10- لن يُكوي غيركَ اليوم

549 31 84
                                    

الفصل العاشر
”لن يُكوي غيركَ اليوم“

”بصراحةٍ أنا لديَّ بعضُ الأشياء التي أُحبُّ أن أراها بكِ، أشياءٌ شخصية تفهمينني؟“
همس بارتباكٍ فاحمرت وجنتيها وغضبت بشدَّةٍ لتقول بعصبيةٍ وهي تهمُّ بالذهاب: ”أنت وقح وقليلُ الأدب، جِئت بي إلى هنا وحجزت المقهى كاملًا تخبرُني أن الأمر يخصُّك ومُهمٌّ بالنسبةِ لك وانتَ ما فعلتَ هذا إلّا ليخلو المكان لكَ وتُحدِّثني عن قِلة الأدب يا ياسيف؟
طلِّقني إذًا فأنا لا يُشرفُني الزواج بشخصٍ مثلكَ لا يُفكِّرُ سوى في شهواته و..“
”اصمتي!“ اسكتها مصدومًا بكلماتها وقبل أن تَعترض قال باستنكارٍ: ”قِلَّةُ أدب!“ ليُتابِع مُوبخًا إيّاها: ”أنتِ هي قليلةُ الأدب وذات عقلٍ وقح يا لؤلؤة لا يُفكِر سوى في هذه الجهة، لقد كنتُ سأتحدثُ عن المنزل وترتيباته لكنكِ انحرفتِ بتفكيرك لما يبدوا أنه يشغلُ بالكِ كثيرًا“
اتسعت عيناها وقالت بخجلٍ شديد وخفوتٍ وهي تبتلع ريقها بحذر: ”ألم تكن تقصدُ هذا؟!“
نفى بانزعاجٍ هاتفًا بسخط: ”لا يا ذات الأفكار المُلوثة التي تحتاجُ لإعادةِ ضبط مصنع بعد كل ما قرأته من رواياتٍ سخيفة رومانسية“
تمنت لو تنشقُّ الأرض وتبتلعها فخبَأت وجهها خلف كفها قائلة بحرجٍ شديد: ”فهمتُ الآمر بشكلٍ خاطِئ أنا آسفة“
اعجبه احراجها فقال بمكرٍ: ”وأنا راق لي فهمكِ أكثر دعينا نُبدل سير الحديث إذًا..“
رفعت رأسها بصدمةٍ واحمرارٍ شديد قائلة بارتباكٍ وهي تبتلعُ ريقها: ”لا أرجوك أعتذر“
لم يُرد ازادةِ احراجها فأخذ نفسًا عميقًا ثم قال بهدوء: ”إذًا لا تُقاطِعيني أبدًا“
أومأت بلهفةٍ موافقة فعادت لعينيه الجديّةِ وهو يُمسِكُ بقنينة المياه ويفتحُها ثم يَسكبُ منها القليل في كوبه ويشربه برفقٍ بعدما انهاه وضعه بخفوتٍ على الطاولة ليتنحنح قائلًا: ”أنا أحبُّ النظام قليلًا..“ ثم صمت قليلًا وبعدها ارجع نظارته للخلف بسبابته مُتابعًا: ”بل في الواقع كثيرًا جدًا واكره بعثرةَ الملابس في كل مكان والروائح الكريهة التي تصدُر عن الجوارب المُتسخة المُحشورةٌ في كل شيء؛ فهل يُمكِنُكِ ابقاءه نظيفًا من فضل؟
أنا سأُساعِدُكِ في كل ما تُريدين لكن لا..“ وقبل أن يُكمل كانت تهمسُ بفرحةٍ مُتفقةً معه: ”بصراحة رغم أني لا أحبُّ التنظيف كثيرًا لكني أكره رؤيةَ المنازل القذرة واقرف منها لذلك أتفهمُكَ جيدًا ولا مانع لدي أبدًا بل أؤيدُكَ وبشدة“ ابتسم وهو يزفرُ براحةٍ حامدًا الله ثم تابع يُناقشها في القليل من الأشياء التي لا يتصور حياته دونها وهي كذلك باتت تخبره بما تريده وما يُزعجها وما لا ترغب بحدوثه بعد الزواج حتى اتفقا على كل شيءٍ تقريبًا فقال ياسيف بخبثٍ بعدما كادا يُنهيان حديثهما: ”والآن بما أنكِ قاطعتني سنعود لمُناقشةِ أفكارك الرائعة التي لا غنى عنها حبيبتي..“
“ياسيف“ نهرته بانزعاجٍ واحراجٍ فقهقه ياسيف عاليًا وهو يهتف ببؤسٍ وتذمر: ”كلي يا لؤلؤتي، كلي سامحكِ الله“.
❀•❀•❀
عندما هرولت تاج للغرفةِ ذهبت لأقصى ركنٍ فيها وجلست ترتَعشُ في زاوية ضيقة نسبيًا اتسعت بصعوبةٍ لجسدها النحيلُ رغم قوّته وصلابته، ضمَّت بقوَّةٍ رُكبتيها لصدرها ثم خفضت وجهها وبدأت في البُكاء مِن كل ما هي فيه، تبكي كما لم تفعل من قبل..
وصلت رودين إليها فوجدتها على تلك الحالةِ التي لا تصلُ إليها بسهولةٍ أبدًا، تأوه لحالتها وركض نحوها ثم تجلس كالقرفصاء أمامها تهمسُ بحشرجة: ”تاج..“
وتاج كانت في ملكوتٍ آخر تهذي بكلماتٍ مُبعثرة غير مفهومة، دنت رودين منها علها تفهم ما تهذي به لكنها لم تستطع فاختنقت بمرارةٍ وفرَّت الدموع منها لتجذب تاج بحنانٍ لصدرها وهي تُشاركها البُكاء، انتفضت تاج انتفاضاتٍ بسيطة بين زراعي رودين فتُشدد الاخيرة من عناقها وهي تهمسُ بألمٍ لحالها: ”أهدأي تاج.. بالله عليكِ أهدأي سيكون كل شيءٍ بخير“
غمغمت تاج ببعض الكلمات فرفعت رودين رأسها قليلًا لتسمعها تقول من بين شهقاتها: ”لا أُريد خيّال، لا أُريدُ نسخةً أُخرى منه لا.. لا أطيق رؤيته لا تتركيني له لا.. لا تدعي أبي يفعل هذا..“
تأوهت رودين للمرةٍ الثانية ثم جذبتها لحضنها بقوةٍ أكبر وهي تهمس بنبرةٍ مُختنقة: ”لن أترككِ له أبدًا لا تقلقي، الأستاذُ أيهم وأدهم سيجدان حلًّا إن شاء الله لا تقلقي“
بدأ جسدُ تاج يُوهن وهي تمتم بحروفٍ مُتلعثمة خجلة وصوتٍ ضئيل يخرجُ بصعوبةٍ شديدة منها: ”أنا مُعجبةٌ به، هو مُختلفٌ عنهم.. إنه يُحبُّني، أوَّلُ شخصٍ يُحبُّني ويُريدُني، اشعرني أنني مَرغوبة.. أنا..“
بترت حديثها تبكي بأنينٍ مُوجع بينما صُدمت رودين وفقدت القدرة على الكلام، تاج أحبَّت! مَن الذي أحبته؟
بالتأكيد أدهم ومَن غيره.. السؤال لم يظلَّ طي الكتمان بل تلفظت رودين به قائلة: ”مَن يا تيتو؟“
فأجابت تاج بنبرةٍ واهِنة ضعيفة وهي تُقاوِمُ الاستسلام للدوار الذي داهمها فجأة: ”أد.. أدهم“ وباعترافها بدأت لعنةُ الحب.
❀•❀•❀
كانت ما تزال تُناظِره بتحدٍّ وكُره حتى جذبها سند للداخِل برفقٍ قائلًا: ”ما بكِ عِطر هل أنتِ بخير؟“ خفضت عطر عيناها لثواني ثم رفعت عيناها بجمودٍ لذاك الذي اصفَرَّ وجهه بشحوبٍ يُحاكِ الأموات لتقول بعدها بخفوتٍ جامد: ”سأُعِدُّ الغداء“
”أخي..“ تهادي لأُذنه نداء أختيه الصغيرتين بخوفٍ وعينان دامعتان.. من بعدهما همستُها المُرتعبة أثناء تحرُّشه بها فانتفض بدنه واقشعرَّ جسده وهو يتصببُ عرقًا ويشعرُ بالبرد ينخر عظامه..
”أستاذ خيّال هل أنتَ بخير؟“ همس سند بترددٍ وهو يرى حالةَ ابن عمته التي لا تسر أبدًا.. فاق خيّال من شرودِه وابتلع ريقه بتوترٍ قائلًا: ”عليَّ الذهاب“ أراد الصراخ بـ ”أنا أختنق“ لكنه لم يمتلك الجرأةَ بعد ما فعل أبدًا، هو أسودٌ من الداخل بل شديد السواد في الواقع لذلك لا يستطيع المكوث هنا أكثر، كفا تلويثًا لهذا المنزل.. مهما بلغت دناءته لن يستطيع تدنيس أبناء مَن كانت له أمًا بعد وفاة أمه، مَن جادت عليه بخيرها دائمًا، لن يستطيع تلويثه بقذارته مُطلقًا!
عليه الرحيل والابتعادُ عنهم للأبد، خرج خيّال من المنزل لا يسمع ولا يشعرُ بما حوله..
عبر الطريق ثم رفع هاتفه لأذنه واتصل بأحدهم قائلًا بجمودٍ أسود: ”عليَّ السفرُ خارجًا لبعض الوقت“
صمت قليلًا ثم قال بنبرةٍ ميتة: ”لا مشكلة..“
أغلق الخط ثم أوقف أول سيارةِ أجرى مرَّت أمامه ليعود بها للمطار مُجددًا.
❀•❀•❀
في المطبخ كانت عِطر تبكي أرضًا وهي تحتضنُ نفسها بخوفٍ واستنكار، كيف يكون هذا المُتحرش هو نفسه الذي أوصتها به والِدتها..
كيف يكون المُنتهِك الحقيرُ هو ابنُ خالِها الضالُ الذي أمرتها والِدتها أن لا تردُّه خائبًا بل توجِّه!
دلف إليها سند ليراها أرضًا فانخفض نحوها بقلقٍ قائلًا: ”ما بكِ عطر هل أنتِ بخير؟“
رفعت عيناها إليه وأومأت، ماذا تقول له؟
أتخبره الحقيقة أم تُحافِظ على ما تبقى لأهل والدتها داخل قلب سند!
نشَّفت دموعها وقالت بتألُّمٍ: ”أحرقتُ أصبعي..“ امسك سند أصبعها بحنانٍ ونفخ فيه قائلًا: ”لا تقلقي سأهتمُّ به“ ساندها لتستقيم فاستقامت ليبتسم قائلًا وهو يلتفتُ ليُحضر مرهمًا مُرطبًا من الثلاجةِ: ”لا داعي لتكملةِ الطعام فخيّال رحل، سأُعِدُّ أنا لكِ المعكرونة بكرات اللحم التي تُحبِّينها حالما تُبدلي ملابسك“
أومأت مُبتسمة فوضع المرهم على إصبعها لتهمس برقَّةٍ وامتنان: ”سأدخل لأُبدِّل ملابسي“
أغلقت باب غرفتها خلفها ثم أخرجت ألبوم صورٍ كبير وغرقت بعدها في ذكرياتها القديمة التي أمست أليمة مع والِدتها الحبيبة..
كانتا في المطبخ زات يومٍ عندما حكت لها عن سيدةٍ جميلة كانت تأتي لزيارها دومًا، لاحقت كلماتها بإخراج بعض الصور لهما معًا، الصورةُ الأولى كانا يتحدثان فيها معًا ويبدوان مُقربتان للغاية، ثم صورة أخرى لتلك السيدة تبكي مُنهارة.. يليها أخرى تبعدُ عنها سنواتٍ قليلة وهي في زفافٍ لطيف ترتدي فستانًا أنيقًا وبعده صورة لها وبطنُها مُنتفخ ثم صورةٌ خامسة وهي تجرُّ طفلها خلفها ذو العامان خلفها وآخر صورة لها وهي تحملُ بين يديها طفلتان إحداهما كانت ابنتها والأخرى ابنةُ أختها التي لطالما كانت خلف الكاميرا القديمة جدًا تلتقطُ للجميع صورًا عديدة، كفها يحتضنُ كفَّ طفلٍ صغير وهناك مُراهِقٌ وسيم يبعدُ عنهما قليلًا لكنه ينظرُ نحوهما بحبٍ ويُمسِكُ بكف أخاه الصغير، الجميعُ كان يضحك باتساع.. وتلك كانت الضحكة الأخيرة قبل أن تموتَ السيدة الطيبة بحادثةِ سيّارة هي وأختها!
لكن بلطفٍ من الله خرج الأطفالُ من الحادثةِ بسلام.
أنقذهما خيّال الذي كان يُهاتِف والدته حين وقعت الحادثة وقرر رِعايتهما للأبد وبعد سنواتٍ قليلة مات الأخوة الثلاث ولم يتبقى سواه هو الذي تبع نهج والِده ولم يكترث لموتهم.. أفعل؟
الجميع قال هذا إلّا والِدتها صديقةُ والدته المُقربة وأخت والِده في نفس الوقت!
قالت بكل حنوٍ كان صالِحًا مُحبًّا لأخوته وبارًا بوالِديه ولم يكن جبّارًا عصيّا، لكنه.. وبعد استلامِه لأعمال والِده استسلم لشيطانه وتنازل عن تلك الخِصال المُحمدية، لماذا؟
للمال وللجاه والسلطةِ واشباعُ الشهوات والرغبات وكل ملذَّات الحياة ومفاتنها التي تُغري القلب وتنشي الروح وتسلبُ اللب وتسوقكَ نحوها بإغراءٍ حتى تسكر.. بإطنابٍ حتى تغرق.
مسحت وجنتيها وأغلقت الألبوم ثم استعادت كلمات والِدتها الحنونة: ”خيّال يحتاج للتوجيه، والِده سيقضي على المُتبقي منه..
سلاف لا يُريد سوى الضلال لولده ليبقى دائمًا تحت طوعه، إن متُ وعاد لكما يومًا أكرِماه كما كنتُ أفعل وذَكِّراه بحب والِدته وأخوته وأنهما ينتظران منه الأفضل!“
”يا أمي إن كان جيدًا كما تقولين فلماذا إذًا لا تجعلينا ننخرط معه؟“ استفهمت عطر فأجابت سندس بمرارةٍ قائلة وعيونها لامِعة بدموعٍ حبيسة: ”خيال الآن تحت إمرةِ الشيطان، شيطانه يُعمي بصيرته ويُكلِّلُ ضميره بأغلالٍ كالجمر مُشتعلة لن يخبو نيرانها أبدًا طالما في صدر سلاف نفسٌ يتردد، يُريد لخيّال أن يكون مثله ويخلفه في مُلكه لذلك لن يتردد أبدًا في إزالة كل العوائق مِن أمامه لتنفيذ ما يفعل وأنا لا أضمنه الآن، أخاف عليكما لأني..“
”عِطر هل أنتِ بخير؟“
قُطع تفكيرها بهمسةِ سند القلِقة فأجابت بسرعةٍ: ”ها انا خارِجة..“
وبدلت ملابسها بسرعةٍ ثم خرجت بعد ان أخذت نفسًا عميقًا لتقول ببسمةٍ بشوشة مُصطنعة: ”رائحةُ الأكل رائعة سُلِّمت يُمناك“
فاتسعت ابتسامةُ سند قائلًا: ”سلم الله قلبكِ من كل سوء، هيا الطعام سيبرُد“
أومأت ثم جلست وبالفعل بدأت في تناول الطعام بصمتٍ قطعه سند قائلًا: ”عِطر أنا لستُ صغيرًا، يُمكِنُني مُلاحظة تغيرُك التام منذُ رأيتِ خيّال كما تبدل حاله هو الآخر فجأة!“
توترت قليلًا لكن في النهايةِ هتفت بشيءٍ من الصدق: ”أنتَ تعلمُ أني لا أُحبِّذُ الاختلاط بهما خاصةً وهما لم يتوبا لله بعد ويتركا الملذّات المُحرمة، أتحداك أنه كان يُقنِعُك بالذهاب والعيش معهم كما فعل والده مُسبقًا مع أمّي لكننا على العهد لن نُسامحهم قبل أن يعودا لله تائبين هكذا عاهدنا أمّي ولن نحنث بالعهد أبدًا“
أومأ سند موافقًا ثم قال بشيءٍ من الشرود: ”كان غريبًا، يُحدثني وكأنه قريبٌ جدًا منّي وكأنه حقًا أخي الكبير“ ثم ابتسم بخفوتٍ قائلًا: ”تعلمين أني لم أُجرِّب هذا الشعور من قبل لذلك وجدته.. كما تعلمين شعورٌ جيد بالانتماء والحنين..“ صمت سند قليلًا وقد ألف قلبه ذاك الخيّال ولم يره وحشًا شيطانًا كما قيل عنه!
طالعته عِطر بعيونٍ دامعة واختناقٍ شديد فهو ليس ملاكًا كما جاء يُظهر له.. لقد رأته بأبشع الصور، هو أسوأ مما ذكرت والِدتها لكنه يستطيعُ التنكر والتلون.
قبل أن تهمس بأي شيءٍ كان سند يعاود النظر لها قائلًا بجديةٍ وهدوء وقد جمع  أخيرًا شتات نفسه: ”لهذا لم استطع سوى احسان مُعاملته لكن بعدما جِئتِ اعتقدُ أن هناك ما جد لأنه قرر الذهاب بسرعةٍ على الرغم من سؤاله عنكِ بضع مرّات واصراره على جعلكِ تتوقفين عن العمل حالما تعودين هاتفًا بأننا لن نحتاج للمال لأنه سيتكفل بكل شيء، لكنني بالطبع رفض قائلًا أننا نستطيع الاهتمام بأنفسنا وفي داخلي قصدتُ أننا لن نعيش بمالٍ حرام أبدًا“
مسحت عِطر دمعتها وقالت بخفوتٍ مُختنق: ”جيدٌ ما فعلت“
عندما شعر سند باختناقها استقام واقترب منها ليجلس جوارها هامسًا: ”يا إلهي عطر هل تأثرتِ لهذا الحد!“
احتضنها برفقٍ واحتواء وهو يُربِّتُ على ظهرها بحبٍ قائلًا: ”لا تقلقي حبيبتي سأدعي الله في صلاتي أن يهدهم ويُعيدهم للطريق الصحيح، سيكون كل شيءٍ بخير“
أومأت تُبادله العناق وفي داخلها صراعٌ قاتِل، ما ارتكبه خيّال في حقها ليس بهين.. باللهِ لا تقوى عليه فكيف تسامحه أو تقبل بوجوده كيف!
❀•❀•❀
كانت تُربِّتُ فوق ظهر تاج النائمة في حضنها عندما سمعت صوت شيءٍ يسقطُ أرضًا.. أنزلت رودين رأس تاج على الأرض برفقٍ ثم وضعت وسادة صغيره أسفل رأسها وكفرتها بغطاءٍ ناعم بعدها خرجت مُهرولة لترى ماذا حدث؟
وصلها همسُ أيهم المذعُور على والدته صائحًا وهو يتحسسُ نبضها: ”أُمِّي..“
وصلت إليهم فوجدت السيدة أم أيهم أرضًا مغشيًا عليها، ذهبت لغرفتها وأحضرت عطرها ثم عادت إليهم لتضع القليل منه على ظهر كفها وتُقرِبه مِن أنف العجوز بينما أيهم يحملها بقوّةٍ ليضعها فوق الأريكة القريبة، لم يكن هناك أيُّ وجودٍ لأدهم فهمست بقلقٍ: ”أين أدهم؟“
تناول أيهم منها العطر برفقٍ ثم وضع القليل منه على كفه وهو يهتِفُ بقلقٍ: ”بعدما أخبرته بكل شيءٍ خرج ولم ويُجيبني، لا أعلمُ أن هو الآن!“
فهمست والِدته بضعفٍ وقد بدأت تعود لوعيها: ”الحق بأخيك يا أيهم، أعده إليَّ يا ولدي..“ فهمس أيهم بلهفةٍ على والِدته: ”أنتِ بخير حبيبتي؟ أ..“
لتُقاطِعه والدته قائلة بصوتٍ باكي: ”أذهب خلف أخيك يا أيهم، أدهم مُتهور لا تتركه وحده!“
أيدتها رودين قائلة باستحياءٍ: ”والدةُ حضرتك يا أستاذ أيهم معها حق، أذهب للأستاذ أدهم وأنا سأهتمُّ بها“
طالعها للحظاتٍ ثم أومأ وقبَّل جبين والدته قبل أن يستقيم قائلًا: ”كوني بخيرٍ لأجلي أرجوكِ وأخي لن يَضرَّه شيء أعِدُكِ“
بعدها لحق بأدهم مُسرعًا وهو يُهاتِف أحد حرّاسه قائلًا: ”أدهم خرج لتوِّه الحق به حالًا“
أمَّا عن الأُمِّ الحنون فأمسكت بكفِّ رودين وهي تتضرَّعُ لله أن يحفظ فلذةِ كبدها ويشفي قلبه المهزوم أمام الحب كأخيه الأكبر ويرفع عنهم جميعًا ذاك البلاء.
❀•❀•❀
”شكرًا لكِ“
تناول منها حاملة الغداء برفقٍ شاكرًا إياها بخفوتٍ وهو يعود لصديقه الجالس في حديقةِ المنزل يَدرسُ حالةً مرضية مُستعصية كُلِّف بها ليُناقشها في رسالة الماجستير خاصته: ”اترك ما بيدك وتعال لنأكل أولًا، صدقني هذا الطعام لن تشبع منه أبدًا“ قال وهو يتلذذ بتذوق أولِ لُقمة ليترك طِلال ما بيده ويذهب ليجلس قُرب صديقه قائلًا بريبةٍ: ”زوجةُ أبيك صارت طبّاخةٌ ماهرة“ توقفت يدُ وائل في الهواء قبل أن تصل اللقمةُ لفمه فخفضها قليلًا قائلًا بعبوس: ”ما الذي أتى بذكر تلك العقربة المُتلونة الآن!“ ثم أعاد اللقمةَ لثغرة قائلًا: ”إنه طبخ الفتاةِ التي أتت للمُساعدة، لديها أختٌ صغيرة غاية في الجمال والرِّقة“
فكَّر طلال قليلًا ثم قال بجديةٍ: ”ليس صحيحًا أن تُطيل النظر إليها وتتفحصها بعينيك، إذ كانت تُعجِبُكَ فتقدم لها أمّا إن كان غير هذا فاغضض بصرك عنها“
استنكر وائل هاتفًا: ”اتقدمُ لمَن!“ ثم تابع مُقهقهًا عندما استدرك مقصد صديقه: ”أنها طفلةٌ صغيرة أشكُّ أنها أتمت الرابعة بعد“ ثم توقف عن الضحك وتابع بجدية ونبرةٍ آسفة: ”فتاةٌ صغيرة يتيمة الأم والأب لا تملكُ سوى أختها الكبيرة التي تساعد السيدة صفاء في أعمال البيت، لطيفةٌ وبريئةٌ جدًا تُذكِرُني بنفسي عندما توفت أمِّي وكم كنتُ ضائعًا حينها..“
أومأ طِلال مُتفهمًا ليُقاطعهما صوتٌ أنثوي يهمسُ بخفوتٍ وخجل: ”سيد وائل السيدة صفاء تُريد حضرتك“ صغيرة..
يا إلهي صوتُها صغيرٌ للغاية وكأنها طفلة!
هل هي المُساعدة؟ وهل أتى وائل بمُساعِدةٍ طفلة.. وبدون وعيٍ منه ألتفت لها ليراها مُتشحة بالسواد ولا يظهرُ منها شيء، لوهلة ظلَّ مُحدقًا بها بانجذابٍ لا يعلمُ مصدره لكن سرعان ما أغلق عينيه غصبًا والتفت يأكلُ بانفعالٍ وهو يهمسُ لنفسه: ”لا تلتفت لا تلتفت لا تلتفت، الأولى لكَ والثانية عليكَ لا تلتفت“
”تمام“ قالها وائل بخفوتٍ ثم تابع بجديةٍ: ”أينَ حور؟“
لتقول غالية بخفوتٍ: ”في الغرفة“
ليومِئ قائلًا: ”أخرجيها تلهو قليلًا بدلًا من حبسها في الغرفة على مدار الأربع وعشرون ساعة“
”لا أُريدها أن تؤذي نفسها“ اعترضت بهدوءٍ ليُصِرَّ وائل قائلًا: ”أنا سأُتابِعها بعيني جيدًا لا تقلقي“
أومأ موافقة على مُضض ثم ابتعدت هامسة: ”بعد إذنك، السلام عليكم“
”لا تُفتن أيُّها القلبُ لا تُفتن اهدَأ ستفضحُنا، ماذا يعني مُنتقبة وصوتها رقيقٌ كطلتِها الـ.. استغفر الله“ حدَّث طِلال نفسه قبل أن يُجبر عقله عن التفكير بعيدًا عنها.. في الطعام أمامه يأكلُ منه بنهمٍ مثلًا ناسيًا أن ما يأكل معجونٌ بيديها ومصنوعٌ من بين أناملها..
رحلت ورحل خلفها وائل الذي عاد بعد دقائق مُتأففًا فسأله طِلال بريبةٍ: ”ماذا؟“
زفر بحنقٍ قائلًا: ”طلباتُها لا تنتهي، في البداية أرادت خادِمة لأن صحتها لم تعد جيدة والآن تُطالبُ بمُمرضة لتُجري لها جلسات تدليك، تظنُّ نفسها في مُنتجع والِدها“
صمت قليلًا ثم قال بجدية: ”أنا لن أتحملها أكثر من هذا والله لو لم تكن زوجةَ أبي وشرفه لكنت ألقيتُ بها خارجًا، إذا استنزفت كل طاقتي سأشتري لها شقة بعيدًا عني وأُخرجها من فِيلا أمي للأبد“
”اهدأ يا صديقي ولا تُلقي لها بالًا، دعك منها“ ثم قال ببعض المرح: ”طمئنِّي كيف حالُ عملك؟“
فأجاب وائل بابتسامةٍ هادئة وقد زال عبوسه: ”البركةُ فيك ما تركتني إلّا وكنتُ قد ثبَّتُ قدمي في المجال جيدًا، في النهاية العائد من شركتي الصغيرة ليس سيئًا أبدًا بل إنها بدأت تزدهِرُ بشكلٍ رائع“
ليُؤكد طِلال بثقة: ”جميل، فكرتُك كانت مُميزة أن تُنشِئ بميراثك شركة صغيرة مُنظمة ومُخطَّطٌ بالدقةِ لها للشحن الداخلي وتصل لكل بقاع الدولةِ بسرعةٍ كبيرة لهو أمرٌ رائع حقًا“
”والمُضحِكُ في الأمر أنه لم يُكلفني سوى اسمُ الشركة وموقعها الإلكتروني والقليلُ من التسويق الإلكتروني فقط ثم عقدت صفقاتٍ مع السائقين بشاحِناتهم على أن يكون ثُلثي الربح لهم والثلثُ الأخير لي“ ضحك الشابان بفخرٍ ثم همس الأخيرُ بحماسٍ قائلًا: ”وأنتَ؟ كيف حال التعليق الصوتي وترجمة المقالات معك؟“
”العمل مُذهل والجميع أشاد بترجمتي المُميزة كما أنَّ صوتي أصبح مطلوبًا بكثرةٍ في الوسط“
"الحمد لله“ همس بها وائل ليُؤكد طِلال قائلًا: ”الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مُباركًا“
بعدها استقام واقفًا ليغسل يده في الغرفة الخارِجية والتي هي مفصولةٌ تمامًا عن المبنى الداخلي، عندما عاد كان وائل يُلاعِبُ طفلةً صغيرة ويُعطيها بعض السكاكِر، الطفلةُ كانت كالشوكولاتة بالحليب؛ لها غمّازتان بارزتان وعيونٍ واسِعة كعيون حيوان السكرتير بالإضافة لأهدابها الكثيفة وخُصلات شعرها البُنية المُموجة، ”ما شاء الله“ قالها وهو يجلسُ جوارهما فضمت الفتاةُ دميتها لصدرها واقتربت من وائل قائلة بخوفٍ ورِقة وهي تلتفتُ جهةَ الباب تبحثُ عن غالية: ”لولـي“
ابتسم طِلال لها دون أن يتحدث فهو لا يُجيدُ المُلاطفة بالحديث أو التعامل مع الأطفال بينما هتف وائل بحنوٍ: ”أنه صديقي طِلال، لا تخافي منه“
زادت ابتسامةُ طِلال عندما شعر بها تهدأ قليلًا ثم مد يده ليُصافِحها قائلًا: ”أهلًا يا صغيرة؟“
لكنها نفت برأسها فقهقه وائل مُتذكرًا أنها فعلت نفس الشيء معه قائلة أنها لا تُصافِح الرجال فهكذا علّمها والِدُها ولولي: ”لن تُصافِحك يا طِلال هي تربيةُ رجلٍ علمها أن لا تُصافِح غير النساء“
زادت ابتسامةُ طِلال مع ذهولِه ليجد نفسه يهمسُ بفخرٍ: ”أحسنتِ يا صغيرة سُرِرتُ بهذا“
ابتسمت حور وتجاوبت معه قليلًا لتهمس بتلعثمٍ بسيط بعد فترة: ”أنتَ تُشبِه أبي..“ ارتجف ولا يعلمُ لماذا ثم ابتلع ريقه برهبةٍ بينما همس وائل باهتمام: ”كيف يُشبِهه؟“
فأشارت حور لعينيه قائلة: ”كان لأبي عينان شبيهتين بعينيه“.
❀•❀•❀
كان أدهم موجودًا على رِمال شاطِئ البحر في نفس المكان الذي حدثها به أوَّل مرّة..
جلس يستذكرُ تلك السويعات القليلة التي مضت بعدها، غرق في ذكرياته الأليمة والتي كانت قبلًا جميلة مليئة بالشغف وهو يراقبها بصمتٍ أو يحتضِنُها بعينيه من على بُعد، ربما صمته هذا كان السبب في كل حصل، السبب في أنها صارت لآخر، أنه خسرها للأبد!
نظر أدهم للمكان حوله بألمٍ ودوّامةٌ سوداء تُغلفه حتى بات لا يري أي شيءٍ حوله، الكلماتُ التي قالها أيهم منذُ قليل تطنُّ في أُذنه، يشعُر أنه مُقيد.. بل يغرق أو يموتُ بالبطيء ولا حول له ولا قوةَ لإنقاذ نفسه..
كم تخيل نفسه في زِفافه وهي عروسه التي يُمسِكُ بيدها ويُعانِقُها كيفما يشاء، أصارت مُحرَّمةً عليه؟
ألن تكون حلاله أبدًا؟!
هل استسلم؟
لا لم يستسلم لكنه يخشى خوض معركةٍ خاسرة، تاج لا تُجبر، لا يُصدِّقُ أنها رضخت لوالِدها مُجبرة..
أكانت مُوافِقة؟ أم أنَّ ذاك اللعين أغراها فأحبَّته؟
خيّال هو بطلُ قصتها أمّا هو.. فلن يكون العائق أبدًا، سيتركها لمُرادِها واختيارها، سيتحرك فقط لو اختارته، لو أعطته رودين اشارةَ البدء وأن تاج تحتاجُ إليه.
أخبر الحارسُ أيهم بكل شيءٍ ودلَّه على مكان أدهم الذي لحسن الحظ لم يكن بعيدًا جدًا، وصل إليه ثم اقترب بهدوءٍ منه ليدنو إليه ويجلس جواره، طالع أخاه فرأى عيناه جامدة تُحاكِ شحوب الأموات ليهمس بوخزٍ في صدره: ”آسف، أعلمُ أنكَ تركتهما أمانةً معي لكنني لم أتخيل أم يكون والدها بهذه الدناءة“
لم يُجِبه أدهم بل مدَّ يده في جيب سرواله وأخرج منه خاتِم زفافٍ.. ألقاه على الرِمال أمامه بإهمالٍ قائلًا بكلماتٍ خاوية: ”كنتُ اليوم عازِمٌ على جعلها لي.. كان لدي ما سيُقنِعُ سراج شمس الدين“
ثم تابع باختناقٍ وسخرية: ”كنتُ أُعدُّ مُفاجأةً لكم جميعًا لكنكم سبقتُماني وفاجأتموني بما لم أتوقعه أبدًا!“
ربَّت أيهم على كتف أخيه قائلًا بحكمة: ”لو كان لكَ نصيبٌ بها لكانت حتمًا ستكون لك، لا تستعجل قسمتكَ يا أدهم..
أعلمُ أن الأمر ليسَ بهذا اليُسر لكن أُقسِمُ إن كانت لا تُريدُ هذه الزيجة سأبذل كامل جهدي لتطليقها كما طلقنا السيدة رودين“
طالعه أدهم بأملٍ ضئيل ثم قال في النهايةِ بمرارةٍ: ”أخشى أنها لا تُحبَّني، لا يُمكنُنا اجبارُ أحدٍ على الحب يا أيهم.. لا يُمكنُني أن أجبر أحدهم ليُحبني!
تمنيتُ لو تختارني لأجلي أنا وليس هروبًا من والِدها وشبيهه“
ضمَّه أيهم بعناقٍ رجولي ثابت يُشدد من أذر أخاه قائلًا: ”سنحميهما وننقذهما لا تقلق، تاح ستُحبُّك وتختارُك بمِلء إرادتها أنا واثِقٌ من هذا“
بعدها ضيّق عينيه وهمس بشراسةٍ لنفسه بعدما تصلب فكّه: ”لن أتركك تُشتِتُ عائلتي وتُدمِرها يا سراج، مُشكِلُتك الآن باتت معي وأقسِمُ سأجعلُكَ تدفع ثمن دموعهم هذه غاليًا، غاليًا جدًا“
❀•❀•❀
مرت أربع ليالٍ قضاها أدهم في الفُندق فبعد ما حدث لم يستطع العيش معها في مكانٍ واحد وهو يعلمُ أنها لآخر، الفِكرةُ وحدها تُحرقه، تجعله يغلي بحقدٍ شديد فما بالُكم لو زيد عليه احتراقٌ سببه قُربها.. غيرة ما بعدها غيرة تكوي القلب والروح ثم تُميتُكَ ببُطءٍ الشديد.
أما أيهم فكان مُشتتًا بين العمل ومُحاولة إيجاد حل لما هو فيه الآن!
أثناء وجوده في المكتب لمِعت في ذهنه فكرة جُهنمية فأغلق حاسوبه وسارع في الذهاب لعرض الفكرة على رودين ثم تنفِيذِها، وبالحديث عن رودين فقد كانت ترعى ريتاج بحنانٍ بدلًا من والِدةِ المُسنة والتي لا تستطيعُ مُواكبةَ جنون ريتاج، كانت تحتضنها بقوة وتُقبِّلُها قبُلاتٍ كثيرة علّها تُشبِعُ بها احتياجها لأن تكون أمًا تحمِلُ مولودها وترعاه وتحتضنه وتُعانقه وتشتمُ رائحته، أما عن ريتاج ذات العشر سنوات والتي بدورها كانت تفتقدُ لحب الأُمِّ وتشتاق لأن تكون لديها واحدة أحبت رودين واعتبرتها أمها لكن دون أن تقبل بالجمع بينها وبين والِدها لغيرتها الشديدة عليه، أيهم كان دومًا لها وحدها وصعبٌ عليها أن تُشارِكه مع أخرى، أسيُحبُها أكثر منها؟
قد يُنجِبُ لها أخوة ويُحبهم أكثر!
ثم يُدللهم أكثر..
وهي؟
سيتركها كما فعلت والِدتُها؟
سيُلقي بها في الشارع ولن يُحبها كما كان أبدًا، لا لن تسمح له بالزواج مُطلقًا فليجد لرودين زوجًا آخر وليبقى لها وحدها.
وفي بقعةٍ سوداء مُعتمة بعيدًا عن كل ما يحدث حولها تُغلِقُ على نفسها شرنقةَ البرود والتبلُّد العنيد، بعينين خاويتين خرجت من النادي الذي أعاده والِدها لها راضيًا عنها بعدما أخذت قرارها ورضخت له، خرجت بعدما قضت أغلب وقتها بين تدريبات المُلاكمة والصالة الرياضية المُخصصة لتدريب القوة العضلية وخسارة الوزن ثم اتجهت لحبيبها المُخلص ورفيقُ وحدتها الذي باتت تزوره يوميًا، نعم مُخلص فهو ما آذاها ذاك اليوم بل رماها لحِكمةٍ من الله وهي خلاص رودين وتسليمها لعائلةَ البُحتري آمنة..
وصلت إليه فتنفست نسيمه العليلُ الذي تشتاقُ إليه كل ساعةٍ ثم زفرت بخفوتٍ وهي تجلسُ فوق رمالِه الشاحبة تُراقِبُ غروب الشمس الحزين كأنه يُودِّعها أو يُذكرها بالوداع القريب جدًا فبالطبع خيّال لن يسمح لها بالاقتراب منه تعنتًا حقيرًا مِن مُتسلطٍ مُزعج مثله!
زال عبوسها وهي تبتلعُ ريقها بوخزٍ شديد، اليوم ستبلغهم جميعًا بقرارِها..
اليوم ستبدأ خطتها في الانتقام من والِدها على كل ما فعله معها!
❀•❀•❀
”ما بكِ؟“
همس باهتمامٍ فأجابت بشيءٍ من الشحوب وبعض الخوف: ”لا شيء أنا بخير“
لمس خوفِها في نبرةِ صوتها فامسك بيدها وابتعد بها نحو إحدى الطاوِلات البعيدة ثم أجلسها وجلس جوارها قائلًا: ”ماذا هناك؟
يُمكِنُكِ اخباري بأي شيء اعتبريني صديقًا لكِ“
ابتسمت بارتعاشٍ وهي تقول: ”المكانُ غريبٌ عليَّ قليلًا لا أكثر“ لم تقل سوى جزءً صغيرًا من الواقع ففي الحقيقة هي لا تملك الشجاعةَ لأخباره أنها رأت صديق مُطلِّقها في الحفل والأفظعُ من هذا أنه بعد أيامٍ سيُغادِر ويتركها وحدها..
سيرحل أمانُها لسنواتٍ لا حصر لها، سنواتٍ لم يُعد لها بل في الغالب هي ستطول فتطول غربته وتبقى هي في منفاها وحدها، اعتادت وجوده حولها وتغليفها بحمايته المُميزة، اعتادت استيقاظه المُبكر لأداء فريضةَ الفجر في المسجد ثم التأخر في فعل شيءٍ لا تعلمُ ماهيته وبعدها العودةَ ليجلس معها يتحدثا سويًا قبل أن يناما مُجددًا لبضعةِ ساعاتٍ قليلة ثم يستيقظا وينزلا لتناول الغداء مع أهله بالأسفل، هرته الصغيرة لم تعد تُخيفها بل تجرأت قليلًا ومرَّت من أمام غرفته وحدها، نعم مرَّت فقط فهي لن تقوى على أكثر من هذا بالطبع.
”نستطيعُ الذهاب لأي مكانٍ إذا أردتِ!“ قال بجديةٍ فهمست بخجل: ”مِن حقِّكَ أن تحضر حفل زفاف قريبتك“
فابتسم قائلًا وهو يستقيمُ ليجذبها خلفه: ”ومن حق زوجتي أن تكون مكانٍ يُريحُها ولا تشعرُ بالغرابةِ فيه“ صمتت بحياءٍ ووجنتيها تلتهبُ بحمرةٍ قانية بعدما بعثرة كلمةُ 'زوجتي' دقات قلبها، أيعلمُ أن لفظ زوجة يُطلقُ على مَن يكون بينها وبين زوجها مودَّةٌ ورحمة ومشاعر نقية دافِئة؟
أما أنه قالها بلا وعيٍ ولم يقصد حقيقتها!
وفي كلتا الحالتين كانت سعيدة مُبتسمة بشجنٍ ولا تُصدِّقُ أنها ستفيق من هذا الحلم الوردي الفاتن..
ها هي خصال الزواج ومُميزاته تظهرُ لها كالشمس في سماء حياتها فأين كانت هذه الشمسُ المُشرقة المُتلألِئة من قبلِه؟!
❀•❀•❀
”مازلنا خلفه سيدي لا تقلق“
هتف بها أحد رجال أيهم الذي وكَّله سابقًا بمُلاحقةِ سراج فأجابه بعملةٍ: ”تمام لا تجعلوه يغيبٌ عن أعينكم للحظةٍ واحدة، أُريدُ معرفةَ وجهته“
”حاضر سيدي“
أغلق أيهم الهاتِف وهو يلتفتُ لرودين قائلًا: ”هل أنتِ مُوافِقة؟“
ابتلعت ريقها وأومأت بخفوتٍ بالكاد يُسمع: ”مُوافقة“
ابتسم ببعض التوتر فما هو مُقبلٌ عليه سيُبدِّلُ حياته لمِئةٍ وثمانون درجة!
رغم ما يعتليه همس بهدوءٍ: ”جيدٌ جدًا“ بعدها ألتفت لتاج وهمس سائلًا: ”وأنتِ يا تاج ما رأيُك؟“
فقالت بجديةٍ وعملية بحتة لا مشاعر بها: ”أنا أثق بكم“
أما رودين فهمست بشيءٍ من التوتر: ”أين أدهم؟“
رفَّ جفتُ تاج بينما قال أيهم بنبرةٍ هادِئة: ”هو بخير لا تقلقا“ فتشجعت تاح وقالت بصلابةٍ موجهةً حديثها لأيهم: ”أستاذ أيهم أرجوا أن تُحافِظ على رودين وتتقي الله بها، أنا أثقك أنكَ إن شاء الله قادرًا على هذا“ ثم صمتت قليلًا والجميع يرمقنها بترقُبٍ فهم يعلمون جيدًا أنها لم تُنهي كلماتها بعد: ”سأعود غدًا لمنزلي فقد أديتُ مُهمتي وأنقذتُ رودين من بين أيديهم أما انا فقد قررتُ إعطاء خيّال فرصة وسنُتمم الزفاف مساء الغد“
خفق قلبُ أيهمٍ بألمٍ شديد على أخيه وهو يُغمضُ عينيه بأسى، ما خشى وقوعه حدث!
بينما صاحت رودين بهلع: ”لا تاج لن اسمح لكِ أنتِ..“
”قُضيَّ الأمرُ الذي فيه تعترضان“ قالتها ببرودٍ ثم استقامت قائلة لأيهم الذي هم بالاعتراض هو الاخر: ”استاذ أيهم لا تتخلى عن رودين أرجوك..“ ثم قست عيناها وقالت بشرودٍ: ”مُراقبةُ أبي واللحاق به حيثُ الصفقةُ المشبوهة التي سيعقدُها ومحاولة الامساء بهم وتهديدهم ليبتعد عنِّي ويأمر خيّال بطلاقي ثم زواجك برودين لتحميها من أي أمرٍ قد يضغط بيه عليها عليها أمرٌ جيد لكن لأبي الكثير من الجِهات الأمنية المُناصرة ويستطيعُ الخروج من أي قضية كما الشعرةُ بالعجين، ربما لن يخسر سوى جزء من سمعته يستطيعُ تعويضها بموكبين لإطعام أو كسوة الفقراء، أمثال أبي لا ينتهون بالسجن وإنما القتل وأنتَ لن تقتل لذلك لا تبدأ حربًا خاسرة.. انقذ رودين فقط“
انهت كلماتها ثم اتجهت لغرفتها قائلة بخفوت: ”استأذنكم عليَّ الخلود للنوم“
”تاج!“ همست بنبرةٍ مُلتاعة مكسورة وهي تلحقُ بها فطالعتها تاج بجمودٍ ثم خفضت ثغرها نحو أُذنها هامسة: ”سنكون على تواصل دائمًا، السيد أيهم رجلٌ طيب سيتقي الله بكِ أنا واثقةٍ.. معه لن يمسَّكِ سراج بسوء“
فاعترضت قائلة ببكاءٍ وهي تُمسِكُ بزراعي تاج: ”وأنتِ؟ لن أترككِ له“ لتبتسم تاج بشرودٍ حزين وهي تُطمئِنُها قائلة: ”بالنسبةِ لسراج فهو أبي وعليّ تحمُّله بينما خيّال هو قدري ويُمكنني ترويضه، أنا أقوي منكِ يا رودين بل أكادُ أكون النسخةٌ الأنثوية منهم لذلك استطيعُ التعامل معهم“
❀•❀•❀
”أهلًا“ هتفت تاج بجمود فرد عليها الطرف الآخر بنبرته الساخرة: ”لهذه الدرجة افتقدتني!“
فابتسمت تاج بخبثٍ قائلة: ”نعم، افتقدُك كثيرًا“
قهقه بصوته العالي الثقيل وهو يهمسُ بسُكرٍ بينما يحملُ بين يديه سيجارة من النوع الممنوع: ”مُوعدُنا غدًا يا قطتي الجميلة النارية“ ثم لامس بيده صورةً قديمة لسيدةٍ بشوشة مُتابعًا: ”غدًا سنبدأُ طريقًا مُختلف..“
فأومأت بلا اكتراثٍ قائلة: ”ستأتي في الرابعةِ عصرًا لتُوصلني للفندق، لا تأتي سوى بسيارةٍ تليق بفخامتي كزوجةِ للباشا خيّال سلّاف جاويش“
❀•❀•❀
في الصباح الباكر بعدا ذيع الخبرُ في القنوات الفضائية وتصدر الصفحات الأولى لمواقع التواصل الاجتماعي أرسل أدهم رسالة لأيهم يُخبِره فيها أنه سيُسافِرُ لفترةٍ ما..
والفترةُ تُركت مفتوحه بينما لم يستطع أحدٌ ردعه أو الوقوف في طريقه، أمّا عِطر فعلمت بزواج تاج لكنها لم تستطع الحضور بسبب انشغالها بالمركز التعليمي الذي باتت يشغلُ وقتها كاملًا فلا تجدُ وقتًا لفتح الانترنت وهي لا تهتمُ بمُتابعةِ اخباره بتاتًا خاصةً وهي قد لم تعد تشحنه عمدًا كي لا يُشغل سند به عن دراسته، عندما وصل لسند الخبر بزواج تاج وكون العريس ليسَ بأدهم حاول الاتصال به كثيرًا محاولةِ الحديث معه لكن هاتفه كان خارِج التغطية!
❀-❀•❀
انتهى حفلُ الزفاف الذي كان أضخم مما خُيِّل للجميع، يترأسُ المسرح العروس تاج سراج شمس الدين التي تجلسُ بخيلاءٍ بفستانها المُذهل الذي صُمِّمَ خصيصًا لها وجوارها الوسيمُ بشراسةٍ زوجها خيّال سلّاف جاويش، حضر العرس صفوةَ البلد وأهم رِجال الأعمال والوزراء فانشغل سراج وزوجته الحسناء ماهي بمُقابلاتهم ومعه علة الجهةِ الأخرى سلاف الذي كان يشربُ برُقيٍّ نوعًا فاخر من الخمر المُعتق، دلفت لفيلتها التي اشتراها لها خيّال لها مُجهزة بأفخر الأساس العالمي فجرَّت فستانها الطويل خلفها وصعدت السُليمات الداخلية المؤدية لجناحها الأنيقُ قائلة ببرودٍ: ”سأبدِّلُ ملابسي“
ليتابع هو بسخرية: ”أأُبدِله أنا لكِ!“
رمقته دون اكتراثٍ قائلة: ”لا أظنُّ هناك فرقًا شاسعًا“ بعدها تابعت صعود الدرج حتى دلفت لغرفتها وبدأت في خلع فستانها وقد تساقطت قطراتُ الدموع من عينيها بخذلانٍ مرير، لم يحضر أحد.. لا أحد، لا رودين ولا شروق ولا أيُّ أحد، كانت وحدها تمامًا فادعت القوة وثبتت أمام الجميع وداخلها كانت مُنكسرًا يبكي فؤادها الذي يحتضرُ داخلها، تقسِمُ أنها تلتمس لهم ألف عذر، بل هي مَن أمرتهم بعد القدوم لأن مكانًا كهذا مليءٌ بالمُحرمات والنفاق لا يصلح لاستقبالهم بمكانتهم الرفيعة العالية في قلبها فلما الحزنُ الآن!
لما التراجع بعدما قطعت هذا الشوط الكبير؟
”تاج يا حلوة؟“ قاطعها نِداءه الثمل فتجمدت الدموع في مقلتيها وسألت نفسها ساخرة: ”هل هذه نبرته أم أنه سكيرٌ دائمًا! وببرودٍ التفتت قائلة وابتسامةٍ صفراء تُزيِّنُ وجهها: ”نعم“
رمقها برغبةٍ قائلًا: ”الليلة أُريدُ الانفصال عن الواقع، نسيان كل شيء“ ثم ابتسم بتسليةٍ قائلًا: ”لقد جهزتُ لكِ برنامج نارِي يليق بكِ“
اتسعت ابتسامتها وتحولت لساخرة وهي تفرد له زراعها قائلًا: ”صدقني لن يُكوي غيركَ اليوم“ وتابعت داخلها بثقةٍ: ”لا شيء على الأرض بات يُؤثر بي يا زوجي العزيز، جرِّب وستُصدم بكوني جثة لا تصلح للحياةِ الآدمية وأنتم السبب“.
❀•❀•❀
في نهاية الأسبوع التالي اختتم الشيخ حديثه بجملته الشهيرة: ”بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير“
العروسةُ كانت مَصدومة لقد تزوَّجت للمرَّةِ الثانية!
عُقِدَ قرانهما وصارت عروسه رسميًا..
عروسًا لذاك الرجلُ المُبهرُ بكل ما فيه، طلَّته الساحِرة، شهامته، رجولته الخاطِفة، عطره المُسكِر، ملابسه الرسمية الأنيقة، مُعاملته الحازِمة العطوفة وأخيرًا حضوره القويُّ طاغي بطريقةٍ تبعثُ بداخلها الدفيء والطمَأنينة، تسارعت دقّاتُ قلبها بخجلٍ فضغطت على شفتيها وهي تنظرُ أرضًا تتساءلُ إن كان زواجهما سيكون حقيقيًا أم حبرٌ على وَرق!
ورغم استنكارها لفكرةِ الزواج مجددًا بعد ما صارت مُستنزفَةَ المشاعِر لا تقوى على خوض معركةٍ جديدة من معارك الزواج إلّا إنها كانت لا تشعرُ بكُلِّ هذا مع أيهم..
أيهم مُختلف يسلُب أنفاسها بفِعله، كل حركةٍ فيه تنبض بالرجولةِ القاتِلة لقلبها على عكس سِراج الذي لم يُذيقها سوى حلو الكلام فقط!
اقترب أيهم وقبَّل رأسها هامسًا بثقة: ”مُباركٌ لكِ زوجتي“
ذابت بقبلته وكادت تتعثر وتسقط أرضًا فجذبها بحزمٍ نحوه ليدفنها بين أحضانِه ويُحيطها بزراعه سائلًا بحنانٍ: ”ما بكِ؟“
أحمر وجهُها أكثر وهي تُعاوِدُ عضَّ طرف شفتيها السفلى بخجلٍ شديد لتهتف بعد لحظةٍ برقةٍ خافته لتُغيَّر ضفَّةَ الحديث ورغمًا عنها خرجت نبرتُها آسفة يَشوبها الكثيرُ مِن الحزن: ”تمنيتُ لو كان أدهم معنا اليَوم“ ثم رفعت عينيها إليه قائلة: ”وعدته بمُساعدته في الزواج من تاج لكنِّي كسرتُ الوَعد“
تنهد أيهم بحزنٍ وهو يُشدِّدُ مِن احتضانه لها قائلًا بأسف: ”تعلمين أنه لن يتحمل رؤية تاج مع خيّال زوجها“
خفضت رودين رأسها بحزن قائلة والدموعُ تتلألأ في عينيها: ”يَشهدُ ربِّي أنِّي حاولتُ الجَمع بينهما بكل ما أملُك لكنني فشلت، أنا آسفةٌ بصدق، لقد خذلته“
ربَّت أيهم على ظهرها بحنانٍ يُحاوِل تهدِئتها كأنها ابنته الصغيرةَ قائلًا: ”لا ذنب لكِ حبيبتي، نصيبُ تاج كان مع خيّال لذلك اختارته وأدهم لم يكن له نصيبٌ معها، عليه إدراكُ هذا يومًا ما“
رغم أن انكسار أخيه يؤلمه ويُمزِّقه لكن لا حيلةَ بيده، لا يستطيعُ فعل شيءٍ بعدما اختارت تاج خيّال واصرت على اتمام زواجها به!
أخيه الذي حكم على نفسه بالإعدام فمات قلبه وصار جسدًا جامدًا لا روح فيه ولا حياة، آلةَ عملٍ مُتنقلة من مرسى لأخر، لا يعود للمنزل إلّا لمامًا.
أغلق عينيه ببؤسٍ وهو يُتمتمُ بداخلهِ: ”يا ربِّي دبِّر لنا الأمرَ كله فنحنُ لا نُحسِنُ التدبير“
استندت رودين براسها على صدره وهي ترمقُ تاج وخيّال المُتناغمين معًا بأسفٍ وألم، أما أيهم فشعرَ بالسَكينةِ تزوره أخيرًا منذُ سنواتٍ طويلة ليبتسم بشرودٍ وهو يُزيدُ مِن احتضانه لها شاعرًا بشيءٍ مِن التَمَلُّكِ نحوها، التَمَلُّكِ لشيءٍ يخصَّه وينتمي له.
توتر قليلًا شاعرًا ببعض الخوف.. زوجته السابقة خنقها ذاك التمَلُّكَ فَفَرَّت منه وطلبت الطلاق!
هل ستكرهُ رودين تملكه أيضًا وتنفر منه؟ تملكه هذا ما هو إلّا حبُّ كبير يكنه لهم ومَنزلةٌ عظيمة يضعُ بها نِساءه فيستحيلُ على أحدٍ الوصول إليهنَّ أو الاقتراب منهنَّ لأنهنَّ ليسنَّ للعرض وإنما لهما حق الصون والعفاف، لطالما كانت نسائه تاج رأسه الذي يفتخر بهنَّ دائمًا ويستوصي بهنَّ حبًا وغزلًا ودلالًا واهتمامًا فلا يحتجنَّ لغيره أبدًا ويكتفينَ به ما عدا زوجته السابقة التي استحالت الحياةُ بينهما!
تنهد مُجددًا وهو يدعوا الله أن يُلهمه ويُرشده للطريق الصحيح الذي سيستطيعُ به اسعادهنَّ وحمايتهنَّ مِن كل مكروهٍ وسوء.
عم الهدوء للحظات قبل أن تقطعه تلك التي دخلت بزوبعةٍ شديدة وهي تنفخ وجنتيها وتجِزُّ على أسنانها قائلةً بغضبٍ عارِم: ”تخونُني يا أوما!“
فما كان منه إلّا أن ابتعد بهدوءٍ عن رودين وهو يهتِفُ بصدمةٍ فاقت كل توقُّعاته: ”ريتاج!“
تقدمت ريتاج بعدما زال غضبُها وحلَّ مَحلَّه ابتسامة حلوة تُماثِلُها، ركضت إلى رودين وفُستانُها الهفهاف يتطاير حول قدمها وما إن وصلت إليها حتى قفزت مُعانقةً إياها بقوة قائلة: ”هذه خيانة كيف تُقيمون الزِفاف دوني ألم تُخبريني أننا صديقتين!“
أومأت رودين مُتابعةً احتضانها بينما أيهم كان مُبتسمًا بحنانٍ وشعورٌ جيد يتسلسلُ لأوردته.. طفلته أخيرًا حظت بأُمٍّ حنون بعدما خلفتها والِدتُها وتركتها لطيمةً وحدها لأجل الشهرةِ والمال راحلةً دون رجعةٍ للابد، والِدتها التي يومَ علمت بخبر حملها بكت وانهارت ليس فرحةً بل بؤسًا لأن هذا الطفل سيُشوه جمال خصرها ويُكون عائقًا لمُستقبلها وسارقًا لشبابها ومُقيدًا لحُرِّيّتها!
يستعجب كيف وافق قبلًا على الزواج بها، كم كان غافلًا وهو يختارها من بين النساء جميعًا لتكون زوجه؟!
أساء الاختيار وانتهت حياته معها بصفقةٍ حقيرة مفادها أن تلد الطفلة له مُقابل تنازله عن أسهمه بشركتها الناشِئة وبعد أربعين ليلة من الولادة فاجئها بإلقاء يمين الطلاق عليها، كانت صدمةً لها نعم لكن صدمته فيها كانت أكبر حين أرادت حرمانه من طفلته التي انتظرها طويلًا وتمناها دائمًا من ربِّه راضخًا لأمر الله ظنًا منه أنها لا تستطيعُ الانجاب فلن يُريد احراجها أو إحزانها بزيارةِ الطبيب.. ليتفاجأ بكل دناءة أنها كانت تتناول أقراص منع الحمل لتحرمه بكل قسوةٍ من تلك النعمة الغالية التي لا تُقدَّرُ بثمن.
بعد خلاصِه منها كره الزواج وقرر نفيه من حياته والعيش فقط لخدمة والدته ورعاية أخاه وتربية طفلته، رباها على أُسس دينية صحيحة فقد ألزم نفسه بقراءة كتبٍ يومية عن التربية الصحيحة ومُشاهدة البرامج التربوية أسبوعيًا، تنهد بشجنٍ وهو يقتربُ من طفلته يحتضنها قائلًا: ”سنُقيم حفلًا آخرًا لنا فقط لتفرح به معًا حبيبتي به ما رأيُك؟“
أومأت بحماسٍ بعدما تطمئنت قليلًا أن والدها لن يُؤخذ منها لأنه لم يُهملها أبدًا ولأنها بدون قصد سمعت رودين تُخبره بمقدار حبها لها وكم هي سعيدة لكونها ستُصبِح أمّها.. رودين تُحبها، لن تسمح برميها أو نبذها، سترعاها كما رعت تاج وها هي تاج تحبُّها كثيرًا ولا تستطيع فراقها، رودين زوجةُ أبٍ جيدة لن تظلمها أبدًا لذلك هي سعيدةٌ جدًا، اتسعت ابتسامتها بفرحةٍ كبيرة وهي تُمسك بيد رودين ووالدها معًا لتشعر فجاءةً بالقوةِ والدعم الخالص، للأسرةِ ثلاثةُ أضلاعٍ فقدت هي ضلعها الثالث منذ المهد وها هو يعود ليركن في مكانه الصحيح فتكتمل أضلاع مُثلث عائلتها الصغيرة.
أمَّا عن أيهك فكان يبتسم لرودين بحنو، صغيرةٌ هي كأبنته يقسِمُ أنه سيفديهما بروحه وقلبه، منذُ لِقاءه بها كان يُقارِنُ بينها دائمًا وبين والِدة ريتاج..
رآها حنونة مُختلفة فريدة وأخيرًا طيبةَ القلب لطيفة، أحيانًا تكون طفلةً خائفة ومرّاتٍ أخرى أُمٌّ مسؤولة تهِب روحها كاملة في سبيل سلامة أحبتها، قلبه اخبره أنها المنشودة، هي مَن يستطيعُ والوثوق به ومنحه أسمه وحمل أولاده مُستقبلًا، الآن يعترف بأنه قد يكون أنانيًا قليلًا في اختياره لرودين وعدم اعترافه لأحدٍ بكونه اشتاق للأطفال وتمنى الحصول على آخر ورودين بحبها واشتياقها لطفلٍ مثله شعر بأنها تشبه؛ تشتاقُ لما يشتاق وتُريد ما يُريد فلماذا لا يُحقق رغبتهما معًا بالزواج!
تعمق بالنظر لها فكانت تبدوا كوردةٍ جورية فاتنة زبلت وشحبت بسبب اطنانٍ من الإهمال والحزن المُهلك، يتذكرُ لمسها لبطنها الكبير بأناملها الرقيقة الصغيرة وكأنها تحتضنُ طفلها، شهد تمسكها بجنينها والذي فاجأه كثيرًا بعكس أُخرى ارادت قتل طفلها والخلاص منه.
فاق على ما جعله يستنكر وجود ريتاج منذُ البداية! فسأل بحنانِه المُعتاد مع القليل من الفضول والاستنكار: ”ريتاج كيف أتيتِ إلى هنا حبيبتي؟
مَن أحضرتك؟“ فأجابت بابتسامة واسعة أظهرت غمّازتِها المُميزة وهي تُشير لبابِ القاعة: ”دوما هنا وهو مَن أحضرني يا أوما“
”ماذا؟!“ همس أيهم بصدمةٍ وهو يرى أدهم يدلف للقاعةِ بعد ثانيتين من همسةِ طفلته، حول عينيه لتاج وخيال الجالسين معًا في ركنٍ بعيدًا نوعًا ما ثم عاد لأخيه الذي تقدم منه قائلًا.
❀•❀•❀

التأخير حصل بسبب ظروف طارِئة مش ظرف واحد وربنا🥺 منهم باقة النت خلصت وتدقيق الفصل اتمسح أربع مرات وأنا في الشغل انضغط ضغطة سكر 🙂💔
حساه نحس سيكا  🥲
                             👈👉
بس عادي خلاص فداكم 💋😚
ده فصل يوم 20 ولسه ليكم في ذمتي فصل 1 أكتوبر ربنا يستر ويخلص 🥺❤️‍🩹

إي رأيكم في غرض أيهم للزواج من رودين؟ 👀
كمان خيال وكوارثه 🙂!
الأستاذ مكسور القلب حبيبي أدهم تخيلو إي هتكون رد فعله 🥺❤️‍🩹
تاج 🥲💔
خوف عفراء 😭
ملناش دعوة بالثنائي ياسيف ولؤلؤة علشان دول عايمين في بحر البطيخ 😂😂😂❤

منى علاء شاهين
الجيش الأزرق Blue army 🌍💙

استوصوا بالحبيب غزلًا "للكاتبة منى علاء شاهين"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن