12- خطيئته التي لا تُغتفر

480 43 122
                                    

الجزء الثاني عشر
خطيئته التي لا تُغتفر

”زواجنا طبيعيٌ يا رودين، أنا أُريدُكِ زوجةً حقيقيةً لي بكل ما للكلمةِ من معنى“ ثم تقدمها ليفتح باب الغرفةِ قائلًا بابتسامةٍ بشوشة: ”أنرتِ غرفتك!“ مسلوبةَ الأنفاس تقدمت.. وبعد رعشةِ الهيبةِ أصابها التوتر ولفحها عِطره المُميز، الشُرفةُ المُقابِلةُ لها استقبلتها بنسماتها البارِدة وضوء قمرها المُنيرُ بسحرٍ في سمائها، أَشعل أيهم الضوء فظهر لها أثاث الغَرفةِ الهادِئة بأناقةٍ سلبت لُبها، الأبيضُ الجذّاب مع الرمادي الفاتح الأنيق يُلوِّن كل ما حولها مُتداخِلًا مع الخشب الزان اللّامع وبعض النباتات الداخلية التي تُضيفُ للمكان روحًا نقية تبثُّ بداخِلك راحةً واسترخاء لا مثيل له..
”أعجبتكِ؟“ سألها بخفوتٍ وترقب فطالعته بذهولٍ وهي تبتلعُ ريقها بوجل، ما يحدث الآن كبير، أيهم بشحمه ولحمه يهتم برأيها ويسألها عنه بعدما قال صرِاحةً أنه يُريدُها زوجة ولن تكون مع وقف التنفيذ كما رجَّحت، صحيحٌ أنه منذُ فاتحها في موضوع الزواج ووافقت وهو يُعامِلُها كأنها خطِيبته لكن تاج اخبرتها أن هذا لازمٌ كي يستكملا خطتهما، لكنه.. كيف تصفه!
هو ليس مُجردَ خاطب.. لقد كان يحتضنها بطلته الرجولية وحمايته اللامُتناهية رغم كونه لم يتخطى حدوده ولو لمرّةٍ واحدة وهذا ما جعلها تعتقد أنَّ ما يفعله بدافع من الواجب وإتقانًا لدور الخاطِب الذي أُجبر عليه.. ارتعش فؤادها وهي ترفعُ عيناها الخجولة المُتوترة لعينيه الحانية المُنتظرة لرأيها فأخذت نفسًا عميقًا وهي تفكِرُ بعمقٍ في كل ما سبق؛ رغم قِصر فترة خطبتِهما إلّا أنها أظهرت تباينه الكُلّي عن سراج في كل شيء حنونه تفهمه جديته وكل ما فيه يجعلها مأخوذةً به مسلوب الأنفاس تُجذبُ نحوه بلا أدنى مُقاومة.
”رودين؟“ همس بخفوتٍ يهُزُّها برفقٍ فانتبهت كليًا له بعد انتفاضةٍ صغيرة ثم همست بتلعثمٍ وتوتر وهي تدور بعينيها في المكان حولها: ”جـ جميلة“
ابتسم براحةٍ أخيرًا وهو يزفرُ بخفوتٍ: ”الحمد لله، بصراحة أنا أحبُّ الهدوء والاسترخاء لذلك أجددُها باستمرارٍ دون أن أُخِلَّ بروحها المُميزة، لكن إن لم تُعجِبُك كنتُ سآمرُ بتغييرها لكِ فورًا ففي النهاية هذه غرفتُك“
الكلمةُ الأخيرة بعثرتها لكنها في لحظةٍ تداركت نفسها وأومأت مُتفهمة وهي تقول بحياء: ”لا أُريد تغييرها لقد أحببتُها“
ابتسم بسعادةٍ وهو يقتربُ منها بتمهُّلٍ قبل أن يُمسك بكفيها الصغيرين الباردين قائلًا باحتواء: ”أُريد مُشاركتكِ حياةً دافِئة طيبة يا رودين، أعلمُ أنَّ الأمر جاء سريعًا ولم يأخذ كلانا حقّه في التعرف على الآخر لكنِّي استخرتُ ربِّي وارتاح قلبي لكِ فهل تقبلين بي زوجًا ورفيق دربٍ لكِ؟“
تخضبت وجنتيها وتلعثمت في كلماتها، لا تُصدِّقُ أن هذا الكلام مُوجَّهٌ لها، بل لا تصدِّق أنه يصدرُ من أيهم نفسه!
ابتلعت ريقها وقلبها النابض يخفقُ بقوّةٍ داخل صدرها، يُريدُها زوجةً له؟
رَفيقةُ درب؟!
أسيتزوج بعدها مِثلما فعل سراج؟ لكن والدته أخبرتها أنَّه مُطلق منذ أعوامٍ تُنافِس عمر ابنته ولم يُفكر في تكرار الأمر والزواج مرّة ثانية أبدًا!
اهتزَّت حدقتيها وخفضت عيناها وكفيها ترتعشُ بين يديه، ماذا لو عنفها أيهم؟
من قبل حمتها تاج من سراج فمَن سيحميها الآن من أيهم؟
لمَن تلجأ بعدما صارت وحيدة والغربةُ الموحشة تأكلها.. والِداها بالتأكيد الآن نسوها، يعتبرونها الآن ميتة، لماذا عصتهما وحاربتهما لتتزوج بسِراج؟
ما الذي جنته من هذا العِصيان!
”رودين؟“ همس بخفوتٍ يستجذبُ انتباهها للمرةِ الثانية فرفعت عينيها المليئة بالدموع نحوه لتجده يُلامس وجنتيها برفقٍ شديد وكأنه يخافُ خدشها قائلًا ببحةٍ رجولية قاتلة لقلبها المسكين المُتلهف لمثل هذه العاطفة التي يُحدِّثها بها: ”لا تخافِ ولا تُفكري في شيء، اتركِ نفسكِ لي ولن أجعلكِ تندمين أبدًا يا وصيّة رسولي“
ثار الخافقُ مُنقلبًا عليها، كيف لا تتأثرُ بكل ما يحتويها به.. ورغم كل هذه المشاعر المُتداخل اعترضت بصوتٍ واهي قبل أن تذوب أمامه من شدّة ما يُغلفها به قائلة: ”لماذا أنا.. أنتَ لا تُحبُّني“
صمت قليلًا فهذا ليس وقته، خفض عينيه لوهلة يُخبِّئُ عنها ما يجيشُ داخل جفونه ثم رفع عينيه إليها قائلًا بحسم وثقة: ”لأنَّكِ بِتِّ الآن زوجتي، لا يُهِمُّ الحُجّة التي تزوجنا بسببها المُهمُّ الآن أنكِ أمام الله ثم أمام الناس والقانون زوجتي، مِن نسائي؛ نساء أيهم البحتري وهذا أكثر من كافي لأجعلكِ تاجًا يبرقُ فوق رأسي“
والصدمةُ كانت من نصيبها عندما اختتم حديثه مُحتضنًا إيّاها بحنوٍ شديد وهو يهمسُ مُطمئنًا إياها: ”لا تقلقي لسنا مُتعجلين، سأجعلُكِ تعتادين على وضعكِ الجديد أولًا، سترين كيفَ تكونين زوجةً لأيهم البُحتري وأميرةً في مملكته“.
❀•❀•❀
قبل بضع ساعاتٍ
”طعامُكِ هذا قد يقتلنا بحلاوته يومًا ما فاحذري يا آنسة لأننا سنُقاضِيكِ حينها“ ضحكت حور ببشاشة ثم اتجهت نحو وائل وشرعا في تناول الطعام باستمتاعٍ أما غالية فتوقفت مكانها وبطنها تتلوى من الألم، مُزحةٌ وائل لا تُضحِك بل تُخيفُ بقوة! يا رب سترك وحفظك.
”اشربي القليل من الحساء الدافِئ حبيبتي حور فهو مفيد“ همس وائل بحنوٍ فاعترضت حور وهي تغلق ثغرها بكفيها قائلة: ”لا إنه مالِحٌ جِدًا“
”مالِح!“ استنكرت غالية بهتافِها فأكدت حور قائلة: ”نعم، أنه مقلب وأنا لن أقع به“
كان هذا دور وائل ليستنكر قائلًا وهو يُمرِّرُ عينيه دون فهمٍ بين حورٍ وغالية: ”مَقلب!“
فتقدمت غالية بانزعاجٍ وهي تُمسك بمعلقةٍ نظيفة قائلة بثقة: ”سأؤكدُ لكِ أنه ليسَ مالِحًا“ ثم تابعت بخفوتٍ وهي ترمق وائل بإحراج: ”لماذا قد أفتعلُ مقلبًا أصلًا أنا لستُ ساذجة ونحن لا نمزحُ هنا“
رفعت النقاب قليلًا من الجهة البعيدة عن وائل وتناولت غالية رشفتين من معلقتها ثم هتفت بتأكيدٍ: ”أتأكدتِ الآن أنّي لم أضع في حساءُ أي ملحٍ زائد!“
فتذمرت حور قائلة بتبرُّمٍ: ”ليس أنتِ بل الستُّ صفاء، لقد رأيتُها تسكبُ كيسًا كاملًا من الملح الأبيض بعد خروجكِ من المطبخ صباحًا عندما تركها فيه وحدها“
طالعها وائل باستنكارٍ مُدافعًا: ”لكن السيدة صفاء منذُ جئتم وهي لا تدخل المطبخ إلّا لِمامًا يا حور ولا دخل لها بإعداد الطعام!“
”لقد رأيتُها واللهِ“ قالت حور بإصرارٍ طفولي وهي تزمُّ شفتيها وتعقد زراعيها أمام صدرها أما غالية فقد شعرت فجأة بالقليل من الأعياء ثم دوارٌ تساقطت بعده حبّاتُ العرق على جبينها وهم من حولها لا يشعرون بمصابها حتى التفتت حور لها قائلة باستعطافٍ: ”أنتِ تُصدقينني يا غالية أليسَ كذلك؟“
ألتفت وائل لغاليها فرآها جامدة لا تُجيب لحظاتٍ واحتضنت بطنها بتوجُّعٍ تتأوه بخفوت، انتفض وائل مُتجهًا نحوها قائلًا بفزع: ”ما بكِ غالية!“
”بطني.. أتألم“ همست كلمتيها المُتقطعتان بصعوبةٍ بالغة ثم سقطت أرضًا تتلوى من الألم، بدأت تشعرُ باختناقٍ بطيء وكأن الهواء بات صَعب الوصول لرئتيها أو حتى المُرور عبر فتحتي أنفها، أسرع وائل نحوها بوجهٍ مُصفر ثم كشف عن وجهها بترددٍ وتوتر كي لا تختنق ويسمح لها بالتنفس عندما شعر باختناقها، طالعها باستحياءٍ يُحاول إداء وظيفته التي تتطلب منه بعض الجرأةِ ليُشخص حالتها ليجدها قد بدأت في الاستفراغ، دقق النظر في ما يخرج من ثغرها ليجد سوائل برغوةٍ بيضاء بدأت تُسالُ على الأرض أسفلها، تجمد الدمَّ في عروقه.. هو أمام حالة تسممٍ خطيرة بسُمٍّ بشع بدأ مفعوله في اللحظات الأُولى من بلعه: ”استفرغي يا غالية، لا تبلعي ما تناولته إن كان مازال في حلقكِ!“ صاح بهلعٍ وهو يميلُ إليها بتوترٌ لا يدري ماذا يفعل.. وكأنَّ عقله شُلَّ مِن الصدمةِ فنسى كيف يُسعِفُها!
اخرج هاتفه بسرعةٍ فائقة واتصل بصديقه الذي لم يُطِل ليُجيبه فهتف له بعصبيةٍ قائلًا: ”طِلال أريدُ سيارةَ اسعافٍ حالًا، حالةُ تسمم“
”غالية ردّي عليّ ماذا حدث؟“ همست حور بهلعٍ والدموع تسيلُ من عينيها أثناء جلوسها جواره على ركبتيها أرضًا مُلاصقة لجسد اختها الشاحب الذي يخيفها بقوة رغم جهلها لما يقوله وائل، ابتلع ريقه بأسى على تلك الصغيرة ثم انتبه لحديث صديقه الذي بلغ القلق منه منتهاه وهو يسأله عن هوية المُصاب فأجاب وائل بكلماتٍ مُتقطعة وقعها كان مُدويًا على قلب طِلال: ”غــالـ ـلية“
انقطع الخطُّ فدنا وائل من حور واحتضنها لتُخفي وجهها في صدره باكية: ”لولب لا تُجيبُني يا دكتور وائل، أنقذ لولي“
زاغت عينُ وائل وهو يحتضنُ الصغيرةَ بذهولٍ ينظرُ للطعام بصدمةٍ ثم يَعود بنظره لغالية التي تتلوى أرضًا بتألُّمٍ شديد وتُمرِّغ وجهها في الأرض من شدَّة الألم بينما الأرضُ من أسفلها قد امتلأت بما يخرج من جوفها من السوائل فشدد من عناقه للصغيرةِ قائلًا بذهول: ”أيعقل أن تكون الفاعِلة!
يا إلهي لا أُصدِّق“.
❀•❀•❀
صعدت لسيّارته بملامح ساكنة جامدة لا تكترث بأي شيءٍ حولها، جلست جواره ثم خلعت حقيبتها ووضعتها أمامها زافرة وهي تضعُ حزام الأمان فانطلق بدوره دون أن يُطالِعها بنظرةٍ أو يُحدِّثها بكلمةٍ واحدة، وصلا لشقتِهما الفارهة والموجودة في أرقى الأحياء السكنية فتوجهت لغرفتها ببرودٍ بينما يفكُّ هو أزرار قميصه ويتوجه للشرفةِ العالية يُطالِع سكون الليل خارجها بروحٍ مُثقلة بعتمةٍ لا مثيل لها وهو يزفرُ دخان سيجارته بشراهةٍ لا تقلُّ وإنما تزدادُ توحش وكلما انتهى من واحدة في نفسٍ واحد أو نفسين على الأغلب لاحقها بالثانية والثالثة حتى امتزج الدخان بروحه وبات يجري مجرى الدماء في أوردته، وصله صوتها حانقًا ساخرًا: ”هل ستبقى عندك لتُدخنُ أكثر!“
التفت لها وطالعها بابتسامةٍ مُتلاعبة وهو يرمقها من قمةِ رأسها لأخمص قدميها فيُدقق النظر في ملابسها الرِجالية التي ترتديها، سروالٌ قطني رياضي وفوقه بلوزة ضخمة شتوية رياضية وكلاهما باللون الأسود المُنافي للون بشرتها المائلة للحنطية قليلًا وعينيها العسلية المائلة لخضار البحر في يومٍ غائم،  شعرها الذي تُخفيه دائمًا أسفل قبعةٍ قطنية سوداء تُظهر عنقها النحيلُ الطويل والذي يُميزه ثلاث شاماتٍ صغيرة مُتقاربة تجعله يُفكِّرُ بانحرافٍ دائمًا، في النهاية.. المُلاكِمةُ العظيمة تاج سراج شمس الدين ما هي إلّا أنثى نارية تتشحُ بثوبِ الجمود والجحود وتحتاجُ لمَن يُروِّضها.. وهو كفيلٌ بهذا وأكثر.
رمى سيجارته التي لم يُنهيها واقترب منها ينفثُ الدخان في وجهها ويُلامِس ياقة بلوزتها بأنامله الماكرة بخبثٍ قائلًا: ”أتطلَّع لرؤية ما يَقبعُ أسفلها!“
ضربت كفه بعنفٍ تبعده عنها ثم قالت بحدةٍ نارية بعدما صارت عيناها حينها كجمرتين مُلتهبتين تُهدِّدانِ بالخطر: ”لا وقت لسخافاتك خيّال، هناك ما هو أهم وأُريدُ اطلاعك عليه..“
انتبه إليها بكل حواسه باطنًا وأظهر لها قناعه الساخر الجامِدُ وهو يعلمُ جيدًا أي موضوعٍ ستسلكه الآن ليهمسُ بنبرةٍ مُظلمة: ”هاتي ما عِندك..“
❀•❀•❀
في السيارةِ جلسُ جواره بحياءٍ بعد ما جلست أميمة مع أطفالها في الكرسي الخلفي، غطَّ طِفلان في نومٍ عميق أثر إرهاق هذا اليوم الحافل والثالث كان يُغلق عينيه بنعاسٍ فالتقفته أميمة بين يديها قائلة بحبٍ وحنو: ”تعالى ونم على صدري يا حبيبي“
طالعتها عفراء في المِرآة قائلة بحبٍ ورقَّةٍ تتميَّزُ بها: ”هل أحملُ عنكِ أحدهم؟“ نفت أميمة وهي تضمُّ أولادها الثلاث بحبٍ شديد، اثنان اتخذ من فخذها موضعًا لراحةِ رأسيهما والثالث الذي كان أصغرهما وقد قرر مُعانقتها والنوم واضعًا رأسه فوق صدرها فقالت بحنينٍ مُشتاق: ”أحبُّ تنفس رائحة والدهم فيهم فاتركيهم أنا مُرتاحةٌ هكذا“
شعر وِضاء بحزن أميمة فعقد حاجبيه سائلًا باستفسار: ”متى آخر مرّة أخذ زوجُكِ فيها عطلةً من العمل يا أميمة؟“
تنهدت بحزنٍ شديد قائلة: ”موعد عطلته لم تحن بعد يا وِضاء لكننا لا نراه سوى بضعةِ أسابيعٍ شحيحة كل عامٍ مرّة فبتنا نفتقده بشدّة..“ دمعت عيناها رغمًا عنها وهي تُتلمس أولادها بحنانٍ فائض لتقول بشجن: ”أولاده يكبرون بعيدًا عنه حتى اعتادوا غيابه..“ ارتعشت شفتاها وهي تُتابع قائلة: ”أخشى أن يُصبح لهم كالغريب ولا يشتاقون له فيُيتمون باكرًا بدلًا من أن يغمروا بحنو والدهم وحبه فيكبرون في ظِله الحامي والداعم لهم!“
تألم وِضاء لحالها فقست عيناه قائلًا بنبرةٍ غامضة: ”هل يُحادِثكم يوميًا؟“
نفت برأسها قائلة: ”كان يفعلُ، أمّا الآن فدائمًا لديه عمل حتى باتت المُكالمةُ بيننا تؤجَّل لأكثر من عَشرةِ أيامٍ كاملة“
زاد جمود وِضاء فضغط على عجلة القيادة بقسوةٍ بعدما تصلَّب فكّه وابيضت مفاصله سائلًا وهو يُمارس على نفسه أقسى طقوس ضبط الذات كي لا ينفعل ويُقلقها أو يَسبَّ ذاك البغيض زوجها: ”هل فاتحته في انتقالكم إليه؟“
أومأت أميمة قائلة: ”نعم ورفض بشكلٍ قاطِع“ ثم تابعت بخذلانٍ: ”تحجَّج بأن الإيجارات هناك باهِظة..“
صمت وِضاء وطال صمته حتى قال أخيرًا بصوتٍ غريب: ”حسنًا، دعي الأمر لي“
أومأت موافقة واثقة في تصرفات حضرة السفير عندما يستلمُ الأمر الجدية بينما عفراء تتابعهما بالقليل من الغبطةِ والكثير من الحنان، أميمة المَرِحة مع الجميع دائمـًا والمعطاءةُ للحبِّ في كل وقت ومكان تعاني جفاء الحب ولهيب بعده.. وهذا في حد ذاته جعلها تتألمُ وتدعوا لها بقلبها، أمّا عن اختلاف علاقتها بوِضاء وتميزُها الذي لا يتخلله خجلٌ أو قيود يُذكرها بكم هي بعيدة كل البعد عنه ولا تملُك حق مُحادثته بهذه السلاسةِ والراحة، أحيانًا تشعرُ أن أميمة ووِضاء توئمٌ مُنفصل، توئمٌ جميل مُتناغِم ويليقان ببعضهما جدًا، ربما لو لم تكن أميمة أبنة أخته لكانت حبيبته الأولى وزوجته التي لن يقبل ببعدها أبدًا، تأوهت بتألمٍ فهذا يعني أنه لم يكن ليكون لها، وكأنه الآن لها!
تهكمت بمرارةٍ داخلها ثم أغمضت عينيها توبِّخ نفسها من تفكيرها المُعقد هذا، يبدوا أن هرموناتها مُضطربة كثيرًا هذه الفترة، بشعورٍ قاتل بالأم سالت الدموع من عينيها عندما تتذكرُ سفر وِضاء القريب جدًا هذا إن نسته أصلًا.. فجأة فاقت على صوت وِضاء وهو يُخرج من السيارة ليحمل من أميمة طفيها مي ومُحمد قائلًا بجديةٍ وأهتمام: ”هل يؤدي الحارس الجديد دوره على أكمل وجه؟“
أومأت وقد عاد لها القليلُ من مرحها قائلة بعدما تخلت عن تلك الهالة الحزينة التي غلفتها: ”نعم أفضلُ من الآخر بكثير ولا يسمح لأي شخصٍ غريب بالدخول قبل فحص سجله المدني وتاريخ حياته وحياة أجداده“ قهقهت بمرحٍ ثم تابعت تستكملُ مُزاحها: ”لكن نبِّه عليه تنبيهًا عسكريًا مُشددًا أن يمنع إسلام من دخول البناية لأنه كاد يُصيبُني بسكتةٍ قلبية في زيارته الأخيرة“ بعدها ضحكت بتذمرٌ قائلة: ”لقد بخَّر المرحاضُ بروائحه العطرة حتى أني عقمتُ المرحاض سبع مرّاتٍ بعده“
تعالت قهقهةُ وِضاء وهو يحمدُ الله داخله أنه استطاع إزالةِ القليل من الحزن عن صاحبته وابنة أخته التي تحتلُّ في قلبه مكانةً كبيرة لم يصل إليها غيرها مُقسمًا أن يفعل أي شيءٍ لإسعادها، بينما تحركت يد عفراء التي كانت تُتابعه بنظراتها الهائمة لا إراديًا تحتضنُ موضع رحمها لتهمس بهُيامٍ: ”ابتسامته ساحرة!“ ثم بكت ببؤسٍ قائلة: ”يا إلهي أنا أُريد منه طفلًا يُشبهه!“
❀•❀•❀
كانا في الطريق للفندق الذي حجزه أدهم لهم وبالتحديد في غرفين مُجاورتين لغرفته، جلس ثلاثتهم في التراس الخارجي للفندق وكلٌّ منهم شارِدٌ في ملكوتٍ مُختلف، أدهم بوجهه الشاحِبُ الشارد وقلبه الدامي المَطعون بخنجر رؤية محبوبته مع آخر والآخرُ هذا.. هو مَن له حق حبّها وإخلاصها!
أما عن سند فكان بؤسه في هوية المُتسبب في تعاسة صديقه، أن يكون ابن خاله الذي ظنَّ أنه قد يُصلح العِلاقة بينهما يومًا ما.. يجعله يشعرُ أنه بين نارين مختلفتين أو جمرتين مُحترقتين، الأولى وصية والدته وعلاقته مع ابن خاله والثانية اخلاصه لأدهم الذي سانده في أوهن لحظات حياته ومدَّ له يد العون دون قيودٍ وصادقه صداقةً لله خالصة دون مصلحةٍ أو سبب.
أما عن عِطر فقد كانت شاردة في ملكوتٍ ثالث تمامًا، خيّال سيُلاحقها في كل مكان.. قد تُهاتف تاج في أي لحظةٍ ويُجيبُها هو!
أستقاطِعُ تاج بسببه؟
مازالت لا تقوى على المكوث معه في مكانٍ واحد، رائحةُ الدخّان التي تفوح منه تخنقها.. طلّته البغيضة على القلب تؤرِّقُها وعينيه الميتين المُتهكمتين تُرعِبُها لكن وميض الخجل والارتباك الذي تراه في عينه كلما قابلها يُثيران داخلها نوازع مُختلفة، الأولى مُتشفية وتدعوا الله أن يتلوى ويُكوى بذنبه أكثر وأكثر والثانية تَدفعها دفعًا لتنفيذ وصيةِ والِدتها التي اخبرتها أن تنتظر شعلةً خافتة جدًا تدلُّ على استيقاظ ضميره وقد حدث!
ها هو ضميره الغافل يلكزه ويجعله يكتوي بذنبه كلما رآها، هي خطيئته التي لا تُغتفر، جريمته التي قد يقتل نفسه ألف مرّة قبل ارتكابها.
”ماذا ستفعل؟“ همسةُ سند أخرجتهم جميعًا من شرودهم فقال أدهم بتألمٍ: ”لا شيء، صارت له راضية“
ربَّت سند على ظهرِه بدعمٍ أخوي بينما تأوهت عطر مُتأثرة لتدمع عيناها وهي ترمقه بعطفٍ قابله أدهم بزفرةٍ مَهمومة مُثقلة فهو يعلمُ أنهما يشعران بالذنب لكون خيّال قريبهما، ابن خالهما الذي جاء يوم العزاء ونبذوه لسببٍ لا يفهمه، الآن بات يفهمه فسلّاف رجل الأعمال أو دعنا نقول رجل العصابات الشهير هو خالهم!
تحولت زفرته بعد لحظاتٍ قليلة لابتسامةٍ عابرة وهو يقول مُستسلمًا ليُطمئنهم: ”لا أتمنى لها الآن سوى السعادة.. أمَّ قلبي؟ فسآخذه وأرحل لفترةٍ ما علَّ النسيان يُصيبه فتُمسح جروحه وتُدوى“
أومأ سند باستحسانٍ قائلًا: ”سندعمُك في أي شيءٍ أخي“
شكره أدهم بخفوتٍ مُبتسمًا ببطء ليستقيم سند قائلًا بشيءٍ من البشاشةِ ليُبدد هذا الحزن الذي احتل قلوبهم: ”سأحضرُ لنا ثلاث أكوابٍ من عصير التوت الأزرق المُنعش وآتي حالًا“
أومأ أدهم موافقًا بينما عِطر ظلَّت شاردة فهاتفها أدهم قائلًا بعدما ابتعد سند: ”اعذريني في سؤالي؟“
رفعت وجهها إليه فهمس موضحًا: ”رأيتُكِ تبكين في حديقةِ القاعة فهل هناك ما أزعجك؟
لم أُرد سؤالك أمام سند كي لا يقلق عليك“
ابتلعت ريقها بارتباكٍ ثم همست بتلكُّؤٍ: ”أنا..“
”سببُ بكاكِ هو زو.. أقصد خيّال أليسَ كذلك؟“ لم يستطع لفظها، لا يستطيعُ جمعها مع أي شخصٍ كان في جملةٍ واحدة، ليس بيده، واللهِ ليس بيده!
لكنها نفت مسرعة بشيءٍ من التوتر ثم قالت بتلعثمٍ: ”تأثرتُ بقصتك أنتَ وتاج فـ..“
فقاطعها مبتسمًا بشجن: ”لا داعي للتبرير أنا لا أُحاسِبُك بل أُخبِرُكِ أن لكِ أخًا ثاني غير سند يُمكنُكِ الاعتماد عليه في أي وقت، ما عليكِ سوى اخباري فقط وصدقيني استطيعُ المُساعدة!“ صمت لوهلةٍ ثم تابع بنبرةٍ أكثر عمقًا وخفوتًا: ”إلّا لو تعلق الأمرُ بالحب فأنا..“ صمت للمرةِ الثانية بمرارةٍ ثم همس باختناقٍ: ”قد فشلتُ فيه جدارةٍ“ بعدها رفع عينيه إليها قائلًا بحزمٍ رغم وخز قلبه: ”لو كان أمرُكِ مُعلقٌ بالحب فانقذي نفسكِ واحفظي قلبكِ قبل فوات الأوان“
حسنًا رجولته تؤلمه بقوة، تحرقه بشدة، تخبره أنّه عاجزٌ مُقيد لم يستطع انقاذ حبه أو محبوبته من مُؤامرات والدها.. لم يستطع منع زواجها من حقيرٍ أُجبرت عليه في البداية ووافقت عليه في النهايةِ لسببٍ يجهله لكنه يعلمُ بجزءٍ يسيرٍ منه؛ قلبه يخبره أنها ما أحب ذاك الخيّال بل هناك هدفٌ آخر من زوجهما لكن حقيقته مازالت مستترةً عنه!
ابيضت مفاصله وقلبه الخافق يصرخ مُلتاعًا داخله؛ لم تثق به.. لم تمنحه فرصةَ الدفاع عنها وأخذ حقها بيده.. استضعفته فقررت شق طريقها دون اللجوء إليه، يحفظها كحروف اسمه ويعرفها كما يعرف نفسه بل وربما أكثر تاج للمرةِ الألف اختارت الاعتماد على نفسها فقط وحمل كل شيءٍ فوق عنقها وحدها.
بالنسبةِ لعِطر فقد كانت في ملكوتٍ آخر، هي لم تكذب.. لقد تأثرت حقًا بتاج وأدهم ففرت الدموع من عينيها لأجلهما، ربما لم يكن السبب الرئيسي ولكنه ظلَّ سببًا قويًا يدعوها للبكاء حينئذ، تمتمت بخفوتٍ مُؤكدة على كلماته وهب تشعرُ بالاختناق الشديد لأمره وأمرها فقالت فجأة بحشرجة بعد فترةٍ قصيرة من الصمت وهي تستقيم لتغادر حيث غرفتها: ”بعد أذنك سأذهبُ للنوم، شكرًا لك يا كابتن أدهم على كل شيء“ لاحقت كلماتها التي لم يسمعها أدهم بإسراعها نحو غرفتها التي لم تكن بعيدة لتفتح هاتفها وتُراسل أخاها مُخبرةً إياه أنها مُتعبة وتريد النوم ثم تُلقي بنفسها فوق سريرها تبكي حتى شروق الشمس.
عاد سند بالأكواب فلم يجد اخته ليسأل أدهم باستفسارٍ: ”أين عِطر؟“
انتبه أدهم لمكانها الفارِغ فهتف باستنكارٍ وهو يلتفت حوله: ”كانت هنا!“
اخرج سند هاتفه وكاد أن يتصل بها لولا رؤيته لرسالتها التي تركتها له فاطمئن قلبه وكتب لها بحنو: ”نومًا هنيًا إن شاء الله، تصبحين على خير“.
❀•❀•❀
”ألن أحصل على تصبيرةَ ما قبل الزفاف؟“ تزمَّر ياسيف فتخضبت وجنتي لؤلؤة التي هتفت بحدّةٍ وتلعثم: ”تأدب ياسيف وإلّا اخبرتُ أبي“
ليهمس ياسيف بسخطٍ وهو يفتح باب سيّارته: ”هل أثّر عليكِ أخيكِ!“
ضحكت لؤلؤة وهي تخرجُ بحياءٍ قابله ياسيف الذي استدار لجهتها بمُناهدةٍ قائلًا: ”زواجنا بعد ثلاثةِ أيامٍ فقط يا ابنةَ الحلال وأنتِ حلالي لذلك لن تضرَّ قبلةٌ بريئة على وجنتيكِ لا أكثر“
سقطت فوق كرسيها بإحراجٍ قائلة: ”ياسيف تأدب ولا تكن وقحًا“
ابتسم بخبثٍ ثم مال عليها واقترب منها قائلًا باستعطافٍ: ”هذه آخر مرةٍ سأراكِ بها قبل الزفاف فرفقًا بحالي يا ابنةَ الـ..“
”ياسيف؟“ صوت والدها الجهوري بعثره لينتفض بعيدًا عنها قائلًا وكأنه أُمسك بالجُرم المشهود: ”كنتُ آخذ نظّارتي مـ.. من السيارةِ لا أكثر“
قهقهت ألاء وهي تخرج من السيارةِ وتبتعد عنه لتُعانق والِدها بحبٍ ثم تقبله برقةٍ على وجنتيه قائلة وهي ترمق ياسيف المُغتاظ بانتشاءٍ: ”اشتقتُ إليكَ أبي“ بادلها الأبُّ بحنوٍ وتابع تآمُره مع ابنته حتى تمتم ياسيف بحنقٍ وغيظ وهو يبتعد: ”الصبرُ يا رب، يومان فقط وسأقتنصُ منكم جميعًا“
”أتقول شيئًا ياسيف!“ هتافُ الأب مُستفهمًا باستمتاعٍ جعل ياسيف يرمقه بابتسامةٍ صفراء قائلًا: ”السلام عليكَ يا عمِّي أنا راحِل“.
❀•❀•❀
”هي الآن في مكانٍ أفضل“ همس بحشرجةٍ وعينان دامعتان وهو جالسٌ على ركبتيه أمامها فعانقته بقوةٍ باكية وهي تهتفُ بانهيارٍ: ”أ.. أريدُ لولي خذ.. ذني إليها سأذ.. ذهبُ معها لا تجعلها تتـ.. ـركني وحدي لقد قالت هذا عن أمـ.. ـي وأبي ولـ.. لم أرهما مجددًا أرجوك يا دكتور أرجوك لا تدعها تذهب“ كانت شهقاتها المُتتالية تقطعُ كلماتها المُلتاعة فاحتضنها بشدةٍ لتُسال دموعه وهو يتذكرُ نفسه يومَ ماتت أمه..
لقد احتاج حينها لمن يضمّه هكذا، احتاج لمن يُخبره أن كل شيءٍ سيمرَّ وعالمه لن يُهدم.. أنه لن يتخلى عنه أبدًا لكنه لم يجد!
أغلق عينيه مُتألمًا فظلت الصغيرة تهذي داخل صدره حتى ارتخت أعصابها وخفت صوتها وسقطت في سباتٍ عميق لم يستطع ايقاف شهقاتها أو حتى أنين بكائها الذي أدمي قلبه وحمله أضعاف ذنبه بكون السبب في حالتها وما حدث لغالِية..
”وائل“ همستُ طِلال الجامدة جعلته يرفع عينيه إليه ليُقابل عينا صديقه المُظلمة كما لم يرها مُسبقًا، استقام رافعًا الصغيرة بين يديه ليقول طِلال بحسمٍ: ”سآخذ الصغيرة معي بيتِ الآن أكثر أمانٍ لها“
اعترض وائل وهو يحاول التماسك لأجل الصغيرة: ”حور مسؤوليتي“ فقاطعه طِلال بحزمٍ قائلًا: ”أنتَ لا تبقى في المنزل يا وائل فكيف ستهتمُ بها؟
هل ستتركها مع أرملة أبيكَ القاتلة وحدها!
ثق في يا صديقي منزلي به أمي ولؤلؤة وهما ستهتمّان بحور جيدًا، حور في أشد أوقاتها حاجة لحنان أنثى مثلها ونحن لن نستطيع اعطائها ما تريد“ ثم تابع مُؤكدًا وهو يمدُّ يده ليتلقف الصغيرة من بين يديه: ”حور ستكون أمانتي التي تركتها غـالية لنا“ نطق اسمها باختناقٍ وصعوبةٍ شديدة لاحقها بحمل حور بكفّين مُرتعشين وهو يتابع بجمودٍ يشعلُ في صدره لهيبًا لا يُطفَأ: ”لا أُريد أن تشرق شمسُ الغد قبل أن تكون تلك المُجرمة خلف القضبان، هذه جريمةُ قتل عمد ولا أريدُ التهاون بها“ تهجمت عين وائل وقد اشتعلت عينيه كجمرتين من نارٍ وهو يجز على أسنانه قائلًا: ”ستدفعُ الثمن غاليًا، غاليًا جدًا فقد نفذ رصيدها لدي بالكامل“.
❀•❀•❀
”فضيحة صغيرة ستجعلها تعود إليَّ لتحفظ ماء وجهها وتنفي ما سينسبُ إليها في رفةِ جفن“ قال سراج بحثيثٍ وخبثٍ لمُساعده الذي أومأ قائلًا ببعض التوتر: ”سأفعل أي شيءٍ سيدي لكن السيدة تاج ستقتلني لو..“
قهقه سراج بقوةٍ قائلًا: ”ابنةُ ابيها بصحيح“ ثم تابع بكبرياءٍ شديد وابتسامةٍ سوداء واسعة: ”هذه قرصةُ أُذن كي لا تتهاون بذكاء أولاد شمس الدين أبدًا“ ثم ابتعد عنه واشعل سيجارته قائلًا: ”تاج زوجها كفيلٌ بإلهائها لا تقلق، ركز فقط في ما هو مُوكَّلٌ إليك مِنِّي“
أومأ الرجل بخجل لخوفه من تلك الامرأة التي كاد يخسر مستقبله بسببها: ”حاضر سيدي“
نفخ سراج ريشه مختالًا وهو يرفع قدميه فوق طاولة مكتبه هامسًا بشرودٍ سعيد: ”أُريدها عند قدمي راكِعة تطلبُ منّي السماح وتترجاني ضعيفة خانعة لأُعيدها لعصمتي“
ليومِئ الرجل بسرعةٍ وهو يخرج هامسًا بطاعة: ”أمرك سيدي“.
❀•❀•❀
”يا ويلتا مَن هذه طِلال! أتزوجت وأنجبت دون أن تخبرنا؟“
شهقت ألاء وهي تهتفُ بصدمةِ فقال طلال بتهجمٌ وهو يتخطاها فهذا ليس وقتها أبدًا: ”لا تفقديني صوابي ألاء“
اتجه لغرفةِ الجلوس حيثُ تمكث والِدته غالبًا فلحقت به لؤلؤة تولول قائلة: ”يا ويلتاه يا أمي يا لفضيحتنا القاتمة التي لم تخطر على البال يومًا، طِلال المُحترم المُهذب كان يلعب بذله من وراء ظهورنا لسنواتٍ ويرتكب المُحرمات والآن يعود بابنته التي القتها والدتها في وجهه ورفضت تحمل مسؤوليتها، يا للمصيبة ألحقنا يا أبي أ..“
”كفا ألاء..“ صرخ طِلال فيها بقسوةٍ لم تصدر عنه من قبل، صرخة افزعت الصغيرة بين يديه فعادت لتبكي من بين نعاسها بأنينٍ مُكتوم جعل الأم ترق لها وتتناولها من بين يدي ابنها قائلة: ”هاتها طلال لقد افزعتها حرامٌ عليك“ تثق في ولدها تمام الثقة وتعلمُ أن المجنونة ابنتها تُجوِّدُ وتهوِّل كعادتها فحملت الصغيرة برفقٍ ثم وضعتها فوق صدرها تُعانقها بحنوٍ وهي تجلسُ مُجددًا فوق الأريكةِ الواسعة قائلة: ”باسم الله، باسم الله اهدأي حبيبتي لا تخافي“ استكانت حور بين زراعيها وهدأت سريعًا لتعود للنوم مجددًا بينما الأب دلف من خارج الغرفة وهو يحملُ مصحفه بين يديه قائلًا: ”خيرًا يا أولاد سمعتُ صياحكم!“ وقبل أن تعود لؤلؤة لاختراع قصصها التي لا وقت لها قال طِلال بوهنٍ أثناء جلوسه على الأريكةِ وقلبه يضخ بالألم: ”تعال من فضلك يا أبي أريدُ مساعدتكم جميعًا“
تقدم الأب قائلًا: ”خيرًا إن شاء الله“ أمّا الأم فأصغت إليه بإنصاتٍ بينما لؤلؤة صمتت بريبةٍ وهي تشعرُ أن الأمر جاد ولا يستدعي المُزاح، فاقتربت تبتلعُ ريقها بترقبٍ ليتنهد طلال ويقول ببعض الخشونة بعدما عادت قسوته حينما تذكر غالية التي هي على قلبه منذ اللقاء الأول كاسمها؛ تُجَرُّ أمامه على السرير النقال فاقدة للوعي شاحبة الوجه مُصفرَّةَ الجسد تهذي باسم اختها: ”اسمها حور؛ طفلةٌ يتيمة ليس لها إلّا أختها التي كانت مريضتي أنا ووائل و..“ أغلق عينه غير قادرٍ على المُتابعةِ لكنهم فهموا جميعًا ما جرى لها فدعوا لها بالرحمةِ والمغفرةِ بينما تابع طِلال باختناقٍ شديد جعل الأب يشعرُ أنها بالنسبةِ لولده لم تكن مجرَّد مريضة: ”سأكفلها أمي فهلّا ساعدتني على ذلك؟
أصلها طيب، أنا واثقٌ من تربيتها وأخلاقها لكن عائلتها المُتبقية مستغنون عنها لا يريدونها، لو أخذوها غصبًا سيرمونها في الميتم أو يُعامِلونها كخادِمة وأنا لن أرضى بهذا أبدًا، وصيةُ أختها وآخر كلماتٍ تلفظت بها كانت عن حماية حور وألّا نتخلى عنها لذا فحور منذُ اليوم مسؤوليتي وسأبدأ بتجهيز كل أوراقها الرسمية صباح الغد“ طالع والِدته برجاءٍ قائلًا: ”إن لم تستطيعي مُساعدتي فسـ..“
لتُقاطعه الأم قائلة بحمايةٍ وهي تجذبُ الطفلة لصدرها أكثر وقد سالت دموعها تأثرًا وتألُّمًا لحال تلك المسكينة: ”لن أُفرِّط بها“ ثم رمقت زوجها قائلة برجاءٍ هي الأخرى: ”ما رأيُكَ يا حاج؟“
ابتسم الأب بحنوٍ وهو يومِئ قائلًا بحنانه الدافِئ كالعادة حينما يتعلقُ الأمرُ بالمُؤنسات الغاليات: ”المُصطفى صلَّ الله عليه وسلم قال أنا وكافِلُ اليتيم في الجنةِ كهذا وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى ثم فرق بينهما شيئًا يسيرا فهل أرفضُ أنا صحبةَ رسول الله عليه أفضل الصلاة وأتمُّ السلام في الجنة يا أم لؤلؤة!“
ابتسمت بفرحٍ وهي تضمُّ الطفلةِ لقلبها بحنوٍ أكبر بينما جلست ألاء جوارها تبكي وهي تهمسُ بخجلٍ لأخيها ففي البداية أرادت المُزاح كعادتها لا أكثر ولم تعلم أن الأمر بهذه الحساسية: ”آسفة أخي والله لم أقصد أنا..“
أومأ طِلال لها  قائلًا بهدوءٍ وقد ارتاح قبله قليلًا لموقف أهله الذين لم يتوقع منهم أن يكونوا بهذا الترحيب: ”لا عليكِ أنا أعلم“ ثم التفت لوالده فقال وهو يهمُّ بالمغادرة: ”الآن أنا واثقةٌ أنها ستكون بأمان، سأذهبُ للمشفى أبي فلدي الكثيرُ بعد لأُنجزه شكرًا لكَ“ لاحق كلماته بتقبيل كف والدها الذي كان يحملُ بها القرآن الكريم بامتنانٍ فربَّت الأب بيده الحرَّة على كتفه بدعمٍ قائلًا: ”بارك الله بكَ حبيبي وأثابك خير الثواب وجزاك الخير كله وأراح قلبك“ ابتسم له طِلال بشجن بعدما فهم أن والده شعر بجزءٍ مما يعتليه في قلبه بينما هتفت والدته بلهفةٍ: ”كل أي لقيمةٍ أولًا يا طِلال فأنتَ لم تأكل شيئًا مذ صباح الأمس والفجر يا ولدي قد أذن منذُ ساعة!“
”لستُ جائعًا يا أمي لكن حور لم تأكل أي شيءٍ منذُ الأمس فحاولي اطعامها رجاءً ولو خافت أو بكت اتصلي بي بسرعةٍ أرجوك“
أومأت مُؤكدة فاستأذن وغادر مُسرعًا.
❀•❀•❀
”غالية يا غالية أنتِ يا بنت“ دلفت تدعي الجدية وداخلها يتراقص طربًا لسماع خبر ابن مُطلقها الحقير والذي لم تخبر أي أحدٍ أنه طلَّقها قبل وفاته بساعةٍ واحدة، أخيرًا تخلصت من الأب وابنه نهائيًا وما خططت له هي وعشيقها سيكتملُ على أكمل وجه، ابتسمت بانتشاءٍ عندما وجدت الفيلا مُظلمة على غير العادة، بالتأكيد نجحت خطتها الدقيقة والغبية السخيفة المُغطاةُ بقطعةِ قماشٍ سوداء شربت المقلب واتُّهمت بالقتل وأُلقت خلف القضبان!
ادعت الجهل والتذمر وهي تخرج من الفيلا لتسأل حارس الأمن عن سبب اختفاء الجميع لكنها لم تكد تخرج إلّا وسمعت نداء مَن كان مِن المُفترض أن تكون روحه قد رحلت عن الدنيا وصعدت لبارِئها، ارتعش بدنها وانتفض قلبها ليسقط بين قدميها وهي تلتفت إليه هامسة بتشنجٍ: ”وائل!“.
❀•❀•❀
”سيدي.. سيد سراج؟“ صاح سمير برهبةٍ وهو يخشى عواقب ما سيقوله ليستقيم سراج ويُطالعه ببرودٍ هاتفًا: ”ماذا!“
فقال سمير الذي جاءه خبر زواج رودين الآن من أحد جواسيسه الذي أمر سيده سراج بتركهم حولها بارتعاشٍ واسنانه تصتك في بعضها: ”السـَّـ سيدة..“
فقال سراج دون اكتراثٍ وهو يتلاعبُ بأوراقِه أمامه: ”ماهي! ما بها؟ ألم تعد من حفلتها بعد؟!“
لينفي الرجل الذي خرج قبل ساعةٍ واحدة فقط من مكتب سراج ليؤدي مهمته التي وكِّلت له قائلًا: ”أ أقصد السيدة رودين سيَّــدي“
فقال سراج باستنكارٍ وبرود وهو يرفعُ حاجبه: ”أتممت المُهمة؟ بهذه السرعة!“
”بل تزوجت سيدي“
تجمدت كف سراج على الورق وفرت الدماء من عروق وجهه ليهمس ببطءٍ مُظلم: ”مَن!“
فقال سمير بارتباكٍ وهو يكاد يبكي من شدة الخوف: ”السيدة رودين تزوجت بالأمس“
❀•❀•❀

دا أنتَ هتشوف نجوم الظهر 🙆‍♀️😂
هلا يا جيشنا القمر  اشتقتلكم بزاف وكومة وكثير وأوي وبكل لهجات العرب 🥺❤❤❤❤❤❤❤

بصراحة كان عندي ظروف طارِئة منها تغير الشغل ومواعيده فضغطونا ضغطة قمر 🥲
المُشكلة أني كنت مظبطة نفسي على المعاد والفصل كان واقف على آخر مشهدين لكن قضاء وقدر هوب نغير المواعيد ونقلب الشركة 🥲
المهم أني كتبتهم الصبح بسرعة والله علشان الشركة أجازة النهاردة فالحمد لله اتنفسنا شوية 🤧
حقيقي النهاردة بعد ما خلصت الفصل ده قعدت أكتب في الفصل التالي لعل وعسى ينزل في معاده ❤️‍🩹
أنا وربنا من النوع إلي بيكره عدم الالتزام في المواعيد بس يشهد ربي أنه غصب وأني أحيانًا بكتب في المواصلات لما مبيكونش عندي شغل بخلصه في الطريق فالتمسولي العذر فضلًا 💔

نيجي لشوية حاجات تانية كدا وربنا يستر 👀
دلوقتي يا حبيباتي أنا بكتب هواية واخراج لمكنونات صدري فأوقات كتير بسهو عن شوية حاجات سواءً أخطاء إملائية غصب عني من الكتابة السريعة في الطريق أو في الشغل أو بكون بكلم حد أثناء الكتابة فأدخل الدنيا في بعضها وغيره 😶
المشكلة أن أي حد بيكتب غالبًا مبيشوفش أخطاء نفسه إلا بعد ما يقرأ الفصل بعد فترة من كتابة (وأحيانًا مبيعرفش برضو 🙈😅)  وده لأنه حافظ وعارف هو كاتب إي فالعين بتاخد بالشبه كدا وتجري فلذلك فضلًا متركزوش في كل حرف لأن ده بيفقدني الشغف والله وبلاقي نفسي اتسدت على الكتابة وبقفل الفصل بدون ما أكتب..
والله بجد الموضوع بيحبطني لأني مش لاقية حل وصعب أوي أراجع الفصل كتير لأني وربنا معنديش وقت متبهدلة بين الشغل والجامعة والكتابة وشوية وهقعد أعيط في الشارع وابهدلكم 😭😭🤧

مشوا الدنيا وخلوها رحلة سعيدة كدا تبقى مليانة ذكريات حلوة وبس 😍❤
معانا كان يوم في الشهر لسه فهمِّتكم معايا كدا وبإذن الله نحاول نخلص الفصل وننزله في معاده 🤭💃🔥

دلوقتي أسيبكم بقى عندي كومنتات الفصل إلي فات بدي أقراها 💥🏃‍♀️
شكرًا بجد لكل كومنتاتكم القمر وربنا ممتنة لكل بنوتة بتشاركني رأيها في الكومنتات وتقولي كلمة تفرحني وتنسيني تعب الكتابة حرفيًا بدعيلكم واحد واحد في صلاتي 🫂🌍💙💙💙💙💙💙💙💙💙💙💙💙💙💙💙💙💙💙💙

منى علاء شاهين
الجيش الأزرق Blue army 🌍💙

استوصوا بالحبيب غزلًا "للكاتبة منى علاء شاهين"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن