7- إلّا أنا لأنكِ زوجتي

567 32 41
                                    

الفصل السابع
”إلّا أنا لأنكِ زوجتي“

يَوم زِفاف وِضاء وعفراء، انتهت مِن الاغتسال في الحمام المُلحق بغرفتها ثم خرجت ترتدي منامة حريرية باللون الأبيض يتخلَّلُها بعض الوُرود الزرقاء اللطيفة التي أبرزت لون عيناها المُنافِس لزُرقةِ البحر القاتمة، بعدها ارتدت زيَّ الصلاةِ وصلَّت ركعتان لله ثم رمقت نقابها بتوترٍ مُترددة بين ارتداءه أو تركه لكنها فضلت الخيار الأول في النهاية لكونه ليس زواجًا حقيقيًا وإنما حبرٌ على ورق، خرجت له فوجدته يضعُ بعض أصناف الطعام المُجهزة للعروسين على المائدة وما إن شعر بها حتى التفت إليها وفجأة..
بهت وجهه وعبس للحظاتٍ سرعان ما استطاع السيطرةَ على ملامحه قائلًا بخفوتٍ وهو يشيحُ عنها ويتنحنح قائلًا: ”تفضلي الطعام جاهز“
في البداية ارتبكت من رد فعله لتزداد الشُحنات المُتنافرةُ بينهما والتي قلل وِضاء من حدتها عندما هتف بجملته، امتثلت له وجلست تستعيدُ ذكرياتها مع ذاك البغيضُ غسّان والذي انطلق يُلبِّي رغبته أولًا، رغباته فاقت كل توقعاتها وقتلت أحلامها، استغفرت تُزيحُ تلك الأفكار عنها ثم طالعت وِضاء بخجلٍ لتتفحص بهدوءٍ ملامحه لأول مرة، عينان ناعستان وأهدابٌ بُنية كشعره تمامًا، شعره حليق لا يُغطِّي رأسه سوى شعرٌ قصير جدًا بالكاد يصل طوله لاثنان أو ثلاثة سنتيمتر، فكّه صلب مُزين بلحيةٍ خفيفة ومُهندمة، شفتيه عابستان وجسده قويٌ لكن بلا عضلاتٍ بارزة، يفوقها طولًا بالكثير وقد كان هذا واضحًا جدًا وهي تسيرُ جواره بالحذاء ذا الكعب العالي.. وربما كان فرق الطول بينهما مُلاحظ لأنها قصيرة بالكاد وصل طولها لمِئة وستون سنتيمتر.
لن تنسى ملمس كفه الحازمة ببعض الحنو والثقة الممزوجة بالطُمَأنينة والأمان اللاتي تسربنَّ فجأةً منه إليها!
سرت بجسدها قُشعريرة لطيفة جعلتها تزدادُ احمرارًا وهي تغضُّ الطرف عنه مُجددًا قبل أن يُمسك بها مُتلبسة.. بدأت في الأكل بخفوتٍ فسمعته يسألها باستنكارٍ وجمود: ”تأكُلين بالنقاب!“
طالعته بارتباكٍ لتترك الملعقةَ جانبًا وهي تقول بتلعثم: ”استطيعُ الأكل به لا تقلق“
فوضع هو الآخر معلقته وتابع بنبرةٍ لم تستطع تفسيرها: ”يُمكنُني تناول طعامي في غرفتي إن كان وجودي يُسبِّبُ لكِ الإزعاج!“
نفت برأسها سريعًا وهي تهمُّ بخلع النقاب أمامه بحركاتٍ مُتعثرة قائلة: ”لـ.. لا إزعاج سأخلعه
طالعها بشوقٍ وفضولٍ فَصُدِم..
طوت النقاب بخجلٍ ثم وضعته جانبًا وهي تخفضُ رأسها ولا تستطيعُ مواجهته من شدّة حيائها فهي لم تخلع هذا النقاب أمام أجنبيٍ من قبل سوى لمُطلقها وندمت بعدها أشد الندم لذا لم تجعل بعدها أحدًا يراها، ولم يرها سوى ذاك الذي حاول انتهاكها مرّاتٍ عديدة.
طال الصمتُ بينهما فرفعت عيناها إليه لتجد ما هزَّ ثقتها وجعل قلبها المسكينُ ينتفضُ بين أضلاعها.
❀•❀•❀
”إلى أين سنذهبُ غدًا؟ هل سنترُك منزل أمي وأبي“ سألتها حور ببراءةٍ فاحتضنتها غالية بقوةٍ وهي تهمسُ بحنانٍ أُموي: ”سنذهبُ لمكانٍ جديد وجميل سيُعجبُكِ لا تقلقي، مكانٌ سيجعلُكِ تذهبين للرياض الأطفال كما تفعلُ أسماء ابنة جارتنا“ ابتعدت حور قليلًا ثم ابتسمت حتى برُقت غمّازتها وهي تهتف بحماسٍ طفولي قائلة: ”سآخذ واجب مثلها وسترسم لي المُعلمةُ سمكةً أكبر من خاصتها؟“
ضحكت غالية بخفوتٍ ثم دمعت عيناها بيُتمٍ وهي تستشعرُ حرمان اختها أمام مثيلاتها خاصةً وهي تقضي النهار برفقتهم في منزل السيدة إحسان حتى موعد عوتها من مهمة البحث عن أي عمل ٍ يقبلُها بلا مؤهلات فقالت بتأثر وهي تختنقُ بدموعها: ”وأكثر يا جميلتي، سأَحرِصُ على أن لا ينقصكِ شيءٌ أبدًا إن شاء الله“
تعانقا لدقائق حتى غفت حور فوق صدرها وهي تُمتمُ بنعاسٍ مُبتسمة: ”أنا أُحِبُّكِ لولي، عندما يعودا أمي وأبي سأخبرهما أنكِ أروَّعُ أختٍ على الاطلاق“
ابتسمت غالية بشجنٍ لحروف حور الضائعة والكلمات المُتآكلة وهي تتذكرُ كم كانت والدتهما تعشقُ طريقة تحدثها فتعبّر عن افتتانها بتلك الكلمات بكثرة القبلات حتى تنهار حور من شدة الضحك، حملت غالية أختها بوجعٍ مُلتهب وألمٍ دامي ثم وضعتها فوق سرير والِديها وعانقتها بقوةٍ ككل ليلة وقد تكون هذه الليلة.. هي الأخيرة لهما فوق سرير والديهما!
❀•❀•❀
توسدت لؤلؤة سريرها بعد أن احتضنت الروايات التي أحضرها عريسُ الغفلةِ لها لتفتح أحد مواقع التواصل الاجتماعي وأنزلت منشورًا به بعضُ الصور التي التقطتها لكتبها الجديدة ثم كتبت فوقها جملةً شهيرة تصدرت أكثر المنشورات المُشيرة منذُ فترةٍ ما: ”أحضر لي هذه كهدية فمال قلبي في هواه وترنحتُ بسكرٍ قائلة.. نعم“
مُباركاتٌ ومُشاركاتٌ وتفاعلٌ كبير حصده منشورها فأجابت الجميع بابتسامةٍ مُتسعة فرِحة لقد جاء فارِسُ أحلامها المجهول ليكون شريك روحها أخيرًا.
❀•❀•❀
على طاوِلةِ عشاءٍ كبيرة هتف شابٌ طويل نحيلُ الجسد يَرتدي بذّة رسمية: ”اخترتِ الخادِمة؟“
فأومأت السيدة الأنيقة وهي تهمسُ بخفوتٍ: ”فتاةّ يتيمة صغيرةُ السن فاخترتُها رأفةً بها لا أكثر“
ابتسم بسخريةٍ وهو يُتابِع تناول طعامه قائلًا: ”مدام صفاء تَرفأُ بالناس! هذا عظيم“ ثم استقام واقفًا وهو يتناول هاتفه ومفاتيحه قائلًا: ”سأخلدُ للنوم“ قالها بجفاءٍ وهو يصعدُ لغرفته التي كانت يومًا ما لأمه فلم يسمح أن تدخلها امرَأةٌ مِن بعدها، تنهد بحزنٍ عميق وهو يرمق كل قطعةٍ في الغرفة بشوقٍ جارف لحبيبته الأولى وسيدةَ قلبه الراحِلة؛ أمه.
نزع ملابسه ووضعها نصفَ مُرتبة على الأريكةِ الصغيرة الموجودة في الغرفة ثم استلقى على السرير بعدها مُتألمًا، المشفى كان يَعُجُّ بالمرضى اليوم فلم يستطع اراحةَ جسده للحظةً واحدة، الناس تتعاملُ معهم كأنهم رجالٌ آلية لا يتعبون أو يُرهقون أبدًا، تنهد بخفوتٍ ثم أغلق عينه لتنتظم أنفاسه بعد لحظاتٍ ويخلد للنوم في سباتٍ عميق، أنا أعني كل حرفٍ من كلمة عميق فوائل لا يستيقظُ إلّا بقرع الطبول البلدية.
❀•❀•❀
بدل ملابسه سريعًا وبحماسٍ لا يَعلمُ منبعه قرر إعداد المائدة ووضع كل ما لذَّ وطاب عليها، أثناء وضعه للصحون شعر بحركتها الخافتة وهي تُغلق باب الغرفةِ خلفها، ألتفت ليرى وجهه فوجدها بزي صلاةٍ ولم تتخلى عنها نقابها..
اللعنة ألن تكشف عن وجهها أمامه!
شعر بخيبةٍ أملٍ فظيعة فأشاح عنها وهو يهمسُ بعبوسٍ حاول مُداراته: ”تفضلي الطعام جاهز“
جلست وبعد لحظاتٍ وجدها ترفعُ طرف النقاب من الجانب وتُدخِل الملعقةَ برفقٍ لتختبِئ مع وجهها خلف ذاك السواد الحاجز بينهما ثم تخرج المعلقةُ فارِغة ويَطيلُ الوقت قبل أن تأخذ أخرى، دقق النظر لها ولشبكة نقابها التي تجعلُ رؤيةَ عينيها أمرٌ صعبٌ للغاية، زفر بضيقٍ ثم عاد لينظر لطبقه ويُقلبُ فيه بمللٍ مُتأففًا، في الواقع لا يعلمُ سببًا لحنقه الشديدُ هذا ولا حتى مُبررًا لفضوله الأشدُّ بهذه الامرأة التي تزوجها، يُريدُ رؤيتها.. ربما للاطمِئنان أنها بشعةٌ جدًا كما يشعر.
”طفح الكيل“ همس بداخله هو يرفعُ عينيه إليها قائلًا باحتجاجٍ: ”تأكلين بالنقاب!“
توترت وتلعثمت بحرجٍ قائلة وهي تضعُ معلقتها على الطاولةِ أمامها: ”استطيعُ الأكل به لا تقلق“
فوضع هو الآخر معلقته وتابع بنبرةٍ حانقة مُنزعجة وهو يلومها بعينه ولا يعلمُ سببًا للوم بل في الواقع استنكره على نفسه: ”يُمكنُني تناول طعامي في غرفتي إن كان وجودي يُسبِّبُ لكِ الإزعاج!“
نفت برأسها سريعًا وهي تهمُّ بخلع النقاب أمامه بحركاتٍ مُتعثرة قائلة: ”لـ.. لا إزعاج سأخلعه، يُمكِنُكَ البقاء“
طالعها بشوقٍ وفضولٍ فَصُدِم..
قلبه كان يقفزُ فرحًا وأخيرًا سيرى ما كان مُحرمًا عليه من قبل، ويا ليته لم يرى.. بنظرةٍ إليها فُتن بها وتفجرت دقات قلبه فجأة ولبرهةٍ نسى نفسه ونسى المكان ونسى كل شيء..
أكان يجبُ عليه أن يكون غبيًا لهذا الحد ويجعل زواجهما مجرد اتفاقٍ وحبرٍ على ورق!
نعم مدحت أميمة جمالها مرّاتٍ عديدة لكنه لم يُصدِّق أن تكون حقًا بهذا الجمال.. عيونٌ زرقاء قانية كبحرٍ عميق تغرقُ فيه ولا تعود منه أبدًا، شُعيراتُها المُنزلقة حول وجهها تُشيرُ لِلونه الذهبي اللامِع ووجهها مُستديرٌ ومُنمنم، وجنتيها مُكتنزة ومُحمرَّةٌ بشدّة، أهدابها ذهبيةٌ وطويلة تحتضنُ جفنيها بنعومةٍ وسحرٍ لا يُقاوم، حاجبيها كثيفان نوعًا ما ومرسومان بلونٍ امتزج الذهبي والبني الفاتِح في صنعه، شفتان مُمتلئتان ومُحمرة لكنها ترتعشانِ خوفًا وفقدانًا ثقة!
فقدانُ ثقة؟
وكيف تفقدُ ملاكٌ كهذه ثقتها؟ يا إلهي إنها حوريةٌ الفتنة، تصاعدت حرارته فتنحنح وغض الطرف عنها ولوهلةٍ تصاعدت الغيرةُ في صدره ليهتف بنبرةٍ مُتملكة لم يقصدها: ”لا تخلعي نقابكِ أمام أحدٍ أبدًا“
أومأت وهي تُمسِكُ بنقابها تهمُّ بارتدائه وعينيها تلمعُ بالدموعِ المُختنقة، هذا ثاني زوجٍ يسخرُ من هيئتها..
رغم أن الجميع أشادوا بحسنها لكن لِأزواجها دائمًا رأيُّ آخر!
وقبل أن ترتدي النقاب همس وِضاء بحشرجةٍ وهو يُطالِعها بنظراتٍ عميقة لم تفهمها: ”إلّا أنا لأنكِ زوجتي ورؤيةُ جمالكِ حقٌّ لي وحدي“
تبعثرت دقاتُ قلبها والتهبت وجنتيها واتسعت عينيها..
لقد غازلها لتوه؟ أخبرها أنها جميلة! يا إلهي يراها جميلة و.. يغارُ عليها؟!
هذا جنون..
طال الصمتُ بينهما وتبادلا لدقائق طويلة حديث العيون حتى تنحنح وِضاء واستقام قائلًا: ”لقد شعبت سأخلدُ للنوم“
فخفضت رأسها وهي تومِئ بخفوتٍ مُحدثةً نفسها أنه كان يُجامِلها لا أكثر وها هو لم يتحمل رؤيتها ورحل مُخلفةً إياها على المائدةِ وحدها، تنهدت ببؤسٍ فهي لم تتوقع أكثر من هذا، رتبت الطاولة وأعادت ما تبقى من الطعام للثلاجة ثم دلفت لغرفتها وهي تنزعُ عنها زي الصلاةِ لتتناثر شُعيراتُها خلف ظهرها في تمردٍ غجري قبل أن ترمي بجسدها على السرير بإرهاقٍ شديد فاليوم كان طويلًا جدًا ومُنهكًا لقلبها الصغير“
أما عن وِضاء فدلف لغرفته ووضع كفه على قلبه بصدمةٍ هاتفًا: ”لم تكن قبيحة!“
تصاعدت دقات قلبه التي حجمها لفترةٍ طويلة جدًا تحت قناع غربته وسخريته فابتلع ريقه وهو يدلف للحمام ليغتسل بالماء البارد عله يُهدِّئ من الصداع الذي داهمه فجأة مُحدثًا نفسه: ”وضعتَ الوقود جوار النار يا وِضاء فأريني كيف ستنقذُ نفسكَ من الاحتراق الآن!“
ثم لعن بنفاذ صبرٍ وهو يضربُ حائط قائلًا: ”اللعنة إنها ليست أي وقود بل كل الفتةٍ التي وهبها الله لعبادِه في الأرض وتجمعت ليصنعوها مغزولًا من الجمال والرقة“ أغمض عينه وهو يهتفُ بسخطٍ: ”ليتها لم ترفع النقاب“ ثم زفر ببؤسٍ واحباط: ”يا إلهي إنها مُهلِكة“.
❀•❀•❀
في صباح اليوم التالي كانت تحملُ حقيبتها التي وضعت بها مُقتنياتها الأساسية التي ستكفيها هي وأختها ثم سارت نحو المواصلات العامة لتستقل واحدة توصلها منزل السيدة صفاء، منزلٌ واسِع مكون من طابقان وله حديقة واسعة نوعًا ما، أذن لها حارسُ الأمن بالدخول واستقبلتها السيدة بهدوءٍ في بهو المنزل، المكانُ كان راقيًا وحور كانت مُنبهرة بصدق.
أوصلتهما السيدة حتى باب الغرفة التي ستبيتُ بها واخبرتها أن تُبدل ملابسها وتلحق بها لتُخبرها بدقةٍ ما دورها هنا في المنزل، أومأت غالية وأغلقت الباب خلفها فهمست حور بعيونٍ لامعة وحماسٍ شديد: ”سنعيشُ هنا؟“
أومأت غالية بابتسامة رقيقة بعدما رفعت نقابها فقالت حور بانبهار وهي تفردُ زراعيها بأقصى ما تستطيعُ: ”أنه أكبر، أكبر من منزلنا“
قهقهت غالية ثم حملتها ووضعتها فوق السرير الصغير الذي سينامان عليه قائلة: ”لكن يا حور لا يُسمحُ لكِ باللعب أو الركض فب ممرات المنزل، عليكِ أن تكوني مُطيعة وتجلسي هنا في الغرفةِ حتى تذهبين للروضةِ إن شاء الله“
أومأت سائلة خيبةِ أملٍ وبعض الحزن: ”سأبقى في الغرفةِ وحدي؟“
ستلعبين هنا كما تريدين وترسمين، وعندما أنتهي سآتي للجلوس معكِهمست غالية بشيءٍ من الحماس في مُحاولةٍ لأقناعها فقالت حور بتفهم: ”حسنًا سأبقى هنا“
احتضنها غالية بقوة وهي تُتمتمُ بخفوت: ”تحملي قليلًا وسأعوضكِ كثيرًا يا صغيرتي“
وبقت الصغيرة في الغرفة وخرجت غالية بعدما بدلت ملابسها للسيدة صفاء التي بدأت تُعرِّفُها على غرف المنزل والمطبخ وكل شيء، توقفت أمام أخدى الغرف التي كانت في آخر الرواق وهمست مُتنهدة: ”هذه غرفة ابنُ زوجي رحمه الله، هو لا يحبُ العبث بأشيائه أو أن تدخل أي واحِدةٍ غرفته لذلك لن تدخليها أو تنظفيها، أومأت غالية بتفهم فتابعت السيدة سيرها وهي حتى ابتعدت كثيرًا عن تلك الغرفة واقتربت غرفةٍ أخرى جوار الرواق قائلة: ”هذه غرفتي وأنتِ ستبدأين بها اليوم بإذن الله“ أومأت غالية ثم بدأت في تنظيفها بهدوءٍ.
بعد مرور بعض الوقت شعرت حور أنها تريد الدخول للحمام فأخرجت رأسها من الغرفةِ وسارت ببطيءٍ تُنادي: ”لولي؟“
قابلتها السيدة في منتصف البهو لتسألها بخفوتٍ: ”ماذا تفعلين هنا يا صغيرة؟“
تلعثمت حور وقالت بخجلٍ: ”أحتاجُ لولي لحظةً واحدة فقط من فضلك؟“
أومأت السيدة وقالت: ”أصعدي هذه السلالم ستجدينها بالأعلى
شكرتها حور ثم ركضت للأعلى وكان الرواقُ مُظلمًا فلم ترى منه سوى الغرفة التي كانت في آخره، طرقت بابها أولًا ثم دلفت إليها هامسة: ”لولي؟“
الغرفةُ كانت مُعتمة فأضاءت المصباح لتجد شخصًا نائمًا على السرير ومغطى من قمةِ رأسه لأخمص قدميه اقتربت منه تَهُزَّه قائلة: ”لولي لماذا نمتي هنا؟“
لم تسمع ردًا فرفعت الغطاء برفقٍ وقبلتها على قمَّةِ رأسها حيثُ ظهر شعرُ رأسها قائلة بحنانٍ تعلمته من منها ومن والِدتها في ما مضى: ”لولي استيقظي؟“
والذي استيقظ مصدومًا لم يكن لولي بل كان عمٌّ كبير فصرخت بخوفٍ صرخةً واحدة يتيمة لكنها حادة طويلة صاخبة كادت تكسر الزجاج من حولهما، استقام قائلًا بحدّةٍ وغضب: ”ما هذه اللعنة!“
بينما حضرت غالية وصفاء على صوت صراخ حور فقالت غالية بصدمة: ”حور!“
التفتت لها حور عندما اطمأنت بسماع صوت أختها وركضت إليها تُخبِّئُ وجهها في ما تطوله من جسدها وتُعانق خصرها قائلة ببكاءٍ: ”غالية.. لقد اخافني ذاك الشرير“
عقد حاجبيه قائلًا بانفعال: ”أنتِ من اقتحمتِ غرفتي بينما كنتُ أنا نائم يا.. لا تقتربي توقفي مكانكِ
بتر جملته وتابعها بكلماته القاسية المُوجهة لزوجة والِده التي احتقن وجهها احراجًا أمام غالية وأختها فدمعت عينُ غالية وخفضت وجهها بخجلٍ قائلة: ”أعتذرُ منكَ سيدي هذا خطأي، سامحني فضلًا ولن يتكرر هذا أعدك“
وقبل أن يُجيبُها بهدوءٍ لا يخلو من الحزم بعدما شعر ببعض الأسى عليهما في النهاية طفلةٌ صغيرة هي مَن أخطأت دون قصدٍ منها؛ أجابت صفاء بكبرياءٍ جريح: ”أخبرتُكِ أن لا تقتربا من غرفةِ وائل وأنتِ اخلفتِ القاعدة الأولى منذُ يومكِ الأول لذلك اختاري بين العقاب بخصمٍ كبير من مرتبك أو ترك العـ..“
”لن تترك العمل ولن يُخصم منها شيء، كان سوء تفاهم وحُل لذا لا داعي لكل هذا“ عارض وائل حديث صفاء بجملته فجزَّت على أسنانها بغضبٍ ثم همست من بينهما قائلة: ”لا تتدخل وائل فأنا من وظَّفتُها وشرحتُ لها قوانيني
وضع وائل كِلا كفيه داخل جيبا سرواله وتابع ببرودٍ وتحدٍ سافِر: ”وأنا مَن أدفعُ لها لذلك أنا رَبُّ عملها الرسمي وليسَ أنتِ..“
ثم استدار مُتجهًا نحو حمامه الخاص قاطعًا أي اعتراضٍ آخر قد تتفوه صفاء به: ”سآخذ حمامًا سريعًا ثم سأخرُج اليوم مُبكرًا لذلك أُريد افطارًا جاهِزًا خلال عشر دقائق“
وأغلق الباب الخلفة لتستأذن غالية وترحل قائلة بخفوتٍ وأدب: ”سأهتمُ بالأمر لا تقلقي سيدتي“
تصاعد لهيبُ صفاء الغاضِبُة وهي تهمسُ من بين أسنانها: ”نصر الخادِمة عليّ!“
ثم تابعت بكراهةٍ وهي تضرِبُ الحائط بكفِّها قائلًا باستنكارٍ مريض: ”ابنُ الحقيرة الغبية جعل فتاةً سافِةً تسخرُ منِّي وتسهونُ بي!
أنا صفاء هانم ابنةُ الحسب والنسب ستُريك يا وائل وأرني مَن سيُنقذُكَ من بين أنيابي فقد ثقل حسابكَ وانتهى الأمر“.
❀•❀•❀
استيقظت نوعًا ما مُبكرًا كعادتها، أعدَّت فطورًا لذيذًا خفيفًا ثم ترددت كثيرًا في طرق باب وِضاء حتى تفاجأت بخروجِه قائلًا: ”رائحةٌ شهية..“ ابتسمت بخجلٍ ووجنتيها تتوردُ بابتسامةٍ صغيرة قائلة بخفوتٍ وحياء: ”الفطور جاهِز
حسنًا كانت بنفس زي الصلاة لكن دون نقاب، دون عازِلٍ يمنعه من التنعُّم بالنظر إليها..
أومأ بهدوءٍ وهو يهتِفُ بابتسامة: ”سُلمت يداكِ، اتعبتِ نفسكِ
وصلا للطاولةِ فهمست بخفوتٍ: ”لا مُشكلة فأنا أُحبُّ إعداد الطعام، المُهِمُ أن يُعجبك

تناول لُقيمةً بأوداجٍ مُنتفخة ليتأوه مُتلذذًا وهو يهمسُ بابتسامةٍ واسِعة: ”يا الله أنها حقًا لذيذة للغاية أنتِ طبّاخةٌ ماهِرة سُلمت يداكِ
توردت أكثر وابتسمت تتناول طعامها بشهيةٍ قائلة فهذه أولُ مرّةٍ لها تطبخُ فيها لزوجها وحقًا قد تمنت هذا كثيرًا: ”بالهناء إن شاء الله“
اليوم كان شديد الهدوء تبادلا فيه بضع كلماتٍ حتى وصلت العائلة المُهنية وطلبوا من العروسين النزول لاستقبالهما وتلقي التهاني والمُباركات، بالفعل نزلا وكانا مُتناغمين معًا وقد أجادا لعب دور العروسين بتفانٍ شديد يدعواكَ لتكتب عنهما قصائد حبٍ مُتكاملٍ ومُبهر.
انتهى اليوم كاليوم الذي يليه وتتابعت بضع أيامٍ قليلة جدًا حتى جاء المَوعدُ المُنتظر..
عقدُ قران الآنسة الوردية لؤلؤة والأستاذ العانس ياسيف.
❀•❀•❀
حرامٌ عليكَ اتقي الله أنا حامل..“
جذب شعرها بوحشيةٍ ثم همس أمام وجهها بغضب أعمى: ”قسمًا بحياتكِ سأُخرِجُ روحكِ اللعينة هذه بين يدي يا رودين
تابع حديثه يَدُقُّ رأسها في الأرض بغِلٍّ قائلًا: ”أريني يا حقيرة كيف سترين النور مُجددًا، نذرٌ عليّ أن أضعكِ في جحيمي الأسود الذي لن تهربي منه أبدًا“
بعدها جرها من شعرها خلفه خارِجًا من الشقةِ بكل قسوة وفجور، أما رودين فكان تنازع بين يديه وتحاولَ التملُّص منه بكل ما تملك من قوة لكنه بلا فائدة فجبروته تغلب علي ضعفها بسهولة مُطلقة، ظلت تترجاه أن يعفو عنها.. أن يرحمها لكنه لم يعبئ لتوسلها أو يرفأ بها، جرها خلفه بوحشية وصولًا للمصعد الكهربائي الذي ألقاها به لتتكوم على الأرض تحتضنُ بطنها الكبير بألمٍ وارتعاشٍ وصراخٍ مُرتعب، خرج بعضُ الجيران فهددهم حُرّاسة المسلحين بأسلحتهم النارية فصمت الجميع ولم يستطيعوا الدفاع عنها أو انقاذها من بين يديه القذرة، عندما انغلق بابُ المصعد صاح فيها وهو يركلها بعنفٍ في بطنها: ”اصمتي يا ساقطة لقد اثرتي الفضيحة“
بكت كما لم تفعل من قبلُ ألمًا وانهيارًا وفجأة..
دوارٌ فتَّاكٌ غزى رأسها وزادت سخونةُ جسدها لتشعر بسائِلٍ دافِئ يتسربُ من بين قدميها، صمتت رودين تمامًا ثم حركت يدها لتمس ملابسها التي تبللت بالكامل وعندما رفعت يديها أمام وجهها لتُصدم بالنزيف المُتدفق منها.. أصابها الزُعر لتهمسَ بارتجافٍ: ”سـ سر.. راج ابـ ابني، ابني يـ يا ســــــــــــــــــراج“ انهت جملتها بصراخٍ هستيري حتى انقطعت انفاسها وغابت عن الوعي مُختنقة كأنها تُصارِعُ الموت..
سقط سراج أرضًا جوارها يضربُ جانب خدها برفقٍ ثم هتف بحدة وقد بدأ يفقدُ أعصابه: ”رودين.. روديـــن!“
لم تجبه فلاحظ شحوب وجهها ثم الدم المتدفق من بين قدميها والذي لم يلاحظه سابقًا بسبب غضبه الأعمى وضربه المُبرح لها!
حملها برعب ثم هتف بزعرٍ حقيقي نابع من هوسه بها: ”لا يا رودين، لا يا حبيبتي لن يحدث لكِ شيء ستكونين بخير، رودين استيقظي لا أحبُ هذا النوع الثقيل من المُزاح.. أنتِ تنتقمين منِّي يا حبيبتي أليسَ كذلك!“
وأيضًا لا مُجيب فزاد زعره صارخًا وهو يخرجُ من المصعد الكهربائي الذي وصل للطابق الأرضي لتوه: ”حسنًا يا صغيرتي أنا آسف، آسفٌ على كل شيءٍ يا رودين لكن عودي إليَّ أرجوك“
خرج من البناية فوضعها في الكرسي المُجاوِر للسائق وجلس هو خلف المقود وانطلق بها وهو يحتضنُ كفها بيمينه ويُقبلها مُتمتمًا بندمٍ بين قبلةٍ وأخرى بكل الصيغ الموجودة للاعتذار لكن الأوان قد فات والاعتذار لن يفيد الآن بعدما وقع السيفُ في الرأس.
❀•❀•❀
شعرت بانقباضٍ في صدرها لا تعلم مصدره، فجأة أثناء تنقلها بين رفوف البقالة في المتجر ضاق صدرها فأسرعت تُحاسِبُ على مُشترياتها ثم خرجت مُتوجهةً للبناية التي كانت تقطنها في نهاية الشارِع فرأت من على بعدٍ شخصٍ يخرج حاملًا سيدة بين يديه ويبدوا أنها مُصابة..
تهيأت أنه سراج والِدها لكنها نفت ذاك الخاطِرُ مُتسائلة عن ما قد يفعله والِدها هنا خاصةً وهو لا يعلمُ أين هما فالسيدُ أيهم حرص على الابتعاد بهما قدر الامكان وهي كانت حرصة كل الحرص على أن لا يراها والدها ولا يتبعها رِجاله وجواسيسه المنتشرون في كل مكان.
ومع ذلك شعرت بالخوف أن يكون قد اُفتُضِحَ مكانهما فركضت بسرعةٍ نحو البناية وصعدت السُليمات بلهفةٍ فالمصعدُ كان مُنشغلًا، ما إن وصلت لشقتهما حتى وجدت باب الشقةِ مفتوحًا والجيران مُتجمعون قرب الباب يُثرثرون عن شيءٍ ما، اخترقت الباب مندفعةً للداخل وهي تهتفُ بذعرٍ: ”رودين!“
دلفت للمنزل فوجدته فارِغًا والطعامُ مُحترقٌ فوق شُعلة الموقد فأطفأت الغاز ثم توجهت لباب الشقة الذي وجدت على حافته قطراتٌ حمراء مُتناثرة على الأرض خروجًا من المنزل، تبعتها وصولًا للمصعد الذي كان مُلطخًا بالدِماء وفي حالةٍ يُرثى لها: ”حسبنا الله ونعمة الوكيل، كان يجرها من شعرها كالنعجةِ عديم الشرف“
سمعت كلمات الجارة المستضعفة قبل أن يقول رجلٌ بقلةِ حيلة وأسى شديد: ”الحقيرُ هددنا بالسلاح فلم نستطع انقاذها“ والِدها أذى رودين!
شهقت برعبٍ وهى تخرج من المصعد ثم تُطالِعهم بصدمةٍ وعدم تصديقٍ ولم تكد تمرُّ لحظاتٍ حتى انطلقت تهبطُ درجات السُلَّم ركضًا والدموعُ تنهارُ على وجنتيها رودين في خطر سيقتُلها الحقيرُ والدها، صعدت لأول سيارة أجرى قابلتها ثم أمرته فورًا بالتوجه للمستشفى فمهما بلغ ظلمُ سراج سيظلُّ حب رودين راسخًا في صدره كاللعنة، وهلعه بدمائها المُراقة سيجعله يركضُ بها لأقرب مشفى.. لا شكَّ بهذا أبدًا.
❀•❀•❀
حالتُها خطيرة لكننا نبذلُ قصار جهدنا“
”ماذا تعنين يا امرأة بخطيرة!
أقسِمُ إن أصاب زوجتي مكروهٌ لن يكفيني هدم هذه المشفى فوق رؤوسكم جميعًا أتفهمين؟!“
”مِن فضلك يا فندم تحدَّث باحترامٍ كي لا أطلب لكَ الأمن، أرجوكَ لا تقلق فالسيدة رودين أوصى بها المالِكُ من قبل لذلك لا داعي للقلق سنبذلُ معها الأفضل حقًا
تهجمت ملامحُ سراج ثم هتف بشراسة وفحيحٍ وهو يجذب الممرضة بقوة مِن مرفقها: ”مَن هو المالِكُ وماذا يُريدُ من زوجتي انطقي يا امرأة“
تأوهت الفتاة بصرخة وهي تصيحُ بغضبٍ رافضة تلك الهمجية التي تتعرضُ لها: ”كيف لي أن أعلم يا سيد نحنُ نُنفذُ الأوامِر وفقط، يديكَ عني يا غبي آه يا أمن نادوا الأمن..“
وبالفعل لحظاتٍ ولبّى الأمنُ النداء فحضر مُسرعًا.
❀•❀•❀
”ماذا!
متى وكيفَ حدث هذا انطق؟!“ صاح أيهم في الموظف الذي زَفَّ له الخبر ليُجيب الموظف بأدب وهو مخفض الرأس بتوترٍ وخوف: ”والله لا علم لي يا سيد أيهم، لقد جاءني من المشفى التي في شرق المدينة أن السيدة نور وصلت للمشفى محمولةً من قبل شخصٍ يصيحُ في الأطباء أنه زوجها وقد كانت تنزفُ بشدة وجسدها مليءٌ بالكدمات وكأنها قد تم الاعتِداءُ عليها!
أما زوجها فهو يتعاركُ الآن مع الأمن و..“
”لا تجعلوه يدلفُ إليها“ صرخ أيهم وهو يجذب سلسلةَ مفاتيحه مِن إحدى أدراج المكتب بعدها حمل هاتفه قائلًا: ”هذا مُطلقها وهو قد يُؤذيها لذلك مُرهم بأن لا يصل إليها أبدًا“ ثم جزَّ على أسنانه بقوةٍ قائلًا: ”ولا شكَّ أنه المُعتدي فأبلِغ الشرطة“
فأومأ الموظف قائلًا: ”حاضر سيدي“
ليسحب أيهم جاكت بذته ويُهرول خارجًا بغضبٍ أعماه ليقود سيارته بتهورٍ وهو يستغفرُ ربه مُقسمًا أن يُلقي بذاك السافِلُ سراج خلف الشمس إن اصابها مكروه، فارت دماءه الحارة نحو الفتاتين المُستضعفتين اللتين تركهما أخاه أمانةً في عنقه ليهتم بهم حتى عودته!
❀•❀•❀
جاء وقتُ الحساب لينتقم منها ومن جفاءها معه في الأيام السابقة لكن ما يُصبِّره أنها على صواب..
تذمر مُقلدًا إياها أمام المرآة قائلًا: ”ياسيف لا تفعل هذا لا يُمكنُكَ لمسي..
لا تقل هذا!
لا يمكنُك أخذُ رقم هاتفي هاتفني من رقم والِدي أو طِلال إن أرد..
لا يُمكِنُنا الخروج دون محرم لأنك كالأعجمي مُحرَّمٌ علي“
يا إلهي سيتحرَّرُ من هذا الأسر أخيرًا وستُكتبُ على اسمي رسميًا وشرعيًا، ابتسم انفسه بخبثٍ وانتشاء في المِرآة قائلًا: ”سترين يا لؤلؤتي، اليومَ سأُمسِكُ يدكِ وسآخذكِ في عناقٍ طويل أمام الجميع بعدها سأخطفكِ لأهرب بكِ وهناك سأُقبِّلُكِ كما أُريد و..“
كُف عن أفكارك المُنحرِفة ياسيف كُن مُحترمًا ولبقًا أرجوك كي لا تهرب الفتاةُ منك!“ تذمر وِضاء بحنقٍ مُزيف فنفخ ياسيف صدره قائلًا بفخرٍ شديد: ”لا تقلق لن تهرب لأنها.. مُغرمةٌ بي يا صديقي“
همس بجملته الأخيرة ذائبًا مما جعل وضاء يلكزه قائلًا بسخريةٍ مُقهقهًا: ”نعم مُغرمة بدليل أنكَ ترجيتها مراتٍ عديدة لتخرج معكَ وعندما كانت ترفأ بكَ وتُوافِق كانت تجرُّ أخاها المُغرم بكَ في كل موعدٍ لكما معًا“ ثم قال بجديةٍ مُتعجبًا: ”حقًا أتساءلُ ما الذي أعجبها بك؟!“
❀•❀•❀
”ما الذي أعجبكِ به؟“
تساءلت أُميمة بفضولٍ حالِم فتوردت لؤلؤة وهمست ببعض الجرأة التي تتحلى وسط صديقاتها المُقرَّبات جدًا: ”لأنه بريـــــــــء
قهقهت أميمة بصوتٍ عالي فتابعت لؤلؤة بجدية: ”الحقيقة أنني في البداية صليتُ صلاة الاستخارةِ وشعرتُ براحةٍ وقبولٍ مبدأي، بعدها سألته أسئلة دينية مُلتوية لأختبر مدى تعمقه الديني و..“
وقبل أن تُكمل قاطعتها عفراء سائلة: ”ما نوع هذه الأسئلة؟“ ثم توردت وجنتيها مُوضحة: ”يعني تعلمون أنا تجربتي الأُولى كانت فاشلة والثانية أختارها القدرُ لي لذلك أسأل أحدًا من قبل“ أومأت لؤلؤة بتفهمٍ ثم أجابت مُوضحة: ”أنا تعلمتُ هذه الأسئلة من دروسٍ شرعية مُسجلة كحلقاتٍ على منصات التواصل الاجتماعي تحت عنوان ضوابط الخطبة وماهية الأسئلة التي يجب طرحها في الرؤية الشرعية؟
مثلًا أنا سألته عن ماهية صلاة التسابيح التي سمعتُ عنها؟ وسألته عن عدد ركعات قيام الليل لأني نسيتُها وجعلته يُصلي بنا العشاءُ مرّةً لأسمع صوته في تلاوةِ القرآن وأرى إن كانت تلاوته صحيحة مُجودة أم أنه يجهلُ القرآن حتى بات يقرأه بتأتأةٍ كأنه جُورنالٌ يقرأه على عجلةٍ من أمره، كما أنه صلى بنا مرّةً أحدى الصلوات الوسطى السرِّية لأرى إن كان يُدركُ هذا ويُصلي في المسجد أم لا، لاحقتُ تلك الأسئلة بأخرى فقهية واجتماعية واستفسرتُ بطريقةٍ غير مُباشرة عن دوره في المنزل وفي تربيةِ الأولاد وعن مُستقبله وطموحاته، أسيستقرُّ في الوطن أم سيظلُّ في الخارج لما تبقى من عمره!“
أومأت عفراء باستدراكٍ فهي لم تفكر من قبل في البحث عن هذه الأسئلة.. لم يكن هناك أحدٌ من مُحيطها يسألُ عن هذا وهي كانت مُنشغلة بدراستها فلم تُلقي بالًا للبحث ومُناقشته أبدًا ولم تعتقد أن هذا الحديث ذا أهميةٍ قصوى، هتفت أُميمة بعشقٍ وهُيام وحنينٍ للماضي: ”أذكرُ عندما تقدم لي زوجي وكنتُ حينها خجلة لا أرفعُ عيني عن الأرض فهمس بحنوه المُعتاد عندما خرج الجميعُ وتركونا وحدنا: "سلامٌ مِن الله عليكِ، كيف حالُكِ أُميمة؟"
لم أُجِبه فتابع هو بنبرةٍ مرحةً بعض الشيء: "ألن تسأليني؟ لقد جهزتُ إجاباتٍ مُقنعة وراجعتُ المنهج جيدًا وكل ما حفظته قبل مجيئي يا آنستي، يُمكِنُكِ اختباري وسترين أنِّي طالِبٌ مُتفوق عازِمٌ على النجاح في التودد لكِ والفوز بقلبكِ يا سيدةَ القلبِ ومأواه"“ ثم قهقهت عاليًا وتابعت بتذمرٌ: ”وبالفعل فاز المُختالُ بنفسه بقلبي، كان يُجيد التلاعب بالكلمات والتثبيت بعينيه الجميلتين الناعستين فانزلقتُ في حبه ووافقتُ دون أن أسأله سؤالًا واحد“ قهقهت كلتاهما بقوةٍ فقالت لؤلؤة بحماسٍ: ”أما أنا فاعتصرته بالأسئلةِ جيدًا لكنه لم يلحظ أني استجوبه لأنه مهووسٌ بالإجابةِ على كل سؤالٍ يُطرحُ أمامه“ قهقهت أميمة مُجددًا وهي تقول بتأكيد: ”أتفقُ معكِ في هذا، ياسيف كان نابغةَ الفصل عندما كنَّا صِغارًا ونال بجدارةٍ كل المراكِز الأولى طوال سنواته التعليمية حتى انتهى من رسالاته بأكملها وما زال يبحثُ عن المزيد“
”ولهذا وافقتُ عليه لأنه لن يكون لديه المزيد من الوقت بعدي وبعد جامعته“ قالتها وهي ترقصُ بحماسٍ ثم تنهدت بقوةٍ وهمست بسعادةٍ وثِقة: ”إن شاء الله لن أخشى خيانته أو حتى اهتمامه بغيري لأن والِداه متوفيان وليس له أخوه، الخلاصة سيكون لي وحدي وهذا ما اُريد“ قالت لؤلؤة بهُيامٍ وقد تناثرت القلوب من عينيها فاحتضنتها أُميمة قائلة: ”أحسنتِ الاختيار يا صغيرة“
أما عفراء فضحكت برقةٍ قائلة: ”يا عروس تبقى فقط ساعة واحدة على وصول العريس وأنتِ..“
”يا إلهي لقد ألهانا الحديث وسرقنا الوقت، هيا يا لؤلؤة أرتدي فُستانك وسأضبطُ أنا الحجاب لكِ“
أومأت لؤلؤة بابتسامةٍ عريضة واستقامت تفعل ما أمرتها أُميمة به وهي تُدندن بعض أناشيد الأفراح المُقربة لقلبها بشدة.
❀•❀•❀
وصلت تاج للمشفى فرأت والدها يتعارك من الآمن ويحاول تخطيهما والدلوف للداخل، تذكرت حينها ملابس الشخص الذي كان يحمل المُصابةَ ويخرج من بنايتهم فتأكدت أنه كان الفاعِلُ، تصاعد لهيبُ الحقد في عينيها وهجمت عليه تدفعه بشراسةٍ قائلة: ”ما الذي فعلته بها؟ مَن سمح لكَ بالاقتراب منها!
أقسِمُ باللهِ يا أبي سأنتقمُ منكَ انتقامًا شديدًا لو أذيتها أو أصابها مكروه“ ثم طالعته بكراهيةٍ شديدة واقتربت منه تهمسُ بغلٍّ: ”معي مُستنداتٌ قادرة علة الإلقاء بكَ خلف قضبان الحديد للأبد وقد ينتهي بكَ الأمرُ مُرتديًا البذَّةَ الحمراء أيضًا!“
دفعها والِدها بغضبٍ شديد لتجرُؤها عليه وتهديدها له ثم صفع وجنتيها بكل ما أوتى من قوة لتترنح تاج أرضًا مصدومةً وقد اختنقت بالدموع وكفها الشاحبُ يحتضنُ جانب وجهها الذي ضُرِبَ للمرةِ الأولى بزُلِّ انتهك كرامتها وأزلها..
ستُعاقبين يا تاج، أقسم ستندمين على وقوفكِ الحقير في وجهي دائمًا، حساباتُكِ جميعها أُقفلت وسلبتُ منكِ إدارةَ النادي والعقابُ التالي سأتلذذُ كثيرًا به وسترين“ انخفض ليجذبها من حجابها وهي ما زالت تحت تأثير الصدمةِ تُطالِعه بنظراتٍ ميتة وكأنه قتل آخر ذرة من مشاعرٍ قد تحملها نحوه..
وقبل أن يلمسها كان حائطًا بشريًا طويلًا يقفُ كحائِلٍ بينهما يُطالِعُ سراج بنظراتٍ حارِقه وقد  احمرت أُذناه وفارت دِماءه قائلًا: ”أيُّ خِدمة؟“
”مَن أنتَ لتتدخل بيني وبين ابنتي؟“
هتف بغضبٍ شديد فسدد أيهم له لَكمة قوية مُوجعة في منتصف أنفه وقبل أن يردها سراج كان الأمنُ يَحول بينهما ليفك هذا العِراك الدامي قبل أن يتحول لمجزرةٍ بشرية، اخرجوا سراج من المشفى بينما ألتفت أيهم حيثُ ما زالت تاج على الأرض جالسه بوجهٍ جامد شاحِب يُحاكِ الموت.
نظر لعلامات كف سراج على وجهها وهمس بحنان أبوي: ”آنسة تاج هل أنتِ بخير؟“
رفعت تاج عينيها إليه فاستدركت نفسها وانتفضت واقفة وهي تقول بقوةٍ مُصطنعة وعيونٌ مُشتعلة ولهجةٍ قاسية زادت الثقبَ الأسود داخل صدرها: ”عليَّ الاطمِئنانُ على رودين
ورغمًا عنها تعثرت في مشيتها المُرتجفة باحثةً عن الغرفة التي قد تتواجدُ بها رودين.
❀•❀•❀
”أخيرًا أجبت“ قالها وِضاء وهو يزفرُ براحةٍ ثم تابع بجدية: ”أين أنتَ يا أيهم ستبدَأُ مراسم عقد القرآن؟“
صمت أيهم قليلًا ثم قال بنبرةٍ مُتأثرة: ”لن استطيع الحضور يا وِضاء، أعتذر لياسيف أرجوك وأنا سأُعوِّضه
”ماذا حدث هل أنتَ بخير؟ صوتُكَ غريب!“
تنهد أيهم بخفوتٍ حزين ثم همس: ”أنا في المشفى، صديقٌ لي مَريض وعليَّ الاهتمام به“
”هل آتي إليك؟ أتحتاجُ مُساعدة؟“ سأل وِضاء وهو يأخذُ مفاتِحه من فوق الطاولة ويهمُّ بالخروج لكن أيهم أعترض قائلًا: ”لا أبقى قرب ياسيف فهو يحتاجُكَ أكثر منِّي، تعلم أنه لا يملِكُ أحدًا غيرنا“
أومأ وِضاء مُصدقًا على حديثه فأنهى أيهم المُكالمةَ وهو يتجه بحسمٍ نحو تاج المُكومة على الأرض في ركنٍ نائي تحتضنُ نفسها بشحوبٍ ولا تتوقفُ عن البكاء.
❀•❀•❀
بعد بضعةِ ساعات في ركن منفى بعيدًا عن الأعيُنِ المُتطفلة جلست كالقرفصاء تضُم ركبتيها لصدرها وأظافرها تنهش جلدها بارتعاشٍ من فوق فستانها الرقيق بينما صدى جملة الطبيب لا تفارق أُذنها أبدًا: ”البقاء والدوام لله وحدة، للأسف لم نستطع انقاذ الطفل“
أغمضت عيناها مُتألمة بينما سافر ذهنها لذاك اليوم الذي علمت فيه رودين بخبر حملها، تذكرُ يومها صيحاتها الفرِحة السعيدة وهي تقفزُ قائلة بصخب: ”أنا حامل يا تيتو حامل، يا إلهي سيكون لي طفلةً جميلة تُشبِهُكِ بعد تسعةِ أشهر فقط“
فرحت تاج لفرحتها الواضِحة بينما عانقتها رودين بقوةٍ وعيناها تدمعُ بسعادةٍ: ”سيرزقنا الله بطفلٍ أو طفلةٍ جميلة لنُربيها معًا ونُدللها كيفما نشاء“ ثم ابتعدت عنها تقول دامعة: ”سأحمله في رحمي تسعةَ أشهر أُسقيه من روحي واحتضنه بقلبي، سأكون شاهدةً على أول كلمة وضحكة وخطوة، يا الله لقد حلمتُ كثيرًا بهذا اليوم لا أصدق أنه سيكون حقيقةً أخيرًا“
شاركتها الفرحةَ والتخطيط بسعادةٍ جمة انتقلت إليها فهي تعلمُ مقدار عشق رودين للأطفال، لقد أحبتها ودللتها ومنحتها حنانًا واهتمامًا لم تتذوق مثله أبدًا سوى بين يديها، يومها شاكستها قائلةً بعبوسٍ وتزمرٍ مُصطنعين: ”أنا أُريده صبيٌ قوي لا أحبُّ فتيات المائعات
قهقهة رودين وهي تُعاوِد مُعانقتها قائلة: ”إن أحضرنا صبيًا بجمالِك لن نسلم من الفتيات المائعات المُلتفات حوله والمعجبات به“
ضحكت تاج بقوةٍ وتابعت مُشاكسة رودين ومُمازحتها حتى هتفت رودين فجأة: ”تيتو كيف تتوحم الحامل؟“
فتساءل تاج باستنكار: ”توحُّم؟“
فأومأت رودين وهي تهمسُ بتلقائية وبراءة: ”أقصدُ أنني دائمًا جائعة فكيف أُفرق بين الجوع الطبيعي والجوع النابع من الوحم حتى لا يُصاب طفلي بكُمثرى تُشوِّه وجهه؟“
عادت تاج من ذكراها وشبح ابتسامة مُرة مريرة تُلون وجهها، مسحت دموعها بظهر يدها وتصلب وجهها بألم لقد كُسرت روح رودين وانطفأت فرحتها، قُتِلَ ما كانت تعيشُ لأجله!
تحققت رغبة سراج أخيرًا ومات ولده..
لا أحد يعلمُ أنها رأت كل شيء، في نفس اليوم الذي علمت رودين فيه بخبر حملها زينوا المنزل بالبالونات والورود والشموع وجهزا أصنافًا لذيذة من عشاءٍ فاخِر صُنع بكل سعادةٍ وحب، قررت تاج جعله عشاءً رومانسيًا لسراج ورودين وحدهما فتخلفت عن العشاء بينما أغلق رودين الإضاءة وانتظرت سراج بعد عودته من العمل لتُفاجِئه بذاك الخبر السعيد، كان سراج سعيدًا بالمُفاجأةِ الرومانسية حتى هتفت رودين بعيونٍ لامعة ودامعة من شدَّةِ الفرح وهي تجذبُ كف سراج وتضعها فوق بطنها: ”مُباركٌ لنا يا حبيبي سنُرزقُ أخيرًا بطفل“ ثم تابعت بخجلٍ وعشق: ”ستكون أبًا من جديد سراج“
شحب وجه سراج وسحب يده مُنزعجًا، رمقها بنظراتٍ كارِهة نارية فمُفاجئتها كانت كالقنبلةِ التي انفجرت في وجهه وأفسدت يومه..
”كيف حدث هذا!“ همس بعصبيةٍ وضيقٍ مُتضايقًا فكسى الذهول ملامح رودين وهي تهتف بصدمةٍ وابتسامةٍ متوترة: ”ما الذي يمنع يا سراج؟
أنا حامِل أخيرًا بطفلك..“
”لا أُريدُ أطفال!“ صرخ بحنقٍ وغضبٍ أعمى وهو يضربُ الكرسي بيده ليسقط أرضًا: ”لماذا أنتِ حامل لماذا!
ما الذي كان ينقصك أخبريني؟ ما نحن لدينا أبنة تكفينا لماذا تُكررين خطأ دعاء لماذا!“
هزت رودين رأسها باستنكارٍ وهي تهمسُ بدون فهم: ”ما الذي أخطأت به دعاء؟
أيُّ خطأٍ ارتكبته أنا لا أفهم؟!“
ورده كان قاتلًا لكلاهما، فبداخل كل واحدةٍ منهما قتل الكثير والكثير: ”لماذا تُكررين خطأ دعاء وتحملين!“
فغرت رودين ثغرها وهي تهمسُ بصدمةٍ وشحوب: ”أيُّ خطَأٍ هذا؟ إنهم أطفالك و..“
فقاطعها بنبرته الغليظة الحالكة: ”كم مرّة عليَّ أن أقولها لكم لتفهموها..
أنا لا أُريدُ أطفال، لم أُرد من قبلُ تاج والآن أنا لا أُريدُ هذا الطفل ألا تفهمين، لماذا تُصرُّون على معصيتي يا أغبياء لـ..“ وبِقَطعِه لكلماتِه كان قد قطع الرابط الذي جمعه بابنته للأبد.. ابنته التي وجدها فجأة أمامه ترمقه بنظراتٍ ميتة وقالِبُ الحلوى قد سقط منها أرضًا!
عادت تاج من ذكراها تبتلع غصتها الخانقة، ارجعت رأسها للخلف بإنهاكٍ قد بلغ منها مبلغه، في ذاك اليوم كانت قد نست قالب الحلوى في الثلاجة فذهبت لتحضره من الثلاجة وتذهبُ به لهم لتكتمل مفاجأتهم لوالدها لكنه هو مَن فاجأهما كما لم يتوقعا في أسوأ كوابيسهما مُطلقًا..
لم يعلم أحد بأنها شهدت كل الكلام لأنها ادعت العكس وبررت سقوط قالب الحلوى بانزلاقه من بين يديها ثم ركضت للداخل مُدعية أنها ستذهبُ لتُحضر شيئًا لتُنظف به الأرضية، أما رودين فأخبرتها كاذبة أنه رفض المولد لأنه يكفي بها ابنة ويخاف أن تتغير رودين لها بعد انجابها لطفلها، لكن هيهات لقد شهدت على كل شيء، ما زالت تتذكر عندما صاح فيها بفحيحٍ وهو يجذب شعر رودين بعنفٍ قائلًا: ”أخبريني كيف ومتى تخليتي عن أقراص منع الحمل من خلف ظهري يا حقيرة!
ألم أخبركِ من قبل أني لا أريدُ أطفالًا الآن؟
لماذا عصيتي أوامري..“
فهتفت رودين مُتألمة وهي تشهق باكية: ”لم أتخلى عنها أقسم، واللهِ لا أعرفُ كيف حملتُ وأنا مُواظبةٌ عليها كما أمرت سراج!“
يعلم أنها لا تكذب لذلك هي صادِقة لكن هذا لم يشفع لها عنده مما جعله يدفع الطاولةَ بعيدًا بقدمه ليتناثر كلُّ ما عليها أرضًا وهو يصرخُ بحنقٍ ثم غادر قائلًا بعصبيةٍ آمرًا: ”هذا الطفلُ سيتمُّ إجهاضه يا رودين أتسمعين؟
أو أنني لن أعترف به بتاتًا لذا جدي له والِدًا آخر فأنا لا ينقصني مسؤولية وهمُّ إضافي، يكفيني كل القرف الذي لدي يا امرأة، على الأقل عندما تموتين وأخلص منكِ لا تبقي بعدكِ مُخلفاتٍ أضطر أن أتزوج أخرى غبية سخيفة لترعى وتهتم بما خلفتي“ ثم تابع بتهكم: ”تريدُ إنجاب المزيد من العلقم لتُقيدني به ويقف لي في مبلع اللُقمة كما فعلت دعاء“
مسحت تاج دموعها المُلتهبة والمُتناثرة على وجنتيها بمرارةٍ تخنقها، لو كان والدها فقيرًا أو غير مقتدرٍ على الإنفاق عليهم جميعًا لالتمست له ألف عذرٍ وسامحته لكنه ومع كل ثراءه لم يُردهم أو يرغب في انجابهم..
زاد كرهها له في تلك الأيام أضعافًا على الرغم من أنها كانت تكره تصرفاته وأفعاله من قبل فوقفت له بالمرصاد دائمًا كلما حاول إزعاج رودين أو إيذاءها كعادته في السنوات الأخيرة، رغم كل هذا إلّا أنها حافظت على بصيصٍ شاحب من الأمل الذي خاب وتحطم في ذاك اليوم مُحطمًا قلبها معه للأبد.
❀•❀•❀
بدون تفكير توجه أيهم نحوها بتمهل وعندما وقف أمامها انخفض إليها قائلة بنبرةٍ أبوية لطيفة: ”يا ابنتي هذا قضاءُ اللهِ وقدره ونحنُ عليا الرضا ليُرضينا الله“
انتفضت تاج على صوته ثم استقامت واقفة وهى تمسح وجنتيها وتحاول رسم ابتسامة كاذبة فوق وجهها ثم بصعوبة استطاعت الهمس بحشرجة قائلة: ”ونعم بالله“
فهم أيهم أنها تُفضِّلُ العُزلة ولا تُريدُ إظهار ضعفها أمامه فاستقام هو الآخر واقفًا وقد احترم موقفها هامسًا بقوَّةٍ وحزم: ”الآن أُريدُكِ قوية لأجل السيدة رودين، اخبرني الطبيبُ أنها قد تنهارُ عندما تستيقظ وستكون في موقفٍ صعب نفسيًا لذلك أُريدُكِ أن تُحكمي عقلكِ لا عاطفتكِ وتُساندِيها وتحتوي ضعفها حتى تمرَّ تلك المرحلة على خيرٍ إن شاء الله“
أومأت تاج مُوافقة فابتسم قائلًا بفخر: ”هذا ما أتوقعه منكِ، هيا استقيمي وامسحي عنكِ هذا الألم المُرتسم على وجهكِ استعدادًا لمُقابلةِ رودين
ابتسمت بشجن لذاك الرجلُ العطوف الذي وضعه الله في طريقها هو وأخوه القبطان المجنون.. وبذكر أدهم وجب التنويه أنه كان يُراسِلها يوميًا حتى باتت قراءتها لرسائله جزءٌ لا يتجزأ من يومها، على الرغم من أنها حظرته عدّة مواقع مختلفة من ومواقع التواصل الاجتماعي إلا أنه ظل يُلاحِقُها من حساباتٍ مُختلفة حتى قررت تجاهله ومُتابعة رسائله في صمتٍ لتُحاسبه عليها ما إن تلقاه بعد عودته مِن سفره، كل مُحاولاته تلك أشعرتها بالاهتمام وأنها مَرغوبةٌ وجميلة وهناك من يسعى لطلب ودَّها، كم خجلت وتوترت من أبسط رسالاته والتي كانت إحداهما: ”صباحُ الورد“ فأجابت عليه بالحظر..
عادت من تلك الذكريات الوردية التي تُراودها لأول مرّة على حقيقة أخرى نحرتها..
ألا وهي زواجها من خيّال!
عند تلك النقطة استعادت صلابتها قائلة بوجه عاد إليه البرود والجمود من جديد: ”لا تقلق على رودين يا أستاذ أيهم فرودين في مقام أمي وستظلُّ مسؤولةً منِّي وحمايتها واجبي حتى آخر قطرةٍ في دمي“
ثم استأذنته وذهبت لغرفة رودين وقبل أن تدلف داخلها التفتت له تشكره بابتسامةٍ مُمتنة: ”أشكُركَ يا سيد أيهم على كل ما فعلته معنا“
ودلفت للغرفةِ بخفوتٍ ليوقفها هو قائلًا بحسم: ”تــاج
التفتت له هامسةً: ”جهزا مُقتنياتكما ستأتيان معي لقصري
”ماذا؟“ هتفت تاج باستنكارٍ فقال أيهم بنبرةٍ صارِمة: ”سأُنهي أوراق المشفى، لن تعودا لتلك الشقةِ مُجددًا فهي غيرُ آمنة، قصري أأمنُ لكما ولا تقلقا ففي القصر أمي وريتاج والكثيرُ من الخدم وأرجوكِ لا ترفضي أستسعدين برؤيةِ السيدة رودين تُؤذى بهذا الشكل الشنيع مُجددًا؟“
”لكن..“
”ثقي بي يا آنسة تاج فضلًا“ ثم ذهب تاركًا إياها خلفه تطالعه بصدمةٍ مُتسعة الثغر بينما هو يُفكرُ بشيءٍ من القلق كيف سيكون ردُّ فعل ريتاج وما الذي سيُخبرها به!
❀•❀•❀

الفصل خفيف لطيف أهو 😂💛💛
فصلين في نفس اليوم مُفاجأة مش كدا 🤭💥
علشان كلماتكم الجميلة إلي فرحتني جدًا 🥺❤❤❤❤
وصلوا الفصل لـ 10 تعليقات كمان وأنزلكم بالثالث 😎🔥
التصويت 👀💛

منى علاء شاهين
الجيش الأزرق Blue army 🌍💙

استوصوا بالحبيب غزلًا "للكاتبة منى علاء شاهين"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن