11- الضمَّةُ الأخيرة

867 37 124
                                    


الفصل الحادي عشر
الضمَّةُ الأخيرة“

”دوما هنا وهو مَن أحضرني أوما“
”ماذا؟!“ همس أيهم بصدمةٍ وهو يرى أدهم يدلف للقاعةِ بعد ثانيتين فقط من همسةِ طفلته، حول عينيه لتاج وخيال الجالسين معًا في ركنٍ بعيدًا نوعًا ما ثم عاد لأخيه الذي تقدم منه قائلًا بخفوتٍ: ”مُباركٌ أخي“ اهتزت مُقلتيّ أيهم سائلًا بتأنيبٍ: ”لماذا!“
فابتسم أدهم بشجن هامسًا بشيءٍ مِن الانكسار: ”لم تَكن لي، الاختباءُ لن يكون حلًّا“
ربَّت أيهم على كتف أخاه بحنوٍ ثم عانقه بقوةٍ رجولية وهو يهمسُ في أُذنه: ”لو رضيت سيُرضيكَ الله ويُعوضُكَ، أنا واثِقًا في هذا..“
أومأ أدهم وهو يبتعد قائلًا بابتسامةٍ صغيرة: ”لم آتي وحدي..“ طالعه أيهم باستفهامٍ فدلفت عِطر بابتسامةٍ واسعة وهي تحمل بين يديها هديةٌ صغيرة ومِن خلفها سند المُتألِّق كالعادة فقابلتها رودين بعناقٍ حار بينما سلّم سند على أيهم بتحفظٌ قليلًا وابتسامةٍ صادِقة، التفت سند وسار بصحبةِ أدهم فيبتعدا قليلًا عن صخب الحضور ليُصدما بآخر شخصان توقعا رؤيتهما يجلسان على طاولةٍ بعيدة والهوى يُلوّن ملامحهما، رغم أن كلاهما أدهم وسند تجمدا مكانهما بصدمةٍ لكن اختلفت اسبابهما فسند كان مصدومًا زاهلًا لا يُصدّق أن خيّال هنا ويُجالِسُ.. يا إلهي خيّال هو زوج تاج!
والاقرارُ كان قاسيًا لينظر نحو ملامح أدهم الجامدة بصدمةٍ وهو يرى حبيبته برفقةِ آخر، آخر هو زوجها وشريكُ حياتها.. أجسادهما تكادُ تكون مُتلاصقة وأيديهما تتعانق!
لاحظت تاج نظرات أدهم المُتسمرة نحوها فتركت كف خيّال وابتلعت ريقها بتوترٍ كأنَّها أُمسكت بالجرم المشهود، لاحظ خيّال فعلتها فعاد ليُمسك يدها بقسوة وهو يهمسُ قُرب أُذنها بخفوتٍ مع ابتسامةٍ صغيرة اخرجته بمظهر الزوج المُحب المُتغزل: ”ما بكِ ألا يُعجبُكِ احتضانُ كفِّي لكفِّكِ؟
استطيعُ احتضان خصركِ الآن إذا أردتُ..“
طالعته بصمتٍ للحظاتٍ مُطولة حتى احترق أدهم بغيرته احتراقًا كاملًا شاعرًا باختناقٍ مُضاعف ليحل رابطةَ عُنقه قليلًا قائلًا بضيقٍ لسند: ”سأخرجُ قليلًا، لا تأتي خلفي..“
وقبل أن يعترض سند كان أدهم يهربُ خارجًا بينما تاج تلكزُ خيّال في خِصرِه قائلةً بابتسامةٍ صفراء: ”الناسُ تُشاهِدنا يا وقح“
”وماذا يعني أنتِ زوجتي ولي كل الحق في ما أفعل وزيادة“ قالها ببرودٍ لا مُبالي وهو يقتربُ منها أكثر فهمست بابتسامةٍ مُتوترة بها شيءٌ من الانفعال: ”سند مرحبًا بك.. كيف حالُك؟ طمئنِّي عنكَ وعن عِطر؟ هل أتت؟“
”ما الذي..“ همس باستنكارٍ وهو يلتفتُ للخلف مُبتلعًا ريقه بخفوتٍ ليرى ما جعل قلبه يهوى أرضًا!
سند يقفُ أمامه ومِن خلفه عِطر التي كانت تبتعد عن العروسين مُقتربةً منهم فتجمد قدماها عندما رأته أمامها!
لقد تركهما هناك.. ابتعد عنهما للأبد، لماذا يُعاود القدر جمعهما؟!
ألجمت الصدمة لسانه حتى أنه لم ينتبه لسند الذي اقترب منه ومد يده ليُصافِحه بعدما أجاب تاج بكلماتٍ مُبتسمة خافتة.
”خيّال؟“
همست تاج عندما لمست جموده المُفاجِئ ليقول سند مازِحًا: ”أظنُّه تفاجأ قليلًا بوجودنا“ ثم ألتفت لخيال قائلًا: ”مرحبًا بكَ لم أكن أعلمُ أنكَ خطيبُ الآنسة.. أقصد المدامُ تاج“
فاق خيّال من شروده واستجمع شتات نفسه ليمد يده ويُصافح سند هامسًا بصوتٍ أجش مُستنكر: ”لماذا أنتم هنا!“
”أيهم يكون أخا صديقي والمدام رودين صديقة عطر“ قال سند ببساطة فتساءلت تاج بذهولٍ فما الذي قد يَجمعُ خيّال زوجها الفاسِق بسند الشابُ المُلتزم دينيًا والذي لا يتركُ فرضًا إلّا وأدّاه في المسجد: ”هل تعرفان بعضِكما؟“
”أنه ابن خالي“ تمتم سند بإقرارٍ لتهمس تاج بانفعالٍ وعدم تصديق: ”ماذا! خالُ مَن؟ سلّاف جاويش خالك؟!“
رمقها خيّال بتهكمٍ وقد عادت ملامح وجهه للسخرية قائلًا بخفوتٍ قُرب أُذنها: ”تتحدثين وكأنكِ تعرفينه“ ثم أصدر صوتًا تهكميًا وتابع وهو يهمَّ بالرحيل: ”أنتِ بالكادِ رأيته في العرس“
هذا صحيح لقد كانت فقط تسمع عنه حتى رأته لأول مرّة في زفافها!
استجمعت شتات نفسها وتذكرت.. لذلك شكله كان مَألوفًا حينما رأته.. لقد ظنت أنها ربما رأت صورته في مكانٍ ما؛ تتصدر أغلفة مجلّات روّاد الأعمال؟
إذًا هو نفسه ذاك الذي كان مُنهارًا أمام قبر والِدةِ عِطر! ارتفعت زوايا ثغرها في ابتسامة ساخرة ثم همست بشماتةٍ داخلها: ”الزعيمُ سلّاف جاويش الذي تهابه أقوى العصابات وتعمل تحت امرته؛ ينهارُ ويبكي ويشعرُ كالبشر؟!“
أومأ سند هامسًا بريبة: ”نعم هو خالي“
وصلت عِطر التي صدمت بوجود خيّال وزادت صدمتها أكثر بمعرفتها أنه.. زوج تاج، معلوم فحقيرٌ مثله مؤكد سيكون بحقارة والدها وقد يصدر منه أي شيء، خفضت عينيها وزاد برودها وهي تدعي اللامُبالاة وتُزيدُ من القسوة التي تُغلِّفُ بها قلبها كلما رَأته، سلمت على تاج وعانقتها فهذه الفتاةُ ساندتها كثيرًا من قبل وهذا الحقيرُ واللهِ لا يستحقُّها.. أعليها أخبارُها بجرائمه أم أن تاج على علمٍ بها؟
اصطنعت ابتسامة لم تصل لعينيها وهي تبتعدُ عن تاج هامسةً بمودةٍ خافتة: ”مُباركٌ لكِ“
”سُلمتِ“ همست بها تاج لتقول عطر بابتسامةٍ شاحبة: ”سأرى إن كانت رودين تحتاجُ لشيء..“
أومأت تاج بتفهمٍ بينما كان خيّال يتصببُ عرقًا لرؤيتها وهو يتذكرُ همسة صغيرته جنّة قبل ذاك الحادث اللعين الذي سرق حياتها: ”أخــي“
تراجع للخلف خطوةً واحدة ثم ابتلع ريقه قائلًا باختناقٍ مُفاجِئ ونبضات قلبٍ مُنتفضة استطاع السيطرة عليهما جيدًا فلم يشعر أحد منهم بما يعتريه في صدره: ”سأدلف للمرحاض“.
❀•❀•❀
شحب وجهها وجلست أرضًا في رُكنٍ نائي تبكي بانهيار، هذا المُنتهك سيحوم حولها للأبد، كيف تتعاملُ معه بالله!
كيف تتقبله بهذه البساطة..
كيف تُنفذُ وصيةَ والِدتها حتى؟
والأسئلة لم تنتهي هنا بل ظلت تدور وتدور حتى انهكها البكاءُ فاستقامت وجففت دمعتها ثم اتجهت نحو القاعةِ المُقام بها الزفاف غافلة عن ذاك الذي كان يراقبها بفضولٍ مُستنكرًا بُكائها: ”لماذا تبكي؟“ سؤالٌ أثار فضوله وجعله يتنهدُ بألمٍ هاتفًا: ”يبدو أن هناك قلبٌ آخر مكسورٌ هذه الليلة ويُعاني مثله“
❀•❀•❀
انشغل وِضاء عنها مع صديقيه أيهم وياسيف، فجلست على طاولةٍ بعيدة نوعًا ما تُطالِعُ الجميع بشيءٍ من الملل، الشيء الوحيد الجيدُ هنا أنهم لا يشغلون الموسيقى الصاخِبة المُؤذية للاذن، المُلوثة للقلوب والمليئة بالذنوب والهموم؛ فهؤلاء الجماعة اكتفوا بالدُف وكلماته الرقيقة الدافئة التي تُصيبُ القلب بغمامةٍ حلوة لا تُسكر بل تنشر الفرحة فقط.
العريسُ كان يضحك مع أصدقاءه والعروس كانت واقفة مع القليل من الفتيات المرحات يضحكنَّ ويُصفقنَّ بأيديهنَّ ويُغنين بأفواههنَّ كلماتٍ رقيقة جميلة للعروس وصاحباتها، برفقتهم كان لؤلؤة التي انخرطت سريعًا بهم وكأنهم أصدقاءُها منذُ بدء الخليقة، ابتسمت بشجن تتمنى صحبةً كهذه، محظوظةٌ تلك العروس..
لا تدري أن العروس نفسها تفاجأت بهم وأنهم لم يقابلوها من قبل!
ألتفتت بعينيها لترى أميمة تجالِسُ سيدةٍ أربعينية أو خمسينية ويضحكنَّ سويًا، ما بالُ هذه الفتاةُ لا تُصادِق سوى كِبارُ السن!
تساءلت بحيرة وهي تضحكُ بحلاوةٍ ثم تذكرت بداية الزفاف حيثُ شعرت ببعض المشاعِر المشحونة التي انتهت باختفاء رَجُلان أحدهما سلَّم على العريس ورحل والآخر كانوا يقولون عنه عريسٌ جديد وعروسه هي تلك المُلاصقة لعروس الأستاذ أيهم صديقُ وِضاء، تابعت بعينيها باقي الضيوف حتى كادت تُقتلُ من الملل فأخرجت هاتفها وبدأت في تجهيز بعض العناصر لمقالها الطبي القادِم والذي معاد تنزيله سيكون في الأسبوع القادم: ”ماذا الأسبوع القادم!“
صاحت برعبٍ وهي تتفقدُ التاريخ لترى ما جعل عيناها تدمع وفُؤادها يحترق، زفاف ياسيف بعد يومين.. أي أن وِضاء سيُسافرُ بعد ثلاث أيام فقط ويتركها وحيدة!
سيُسافِرُ للأبد ولن تراه مُجددًا..
”عفراء؟“ نادتها لؤلؤة بابتسامةٍ مُتلألئة سعيدة فجففت عفراء دمعتها سريعًا قائلة بابتسامةٍ مهزوزة: ”نعم لؤلؤة؟“
لتقول لؤلؤة بحماسٍ شديد: ”العروس كالقمر اللهمَّ بارك، خجولة جدًا وطيبةٌ كما أنها مرِحة وفُكاهية لقد احببتُها ستكون سلفةً رائعة“
ابتسمت عفراء برقةٍ قائلة: ”هذه أخبارٌ جيدة الحمد لله“
لكن لؤلؤة اعترضت وهي تجلسُ على الكرسي أمامها قائلة بتذمرٌ وبؤس: ”لا ليس جيدًا لن استطيع التعارك مع سلفتي ونشر منشوراتٍ التلقيح على حماتي المفترية وسلفتي العقربة“
قهقهت عفراء بشدةٍ فقالت ألاء بضيق: ”حتى أنتِ سلفةٌ جميلة“ توردت عفراء قليلًا وهي تتذكرُ أنها ليست زوجةً حقيقية، هي مُجرد امرأة غريبة قد تأخذ لقب شريكةُ سكن لكن لا زوجة.. الزوجةُ مكانتها أسمى من هذا بكثير!
”ولماذا تريدن سلفة شريرة؟ أنتِ لن تعيشي في الوطن معها على كل حال!“ همست أميمة التي اقتربت منهما لتلكز لؤلؤة بخفةٍ فتتذمر لؤلؤة بابتسامةٍ خبيثة قائلة: ”لأُضايقها بالهداية والملابس الفاخرة عندما أنزل في زيارة!“
قهقهت الفتاتان ثم قالت أميمة بمرح وهي تضربُ جبهتها بأن لا فائدة: ”تعالي عفراء سأُعرِفُكِ على صديقتي“ ثم تابعت بابتسامةٍ حانية وشجن حزينة: ”كانت صديقة لوالِدتُكِ أيضًا رحمها الله“
أومأت عفراء وعيناها تدمع باشتياقٍ شديد لأمها التي فقدت كل شيءٍ بعدها بينما ألتفتت أميمة للؤلؤة قائلة: ”وأنتِ أيتها الكارثة المُتحركة تعالي معنا ستُصدمين بمعرفتها“
”لماذا أسأقابلُ سيادةَ الوزير مثلًا!“ قالت لؤلؤة بسخطٍ فتخصرت أميمة قائلة ببرودٍ: ”أتعلمين أن نصف الضيوف من كِبار الوزراء!“
”ماذا!“ قالت لؤلؤة بصدمةٍ وهي تُرتِّبُ ملابسها فأشاحت أميمة عنها وهي تجذب عفراء خلفها قائلة ببرودٍ: ”لؤلؤة أنتِ مُتزوجة“
تذكرت ألاء فعبست وهي تلحقُ بهما قائلة: ”يا إلهي لا أصدق أنّي دُبِّستُ وانتهى الأمر“
ضحكت الفتيات وساروا معًا حتى وصلوا لسيدةٍ أنيقة وقورة تُرتِبُ لطفلةٍ صغيرة فستانها بحنانٍ قائلة: ”لا تأكلي الكثير من الحلوى، ستتضررُ أسنانكِ“
لتنفي الصغيرةُ قائلة بتملك: ”لم آكل الكثير لكن لا يُمكنُني مقاومة ما يشتريه أوما لــي“
ضحكت السيدة ثم قالت بمشاكسة: ”ألن تُعطيني واحدة؟“
فهتفت الطفلة بشراسة وهي تحتضنُ كيس الحلوى خاصتها: ”لا، ما يشتريه أوما هو مِلكٌ لي وحدي“
ضحكت السيدة باستمتاعٍ لإثارة غيرة حفيدتها القاتلة نحو أبيها فألقت أميمة السلام ضاحكة ثم قالت بابتسامةٍ واسعة: ”ما بالُ الغيورة لماذا تتعاركُ مع جميلتي الحسناء؟“
”أجعلي حسنائكِ بعيدةً عن أوما خاصتي“ همست ريتاج بشيءٍ من التلعثم والضيق وقد احمرت وجنتيها بقوةٍ وهي ترمقهما بتحذيرٍ ثم رحلت قائلة: ”سأذهبُ لأوما حبيبي“
ضحك الجميع عليها لتكون أميمة هي أول المُتكلمين عندما همست بسعادةٍ قائلة: ”أنظري يا أم أيهم ماذا أحضرتُ لكِ..“
انتبهت أم أيهم لها فنظرت للفتاتين من خلفها، إحداهما ببشرةٍ بيضاء مُحمرة؛ ترتدي خمارًا ورديًا جميلًا والأخرى مُوشحة بالنقاب وملابسها واسِعة لا تظهرُ منها شيئًا، رغم ذلك فقد بدت أنيقة وجميلة ومن طلتها الخفيفة علمت أنها رقيقةٌ جدًا: ”مرحبًا بكما، أسعدني لقائكما“ رحبت أم أيهم بهما فاقتربت الفتاتان لتسلما عليها بينما تقول أميمة وهي تُشيرُ لعفراء التي سلمت أولًا: ”هذه حبيبتي عفراء زوجةٌ خالي وضاء وهذه صديقتي لؤلؤة زوجةُ ياسيف“ ثم تابعت بخبثٍ غامِزة: ”قارِئةٌ مُتميزة“ بعدها اقتربت من أذن أم أيهم وقالت بمكرٍ: ”هي نفسها صاحبة حساب ألاء مُحمد الذي تتابعكِ به وتُثيرُ انقلابًا عنيفًا على كل من يُبدي اعجابه ببطلها المُفضل“
”أُتابِعُ مَن!“ قالت لؤلؤة باستنكارٍ فانفجرت أم أيهم ضاحكة لتُتابع أميمة بنبرةٍ درامية: ”معنا ومعكم الكاتبة الرِوائية مِسكُ الخِتام“
فغرت لؤلؤة شفتيها وتوقفت أمامهما بوجهٍ مصدوم لا قدرةَ لها على الإتيان بأي رد فعل..
كاتبة مَن!
مِسكُ الخِتام؟؟
”أمَّ داغِر!“ همست ألاء بنبرةٍ مُتقطعة وعينان مُتسعتان وذهولٍ سيطر لتومِئ أم أيهم بينما تعاود أميمة الانفجار ضاحِكة وهي تدفعُ لؤلؤة بعيدًا قائلة: ”أخذتِ نصيبك يا فتاة فابتعدي حان وقت تفجير المُفاجأة الثانية“ لكن لؤلؤة لم تتزحزح بل اقتربت من مِسك تُمسك بيديها قائلة: ”أنتِ مِسك الختام!“
”واللهِ أنا بأمارةِ الرسالة التي راسلتني بها أول أمس تخبرينني فيها أن أكتب جزءً ثالث لتري فيه أحفاد داغِر“ قالت مِسك ببشاشةٍ صادقة فاقتربت لؤلؤة منها وهي تترجاها باكية: ”يا إلهي زوجـيـــنِــي داغِر بالله عليكِ..“
قهقه الجميع فأبعدتها أميمة للمرةِ الثانية قائلة: ”سنتناقش في هذا الأمر على موقع الكاتبة أما الآن فلدينا ما هو أهم“ وبصعوبةٍ شديدة تحركت لؤلؤة بعيدًا قليلًا فالتفتت أميمة لعفراء وهي توجه حديثها لمسك قائلة: ”تتذكرين الصديقة التي تعرفتي عليها من أحد مواقع القراءة وكنتما تقرآن معًا حتى اكتشفت هي موهبتكِ في الكتابة واجبرتكِ على دخول عالم الابداع؟“ بعدها غمغمت بألمٍ: ”توفاها الله منذُ فترة لذلك أوقفتِ نشر روايتكِ لشهرٍ كامِل حدادًا على روحها الطاهِرة، تتذكرينها أليس كذلك؟!“
ترقرقت عين مسك بالدموع وتألم قلبها لتلك الذكرى الأليمة فدعت بحزنٍ دامي هامسة بحشرجة: ”لم يكتب الله لنا اللقاء في الدنيا لكنني أدعوا الله ليل نهار أن يجمعني بها في الفردوس الأعلى من الجنّة“
دمعت عين أميمة لتقول باختناقٍ وابتسامةٍ مُفتقدة لتلك الحبيبة الراحلة وهي تُطالع عفراء بحنو هامسة: ”كانت جارتي.. واليوم أحضرتُ لكِ ابنتها“ ثم ضحكت والدموع تهبطُ من عينيها قائلة: ”لقد اختطفتها وزوجتها لخالي وِضاء“
طالعتها مسك بصدمةٍ ثم هتفت باعيُنٍ مُتسعة: ”ابنتها؟ عفراء ابنة جنّات؟“
أومأت أميمة فاستقامت مسك واحتضنت عفراء بقوة وقد سالت دموعها على وجنتيها قائلة بحبٍ صادِق خالص: ”كانت صديقتي التي حُرِمتُ رؤيتها، ورفيقتي التي لم أملَّ رفقتها“
بكت عفراء هي الأخرى وهي تحتضنُ بشدة السيدة التي شابه عناقها عناق والِدتها الحنون.
❀•❀•❀
”اليوم ستندم ندمًا لا مثيل له يا ابن عبيد الخوري“ همست بفحيحٍ وهي تتسلَّلُ للمطبخ تكشِفُ عن أواني الطعام لترى أي طبقٍ ستدسُّ به سُمَّها قبل أن تذهب..
”ما الذي تفعلينه هنا سيدة صفاء؟“ سألت غالية بريبة فصفاء لم تدلف للمطبخ ولا مرة منذُ بدأت عملها هنا!
انتفضت صفاء رعبًا واصفرَّ وجهها لتصيح بغضبٍ غير مُبرر قائلة: ”أتضور جوعًا يا فتاة أستُحاسبينني على مكان وجودي في منزلي!
هل نسيتِ مَن أنتِ يا حقيرة؟“
ترقرقت عينُ غالية بالدموع وقالت بحدَّةٍ خافتة: ”لستُ حقيرة ولم أنسى نفسي، بل أنا أعلمُ قدر نفسي جيدًا“
”أيُّ قدرٍ يا أنتِ أ..“ ولم تكد تُكملُ جملتها المُهينة إلّا وتذكرت أنها تحتاجُ لغالية الآن أكثر من أي وقتٍ مضى، أنها صغيرة وساذجة لن تشعر بشيء ولن يصدقها أحد، لهذا اختارتها، ادعت أنها رأفت بحالها لكن في الواقِع لقد طمعت ببراءتها التي ستجعلُ مهمتها أسهل وتُخرجها من المُؤامرةِ التي ظلت تُحيكها لسنواتٍ كما الشعرةِ من العجين، ابتسمت بخبثٍ استطاعت مُداراته خلف دوارها المزعوم وهي تقول بنبرةٍ تصطنع المسكنة: ”يا إلهي أنا آسفة يا غالية، عقلي مشوشٌ كثيرًا اليوم.. اقترابُ ذِكرى الراحِل الحبيب زوجي تخنقني، تجعلُني مُتأهبة دائمًا وكثيرٌة الانفعال.. أعتذرُ حبيبتي الصغيرة لا تُؤاخذيني“
أومأت لها غالية وهي تتقدمُ نحوها قائلة ببعض القلق وطيبةً صادقة مُبالغٌ بها: ”حسنًا لا عليكِ، هل أنتِ بخير أم تحتاجين للطبيب؟“
زادت ابتسامةُ صفاء الشيطانية ثم همست بالقليل من الألم: ”احضري لي شريط الدواء من غرفتي لا أكثر“
أومأت غالية وهي تخرجُ بسرعةٍ لتحضر ذاك الدواء أمّا صفاء فاعتدلت بسرعة وسكبت مسحوق السُم في أحد الأواني التي لم تهتم بما يوجد داخلها ثم خرجت من المطبخ سريعًا، وصلت للبهو الواسع فجلست بإعياءٍ على الأريكةِ قائلة لصفاء التي وصلت لتوها: ”سأذهبُ لجلسةِ التدليك اهتمي بالمنزل جيدًا ولا تجعلي وائل يخرجُ دون طعام ستتضررُ صحته بسبب إهماله لطعامه“
”حاضر سيدة صفاء“ همست غالية بأدبٍ فتناولت صفاء منها حبة المُسكن واستقامت قائلة: ”هيا سأذهب كي لا أتأخر“
أومأت غالية تُرافقها حتى الباب وما إن أغلقت الباب حتى وجدت حور خلفها تهمسُ ببراءةٍ وبعض الخوف: ”لولي؟“
”نعم يا قلبَ لولي؟“ قالت بحنوٍ وهي تتقدمُ منها فعانقت حور قدمها قائلة: ”لقد حلمتُ بكابوس؛ لا استطيعُ النوم بمفردي فهل يُمكِنُكِ النوم معي قليلًا؟“ زادت غالية من عناقها لها وقبل أن تعترض كان وائل الذي ينزل السلالم بهيبةٍ ورجوليةٍ طاغية يهتفُ بابتسامةٍ راقية: ”لو كنتُ مكانكِ ما رفضُ طلب الصغيرة، آنسة غالية خذي باقي اليوم عطلة مدفوعَة الأجر“
لكن غالية التفتت له وهي تعانق أختها قائلة: ”العفو أيها الطبيب، عليَّ أعدادُ طاولةِ الطعام لحضرتك“
”لا مشكلة سآكل اليوم في المشفى“
”لا من فضلك اسمح لي بوضع الطعام لحضرتك أولًا ثم سأُنفذ طلب حور“
أومأ باستحسانٍ قائلًا: ”لا مُشكلة“
وافق بسهولةٍ فهو لا يحبُّ تناول الطعام من الخارِج لأنه مُضرٌ لصحته ومُؤذيٌ لمعدته، لم يكن يعلم أن اليوم بالذات طعامُ المنزل أشدُّ ضررًا وأكثرُ فتكًا من أي طعامٍ قد يأكله بأي مكانٍ في العالم!
”لولي وأنا أيضًا أُريد تناول الطعام أنا أتضور جوعًا“
”حسنًا سأضعُ الطعام للجميع“ قالتها ودلفت للمطبخ لتغرف الطعام بينما لاعَب وائل حور قليلًا قبل أن يأخذها ويخرجا من المنزل للحديقة حتى لا يكون جالسًا في المنزل مع غالية وحدهما فيحملا ذنب الخِلوة.
خرجت غالية لهما بصِينية الطعام فضمتها حور بقوةٍ غير طبيعية وكأنها المرّة الأخيرة قائلة: ”سُلمت يُمناكِ أختي، الرائحة شهية“ بينما ضحك وائل بخفوتٍ قائلًا: ”طعامُكِ هذا قد يقتلنا بحلاوته يومًا ما فاحذري يا آنسة لأننا سنُقاضِيكِ حينها“ ضحكت حور ببشاشة ثم اتجهت نحو وائل وشرعا في تناول الطعام باستمتاعٍ أما غالية فتوقفت مكانها وبطنها تتلوى من الألم، مُزحةٌ وائل لا تُضحِك بل تُخيفُ بقوة!
يا رب سترك وحفظك.
❀•❀•❀
قاد سيارته وانطلق لوجهةٍ لا يعلمُها، ظل يحوم في الطُرُقات بعقلٍ جامد لا هو بميت ولا هو بمُشتعل.. فجأة وصل لمنفى والِده فنزل ودلف بجمودٍ ثم وصل لغرفةِ الزعيم المَهيبة التي رحَّب به صاحبها قائلًا: ”ما الذي جاء بك!“
ونعم الترحيب حقًا، ابتسم خيّال بسخريةٌ سوداء ثم قال بفحيحٍ: ”أنا أكون في المكان الذي أُريد“
”أنتَ يجب أن تكون مع عروسك الآن..“ تمتم سلّاف بحنقٍ فتوجه خيّال للكرسي المُقابل لوالِده
ثم وضع قدم فوق الأخرى وهو يهمس بفحيحٍ أثناء إشعاله لسِيجارته الغليظة المُعتَّقة: ”أين زعتر؟“
تفرّس سلّاف شفتيه بغيظٍ ثم رفع سماعةِ هاتفه هامسًا بجمود: ”نادوا لي زعتر“
أتى زعتر بعد لحظاتٍ مُهرولًا قائلًا: ”نعم سيدي؟“ رمقه خيّال للحظاتٍ بعينين ناعستين باردتين كالصقيع القاتل ثم همس بخفوتٍ بطيء وهو يتلذذ بشرب سيجارته الفاخرة: ”أُريدُ نوعًا فاخِرًا يُنسِيك أي شيء“
”أيُّ نوع؟“ سأل سلاف فلم يُعطيه خيّال بالًا وأشار للصبي المدعو زعتر بالخروج ففعل بهرولةٍ بينما سأل سلّاف مجددًا باستنكارٍ وحِدّة: ”هل عدت مُجددًا للتعاطي خيَّال؟“
ضحك خيّال بسخريةٍ ثم قال ببرودٍ ونبرةٍ ثقيلة ثملة: ”وهل امتنعتُ لأعود!“
”أنتَ تؤذي نفسك..“
”صفقةُ الشتاء سأحضرُها معك هذه المرّة“ غيَّر خيّال كعادته الحديث فاستسلم سلّاف ورضخ حانقًا ليُطالعه بعد لحظاتٍ بشكٍّ سائلًا بنبرةٍ مُتوجسة وهو يحكُّ ذِقنه الحليقة: ”لماذا الآن؟“
”سآخذُ مكانك يومًا ما وأُريدُ أن استعدَّ لهذا جيدًا“
همهم سلّاف بعدم اقتناعٍ ثم أشعل سيجارته وقال بفضولٍ خبيث: ”وصلتَ لأبناء سندس فلماذا لم تأتي بهم!“
ارتفعت زوايا ثغر خيّال بسخرية مريرة ثم قال بنظراتٍ مُظلمة: ”أبناءها مثلها لن يرضخا لك فاتركهما وشأنهما“
لكن سلّاف لم يصمت بل تابع بحسمٍ بعد أن أخذ نفسًا عميقًا مِن سيجارته: ”لا داعي ليرضخا لأمري موافقين؛ يُمكِنُنا جعلهم مُجبرين“
أشاح خيّال عنه وهو يلتهم سيجارته بشراهةٍ كأن روحه بها تحترق ثم قال بخفوتٍ مُحاولًا إقناع أبيه: ”حسنًا سنجبرهما ونكسرُ أنفهما علَّ سندس تحترق في قبرها لوعةً على أبنائها وتكرهك أكثر هناك“
صمت سلّاف مُتجمدًا وكأنه صُفِعَ بشدَّةٍ لتوِّه، أظلمت عيناه فشدد من ضغطه على سيجارته حتى أغلق قبضته عليها وهشّمها تمامًا، أما خيّال فتابع كوي جرح والِده قائلًا: ”اتركهما لحالهما علَّها ترضى عنك وتسامحك“
بعدها استقام وسحب سلسلة مفاتيحه التي ألقاها بإهمالٍ على الطاولة قبل أن يجلس قائلًا: ”إن عاد زعتر فأخبره أنِّي في القصر“
خرج وصفع الباب خلفه ثم توجّه لسيارته واتصل بتاج قائلًا: ”دقائق وتكونين خارج القاعة، سنعود للمنزل“ ثم أغلق الخط قبل أن تجيبه وزاد من ضغطه على دوّاسة البنزين لتزداد سرعة السيارة وتَزأر كما الأسد في الغابة.
❀•❀•❀
”طلبتَ لقائي!“ سأل صَخر فأجاب سلّاف بخفوتٍ وتهجمٍ شديد: ”شدِّد الحراسة على أبناء سندس وتأكد من أنهما بخير ولا ينقصهما شيء، توسط لهما في كل مكانٍ واحرص على أن يكونا بأفضل حال لكن دون التعرض لهما أو معرفتهما بالأمر“
”اعتبره حدث“ همس صخر ببرودٍ ومكر وهو يرحلُ مُختالًا بنفسه ففي فترةٍ قصيرة جدًا صار الأقربُ للزعيم والمُخَصص لمُهماتِه الأولوية فائقةُ السريّة.
❀•❀•❀
كان أيهم يستمتع برفقةِ أصحابه وبعض رجال الأعمال زملائه والوزراءُ المُهنيين له، انفرد قليلًا بياسيف ووضاء الذي لكزه قائلًا بخبث: ”فاجأتنا وفعلتها أنتَ الآخر يا صاح“ قهقه أيهم فتابع ياسيف وهو يزفرُ براحةٍ شديدة وكأنه كان يحملُ همًّا فوق صدره وانزاح: ”وأخيرًا زال النحسُ وفُكَّت العُقد الثلاث، مُبارك لنا جميعًا“
وأيهم ما كان ليكون الصديق الصدوق إن لم يُشاكِس ياسيف فقال ينفش ريشه بخيلاءٍ مزعومة: ”المُهم أننا تزوجنا مرتان وأنت يا حزين لم تُتمم مرتك الأولى بعد.. يا لبؤسك“ اغتاظ ياسيف قال بحنقٍ وقد احمرت أُذُناه: ”أنتَ كيّاد يا أيهم سامحكَ الله أفسدت مزاجي“ ابتسم أيهم بانتشاءٍ بينما قهقه وضاء قائلًا: ”لا تقلق يا حضرة البروفيسور تبقى ثمانية وأربعين ساعة ستدخل القفص أنتَ الثالث“
ليَنهَر ياسيف وِضاء قائلًا: ”الزواج ليس قفصًا بل تحليقًا في سماء الجنة“
انفجر كل المتزوجين الذين سمعاه في الضحك لتحمر أذناه خجلًا هذه المرة وهو يتمتم بحنق: ”جهلاء لا يقدرون النعيم الذي هم فيه“
دنا أيهم منه قليلًا ثم همس في أُذنه بخفوت: ”أنتَ باللهِ صادِقٌ يا ياسيف، هم لا يُقدرون النعيم الذي هم فيه، الزواج نعمةٌ كبيرة لكن احسن الاختيار“
ابتسم له ياسيف باتساعٍ فبادله أيهم الابتسام وعيناه تبحث عن صغيرته التي صادف كونها مُتجهةً نحوه بعبوسٍ طفولي فابتسم بانشراحٍ قائلًا: ”حتى لو لم تحسن الاختيار ستحصدُ بالتأكيد ثمرةً تعوضكَ عن أي شيء وكل شيء فاحسن تربيتها واستوصى بدلالها قليلًا إن كانت فتاة وبدعمه وتشجيعه إن كان صبي“
صمت ياسيف وشوقٌ جارف يجتاحه نحو اللحظةِ التي سيحمل بها طفله الأول ويحتضنه مُقربًا إياه لصدره، بينما غامت عينُ وضاء بحزنٍ مكتوم فاتجه بعينيه لزوجه المصون التي كانت برفقةِ والِدةِ أيهم وأميمة وزوجةِ ياسيف ليشعر بوخزٍ في صدره، هل ستقبلُ زوجته المُجبرة على الزواج منه والتي غيَّرت برقتها ونعومتها فكرته عن منظومة الزواج كاملة؛ إعطاء علاقتهما فرصة للبِدء من جديد؟
أيُمكن أن يتغير هو الآخر ويعود ليعيش ما يعيشه صديقيه أم أنه حُكِمَ عليه الشقاءُ في الحب للأبد..
تنهد بخفوتٍ وهو يشيح عنها، هو لن يحنث عهده معها، سيكون عند كلمته ويتركها وشأنها، ليس ذنبها أن زوجها تراجع في كلمته ويُريد الآن تكوين أسرة.. بل يشتاقُ لواحدة صغيرة تنتمي له وينتمي لها.
❀•❀•❀
”هل أنتِ بخير؟“
همست رودين برقةٍ وحزن فأومأت تاج بابتسامةٍ واثقة وهي تقول بهدوء: ”في النهاية خيّال لم يكن ذاك البشع الذي تخيَّلته“
”وأدهم ما..“ همست رودين بلهفةٍ فقاطعتها تاج بحزمٍ وحسم: ”أنا امرأة مُتزوجة الآن يا رودي ولا داعي للنبش في الماضي، ما قُولته عن أدهم كان غباءً منِّي وسذاجةً في لحظةِ ضعف فلا تُحاسبيني عليها أرجوكِ، أنا ما كنتُ لأتزوج بشخصٍ وأُكنُّ مشاعِر لآخر!
حتى وإن كان زوجي هو أسوء رِجال الأرض سأظلُّ مُخلصةً له فهذا حقه الذي أمرني ربّي به وإن تعسَّرت حياتي معه سأطلبُ الطلاق فهذا حقي الذي شرَّعه ربِّي لي وإن أبى ولم يُصلِح حاله معي فالخُلع حينئذ من حقي المُطالبةُ به.. أما تفكيري بآخر وأنا على ذمته فهذه خيانةُ صريحة لربي قبله وأثمٌ أنا في غناءٍ عنه“
تأثرت رودين بكلمات تاج فدمعت عيناها وبكت بوخزٍ قائلة: ”إذًا هل ارتكبتُ ذنبًا بما فعلت! لـ.. لقد خلعتُ سراج قصرًا وها أنا أتزوجُ بآخر و..“
عانقتها تاج بحنانٍ مُقاطعةً إياها وهي تقول بتأكيد: ”أنتِ تحملته كثيرًا وهو آذاكِ أكثر، لستِ آثمة يا حبيبتي فعدتكِ كانت بوضع الحمل وقد حدث وهو مَن عجَّل بانتهائها بكل غباء لذا هو يستحقُّ ما حدث، أنتِ صرتِ بائنة يا رودي وتستطيعين الزواج متى أردتِ هذا حقُكِ.. والأستاذُ أيهم سيُراعي حق الله فيكِ، أنا واثقة أنه لن يكون كأبي أبدًا“
أومأت رودين مُصدقة ثم ابتعدت قليلًا تمسحُ دموعها ضاحكة بخفوتٍ في مُحاولةٍ منها لتلطيف الوضع قليلًا: ”أين تعلمت كل هذا يا أستاذ جعفر سابقًا!“
ضحكت تاج إحدى ضحكاتها الخافتة النادِرة بينما تُكمِلُ رودين بصدمةٍ: ”هل بِتِّ تُحادثين عِطر كثيرًا؟ أظنُّها بهتت عليكِ قليلًا“ قالت آخر جملتها ساخرة فضحكت تاج بشجن ثم ربتت على كتفها قائلة بخفوتٍ بيه من الهم ما يُثقل: ”انتبهي على نفسكِ جيدًا، سأرحل الآن فخيّال ينتظرني بالخارج“
تمسكت رودين بيديها قائلة بترجي: ”تاج لا تتحملي كل شيءٍ وحدك نحن دائمًا معك!“
أومأت تاج بهدوءٍ ثم تركت يداها وخرجت لمصيرها الذي لا فِرار منه وعليها مواجهته بكل قوتها علَّها تنحرف بحياتها نحو برِّ الأمان.
❀•❀•❀
انتهى الزفاف على وعدٍ قريب باللقاء مُجددًا بعد ليلةٍ حافة من الحديث عن والِدةِ عفراء وذكرياتهما معًا وبالطبع عن داغِر الذي كانت لؤلؤة هائمةً به وبدوره الرجولي البحت في الرواية!
غادرت لؤلؤة مع ياسيف زوجها على مُضض بعدما دعتها لحفل حنَّتها وزفافها أيضًا بينما رحلت أميمة مع وِضاء الذي رفض رفضًا قاطعًا تركها ترحلُ وحدها وزوجته الرقيقة الغالية ابنةُ الغالية التي كانت تُرافقهما على استحياء، أمّا عنها فهي أرادت العودة مع السائق لتترك القليل من الخصوصية لابنها وعروسه لكن أيهم رفض بشدة قائلًا أن نسائه لن يبتعدنَّ عنه مِثقال ذرة وأنه سيُشرفُ على احتوائهما وحده دون تدخل أحد، وصلت للسيارةِ وكادت تركبُ بالخلف فاعترض أيهم بخفوتٍ لكنها نهرته بهمسٍ قائلة: ”لا تكن أحمقًا يا أيهم، على العروس الجلوس جوارك في المقدمة..“
وفي النهاية لم تجلس والِدته ولا العروس في المقدمة بل تربعت ريتاج على الكرسي الأمامي المُجاوِر للسائق وأبت أن تتحرك منه قائلة: ”الجلوس جوار أوما لي فقط“.
وصلوا للمنزل ريتاج بضحكاتها الاي تشقُّ عنان السماء ومِسك مُبتسمة بسعادة داعية أن لا يحرمهما الله من تلك الفرحةِ أبدًا بينما أيهم يُراقب زوجته الصغيرة الخجولة بتفحصٍ شامِل، لمس توترها فقال برقّةٍ ليُبدِّد الجو المشحون أمامهما: ”هيّا كلًا على غرفته، بدِلا ملابسكما وانتظراني، دقائق وسأضع العشاء“
”لا لا لن تفعل يا أيهم، أذهب مع عروسك للجناح وأنا سأُرسِلُ لكما الغداء هناك“ اعترضت مِسك فقبّل أيهم كف يدها ثم أمسك بيد رودين سائلًا إياها: ”أتفضلين الأكل في الغرفة أم..“
”لا هنا مـ مع الجميع“ قالتها سريعًا بتوتُرٍ وتلعثمٍ فابتسم بحنوٍ وأعاد النظر لوالِدته قائلًا: ”أرأيتِ! زوجتي الجميلةُ لا تُمانع“
احمرّت رودين خجلًا وهي تنظرُ أرضًا، لا تعلم ماذا تفعل؟ أين تهرب؟ أتتوجه للغرفةِ التي كانت تُقيمُ بها مع تاج أم لأين ستخطو خطواتها القادِمة!
”حسنًا أذهب مع زوجتِكَ لِجناحها هيّا“ دفعته أمه برفق وهي تهمسُ بجملتها الحانية فأومأ لها مُبتسمًا بحنو وهو يُمسِكُ بكف زوجته يهمس لها بخفوت: ”تعالي معي“
بينما رودين كانت قد تنفست الصعداء أخيرًا لأنها سيكون لها مكانٌ مُنفصل خاصةٌ بها!
وقبل أن تسير معه كانت ريتاج تحتضُ يديه قائلة بحسمٍ وغضبٍ طفولي فقد كانت منذُ حديثهما مُتخصرة تُطالِعهنَّ بغيرةٍ واضحة: ”أوما ستنام معي كما اعتدنا!“
أومأ لها مُؤكدًا وهو ينخفضُ على ركبتيه ليكون طوله مُوازيًا لطولها دون أن يترك كف رودين قائلًا بحنانه الكبير: ”أوما سيُعرِّفُ عروسه على غرفتها لتبدل ملابسها ثم يعود إليكِ مُسرعًا يا قلبه وروحه لنأكل سويًا ثم ننامُ سويًا“
أومأت على مُضض بعدما طمئنها بكلماته أنه لم ينساها أو يُسرق منها، قادتها جدَّتها نحو غرفتها قائلة: ”هيّا يا رورو سآتي معكِ لأساعدكِ على خلع الفستان هيّا“ أومأت لجدتها وهي تتثاءب قائلةً بإرهاق: ”ستصنعين لي قالب حلوى غدًا لنحتفل؟“
أومأت مسك مؤكدة وهي تقول بحب: ”وبالكريم كراميل كما تُحبين أيضًا“
تهللت أسارير ريتاج وهي تركضُ لغرفتها بفرحٍ بينما ألتفت أيهم بعينيه لزوجته يهمسُ بابتسامةٍ خصّها وحدها بها: ”لنذهب..“ أومأت ووجنتيها تتخضبُ بتوترٍ ثم سارت معه ليتوقفا أمام غرفته!
”إنها غرفتك؟“ همست بارتباكٍ فصحح لها بهدوءٍ قائلًا: ”بل غرفتنا“
”ماذا؟!“ استنكرت وقلبها يهوي أرضًا فتابع هو بنبرةٍ حازمة رغم حنوها ورقتها معها: ”زواجنا طبيعيٌ يا رودين، أنا أُريدُكِ زوجةً حقيقيةً لي بكل ما للكلمةِ من معنا“ ثم..
❀•❀•❀

الفصل مُهم وبيمهد لحجات كتير فقراءة مُمتعة يا حلوين 🙆‍♀️🔥
دا كدا المفروض خلصتوه صح 👀
طب تمـ تمام أستأذن أنا بقى 😂🙈

إي رأيكم في تطور الأحداث 😶؟

كل ما أخلص فصل هحاول أنزله سريعًا بس راعوني والله بكتب في نص الشغل علشان أقدر أخلصلكم الفصل لأني مضغوطة ضغطة سكر 🥺❤❤

بس كله يهون لأجل عيونك وكومنتاتكم اللطيفة 😍❤❤❤❤❤❤
شكر خاص لكل بنوتة بتفرحني برأيها 🥺🫂
أنتم عارفين نفسكم والله ومنورين كل فصل في الكومنتات فاسمحولي أقولكم أني واللهِ بحبكم في الله 🥺🥺🥺💘
حب كبير ليكم 😍🔥
#استوصوا_بالحبيب_غزلًا

منى علاء شاهين
الجيش الأزرق Blue army 🌍💙

استوصوا بالحبيب غزلًا "للكاتبة منى علاء شاهين"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن