقي يملك مجموعة من أفضل المستشفيات في البلد وسأكون مطمئنًا أكثر لو عملتي هناك لأن أحدى مستشفياته قريبة وأعرفُ جيدًا طاقِم العمل بها لأني أُوصيهم دائمًا على فحوصات والِديَّ الدورية“
استنكرت كلماته فاعترضت بحنقٍ مُتزايد قائلة ووجنتيها تتخضب: ”لكنني كنت..“
”أعلم أنكِ كنتِ تُحضرين رسالتك التي ستُناقِشنها قريبًا، أنا أدعمك بكل تأكيد ويُمكنُنا الانتظارُ حتى تَناليها أولًا لا مُشكلة المُهم أن تكوني مُرتاحة“
”أأخنِقه وأرتاح يا ربّي!“ تساءلت خِفية داخلها فهو كان قد استفزها وأخرج أسوء ما فيها لتهمس بحدَّةٍ وهي تستقيمُ راحلة: ”أنسى الأمر“ وداخلها تهمسُ بضيقٍ شديد: ”لم أعهدكَ غبيًا يا حضرةَ السفير“
”انتظري“ قالها وهو يُمسِكُ بيدها مُبتلعًا ريقه فهو لم يشبع منها بعد، التفتت له بأملٍ ضئيل قائلةً بلهفةٍ بعدما تبدد غضبُها: ”نعم؟“
لم يكن لده حُجّةً جيدة فابتلع ريقه مع حِفاظه على تواصل عيناهما وهو يهمسُ قائلًا: ”هل ستنامين الآن؟“
عبست فوضَّح بسرعةٍ وقد لمعت في ذِهنه فِكرةً جنونية: ”سنتحدثُ قليلًا إن لم يكن لدكِ مانع..“ اتسعت عينها وارتجف ثغرها بابتسامةٍ لتُومِئُ بخجلٍ قائلة: ”لا مانع لدي“
تلألأت ابتسامته المُهلكة لقلبها الصغيرُ بينما جلست هي مكانها مُجددًا ليبدَأ حديثه بمرحٍ قائلًا: ”بصراحة فكرتُ في التسكع قليلًا في شوارع الوطن قبل رحيلي ولكني وحيد والجميعُ مُنشغل، أيهم عريسٌ جديد وياسيف يُنهي أوراقه هو وعروسه للسفر أم أُميمة فأعانها الله على أطفالها، لذلك تساءلتُ لو تذهبين معي؟“
ثم تابع بأملٍ: ”يُمكِنُكِ اعتباري صديقٌ أو..“
لتُقاطعه مذهولة وهي تهمسُ مقطوعةَ الأنفاس دون تصديق: ”مُوافقة“
”حقًا!“
”نعم..“ قالتها مؤكدة وهي تهمسُ داخلها: ”أخيرًا نقطة لِصالِح علاقتنا“ ثم خفضت صوتها وهمست بتلعثمٍ وتورد: ”أقصد أنا أيضًا أشعرُ بالملل وأود الخروج قليلًا“
فابتسم داخله بانتشاء وهو يشعرُ بها أكثر بساطةٍ ولينًا معه عن قبل، ربما بدأت تميل له أو تتقبله في حياتها وهذا في حد ذاته تقدمٌ كبيرٌ لهما معًا، أحقًا يمكنها أن تقبله قبل سفره فيصحبها معه؟
أستصبح عفراء يومًا ما له ينعمُ بحبها وجمالها ورفقتها باقي العمر؟ أم أنها كغيرها مُخادِعة خائنة لا تُريدُ منه سوى الجاه والمُلك!
مُستحيل؛ عفراء عنوانٌ لكل ما هو جميل ومُضادٌ لما هو سيءٌ وقبيح.
❀•❀•❀
دلف إليها ليجدها ساهمة تُعانِقُ الطفلةَ بحنوٍ ودموعٌ مُرَّة تفِرُّ مِن عينيها، اقترب منها مُبتسمـًا بدعمٍ ثم جلس جوارها ليُعانِق كتفيها برفقٍ فتُطالِعه بعينيها اللامِعة تشكره بامتنانٍ لا تفي الكلمات حقّه أو تُعبر عنه، خفضت عينيها ثم استكانت برأسها على صدره وهي تُشدِّدُ من ضمّ حور إليها، تتذكرُ يوم كانت صغيرة بعمرها تقريبًا عندما توفى والِداها، حينها انتقلت للعيش بمنزل عمِّها غليظ القلب طويلُ اليد سريعُ السب، عُوملت هناك كخادمةٍ له ولزوجته ولأبنائه، فكانت في الصغر تُطالعهم من بعيد بخواءٍ وحرمانٍ وفقدٍ مُميت وفي الصبا يطولها منهم تحرشٌ لفظي وتعليقاتٌ فظّة حقيرة على جسدها وشكلها رغم احتشام ملابسها الرثّة واحتفاظها بحجابها كاملًا أمامهم، حالُها كان يُبكي الحجر حتى جاء فارِسُها ومُنقِذها الهُمامُ مُحمد والذي أصبح لها طريق النور حينما طلب يدها قبل أن يدفع لعمها مهرًا ضخمًا فقط ليُوافِق على تزويجها له.. تزوجها في فترةٍ قصيرة جدًا وأخذها بطولِها فقط ترتدي فستان زفافها الذي اشتراه لها ليُدخلها به جنَّته، جنّة تجسدت في بيته الحبيب والذي كان بسيطًا جدًا حينها لكنه عامِرٌ بحب الله ورسوله ودافِئٌ بحبه وحنانه، أهداها طِلال وألاء ثم ساعدها في تربيتهم ورعايتهم وتعليمهم ليحتضنهم جميعًا ويكون لهم دائمًا الحامي المنيع الذي يستظلون بغمرته دائمًا.
اليوم ذكرتها حور بنفسها وبتلك الأيام اللعينة التي جاهدت كثيرًا لمحو قسوتها المحفورةُ في عقلها وتطفوا كلما رأت أمامها حالةً مُشابهة: ”لن نتخلى عنها“ همس مُحمَّدٌ مُطمئنًا إياها وقد فهم ما يجيشُ داخلها فهبطت دمعتها اليتيمة فوق وجنتيها ليُقبِّل زوجها كف يدها المُحتضن للصغيرة ثم يهمس بابتسامةٍ لطالما نجحت في خطفها: ”ستكون ابنتي كألاء تمامًا وسآخذُكِ بعد العصر لنشتري لها ما تحتاج“
عانقته والطفلةَ بين يديها ثم همست بحشرجة: ”أدامك الله لنا يا أبا طِلال“
ليُعانقها بالمثل وهو يهمسُ صادقًا: ”وحفظكِ لي يا هِبةَ ربِّي وهديته الغالية“
ابتسمت واستكانت مُرتاحة فوق صدره وهي كعادتها تشعرُ أن همومها قد انزاحت من فوق صدرها، بعد قليلٍ شعرت ببوادر إفاقةِ الصغيرة فاعتدلت وتنفست بعمقٍ وهي تُمسِّدُ فوق رأسها بحنوٍ لتفتح الصغيرة عينيها الدامعة وتُطالِعها في البدايةِ بوهنٍ شديد ثم بتعجبٍ وبعده استنكارٌ جعلها تنتفضُ جالسة لتهمس لها أم لؤلؤة بحنانٍ وهدوء لتُشعرها بالأمان: ”أهدأي يا حورِيّاتي أنتِ بخير“
طالعتها حور بشكٍ ثم بخوفٍ نظرت لمُحمد بعدها تلفتت حولها قائلة بارتعاشٍ وأسنانها تصطكُّ ببعضها: ”أ.. أين أنا؟ مـَ مَن أنتم؟“
لتقاول والِدةُ طال بحنو: ”لا تقلقي طفلتي أنا هُدى والِدةُ طِلال، غالية طلبت مني الاهتمام بكِ حتى يُنهي الطبيبُ عِلاجها وتعود سالِمة“
ترقرقت عين حور بالدموع وهي تهتفُ باكية: ”لولي..“ ثم تابعت ببكاءٍ مقهورٍ: ”أنتِ تكذبين لولي لن تعود أبدًا كما لم تعد أمي وأبي“ بكت هُدى لأجلها فاحتضنتها بقوةٍ ليقول محمد بطلته المُحببة للقلب وابتسامته التي تبثُّ في القلب طُمَأنينة لا مثيل لها: ”أتُريدين إحزانها يا حور؟“
انتبهت حور إليه فقال بحبٍ: ”كم مرة أخبرتكِ غالية أنها لا تُحبُّ رؤيةَ دموعك؟“
فكرت حور ثم قالت بشهقةٍ: ”كثيرًا“
اتسعت ابتسامته وقال أثناء التقاطه لها: ”إذًا غالية ستحزنُ إن رَأتكِ تبكِين فلا تُحزنيها وتعالي معي لأُريكِ شيئًا سنلهو به معًا قليلًا حتى تعود غالية، ما رأيُكِ؟“
طالعته بغرابةٍ وهي تحني رأسها جانبًا تنظرُ له بفضول.. هذا الشخصُ أيضًا يُشبِه والِدها!
يُشبهه أكثر مِن طِلال صديق الدكتور وائل فوجدت نفسها تهمسُ دون وعيٍ مَأخوذةً بما تراه: ”أبي؟“
❀•❀•❀
بعد فترةٍ جيدة مِن فقدِه للنطق اسودت عيناه وشحب وجهه ليجذب فجأة سلاحه من دُرج مكتبه ويخرج دون أن يُلقي بالًا لسمير الذي ركض خلفه سائلًا بفزع: ”إلى أين سيدي؟“
خرج سراج مِن المخزن القديم وتوجه لسيارته راكبًا إياها وهو يهمسُ بغلٍّ شديد ودمٍ يغلي داخل أوردته النافِرة: ”سأقتله قبل أن يلمسها“.
❀•❀•❀
دلف بشموخٍ مِن باب المشفى ومنه لغرفةٍ بعينها حوت محبوبته الشاحبة والمُغطاةُ بشرشفٍ أبيض ضمَّ جسدها الضئيل وخبَّأه عن العيون، وصل لسريرها فجلس جواره هامسًا بأسف ورأسه مُنخفضةٌ بألمٍ يذبحه: ”آسف غالية، آسف حبيبتي، ليتني خطفتُكِ حينها، ليتني ما تركتُكِ لحظةً بعدما وجدتُكِ!“
طُرِق الباب المفتوح مُسبقًا ثم دلف وائل بوجهٍ قاتم يُطالِعُ صديقه بخزيٍ مما صدر عن أرملةِ أبيه فاستقام طِلال وتنحنح قائلًا بقسوةٍ وعينان حاقدتان مُشتعلتان بغضب: ”هل تم الأمر؟“
أومأ وائل بتقززٍ قائلًا: ”الحقيرةُ باتت خلف القضبان“ ثم تابع بشرود: ”صفاء ليست وحدها هناك عقلٌ مُدبر يفوقها شرًا يُساعِدُها في الخفاء“
ضيّق طِلال عينيه سائلًا: ”مَن؟“
فقال وائل بتفكيرٍ عميق وهو يرفع عينيه لطِلال المُترقب: ”هذا ما أسعى إليه الآن!“.
❀•❀•❀
أخرج سيجارته السابعة وهو يجلسُ فوق سريره يُفكِّرُ بسوادٍ في كل كلمةٍ قالتها تلك المُتعجرفة، ما تقوله غاية في الخطورة وتطيرُ له رِقابٌ كثيرة، لا يَظنُّها كاذِبة ولا يُصدِّقُ حقيقةَ ما تقول!
ألقى بسيجارته في المِطفأة المُجاورة له ثم أخرج أخرى وأشعلها ببرودٍ وصمتٍ مهيب.. مرَّت أمام عينيه ذكرى لفتاةٍ صغيرة ترتدي زيَّها المدرسي وتُعطيه رَابطة شعرها البلاستيكية البيضاءُ قائلة بعيونٍ بريئة لامعة: ”هلّا وضعتها لي في شعري؟“ ثم تابعت بتذمُّرٍ طفولي: ”جنَّة لا تستطيعُ عقدها جيدًا“ بعدها ذكرى أخرى لغمّازتان تضحكان بفرحةٍ شديدة تُظهِرُ بياض أسنانها اللبنية الصغيرة وهي تهمسُ بمرح أثناء ركضها نحوه ثم تعلُّقها بعنقه: ”لن تُمسكِ بي يا حور“
ومن ثم ذكرى ثالثة لأخيه وهو يقفزُ مُهللًا هاتفًا: ”قُبلتُ في الجامعة، سأدرُس القانون أخيرًا أخي“
تليها ذكرى له وهو يغرق بين الأمواج المُتلاطمة وشاشةُ الهاتف اللعينة تُفرِّقُ بينهما فما كان منه إلّا أن هرول إليه لكن الأوان كان قد فات فقد أتى المنقذون وأخرجوا جثته مُمزقه لأشلاء يدَّعون أن قرشًا هاجمه.. أنتفض جازِعًا مُتعرقًا من تلك الصورة الأخيرة التي رسمتها ذاكرته فاقشعرَّ لها بدنه بأكمله ليتجه بيده المُرتعشة نحو الكومودور المُجاور له ويُخرج منه بَودَرهُ المُخلص لكن في اللحظةِ الأخيرة قبل أن يأخذ جرعته تذكَّر تاج، زوجته الغافية، شرد في يومٍ أتى فيه لزيارةِ والدها فأخبره أنها في البحر كعادتِها، ليَأمُره بصرامةٍ أن يمنعها عن هذه التفاهةِ الساذجة إن أراد أن يُتِمُّ الصفقةَ كامِلةً ببنودِها!
يعلمُ أنها مُتمردة وستحاول بأقصى جهدٍ مُمَارسةِ لعنتها عليه لذلك عليه أن يحترس، بحسمٍ سيفرضُ عليها قوانِينه الخاصة وإن عصته سيُحرق الأخضر واليابس ولن يزر لها وازِرة، هذا هو عالمه وفي هذا بالذات عليها أن تُطِيعه مُغمضة.
❀•❀•❀
”أباكِ“ قال باستفهامٍ حنون فأجابت بحزنٍ عميق وقد عادت الدموع لتُسال من عينيها: ”تُشبِهُه“
تأوه لأجلها فعانقها وتلك كانت أوَّل مَرَّة يُعانِقُ فيها طفلة ليست مِن مَحارِمه حتى ولو كانت طفلةً صغيرة لم تبلغ عامها الخامس بعد، عانقها بعدما أثارت ببراءتها أُبوَّته، عانقها لفترةٍ قصيرة كانت بالنسبةِ لها كافية حتى أبعدها برفقٍ هامسًا بحبٍ وهو يجلسُ جوار زوجته ويضعُ الطفلةَ بين يديهِما: ”أتُريدين أن أكون والِدك؟“
شهقت الزوجة بشوقٍ ثم طالعته بامتنانٍ بات لا يُفارِق عينيها وهي تتمسكُ بالطفلةِ وتجذبها لصدرها غامرةً إيّاها بحنوٍ أُموي قائلة: ”تُحبِّين أن أكون أمًا لكِ؟“ ثم تابعت تُمسِّدُ شعراتها وتُربِّتُ فوق وجنتيها: ”أُضفِّرُ لكِ شُعيراتك الجميلة وأصحبُكِ للمدرسة؟“
بكت الطفلةُ بصوتٍ هذه المرّة وهي تهمسُ بيُتمٍ: ”لولي..“ تألَّم الزوجين لهتافها فتابعت الصغيرة بمرارةٍ لا تُلائم عمرها الصغير: ”لولي وحدها، هي أيضًا لا تملِكُ أُمًا تُضفِّرُ شعرها“
لم تملك الأمُّ سوى احتضان الطفلة والبكاء معها بينما كفكف مُحمَّد دمعته ليستقيم قائلًا: ”سأُهاتِفُ طِلال“
ساعاتٌ قليلة مرَّت لتكون حور غافية بين يدي طِلال الذي كان واقفًا في شُرفةِ منزله يتطلعُ في السماء الغائمة أمامه والتي حجبت ضوء النهار عنهما وكأنها في حِدادٍ على ما أصاب غالية، أغمض عينه مُتلذذًا بهمس قلبه لاسمها ثم فتح عينيه يُطالِعُ وجه حور المُشابه لوجه محبوبته مع اختلاف وضوح ألوان الحياة أو اختفاءها من على وجهيهما، سيبذل قصار جهده لتنفيذ ما نواه ويخشى أن يردعه والِديه أو يرفضا زواجه منها بأي حُجَّةٍ كانت، لا يُهمِّه فرق العمر بينهما أو حالتها أو أي شيءٍ آخر، يكفيه أنها ستكون له وحينها يُقسِمُ سيفديها بروحه.
”طِلال؟“ نداء والِده الخافِت جعله يلتفتُ له بجمود، حاجبيه المُنعقدان لم ينفَكّا منذُ ما حدث فتابع والِده بحنوٍ وشجن: ”لقد نامت حور فلماذا ما زلتَ واقفًا؟
أدخل يا ولدي وضعها في غرفة لؤلؤة قبل أن تمرض حور منك“
أومأ طِلال ثم أخذ نفسًا عميقًا وهمس بخفوت: ”أبي أنا أُريدُ الزواج“
”ماذا!“ استنكر والِده فرفع طِلال عينيه لوالِده قائلًا بإصرار: ”اليوم ستأتي معي لنعقد عليها ولا داعي لمعرفةِ أحد فأنا لن أخبر حاليًا سواكَ وأمي"
”ما الذي تهزي به؟“ سأل والده للمرةِ الثانية مُستنكرًا فنظر طِلال لحور الجميلة النائمة بين يدية قائلًا وقد لانت ملامحه بإرهاقٍ قليلًا: ”سأتزوجها لأستطيع حمايتها وفِدائها بروحي، لن اسمح أن تكون عالةً على أحد أو أن يحمل همها غيري، اليوم سأجعلُها زوجتي“.
❀•❀•❀
استيقظت تشعرُ بتحسُّنٍ عن الليلةِ السابقة، اليوم ستعود للعاصمة مع سند بعد زيارةٍ سريعة للعروس ثم توديع الكابتن أدهم، فتحت هاتفها فوجدت رسالة على هاتفها مِن سند يُخبِرُها أنه خرج مع أدهم في رحلةٍ سريعة على القارِب وسيعودان قبل موعدِ زيارةِ العروسين، ابتسمت بحنوٍ ثم اتصلت بخدمةِ الغرف وطلبت لها مشروبًا دافئًا وافطارًا خفيفًا بعدها عقدت شعرها فوق رأسها وأخرجت جهاز الكمبيوتر المحمول خاصتها وبدأت في تحضير حصصها القادِمة لطُلّاب دروسها وقد عقدت العزم على تطوير عملها وتحقيق هدفها الجديد الذي رسمته لنفسها في الأيام السابقة.
❀•❀•❀
”الجو غائم جدًا“ همس سند بحماسٍ به لمحةٌ طفولية ما زال أثرُها يحوم داخله رغم عزيمته الصادِقة لينضج قبل أوانه فهو بحاجةٍ جمّة ليكون نعم السند والحمايةِ لأخته الحنونة، ابتسم أدهم بشجنٍ وهو يقول بإقرارٍ: ”ستُمطِرُ اليوم“
فسأله سند بهلع: ”ستُلغى الرحلة!“ لينفي أدهم قائلًا: ”لا تقلق لدينا ما يكفي من الوقت“ زفر سند يحمدُ الله ثم سار جواره سائلًا: ”لماذا اخترت البحرية؟“
نظر أدهم للبحرِ المُمتد أمامه ثم ملَأ رئتيه بهواء البحر العليل وزفره هامسًا بشغفٍ وشجن: ”البحر يجري مجرى الدماء في دمي، أحببته صغيرًا وصادقته صبيًا ثم اخترته شريكًا لرحلةِ حياتي المهنية شابًا وشيخًا في المُستقبل إن شاء الله، يُعجبُني اتساعه واحتضانه لكَ في كل الأوقات“ بعدها شرد في ذكرى باتت النجوم أقرب إليه منها عندما كانت حبيبته تَدور بطفولةٍ أسفل قطرات المطر أمام البحر فخطفت نبضه ونالت من قلبه، تبسم بعشقٍ لتلك الذكرى القريبة لقلبه بقوةٍ لكن سُرعان ما زالت ابتسامته بعدما تذكر أن المحبوبةَ غادرته وتركته مكلوم الفؤاد مذبوح الروح ينعي خسارتها وضياعها من بين يديه.
”أدهم أنتَ بخير؟“ هزَّه سند برفق عندما وجده قد توقَّف أمام البحر يُطالِعه بمرارةٍ شابهت مرارةَ الفقد التي تلوّى بها يومَ وفاةِ أمه، استفاق أدهم من شروده يصطنع ابتسامةً لحسن الحظ قد أجادها في تلك اللحظة وهو يقول لسند: ”هيّا اقتربنا من المِيناء“
أومأ له سند بخفوتٍ مُتألمًا لحاله وهو يهتفُ داخله: ”لم يُشفى قلبُكَ منها بعد يا صديقي، أدعوا الله أن يُلهِمكَ الصبر والسِلوان“.
❀•❀•❀
استيقظت بوجنتين مُتوردتين لتجد نفسها جواره يجمعُهما سريرٌ واحد، لقد قضت الليل بطوله على جانبٍ واحد خائفة من التقلب في السرير حتى لا تُزعجه أو تُقلقه، طالعته بخفوتٍ تتفحَّصُ ملامحه الوسيمة، فكه البارز، ذقنه الكثيفة المُهندمة وملامحه الشرقية رغم بشرته الفاتحة، أهدابه المُسترسلة الكثيفة وشعره الغزيرُ المُتساقطُ قليلًا على جبهته يُعطونه مَظهرًا مُغريًّا لتتلمس نعومته وتُعيدُه بكفها للخلف كما يُمشِّطه دائمًا، ابتسمت بخجلٍ تتذكرُ إيمانه، التزامه الفريد وصلاته الخاشعة التي أمَّها فيها فجر اليوم ثم تقبيله لرأسها وسحبها برقةٍ مُهلكة لقلبها خلفه حتى تركها قرب السرير قائلًا: ”اختاري الجانب الذي تُريدين حتى أُحضِر شيئًا وأعود“
بخجلٍ جلست على طرف الفراش من الجِهة الأقرب لها تنتظرُ عودته بوجهٍ مُتخضب وقلبٍ مُترقب لما هو آت، عاد يحملُ بين يديه عُلبةً بيضاء مِن القطيفة الناعمة، فتحها لتجد بها خاتمٌ فِضِّي يحتضنُ ألماسةً رقيقة باللون الأزرق القاني يتربعُ العُلبةَ الحريرية من الداخل ويُجاوِر خاتمًا آخر فضيٌّ أيضًا لكنه رجاليٌ وليسَ نسائيْ كما الأول، أخرج الخاتم البرّاق من العلبة وحمل كفها ليضع خاتمه في بُنصرها ثم يُقبِّله قائلًا: ”اخترتُه أزرق كلون عينيكِ الخاطِفة“ شهقت بصدمةٍ وهي تسمعُ غزله الصريحُ بها لتخفض عينيها بارتباكٍ وحياءٍ شديد فضحك باستمتاعٍ وهو يُمرِّرُ لها العُلبةَ قائلًا: ”هيَّا يا زوجتي؛ ضعي خاتمكِ في يدي“ ثم فرد كفَّه أمامه فحملت الخاتم بعت فترةٍ بارتعاشٍ واستحياءٍ ثم وضعته في طرف أصبعه وكادت تتركه لولا أن امسكه لكفها برقةٍ تتناسبُ مع أُنثى ناعمة وجعلها تُكمِل إدخال الخاتم في بنصره هامسًا باستمتاعٍ مُتزايد: ”عليكِ الدِفاع عن حقكِ كاملًا يا حرَم البُحتري“
وأخيرًا بعد وصلة الاحراج هذه فكَّ أسرها ثم استقام ليُطفِئ الضوء بعدها ألتفَّ لجهته وفرد ظهره جوارها قائلًا: ”تصبحين على خيرٍ عزيزتي نومًا هنيًّا إن شاء الله، السلام عليكِ“
ونام.. بهذه السهولة نام أيهم الوقح الذي أحرجها بشدَّةٍ بأفعاله الغريبة التي لم تتخيل أن تصدُر منه يومًا فزحفت هي الأخرى في مكانها ووضعت رأسها فوق وسادتها التي كانت نفس وسادته ثم بصعوبةٍ ذهبت في سابتٍ عميق، أما عن أيهم فلم يكن قد نام بعد لكنه فضَّل إيهامها بذلك كي يرفع عنها الحرج قليلًا ويتركها لتنام فالشمسُ على وشك الشروق وبالتأكيد الأمسُ كان مُرهقًا جدًا بالنسبةِ لها.
فتح عينيه فجأة سائلًا بتلاعبٍ وعلى وجهه يرسمُ ابتسامةً ماكرة: ”هل تجدينني وسيمًا؟“ انصدمت لكونه مُستيقظًا فتخضبت مُجددًا للمرةِ التي لا تعلمُ عددها وارتبكت لتتلعثم قائلة وهي تُحاوِل الهروب من أمامه: ”أنا..“
قاطعها صوت طلقاتٍ نارية ترمي بقذائفها نحوهما لتُصيب النوافِذ وتخطرقها مُصاحبًا لصوت صراخ والِدةُ أهن مِسكُ الخِتام وابنته ريتاج بهلعٍ أفزعتهما ليقفز أيهم قائلًا برعبٍ وقد سقط قلبه في قدميه: ”أمي.. ريتاج“
ثم التفت لرودين ونهاها قائلًا: ”لا تقتربي من النوافذ أبدًا“.
❀•❀•❀
”ما رأيُكِ في الإفطار؟“
سألها بحنوٍ فأجابت بحياءٍ مُبتسمة: ”لذيذٌ جدًا“ ثم تابعت ضاحكةً بخفوتٍ غيرَ مُصدقة: ”ظننتُنا سنخرجُ في المدينةِ فقط لم أُصدِّق أننا سنذهبُ للعاصمة وبالطائرةِ أيضًا هذا جنون“
ضحك مُستمتعًا برفقتها ثم قال غامزًا: ”لن نستمتع دون جنون، ثقي بي هذا أفضلُ طريقٍ للمُتعة
ضحكت بخجلٍ ثم قالت بحنين: ”لطالما أحببتُ السفر عندما كنتُ صغيرة لكن بعدما كبرتُ علمتُ أنه كان حُلمًا ساذجًا فأنا لم أتفرغ له يومًا“
طالعها وهو يمنعُ نفسه بصعوبة من قول كل ما يجيشُ بصدره، من التصريح لها بأنه يود لو يتفرغ لها العمرَ كله ويُحققُ لها كل أحلامها لكنه صمتَ مُرغمًا لوعدٍ قطعه لها ثم قال بدعمٍ: ”لم يكن ساذجًا بل كان رائعًا، أنا أيضًا شعوفٌ بالسفر لذلك سعيت لأن أكون سفيرًا ينوب عن بلده في بُلدانٍ عديده يزورها مُستكشفًا عاداتها وشعبها“
”هذا مُدهش“ أجابته بحماسٍ فاعترض قائلًا: ”لكنه على أرض الواقع لم يكن سهلًا أبدًا“ ضحكت بتسليةٍ وخفوتٍ كأنها في موعدها الغرامي الأول فشاركها وِضاء الضحك والحديث قليلًا وكأنه يتعرَّف عليها للمرةِ الأولى ثم نظر لساعته وهتف مستعجلًا: ”لقد استهلكنا الكثر من الوقت في الافطار“ ثم استقام ووضع بعض المال على الطاولةِ ومدَّ لها يده قائلًا: ”هيّا بنا“
أمسكت كفها برقةٍ تسأله مُتعجبة: ”إلى أين؟“
فقال بابتسامةٍ وسيمة مُهلكة: ”أظننتِ أننا قطعنا كل هذه المسافةَ فقط لنتناول الفطور!“
ليُتابع وهو يجذبها من كفها يُقربها منه لدرجةٍ كبيرة قائلًا وهو يهمسُ قربَ نقابها ويتطلع في عينيها الزرقاء المُخبَّأة خلف نقابها نبيذي القاني الذي يتباينُ مع عينيها بطريقةٍ ساحِرة: ”اغتنمي اليومَ بقوّةٍ فأنا كُلِّي لكِ“ بعدها تحرك مُبتعدًا قليلًا هاتفًا بجنون: ”هيَّا لنُحقق جُزءًا مِن أحلامكِ عزيزتي“.
❀•❀•❀
كانت كأنثى الأسد الجريحة تقطعُ الزنزانةَ ذهابًا وإيابًا تفكِّرُ في طريقة لأخبار عشيقها بما حدث لها ليأتي وينقذها فهي لن تلبس القضيةَ بمفردها، هو شريكها وعليه أن لا يتركها تدفعُ الثمن كاملًا وحدها، فجأة لمعت في عينيها فكرة فاقتربت من باب الزنزانةِ ونادت على العسكري البسيط حتى جاء لها، أغرته ببعض الأموال ليُعطيها هاتفه فتُحدِّث به خطيبها ليُرسل لها مُحاميها، وافق العسكري بعد القليل من الإلحاح لتُهاتف عشيقها بحنقٍ وغضبٍ ثم عصبيةٍ واستنكارٍ بعدها ضيقٍ ثم رضوخٍ واستسلام وهي توافقه قائلة: ”حسنًا لكن لا تتأخر في إخراجي من هذا المكان المقرف، أنا لا أُطيق المكوث به“
دقائق ثم أعادت الهاتف للعسكري قائلة: ”لقد ارسل لكَ مبلغًا من المال على بطاقتك الشخصية، تفقد بريدك وارحل هيّا“ أومأ بلهاثٍ مُتشكرًا إياها ثم غادر بفرحةٍ بينما ضيقت هي عيناها لتبتسم بخبثٍ قائلة: ”لم تتخلص مني بعد يا ابن عبيد فالثقيلُ قادِمٌ في الطريق إليكَ“
ضحكت بشرٍّ حتى سالت دموعها قائلة بشماتةٍ: ”الغبيةُ غالية هي من ماتت والتهمت الطُعم بالمعنى الحرفي“ ثم تابعت بسخرية: ”لم أظنُّها بهذا الضعف“ بعدها سارت للأمام وجلست بقرفٍ على  مكانٍ وسخ مُخصص لنوم المساجين أمثالها وهي تهزي بحنق هاتفة: ”ستدفعون ثمن دلوفي لهذا المكان النتن“
ولم تكد تُنهي جملتها إلّا وكان بابُ الزنزانةِ يُفتح وتدلف منه آخر شخصٍ تتوقعه فهمست بشحوبٍ ورُعب: ”أنتِ!“.
❀•❀•❀

سلامٌ من الله عليكم يا جيشنا القمر 🌍
اشتقتلكم 🥺❤❤
لسه ما قرأت كومنتات الفصل السابق رغم أني مُتشوقالها جدًا بس بإذن الله بكرة الجمعة 11/11 هقرأها كلها ومعاهم كومنتات فصل النهاردة كمان 💘

الفصل فيه دلع كتير فيه أهو أستاذ أيهم وصاحبه وِضاء مدلعينكم فدلعوني بكومنتاتكم بقى 😂😂❤
ودعواتكم كدا نكتب أسرع وألاقي وقت وشغف ومنطولش في التنزيل 🥺💛

حب كبير ليكم أحبَّائي 😍🔥

منى علاء شاهين
الجيش الأزرق Blue army 🌍💙

استوصوا بالحبيب غزلًا "للكاتبة منى علاء شاهين"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن