17- أقتله بلا تردد

304 21 34
                                    

الفصل السابع عشر
”أقتله بلا تردد“


”يا ويلي على ما أصابكَ يا حبيبي يا ويلي عليكَ يا قَلبي قُم وطمئنِّي عليكَ يا سِراج!“ قالت جملتها بنواحٍ أثناء تملُّسها به ثم سقطت عليه وانفجرت في البكاء ليستيقظَ سِراج متأوهً بشدةٍ وعصبية قبل أن يصيح فيها قائلًا: ”انتبهي يا غبية الجُرحُ أسفلكِ“
فنطقت بسُؤالٍ مُستنكِر: ”أنتَ حي؟“
ففتح عينه بالقليل من الوهن والكثير من السخط قائلًا: ”هل أردتني ميتًا؟“
لتتلعثم نافية بنبرةٍ ناعمة مُصطنعة: ”لا بالطبع لا، لقد كنتُ فقط أطمَئنُّ عليك“
أرجع سراج رأسه للخلف وهو ينفضُ عن نفسه صوتها وصورتها ويفصل عن كل ما حوله ليسترجع ملامح أخرى تأكدَ من قريبٍ فقط أنَّه أحبَّها كما لم يحبَّ من قبل، ملامح منمنمة رقيقة، مشاعر مُرهفة ودودة، قلبٌ نقيٌّ صادق لا يعرف الخبثَ ولا يُمارِسَ طغيان الحاضر، شخصٌ عندما أحبَّه لم يُرد من الدنيا غيره وعندما رحلَ ترك مكانه مُقفرًا مُظلمًا خاويًا ولا شيءَ مهما بلغت قيمته يُهدِّئُ برودته أو يُلطِّف مرارته، فتح عينيه بوجعٍ مرةً أُخرى مُتأوهً بخفوتٍ باسمها: ”رودين“
فهتفت ماهي التي لم تسمعه جيدًا: ”ماذا تقول يا حبيبي لا أسمعُكَ؟“
ليقفرَّ وجهه مُجددًا هاتفًا بحدّة: ”لماذا جِئتِ!“
لتقول بسخط: ”أطمَئنُّ على زوجي“
لعن من بين أنفاسه ليقول بحنقٍ: ”إذًا مُنِّي عليَّا بصمتكِ لأن رأسي سينفجر وأُريدُ القليلَ مِن الهدوء“
وقبل أن تجاوبه كان الباب يُطرَقُ ثلاثًا ثم يدخلُ منه رجُلًا طويل عريضَ المنكبين بجسدٍ قوي مُتناسِق ومن خلفه ضابِطُ شُرطة لا يقلُّ عنه هيبةً ومن بعدهم القليلُ من رجال الشرطة المُجهَّزة بكفاءةٍ على تنفيذ أيَّ أمرٍ وفي أي وقت، بقى وِضاء مكانه صامتًا بينما تقدَّم زياد وأمرَ بحزمٍ ورسمية ماهي بالخروج قائلًا: ”أُريدُكَ في الغرفةِ وحدكَ يا سيد سِراج“
أومأ سِراج وقال لماهي بهدوءٍ ووجهٍ لا ينمُّ على شيء: ”اخرجي“
خرجت فبدأ التحقيقُ بسحب زياد كرسيًا صغيرًا كان بالجوار والجلوس عليه هاتفًا: ”سيد سِراج شمسُ الدين أنتَ مُتَّهم باقتحام منزل السيد أيهم البُحتري مُسلحًا ثمَّ تعديك عليه وعلى أسرته بالرصاص الحي فما أقوالُكَ في ما نِسِبَ إليك؟“
أجاب سراج بنبرةٍ ميتة: ”أنا لم أقتحم شيئًا لقد خطفَ زوجتي وأنا أردتُ انقاذها من بين يديه“
سجّال العسكري ما يقولان بينما ردَّ عليه زياد بتلقائية: ”السيدة رودين هي زوجةُ السيد أيهم شرعًا وقانونًا لذا فأينَ هي زوجتُكَ التي تدعي؟“
طالعه سراج بتألُّمٍ مُضاعف وهو يهتِفُ بغِلٍّ وغيرةٍ: ”لقد أجبرها على الزواج“ ثم تابع يُحاول التمسُّكَ بأي حبلٍ واهي: ”زواجهما باطلًا فهي كانت لا تزالُ على ذمَّتي وفي عدتي و..“
فنفى زياد قائلًا: ”لا يا سيد سِراج لم تكن على ذمتك أو في عدتك فالخُلعُ لا رجعةً به وعُدَّاتُها كانت بوضع الحمل وقد انقضت عدَّتُها عندما تعديتَ عليها وفقدت جنينها بسببك وهذه قضية أُخرى سنأخذُ أقوالكَ فيها في نهايةِ الجلسة، أما الآن فأجبنا عن المُحاكمةِ الأولى مُجددًا؛ هل لكَ أيُّ أقوالٍ أُخرى؟“
تهجَّمَ وجهُ سراج ليهتف بالقليل من التوتُرِ وهو يبتلعُ ريقه بعصبية: ”أُريدُ مُحامٍ، لن أتحدثَ قبل مَجِيء مُحاميي
ابتسمَ زياد بسخريةٍ ثم قال ببساطةٍ: ”أنتَ بالفعل تحدثت ويُمكِنُني الاكتفاءُ بهذا القدر“
ثم استقام قائلًا بجديةٍ وهو يُشيرُ بأصبعيه للعساكِر من خلفه: ”أنتَ رهنُ الاعتقال حاليًا يا سيد سراج على ذمةِ القضية وستُعرَضُ ما إن تتحسنُ حالتك على المحكمةِ لتُرافِع عن نفسِكَ في ما نُسِبَ إليكَ، إلى لِقاءٍ قريب“ خُتِمت جملته بوقوف رجُلانِ من الشرطةِ أمام المُجرِم بينما توجه زياد للخروج فنظر بعين وِضاء صاحبه الذي همَّ بالخروج أولًا بعد إلقاء نظرةٍ أخيرة على ذاك الحقير الذي أصابه تِيهُ مُفاجِئ زاحم الحقدَ والكراهيةَ في عينيه، خرج خلفه زياد الذي تركَ رجلان أخران على باب الغرفةِ ورجُلًا خامِس أمره بالوقوف أسفلَ نافِذةِ سراج المُطِلة على خارج المبنى والسادسُ كانت مُهمته الجلوسَ ومُراقبةٍ كاميرات المُراقبة مع أفراد الأمن في المشفى، نظرَ زياد لوضاء قائلًا: ”يُمكنُكَ الآن العودة بالسيد أيهم الذي أُطِلِقَ سراحه على ذمةِ القضية وسنُبلغه ونُبلِغُكَ بموعدِ الجلسةِ الأول إن شاء الله“
شكره وِضاء بخفوتٍ وامتنان فهمس زياد بمودة: ”لم أفعل أكثرَ مِن واجبي يا صديقي لا تقلق، أبلغ سلامي للسيد أيهم السلام عليكم“
ورحلَ زياد ليتجه وِضاء لجناح أيهم يطرقه ثلاثًا قبل أن تفتحَ ريتاج له قائلة: ”العمُّ وِضاء؟“
فأومَأ وِضاء بابتسامةٍ حنونة بددت كلَّ قساوةِ وجهه ليُجيبها بلطفٍ قائلًا: ”نعم حبيبتي، هل أنتنَّ جاهِزات؟“
أومَأت تُنادي جدتها ورودين اللتان خرجتا بابتسامتين هادِئتين فأخيرًا أيهمَ سيعود معهنَّ سالِمًا، سألت الأمَّ بلهفةٍ وهي تنظرُ حولها برفقٍ قائلة: ”أينَ ذهبَ أيهم يا وَلدي؟“
فقال وِضاء مُهدِّئًا إياها: ”أنه مع أدهمَ بالأسفلِ لا تقلقا“
وبالفعل كان أيهم يُنهي بعض الأوراق سريعًا ويُراجع على وجه السرعة أخبار المشفى وآخر المُستجدّات بها قبل أن ينزلَ أهله ويصحبهما للمنزل، عادت النساءُ الثلاث مع أيهم بينما صحِبَ أدهم سند ليُعيده للفندق أما وِضاء فلحقَ بأيهم ليطمَئنَّ على وصوله للمنزل ثم قرر الذهاب والبحث عن ياسيف المُختفي منذُ أكثرَ مِن سبعةِ عشر ساعة على غيري عادته ولا أحدَ يعلمُ عنه أيَّ شيء!
❀•❀•❀
بصعوبةٍ استطاعت أخذ ما بيده لتأخذ منه صورًا بواسطةِ طابعةِ أبيها الشخصية ثمَّ أعادت المستندات الرئيسية مكانها والتفتت لخيّال المُتهجّم بصمتٍ والمُتجمِّدَ مكانه بوجهٍ مُقفر لا يَنِمُّ على شيء.. رقَّ قلبها المُتحجِّرُ لحاله فتوجهت إليه وأمسكت بمِرفقه بحِنوِن وهي تقول برفق: ”هيّا لنذهب“
اقشعرَّ بدنه تأثُّرًا فاهتزت مُقلتيه وبلع ريقه لينظر لها بعمقٍ للحظاتٍ قبل أن تحتدَّ ملامحه ويسير معها بقوةٍ وهالة عِملاقة سوداء تُغلِّفه، وصلا للمنزل فهمست له بتفكيرٍ: ”ماذا سنفعلُ الآن؟ هل ستبحثُ عنه!“
لتقسى ملامح وجهه أكثر وهو يأخذُ منها الملفَّ وينزع منه ثلاث ورقاتٍ ثم يخرجُ من الشقةِ قائلًا بجمودٍ خشن: ”سأتصرَّف
لتهمس هي مُعترضةً بغضب: ”ماذا تعني بـ 'أتصرف'؟ الخطَّةُ خطتي فلا تُثنيني منها أفهمت!“
التفت لها وهو يُطالِعها بعينين ميتتين قبل أن يقول ببرودٍ نزحَ لعمودها الفقري: ”هُنا أنا القائد وأنا مَن أُقرِّرُ كيف تسيرُ الخطة ومَن يُستثنى منها“
بعدها غادرًا مُغلقًا الباب خلفه تارِكًا إياها تحترقُ بكلماته قبل أن تهمس بابتسامةٍ خبيثة ماكِرة: ”حسنًا أيُّها الغليظُ لنرى مَن القائدُ حقًا“.
❀•❀•❀
دمعت عينها لتُبعد يداها برفقٍ ثم قرَّبت رأسها منه قائلة بارتعاشٍ شديد: ”والدي لم يَمت
تخدَّر طِلال مكانه ليستوعب قليلًا مقصدها ثم يهمسُ باستنكارٍ: ”لكن كيف! ماذا تعنين؟“
سالت دموعها وهتفت بارتعاشٍ: ”جاءني قبلَ الحادِث بساعاتٍ فقط رجُلًا غريب وهددني بقتل أبي إن لم اتصرف وأُدبِّرَ له مبلغًا من المال“
ثم زاد بكاها وهي تشهقُ قائلة بصوتٍ مكتوم: ”لا أدري إن كان حقًا على قيد الحياة لكنّي خائفة، أيُمكِنُ أن يكونَ حيًّا للآن؟“
شعرَ طِلال أن الموضوع يتسع فقرر أخذها بعيدًا ليسمعَ منها على مهلٍ أولًا لذلك عاد بها للسيارةِ قائلًا باستعجالٍ لأمه ولؤلؤة: ”اهتمّا بحور أرجوكما يا أمي ويا لولو“
أومَأ بغرابةٍ بينما هتفَ الأبُّ صائحًا: ”إلى أين؟“
فقال طِلال مُصطنعًا المُزاح وهي يصعدُ للسيارةِ: ”سأخطِفُ عروسي ساعةً وأعود“.
وصلا لمكانٍ هادِئ فحملها وأجلسها على سور النهر المصنوع من الحِجارةٍ العريضة ثم جلس جوارها وطلب لهما اثنان من عصيرٍ طبيعي اختارته بنفسها ثم همسَ لها قائلًا: ”الآن يُمكِنُكِ أخباري بكل ما في جُعبتك؟“
ظلَّت تتحدثُ وتتحدثُ وتُخرِجُ كل ما في صدرها، تقصُّ عليه تارة تفاصيل حادِث أبويها بخنقةٍ ودموعٍ جارية على وجنتيها وتارة أخرى تقصُّ عليه مشاعرها وما أصابها منذُ تلكَ النكبة وما خلفته وراها، حكت وكأنها كانت تنتظرُ تلكَ اللحظة بفارغ الصبر، حكت وكأنها أخيرًا التقت برفيق دربها الذي فقدته منذُ سنواتٍ عديدة وها هي أخيرًا وجدته، حكت حتى لفَّها النُعاسُ وأسقطت رأسها بضعفٍ على كتفه فاحتضنها برفقٍ ونعومةٍ كي لا تسقط ثم أخذَ نفسًا عميقًا وهو ينظرُ أمامه بشرودٍ وحنو، برفقٍ اخرجَ هاتفه ثم هاتف أحدهم قائلًا باحترام: ”زياد بيه؟“
فأجابه الضابط زياد بحزمٍ قائلًا: ”دكتور طِلال اهلًا بكَ
حيّاه طِلال ثم همس باستفهامٍ: ”أُريدُ مُساعدةَ حضرتك في التحري حول حادِثٍ حدثَ على الطريق السرير منذُ فترة وأُريدُ التأكد من هوية بعضَ شهداء الحادث وبصراحة لا أجدُ أفضلَ من حضرتك لإفادتي
فأجابه زياد بابتسامةٍ رسمية بعض الشيء: ”أرسل لي البياناتِ يا دكتور في رسالةٍ وسأقضي لكَ حاجتُكَ بمشيئةِ الله“
شكره طِلال وثم انتهت المكالمة فحمل طِلال غالية مُجددًا ووضعها في السيارةِ قائلًا بحبٍ وحنو: ”لا تقلقي غالية، لن اسمح لدموعكِ بالهبوط ما دمتُ حيًا
تبع كلماته بتقبيلها قُبلةً خافتة مُمتلئة بالمشاعر الجيّاشة فوق جبهتها المُغطاةُ بالنقاب الأبيض ثم استدار ليجلسَ مكانه في السيارةِ عائدًا لمنزله.
❀•❀•❀
أنتَ! لو سمحت؟ اسمعني يـــا..“
شعر الشابُّ بمَن يُهسهِسُ له فالتفتَ يبحثُ عن الصوت حتى وجدَ شخصًا يُناديه من خلف سيّارةٍ قديمة مُتهالِكة في الشارع فاقترب منه بحذرٍ ليهتف له بريبةٍ: ”ماذا تُريد؟“
فقال ياسيف بتعاطُفٍ: ”هل معكَ رصيد؟ أُريدُ مُهاتفةَ أحدهم“
صمتَ الرجلُ بتفكيرٍ وهو ينظرُ لحالة الشخص أمامه الذي كان عاريًا يُحاول مُدارات جسده خلفَ السيّارة: ”لا تنظر لي هكذا لقد ثبتني بعض الحقراء ولا أعرف كيف أتواصل بأصدقائي
ضحك الرجلُ بلا قصد وهو يخلع قميصه قائلًا لياسيف: ”يا إلهي لا أُصدق“ ثم حاول كتم ضحكته قائلًا: ”خذ واستر نفسكَ
ارتدى ياسيف القميص الذي كانت كبيرًا عليه على مُضض فقال الرجل بفكاهةٍ وتنمر: ”أعطني رقم شخصٍ ما ليأتي ويُنقذك يا صغير“
فقال ياسيف بنفاذ صبرٍ حتى يأخذ من ذاك المتنمر الوقح مراده ثم يقتصُّ منه: ”لا أحفظُ لهما أرقامًا“ فصمت الشاب وقال بعبوسٍ: ”هذه مزحة أليسَ كذلك؟“
فنفى ياسيف قائلًا: ”لا أنا حقًا لا أحفظُ الأرقام“
فهمس الشاب بعجرفة: ”وكيف تتوقعُ مني أن أُهاتفهم؟“
فقال ياسيف بثقةٍ وهو يُرجعُ نظارته للخلف، نظارته التي تركوها له بكرمٍ منهم بعد أن وجدوا أنه لا يرى دونها: ”صديقي هو أيهم البحتري مالك مجموعة البحتري للمستشفيات الخاصة وأنا احفظُ الرقم الساخن للمشفى وبهذا سنتصلُ بهم أولًا ونطلبَ منهم رقم أيهم أو أدهم وأيُّ واحدٍ منهم سيأتي لي“
صمتَ الشابُ قليلًا ثم أخرج هاتفه بلامُبالاةٍ وهمس لياسيف ببرودٍ: ”أرجو أن تكون صادقًا
أملاه ياسيف رقم المشفى فأجابته خدمة العملاء قائلةً: ”السلام عليكم مجموعة البُحتري في الخدمة، تفضَّل سيدي بماذا أُساعِدُكَ؟“
فأجاب ياسيف بثقة: ”أُريد رَقم دكتور أيهم من فضلك؟“
استنكرَ الشابُ قائلًا: ”عفوًا سيدي لا أفهمك!“
فقال ياسيف بتوضيحٍ: ”رَقمَ أيهم صديقي مالك مجموعةَ المشافي هذه..“ ثم عاد في حديثه قائلًا: ”أو أقولك لكَ اتصل به وأخبره إنّي ياسيف صديقه وأحتاج إليه“
اعتذر الشاب بلباقةٍ: ”عذرًا سيدي، هذا غيرُ مسموح كما أني حقًا لا أمتلكُ رقم هاتف السيد أيهم لذا لا استطيعُ الاتصال به، أيُّ شيءٍ آخر؟“
ضحكَ الشابُ بسخرية فاغتاظ ياسيف وصاح في الشاب المُتخصص في الإجابة على الهاتف قائلًا: ”إن لم تُعطني رقمَ أيهم سأجعله يفصِلُكَ أتفهم؟ سأشكيك له هل سمعت! يا هذا.. أنتَ..“ صمت ياسيف مُبرمًا لشفتيه فهتف الغريبُ بشيءٍ أقرَبَ للإقرار قائلًا: ”أغلقَ الخطَّ في وَجهكَ!“
صمتَ ياسيف حانقًا فضحكَ الشابُ بقوة ليقول ياسيف بإلحاحٍ: ”سأُجرَّبَ مرّة أخرى“
لينتزعَ الشاب منه الهاتِفَ قائلًا: ”توفيرًا عليّا وعليكَ ما رأيُكَ بأن أوقف لكَ سيارةَ أُجرى تُوصِلُكَ حيثما تُريد؟“
فاعترضَ ياسيف قائلًا: ”ليسَ معي نقود ولا حتى مفاتيح شقتي“
ليُجيبَ الشاب ببساطةٍ: ”ادفع له عندما تصل واذهب لأحد أصدقاءك الذين تحاول الاتصال بهم“
ليفركَ ياسيف يديه قائلًا: ”حسنًا لكن ماذا سيظنُّ بي أهله إن رَأوني هكذا؟“
”يا للفضيحة ماذا تظُنَّان أنكما فاعلان أيها الحقيران قليلا الأدب!“
تلكَ كانت جملةُ أحد الجيران الذي خرج من بيته صدفةً ورآهما بهذا المنظر؛ أحدهما عاري الصدر والآخر لا يرتدي سروالًا!
دلف الرجلُ لمنزله بينما تطلع الشابان لبعضهما بترقُبٍ وخوف فخرجَ الرجلُ مُجددًا بعصًا كبيرة وغليظة وهو يهتِفُ بغل: ”سأُربيكما يا قليلا الحياء لأخلصَ الناس من عهركما
”أجري“ تلك كانت صرخةُ الشاب الذي هرول مُبتعدًا لياسيف الذي لحق به صارخًا: ”ضاعت هيبتي ضاعت هيبتي“
ليُجيبه الشابُ بسخريةٍ وهو مستمتعٌ بالمُغامرةِ التي حصلَ عليها: ”وضاع شرفُكَ أيضًا لا تنسى“
بدأ ياسيف بندب حظِّه بينما تابع الشاب بالقليل من الجدية: ”ماذا قررت؟“
فهتف ياسيف مُضطهدًا: ”أيٌّ شيءٍ الآن لن يكون أسوَأ مما أنا فيه الآن“
لاحق حديثه ركضُ كلبٍ خلفهما ينبحُ عليهما فصرخ ياسيف قائلًا: ”كنتُ مخطِئًا هناكَ الأسوَأ
بينما وقفَ الشابُ وحمَل حجرًا من الأرض يُهَوِّشُ الكلب به فتراجع الكلبُ بجُبنٍ بينما وصلا ياسيف للطريق السريع فوقَف يُخَبِّئ نفسه خلفَ جِدارٍ مُتهالِك حتى وصلا الشاب إليه ضاحكًا وهو يتنفسُ بقوةٍ قبل أن يتجه للطريق قائلًا: ”سأُوقِفُ لكَ شيئًا“
بعدَ قليلٍ عاد له بسيارةِ أجرة فركبَ بسرعةٍ وأغلقَ ياسيف الباب خلفه ليهمسَ للشاب بسرعةٍ: ”قميصُكَ؟“
ليُجيبه الشاب بابتسامةٍ لعوبة: ”استر به نفسك فالزمانُ باتَ غيرَ آمنٍ وأنتَ الآن مَطمعٌ للجميع“ احمرت أُذنُ ياسيف ووجنتيه وهو يُغلِقُ القميصَ عليه قائلًا بتلعثمٍ: ”ماذا تقصد؟“
ضحِكَ الشاب بتلذذٍ لحالةِ ياسيف ثم ابتعدَ قائلًا وهو يُغامِزه بمكرٍ: ”ســلام
تحركت سيارةُ الأجرة فأخرج ياسيف رأسه وهمسَ ببعض العبوس والغضب الخجول: ”على الرغم من ثقل دمك وغلاظتكَ وفلَّة أدبك إلّا أنكَ شهمٌ وشُجاع لذا..“ صمت قليلًا ثم قال بسرعةٍ وهو يعود للكرسي: ”شكرًا لك“
رحلَ ياسيف بالسيارةِ بينما الشاب شردَ بابتسامةٍ قد عادت لهمِّها، عادت حياته لرتابتها وبؤسها.
بعدَ لحظاتٍ سأل السائِقُ ياسيف وهو يتفحصه بعينيه بنظراتٍ غريبة: ”إلى أين يا أستاذ؟“
طالعه ياسيف فوجده رجُلًا غليظ الهيئةِ بعينين سوداويين قاتمين وشارِب طويل شُعيراته مُقصَّفة والشارِبُ يتدلى من على جانبي ثغره، ليبتلِعَ ريقه بتوترٍ وهو يُمليه العنوان ودون قصدٍ تشتدُّ يداه حول قميصه وكأنه يُحكم إغلاقه جيدًا، طالت نظراتُ الرجل المشبوهة نحوه فتحشرجَ صوتُ ياسيف وهو يُفكِّرُ في جملةِ ذاك الشاب بهلعٍ 'استر به نفسك فالزمانُ باتَ غيرَ آمنٍ وأنتَ الآن مَطمعٌ للجميع' ليقول بقليلٍ من التماسُكِ: ”إلى ماذا تنظر؟“
ظلَّ السائقُ يُطالِعه من مِرآته لفترةٍ اهلكت اعصاب ياسيف مما جعله يهتِفُ بعصبيةٍ: ”انزلني هنا“
ليقول الرجلُ ببطِءٍ وهو ينظرُ للطريق أمامه: ”لما العجلةُ سيدي!“
❀•❀•❀
على طريقٍ شديدا الظلام وقَفَ بسيارته، جرجره خلفه مُخرجًا إيّاه من السيارةِ بعنفٍ حتى رماه على الأرض أمامه، كان الرجلُ يترجى خيّال ببكاءٍ ولهاثٍ أن يعفوَ عنه لكن خيّال أصمَّ أُذنيه عن بكاءه وتركه في الخلاء ليعودَ لسيارته بجمودٍ ونظرات عينيه ميتة منزوعٌ عنها الرحمةُ والشفقة، ركب سيارته ثم رجع للخلفِ عدَّةَ أمتار ثم ساق السيارة بسرعةٍ مُفزعة نحو ذاك الرجل المقيد الذي صرخ صرخةً شقَّت عنان السماء وهو يهتفُ: ”سأعترف“ وقفت سيارةُ خيّال في اللحظةِ الأخيرة فنزل خيال منها مجددًا بشموخهِ المُعتادُ ليقول الرجلُ بلهاثٍ وهو يسقطُ أرضًا بعدما خارت قواه: ”أنا.. أنا الفاعِلُ أنا آسف، أنا آسف سأُخبِرُكَ بكل شيء“
استندَ خيال بظهره للسيارةِ مُنتظرًا من ذاك الحَقيرُ مُتابعةَ حديثه بينما الرجلُ بدَأ في قص كل شيء ومنذُ البداية.
❀•❀•❀
وصلت للمنزل القديم المُتهالك، طرقت الباب لتفتح لها سيدة تبدو في مُنتصف الثلاثين، جفونها حمراءٌ ومُهببة بسوادٍ يُلوِثُها بالكامل، تحملُ طفلةً صغيرة مُنهارة في البكاء بين يديها وطفلةٌ أخرى أكبر سنًا مُتعلقة في جلبابها وتقفُ خلف قدميها، ابتلعت تاج ريقها قائلًا: ”أينَ السيدُ حنفي؟“
لتقول السيدة ببكاءٍ حار: ”أخذوه يا سيدتي، جاء رجُلان مُلثمان وأخذاه معهم“ ثم تابعت بنحيبٍ: ”ماذا فعلَ حنفي لتسألوا عنه وتأخذوه أرجوكِ اجعليهم يُعيدوه لنا أرجوكِ سيدتي أرجوكِ
هدأتها تاج بصلابة وهي تهتفُ بجمودٍ عاقدةً ما بينَ حاجبيها: ”أهدي يا مدام، سيعود إن كان بريئًا
تراجعت السيدة للخلفِ وتترنح بوهنٍ فسقطت الطفلة مِن بين يديها بينما الطفلةُ الأخرى تصرخُ فزِعة لتتدخل تاج بسرعةٍ وتحاول اللِحاق بالسيدة قبل سقوطها وفي نفس اللحظة يُغلقُ الباب بقوة وتضحك سيدةٌ أخرى كانت خلفَ الباب بمرقعةٍ بينما الأولى تفيقُ من ترنحها المزعوم وتهجمُ على تاج قائلة: ”امسكناكِ يا ساذجة“
تنحني تاج بعيدًا وتفرُّ من قبضةِ السيدة فتقوم الأُخرى بمُلاحقتها وتُحاصر تاج بينما لتهتفَ بشراسةٍ: ”تظنان أنكما قادرتان على امساكِ!“
فتقول الأولى بخبثٍ: ”لا نظن؛ نحنُ مُتأكدتان“ بينما الثانية تسحبُ سكينًا وتضعه خلفَ ظهرها وهي تتقدمُ من تاج بتمهُّلٍ مُبتسمة، بحركةٍ سريعة تدعي الأولى أنها ستهجمُ على تاج فتتراجعُ الأخيرة بسرعةٍ و..
تأوهٍ مكتوم أثر طعنةِ سكِّينةٍ غادِرة أصابت الهدفَ بجدارة.
❀•❀•❀
وصلَ للمنزل يحملها بين يديه، دلفَ للبيت فإذا بوالدته جالِسة قُربَ الباب تقرَأُ آيات الذكر الحكيم بخشوعٍ وحور فوق قدميها نائمة برقةٍ وبراءة، ختمت تلاوتها ثم وضعت حور برفقٍ على الأريكة وبعدها تقدمت من ولدها الذي خلعَ حذاءه بسلاسةٍ باستخدام قدمه ثم دلف بغالية لغرفته، فهمست والدته باستفهامٍ: ”أستنامُ في غرفتك؟“
فالتفت طِلال لها وهمس بلوم: ”غالية زوجتي على سنَّةِ الله ورسوله يا أمِّي فلا تجعليني أشعُرُ بأنِّي أقترفُ سوءًا، مع ذلك لا تقلقي ستنامُ هي بغرفتي مع حور أمَّا أنا سأنامُ على الأريكةِ خارجًا
أومَأت والِدته ثم عادت لتُحضرَ حور بينما دلفَ طِلال بها وابتسم لرؤية ملامها الرقيقة وهو يُنازِعُ لينزِع عنها نقابها ومِن ثمَّ قفازاتها وجوربها، اقتربَ بوجهه منها وهو ينخفضُ بوتيرةٍ هادِئة ليُقبِّلَ وجنتيها وفي اللحظةِ الأخيرة قبل أن يلمسها دلفت والدته فانتفضَ مُبتعدًا وهو يتنحنحُ قائلًا: ”حـ.. حاولتُ فقط أن.. أن أفكَّ حجابها كي لا يُضايقُها أثناء النوم“
ضحكت الأمُّ بفطانةٍ ثم قالت بلؤم: ”والحجاب في وجنتيها أيضًا؟“
فتخضبت وجنتي طلال قائلًا بحشرجة: ”سأذهبُ لأغتسل
علت ضحكاتُ الأم لتضعَ حور قُربَ غالية وتدسهما بالغطاء جيدًا ثم تخرُجَ قائلة: ”مُنتهزٌ للفرص مثلَ والِدكليُقابلها زوجها قُربَ الباب قائلًا بمُلاطفة: ”مَن هذا المُنتهِزُ أخبريني ها؟“
فدفعته وهي تتوجهُ لغرفتها قائلة بحياءٍ: ”عيبٌ يا مُحمَّد تأدَّب الأولاد هنا“
فضحكَ برجولةٍ قائلًا: ”الأولاد ناموا يا روحَ مُحمَّد“ ثم جذبها خلفه هاتفًا بخبث: ”وبما أنّي مُستغلٌّ للفرص اسمحي لي باغتنام هذه الفرصة يا حبيبتي“
فضحكت عاليًا قائلة بخجلٍ يزداد بنعومةٍ مع ازدياد سنواتِ عمرها: ”مُحمَّد!“.
❀•❀•❀
وصلا للمنزلِ بعد يومٍ طويلٍ وشاق، جلسَ قليلًا برفقةِ أهله قبل أن تنام ريتاج بين يديه ووالدته في حضنه وقُربَ صدره أمّا رودين فاستأذنت وطلبت الصعود لغرفتهما بالأعلى، بعدَ فترةٍ ساعدَ والدته في الصعود لغرفتها ووضع ريتاج في سريرها ثم دسَّها جيدًا بالغطاء وبعدها اتجه لوالدتها وتأكدَ أنها أخذت أدويتها ودسَّها هي الأخرى جيدًا بعدها اتجه لجناحه، حيثُ كانت رودين قد بدلت ملابسها ونامت على السرير تبكي بصوتٍ مكتوم وخزيٍ شديد، ضميرُها لا يكفُّ عن لومها واخبارها أنها السبب!
خلعَ أيهم ملابسه ثمَّ اغتسل وارتدى ملابسَ نظيفة بعدها عاد لسريره يتأوه بخفوتٍ، انزلق اسفَلَ الغطاء واقترب منها، بحنانٍ أنزل كفه أسفلها وبالكف الآخر أحتضنَ خصرها وقرَّبها منه حتى التصق ظهرها بصدره، سمع نحيبها المكتومُ فلفها برفقٍ إليه ليرها مُنتفخةَ الجفون من شدَّةِ البكاء دموعها تسيلُ كشلَّالٍ فوق وجنتيها، مسح دموعها بقلقٍ قائلًا بصوتٍ أجش: ”ماذا حدث؟ هل أنتِ بخير؟“
أومَأت بخفوتٍ فأعاد سؤاله باهتمامٍ أكبر وقلقٍ مُضاعف: ”إذًا لماذا تبكين؟“
شهقت بأسفٍ وهي تهتفُ بتقطُّعٍ: ”أنا آسفة، آسفة لكلِّ ما حدث أنا.. أنا لم أتخيَّل أن يحدُثَ هذا، لم أُرِد أن أُعرضكم جميعًا للخطر أنا..“
فأوقفها وهو يضعُ سبابته فوقَ شفتيها بحُلمٍ وابتسامةٍ رائقة قائلًا: ”لستِ السبب، حتى إن كنتِ كذلك ففداكِ روحي“ طالعته بخفقانٍ فتطلَّع في عينيها بحنوٍ وهو يُتابِعُ مأخوذًا بصفاء البحرِ في عينيها: ”رودين.. أنتِ زوجتي، زوجةُ أيهم البُحتري؛ أتعلمين معنى هذا؟“
طال الصمتُ قليلًا حتى ضمَّها بقوةٍ لصدره وهو يهتِفُ بمشاعِر جيّاشة قائلًا: ”يعني أنَّكِ الآن بت حرمي المصون عن كل مكروهٍ وسوء“ ثم أبعدها قليلًا ولثمَ جبهتها قائلًا: ”رودين..“
فطالعته مأخوذةٌ بكلماته وهمساته ولمساته وتصاعد لهيبُ جسدها ليُكمِل أيهم برغبةٍ جمَّة: ”أتركي كلَّ شيءٍ لي ولا تفكري سوى بأنَّكِ امرأتي وسيدةُ هذا القصرِ وفقط“
ثم اقترب أكثر وأكثر إلى أن قال أمام شفتيها بتيهٍ: ”أنتِ لي للأبد“ وتناول بعدها كرزتيها بنهمٍ ليذوبا في عاصفةٍ هوجاء ضمّتهما بين طيّاتها لتنقلهما إلي عالمهما الخاص، عالم مُحرَّمٌ على غيرهما دخوله أو الاقترابُ منه.
❀•❀•❀
”ماذا هناك لماذا ما زِلتي مُستيقظة؟“
ابتسم له بحبٍ وتشويشٍ قلِق ثم همست ببالٍ مَشغول: ”أخي طِلال هناك ما حدث..“ وضعَ طِلال المنشفةَ التي خرج بها لتوه من المِرحاض جانبًا ثم تقدمَ منها وأمسَكَ بيدها قائلًا: ”ماذا حدث اخبريني؟“
فقالت بتوترٍ ولا تعرف إن كانت ما تفعله صحيحٌ أم لا: ”ياسيف هاتفني على تطبيق الرسائل منذُ قليل وطلب مني مُلاقاته في مكانٍ بعيد قليلًا ودون عِلم أحد“
نظرَ طِلال للساعة بغرابةٍ ثم عاد بعينيه إليها قائلًا باستنكار: ”الآن!“
فقالت بتلكُّؤٍ: ”نعم، لا أعلمُ سببَ إصراره الغريبُ هذا، أخشى أن يكون قد أصابه مكروهٍ فقلبي ليسَ مُطمَئنًا أبدًا“
أومَأ طِلال لها وقال ببعضِ الغيرة: ”لا تذهبِي لأحد، بناتُنا لا يَجرُجنَّ وحدَهنَّ في هذا الوقتِ المُتأخر، سأذهبُ أنا لمُلاقاته لأرى ما يُريده دكتُور ياسيف هذا“
أومأت وهي تقولوا بقلق: ”لا تذهب وحدَكَ يا طِلال فأنا قلِقة للغاية“
أومأ بحنانٍ قائلًا: ”لا تقلقي سأكون بخير، انتبهي أنتِ لحور وغالِية ودعي الباقي لي“.
❀•❀•❀
”نعم سيدي الفتاةُ على وصول، حسنًا لا تقلق سأفعل“ ثم أغلقَ الشاب مع سيده واتصلَ بآخر قائلًا له بفحيحٍ خبيث: ”هناك شخصٌ سيأتي لمُقابلتي الآن، أقتله بلا تردد“
ليُجيبَ الطرفَ الآخر بجديةٍ وحزم: ”أعتبره قد تم“.
❀•❀•❀

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ❤
كيفَ حالكنَّ؟
أتمنى تكون الأحداث مُشوِّقة، مُنتظرة آرائكم بشوق وشكرًا لكل شخص بارك لي وكل حد انتظرني كل الفترة السابقى أنتم في القلب 🥺❤❤❤❤
قولولي أخباركم إي لحد هنا 😂؟
الأحداث بدأت تحمى بصراحة وأنا متشجعة أكتب كل إلي جوا راسي، عندي أحداث كتيرة بس محتاجة والوقت بس مش أكتر 🤧🔥
مُنتظرة تعليقاتكم وأسيبكم بقى علشان أروح أشوف كومنتات الفصل السابق 🏃‍♀️👋
عارفة أنكم متوقعتوش أني أنزل دلوقتي فصل فإي رأيكم لي المفاجأة دي علشان تعرفوا أني مش حرماكم من حاجة بس 😌🤌
😂😂💙

منى علاء شاهين
الجيش الأزرق Blue army 🌍💙

استوصوا بالحبيب غزلًا "للكاتبة منى علاء شاهين"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن