18- لِقَائهُما الأخِيرُ

404 21 51
                                    

الفصل الثامن عشر
”لِقَائهُما الأخِيرُ“

كان طِلال يَقِفُ أمام شخصٍ مجهول، في منطقةٍ كحيلة بالسوادِ شاحِبة لا يُرى بها أيُّ شيء والغُبارُ يُغطِّي كل ما حولهما، ليقتربَ طِلال من الشخص فتتوجَّه أعينُ الرُصاص نحوه ثم تُطَلَقَ من الّامكان لتُصيبَ جسده بقوَّةٍ جعلته يسقطَ أرضًا مما جعلها تصرخُ باسمه مفزوعةً: ”طِـــلال“
استقامت جالسة فوق سريره تبكي بحرقةٍ وهي ترتعِشُ هامسة بشِفاهٍ ترتجف: ”طِــلال، طِلال أينَ أنتَ طِلال“ ثم كادت ترفعُ الشرشفَ عنها وتركض للبحث عنه لولا أن وجدته أمامها بشحمه ولحمه يقتربُ منها بجزعٍ لمَّا سمِع صوتها قرب باب الشقة فركضا إليه وعانقت خِصره بقوةٍ ودموعها الحارِقة تُلهيبُ وجنتيها، تنفسها سريعُ وغيرُ مُنتظم كأنها خارِجة من مارثونٍ لتوِّها، لم يكن يعرفُ ما بها فزاد خوفه عليها ليتوجَّه بها نحو السرير ويُجلسها عليه فم يُربتُ فوق ظهرها بحنوٍ وهو يُحاوِلُ تهدئةَ روعها، لم يُواسِي فتاةً قط ولا حتى أخته لذلك لم يعرف كيف يتصرف معها فقال بهدوءٍ عندما شعر بهدوء نبضات قلبها: ”ماذا حدث؟“
نفت بوجهها قائلة: ”لا تذهب“
فقال باستنكارٍ: ”إلى أين؟“
لتُخبره وقد خارت قواها بعدما اطمأنت روحها بأنه الآن جوارها وبخير: ”لا تخرج من المنزل“
استنكر جملتها فضحك بخفوتٍ قائلًا: ”أستحبسينني هنا أم ماذا؟“
أومأت فضحك قائلًا بمُشاغبة: ”أنا شابٌ لا يَضمنُ أفعاله وإن بقيتُ هنا فلن أضمنَ لكِ ما سيحدثُ بعد ذلك، قد نُتمِّمُ الزِفاف هنا أو..“
لتبتعدَ عنه بحاجبين معقودين وهي تنظرُ له شزرًا بينما وجنتيها قاتمة كما الفراوِلة ليضحكَ مُجددًا وهو يرفعُ يديه عاليًا قائلًا بمُلاعبة: ”أنتِ البادِئة عندما ركضتي إليَّ وعانقتني كالعاشِقة“
تلعثمت وزاد حمارُ وجنتيها حتى كادت تنفجر وهي تقول بتوتُّرٍ: ”حـ حلمتُ بكابوسٍ وخِفتُ تـ تحقيقه ثمَّ أنتَ ظهرتَ لي فجأة مِن العدم فـ..“ ليُقاطِعها قائلًا بخبثٍ مُقلدًا إياها ليُزِيدَ حرجها: ” طِــلال، طِلال أينَ أنتَ طِلال، أأنا مَن كنتُ أُنادي باسمي لاتيكِ راكضًا أم أنتِ مَن كنتِ تستغيثين بي..“
في الواقِع لم تخجل بل تذكرت الحُلمَ فهدأت نبرتها وترقرقت الدموع في عينيها  لتقول بنحيبٍ مكتوم: ”كنتُ خائفةً عليكَ“
وجملتها البسيطة زلزلت ثباته وقناعه الساخر لتُصيبَ قلبه في مَقتل ليهمس بشفاهٍ مُرتعشة: ”تخافين عليَّ؟“
فأومأت بسرعةٍ قائلةً بتأكيدٍ دون وعيٍ منها ومازالت الصدمة تؤثِّرُ عليها: ”نعم أخافُ عليكَ“
انهارت قواه ليُحاول منع الابتسام بقوةٍ من هول الصدمة فتماسك قائلًا وهو يُحاول مُمارسةِ أقصى فنون ضبط الذات على نفسه: ”ولماذا تخافين عليّ؟“
فقالت بسرعةٍ: ”لأنَّكَ تـ..“ ثم صمتت تعي ما تقول لتتخضَّب وجنتيها أكثر فتهمسَ بخفوتٍ ونبرةٍ مبحوحة: ”شخصٌ طيب قدَّمَ لي ولحور ما لم يقدمه أيُّ شخصٍ على سطح هذا الكوكب“
كمَن أُمسِكت كل أمالِه وحُطِّمت على صخرةٍ عِملاقة مُدببة فلم يعد يتبين لأحلامه شكلٌ أو ملامح هكذا كانت مشاعِره فصمت بهدوءٍ وكأنها نالت من مشاعِره لتوها، لقد كان ينتظرُ شيئًا أكبر، شيئًا أكثرَ أهمية!“
شعر بالقليل من مرارِ العلق في حلقه فنظرَ لساعته يتفقدَ الوقتَ ليجدَه قد تأخَّرَ عن زوج أخته وربما فعلت هي وذهبت له لذلك استقام قائلًا ببعض الجديةِ واللامُبالاةٍ التي اكتسبها في حياته: ”لديَّ مُستشفى في صباح الغِدِ لذلك لأذهبُ للنوم، ارتاحي ونامي جيدًا ولا تقلقي على أحد“
رُغرِغت الدموع في عينها مُجددًا وهي تحاول الابتسام له أثناء هزِّها برفقٍ لرأسها بمعنى المُوافقة، فاستأذن خارجًا يَخصُّها بنظرَةٍ غريبة مُبهمة ثم نظرةٍ لحور البريئة النائمة بعمقٍ جوارها وأخيرًا عاد بعينيه العاشقةَ إليها يخصُّها بنظرةٍ أخيرة ذادت من خوفها وشعورها الخواء فأغمضت عينيها وبدأت في الاستغفار والحوقلة ليخرج هامسًا بنبرةٍ بالكاد سمعتها: ”السلام عليكم“
ردت سلامه بعدَ أن ذهبَ ثم عادت بظهرها للسرير تحتضنُ شرشفه العَبق برائحته المُحببة وهي تدعو له وتتضرَّع لله أن يحفظه حتّى غفت.
❀•❀•❀
”تظنان أنكما قادرتان على امساكِ!“
فتقول الأولى بخبثٍ: ”لا نظن؛ نحنُ مُتأكدتان“ بينما الثانية تسحبُ سكينًا وتضعه خلفَ ظهرها وهي تتقدمُ من تاج بتمهُّلٍ مُبتسمة، بحركةٍ سريعة تدعي الأولى أنها ستهجمُ على تاج فتتراجعُ الأخيرة بسرعةٍ وتتقدَّمُ الأخرى منها بالسكين لتحاول طعنها به لتُمسكَ تاج بصلابةٍ رسغها ثم تغيرَ مساره بمهارةٍ وحِرفيَّ لتجعلها تطعنُ أختها التي كانت أمامهما بدلًا تاج، تأوهٍ مكتوم أثر طعنةِ سكِّينةٍ غادِرة أصابت هدفَ تاج بجدارة فصرخت الطاعِنة بجزَعٍ وهي تُلقي بالسكين أرضًا وتلحقُ بأختها بينما تتراجعُ تاج وتتجه لباب المنزل تفتحه بعنفٍ قبل أن تركضَ والتهربَ بعيدًا ولسانُ حالها يَشكرُ الله ويحمده ثمَّ يُثني عليها لإجادتها الكاملة للفنون القِتالية ثم لخيّال الذي أمرها بارتداء قفَّزاتٍ جلديه تمنعُ طِباعةَ بصماتها على أي شيءٍ تلمسه طالما قررت التعامل معه مع أولئك المجرمين.
توجهت لسيّارتها ثم اتصلت بخيّال الذي أجابها بعدَ مُدَّةٍ لتقول بحنق: ”أينَ أنت؟“
فقال ببرودٍ: ”لا دخلَ لكِ“ بعدها همسَ بنبرةٍ تُخفي التَّوعُّدَ بين طيَّاتها: ”سيكون لنا حديثٌ آخرَ في المنزلِ بشَأن خروجك واتجاهك لمنزل ذاك الحقير بعدما أمرتُكِ بالتزام المنزل ونهيتُكِ عن الاقتراب بشكلٍ مُباشِر من تلكَ العِصابة“ لتهتفَ بجنونٍ وغضب: ”هذا غيرُ عادلٍ أبدًا، لما لا أمتلكُ بثًّ حيًّا لمكانك كما تملُكَ أنتَ واحدًا لي!“
فتابع ببرودٍ وهو يُزيدُ من سرعةِ قيادته للسيارة: ”ليسَ مِن شَأنك“ ثم تابع بتسلطٌ يُزيده انتشاءه وهو يُطالع ذاك الخسيسَ المكوَّم في الخلف: ”الُّعبةُ لي وأنا مَن أُحدِّد شروطها وأرسمَ طريقها“
فقالت بحنقٍ قبلَ أن تُغلِقَ الخطَّ في وجهه: ”مَغرورٌ حقير“ ثم قادت السيّارة مُتجه بعنادٍ لهدفٍ أكبر وأسوء وبالطبع سيُثيرُ جنون ذاك المتُسلط المغرور.
❀•❀•❀
اتجه ياسيف لمنزِل وِضاء بحرجٍ وتوتر من أن يُقابِل غيره وهو يسبَّ ذاك السائق الذي اهلكَ أعصابه طوال الطريق بنظراته الغيرُ مُريحةٍ أبدًا، وصلَ للبوابةِ الخارجة فلمع بذهنه فكرةَ أن يطلبَ المُساعدةَ مِن البوَّاب الوقور الذي يحملُ كلَّ معاني الرِفعةِ والاحترام وهو بنفسه شاهدٌ عليها طوال العشرِ سنواتٍ السابقة: ”مرحبًا أستاذ علي، كيفَ حالُكَ؟“ همس ياسيف بتوتُّرٍ فرحَّب البوّاب به بسعادةٍ والقليل من الاستغراب لنوع القميص الذي يرتديه فقد اعتاد عليه بالملابس الرسمية فقط قائلًا: ”دكتور ياسيف!“ بعدها تابع بترحيبٍ حار: ”أهلا وسهلًا يا بيه نوَّرتَ القصرَ تعالَ تفضَّل، الأستاذُ وِضاء سـ..“ ثم صمتَ عندما رأى أن ياسيف بلا بنطلون ليقول مُتسعَ العينين: ”يا خبر يا بيه! ما الذي فعلَ بكَ هذا؟“
فقال ياسيف بهدوءٍ: ”أستاذ علي من فضلكَ حاسب سيارةُ الأُجرة تِلك فحافظةَ نقودي سقطت منِّي في الطريق ثم اتصل لي بوِضاء لأن هاتفي سقطَ معها“ فأومأ على وأشار لغرفته القريبةَ قائلًا: ”ادلف لغرفتي واختر ما تشاء من سراويلي أو جلبابًا من جلابيبي فيبدو أن سروالك قد سقطَ معهما أيضًا يا بيه“ تخضبت أُذنُ ياسيف ليُنفذَ كلمات علي على مُضض فهو حقًا بحاجةٍ ماسّة لذلك أثناء قوله بخفوتٍ يحملُّ بين طيّاته رجاءً خافتًا: ”أستاذ علي لا أُريدُ لأيَّ مخلوقٍ أن يعلم بما رأيته“
فهتفَ علي مؤكدًا: ”سيد ياسيف عيـــبٌ ما تقول، من العين هذه قبل العين هذه“
بعدَ دقيقةٍ ونصف خرجَ ياسيف ليجدَ علي يُهاتِفُ أحدهم في الهاتِف ويهتِفَ بلكنته الريفية التي يتحدثُ بها أغلب أهالي الشمال الغربي: ”نعم سيدي وقد كان بدون سروال وكلَّ شيءٍ مكشوف بدءً من قدميه النحيلتين كالعصا وحتّى..“
”يا ويلتي“ همسَ ياسيف لاطمًا على رأسه قبل أن يَصرخَ فيه قائلًا وهو يُهروِلٌ نحوه: ”وقعتُكَ هِبابٌ يا علــــي“
وقبلَ أن يصلَ ياسيف إليه تعثَّرَ في طرف الجلباب الطويل نوعًا وسقطَ على وجهه ليقول علي لمَن يُحدِّثه على الطرف الآخر: ”لقد سقطَ كالعصا على وجهه بسبب عباءتي الواسعة عليه الآن“.
وبعدَ ساعاتٍ قليلة كان وضاء قد وصلَ وأخذَ ياسيف العابس لغرفةٍ داخلية مُخصصة للضيافة بابٍ وحمامٍ منفصلان عن المنزلَ ليتمتعَ الضيفَ بحريةٍ أكبر وأهلُ البيتِ كذلك ثم علت ضحكاتٌ وِضاء بعدما قصَّ ياسيف عليه ما حدثَ بإيجازٍ فتقطبَ حاجبي ياسيف أكثرَ ثم هتف بضيقٍ محاولًا فضَّ ذاك الضحِكَ السخيف: ”أُريدُ منكَ شيئًا..“
فتابع وضاء ساخرًا: ”حرسًا كي لا يتمَّ تثبيتك في الطريق مُجددًا والله يعلمُ إن كانوا سيتركون لكَ أي شيءٍ تسترُ به نفسَكَ في المرَّةِ المُقبلةِ أم لا؟“
ثم عاد للضحكِ بهستيرية فرمقه ياسيف بنظراتٍ حانقة وهو يهتفُ بسخط ونصفَ ابتسامةٍ صفراء: ”دمك خفيف يا وِضاء“ بعدها قال ببعض الجدية ومازال ثابتًا عن ابتسامته الصفراء: ”أنا لا أمزح“
فخفتت ضحكات وِضاء التي أدمعت عينيه ليقول باستهانةٍ لطلبه خصيصًا في هذا الوقت: ”ماذا تُريد؟“
فطلبَ منه بالفعل شيئًا جعله يُقطِّبُ حاجبيه قائلًا: ”سأرى ما يُمكِنُني فعله وبعدها استقام خارجًا وهو يفتحُ جوّال ويُحدِّثُ شخصًا ما ليقول له بجديةٍ..
❀•❀•❀
وصلَ سند لغرفته في الفندق بعد أن أوصله أدهم وودعه فقرر الاتجاه لغرفةِ أخته والاطمئنان عليها فطرقَ بابها لكنها لم تكن تُجيب، جرَّب مرَّة واثنين وثلاثة حتى فتحت أخيرًا وأخبرته أنها كانت نائمة، تمنى لها ليلةً سعيدة وقبَّل جبهتها ثم اتجه لغرفته في الفندُقَ وقرر النوم أخيرًا بعد هذا اليوم العصيب، أما عِطر فعاودت الاستلقاء على السرير تُفكِّرُ في الدعوةِ التي قدمها خالها لها، أتذهبُ إليه بقدميها؟
أسيكون صادقًا في شَأن الحديث معها فقط أم أنَّ لديه نوايا خبيثة يُخفيها عنها..
خائفة؟ نعم بل أكثرَ من هذا فهي لا تثقُ أبدًا به ولا بأبنه المُتحرش المُنحل الذي لا تطيقُ نُطقَ اسمه.
وبعد فترةٍ طويلة من التفكير والغياب في عالمِ الّا وعي قررت منحه فرصة والذهاب لمقابلته غدًا دون علم أحد، خاصةً أخاها الصغيرُ كي لا تُعرضه للأذى.
❀•❀•❀
أجابت أُميمة هاتفها بلهفةٍ قائلة: ”وعليكم السلام ورحمةُ الله وبركاته، كيفَ حالُك؟“
فأجابها على الهاتِف باقتضابٍ: ”الحمد لله“ ثم سأل سؤاله الروتيني المُعتاد: ”وكيفَ حالُ الأولاد؟“
فأجابت بالقليل من الأمل عله يعودُ كما كان معها: ”بخير، يسألون عنكَ دائمًا وينتظرون مَوعدَ زيارتك، حبيبي لقد اشتقنا إليك؛ مي تسألُ عنكَ دائمًا ومُـ..“ صمتت عندما سمعت ضحكةٌ رقيعة تصدرُ من المُكالمةِ وكأنَّ هناك أثنى خليعةٌ جِواره، انهار قلبُها فسألته بشحوبٍ وشفتيها الجّافة ترتعشٌ بوجل: ”صوتُ مَن هذا؟“
فتوتر قائلًا بسرعة: ”نسيتُ شاشة التلفاز مُضاءة“ لتقول بغضبٍ بعدما شعرت بكذبه: ”أتكذِبُ عليّا يا..“ وقبل أن تنطق أسمه كان ينفعِلُ عليها قائلًا: ”مَن هذا الذي تنعتيه بالكاذب يا أُميمة؟ أجُننت!“
ثم تابع بوعيدٍ غاضِبَ: ”قسمًا لو سمعتُها منكِ مجددًا سأُحاسِبُكٍ حسابًا شديدًا على تعدِّكِ هذا وقلَّةَ أدبكِ يا أستاذة“ بعدها أغلق الهاتِف في وجهها قائلًا بلهجةٍ عنيفة: ”سلام“.
فاقت من شرودها في مكالمتها صباحًا مع زوجها المُسافِر على صوت رنين هاتفها فطالعته جوارها على الطاولة الصغيرة القريبة منها لتمسح بخفوتٍ دمعتها الفارة بوجعٍ حارِق على وجنتيها ثم تمدُّ يدها لتلتقطَ الهاتِف فإذا باسم وضاء يُنيرُ شاشة هاتفها، أخذت نفسًا عميقًا ثم أجابته بنبرةٍ تصطنعُ سعادةً مزيفة: ”أهلًا بخالي حبيبي“ استمعت لرده ثم تجعد حاجبيها لتسأل بقلقٍ: ”لماذا؟“
فأجابها لتومِئ قائلة: ‟بالتأكيد لا تقلق، حسنًا سأفعل“.
❀•❀•❀
وصلَ خيّال لوكر أبيه فنزل من سيارته تاركًا هاتفه المتصل بجهاز تتبع تاج بها ظنًّا منه أنها عائدة للمنزل ثم توجَّه للملقى بالخلف ليجذبه ويرميه أرضًا بعدها يأمر أحدَ الرجال بألقائه في المخزن، اتجه بعده لمكتبَ أبيه ففتحَ الباب دون أن يستأذنَ ليجدَ والده بالداخِل يقرَأُ بعضَ أوراقه دون الاكتراث لدخول وَلده، جلسَ خيّال أمامه ورما حاملةَ مفاتيحه جانبًا ثم أخذَ سيجارةً باهظة من سجائر والده الفاخرة وأشعلها من ولاعةِ أبيه المُماثلةَ لسجائره في التميُّز والإغراء بعدها هتف بلا مبالاةٍ هي جزءٌ مُتأصلٌ فيه: ”أُريدُ ملفَّ مجدي كاملًا؛ تاريخه، تعينه، رفده وكلَّ شيءٍ عنه“
رجف جفنُ أبيه ليسأله مستنكرًا: ”لماذا؟“
فأجابه ببرودٍ: ”لا دخلَ لك“
ليقول سلّاف بعصبية: ”كيفَ لا دخل لي أنها أوراقي ومستنداتي الخاصة“
فأجابه خيال ببلادةٍ غيرَ مكترثٍ وهو ينفثُ دخان سيجارته: ”شيءٌ لا يعنيك“
صمتَ سلّاف مضطرًا ثم قال بصوتٍ أهدى وهز يحاول غزل شباكه الثعلبية حول خيّال: ”كنتُ أُريدُ فقط مساعدتك لأُعطيكَ ما تُريدُ بالضبط، أنا أُريدُ مصلحتك“
ليقتربَ خيال منه ويُدنى إليه قائلًا بلهجةٍ بطيئة آمرة: ”الملفُ فقط هو غايتي“
بعدها استقام قائلًا: ”الشابُ في المخزن سأتركه هناك حتى الغد“ بعدها على صوته ليقول بلهجةٍ مُحذرة: ”إن لم يكن الملف جاهزًا في الغد ستندم يا سلّا فيه وعندَ هذا الحد أنا لا أمزحُ أبدًا“.
خرج خيّال ليُقابِلَ على الباب صخر برفقةِ أحد العاهِرات يرمقه بتحدٍ سافِر، قاطع حربَ النظرات بينما نداء سلّاف لصخر قائلًا: ”صخر، يـا صخر“
فدلف صخر قائلًا: ”نعم يا سلّاف باشا“ وهو يُغلقُ باب المكتب خلفه بوجه خيّال كما لم يتجرَّأ أحدٌ على فعلها من قبل، فقال سلّاف بنبرةٍ خفيضة غاضبة شارِدة في البعيد بعمقٍ أسودَ ألتهمَ بؤبؤ عينه: ”احرق ذاك الشاب بجميع مستنداته“
أومَأ صخر ليقول سلّا بنبرةٍ عميقة جدًا: ”خيّال بدأ في نبش الماضي لذا علينا التأكُّدَ أنه لن يصلَ للحقيقةِ أبدًا“
فقال صخر بنبرةٍ مُنتشة خبيثة فمُلاعبةِ ذاك الأسدَ الجارِح الذي خرجَ منذُ قليلٍ ومُعانده تروق له جدًا.
❀•❀•❀
وصلت تاج لهدفهم الثاني والذي كان في نقطة التقاءه بأفراد عصابته ليرحلا معًا لوكرهم السري، علمت أنها لو تبعتهم بسيّارتها سيكشفونها سريعًا ويُمسكونها بأقل مجهودٍ فذهبت لأحدى سيّاراتهم المُخصصة لشحن البضائع المُمنوعة وسط بضائعٍ عادية يتمُّ ترحيلها يوميًا من مكانٍ لآخر واختبأت داخلها وسطَ البضائع، بعد قليلٍ جاء الرجالُ وقادوا السيّارةَ راحلين بينما هي كانت مُطمئنة أن خيّال سيجدُها بجهاز التتبُع في هاتفها غافلةً عن كونها قد تركت هاتفها بأكمله داخل السيّارةَ المركونة قربَ مَخبأهم والحقيبةُ الموجودة أسفل سترتها فارغةً من كل شيءٍ عدا بطاقتها وبعضَ النقود الزائدة.
❀•❀•❀
رنَّ هاتفها لتجده رقمٌ غريب، تردد قليلًا في الإجابةَ عليه ثمَّ حزمت أمرها وأجابته ليأتيها صوتُ ياسيف المحبب لقلبها قائلًا: ”السلامُ عليكم لؤلؤتي هل أنتِ بخير؟“
فأجابته قائلة: ”الحمدُ لله“ ثم سألته بغرابةٍ مُبتسمة: ”ما بكَ تسألُ وكأنكَ لم تكن تحدثُني منذُ قليل“ 
فسألها مُستنكرًا: ”أنا“ بعدها تابع بشحوبٍ: ”الاء هاتفي سقط مني صباح اليوم وهذا رقمُ صديقي وِضاء أُحدِّثُكِ منه“
فقالت ضاحكة وهي تعتقدُ أنه يُمازِحُها: ”اشتريتَ رقمًا جديد وتُريد عملَ مقلبٍ بي أليسَ كذلك!“
فهتف جادًا وهو يقطبُ جبينه مُستغربًا: ”الاء أنا لا أمزح، أنا لم أُحدثكِ“
فشحبَ وجهها قائلة بعصبيةٍ وانفعال: ”ياسيف لقد طلبتَ لقائي منذُ ساعتين لأمرٍ هام فظننتُ أن مكروهً أصابك لكن طِلال أخي رفض خروجي متأخرًا هذا وأخبرني أنه سيذهبُ إليكَ بدلًا منِّي!“
ليقول ياسيف بغرابةٍ ولكنةٍ هادِئة بطيئة: ”هل سمعتِ صوتي!“
فقالت باستنكارٍ: ”كنتَ تُكلمُني عن طريق تطبيق المحادثات المكتوبة“
فابتلع ياسيف ريقه هامسًا: ”متى خرج أخاكِ وإلى أين؟“
فأملته العنوان ثم قالت بخوفٍ على أخيها وهي تأخذُ لقطاتٍ لشاشةِ هاتفها وترسلها لياسيف على رقم وِضاء قائلةً: ”أخي خرجَ منذُ ساعة والمكان لا يبعدُ عني سوى نصف ساعة“ ثم بكت قائلة بنبرةٍ فزعة على أخيها: ”طمئني عليه يا ياسيف أسيكون بخير!“
فصمت ياسيف وهو يُطالِعُ وِضاء بنبرةٍ شاحِبة وصامتة، ما أصابه لم يكن صدفة بل كانت خطة مُحكَمة لمكيدةٍ غاية في القذارة.
❀•❀•❀
صباح اليوم التالي، خيَّمُ الحزنُ على الجميع بوفاة كليهما فارتدى الجميع الأسود حدادًا على روحهما الغالية، هي.. خرجت من بيتها مُكفَّنة بالأبيض كما دلفت إليه عروسًا متوجة بالأبيض وهو.. وقفت زوجته في شرفةِ منزله تحتضنُ الطفلةَ الصغيرة بينَ يديها وهي تستمُع بشحوبٍ لمَأذنةِ المسجد التي صدرَ منها صوت الشيخِ هاتفةً: ”وستُشيَّعُ الجنازة عقب صلاة الظهر بمسجد المدينة والعزاء قاصر على تشيع الجنازة وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون“ أغمض عيناها بحرقةٍ والدموع تفرُّ من عينيها، كانت تعلم وكانت تشعرَ بأنه لِقَائهُما الأخِيرُ، لقد أواها وساعدها وحان الوقت لتردَّ له جميله، لن تتركَ حقه يضيعُ هباءً، لن تترك انتقامها من الفاعل فهي تعرفُه حقَّ المعرفة!
سارت الجنازتين الخارجتين من مسجدين مختلفين في طريقين مُعاكسين ليبتعدا كل منهما حيثُ مصيره الحقيقي الذي لا يستقدمان عنه ساعةً ولا يستأخران، مصيرٌ أبدي يجدُ به العبدُ عامله حاضرًا جيدًا كان أو سيئًا فاللهمَّ أجعل عملنا كلَّه خالصًا لوجهكَ الكريم وتجاوز عن سيئاتنا واغفرها لنا ما تقدَّم منها وما تأخَّرَ وما ظهرَ منها وما بطن وما نعرفه منها وما لم نعرف وما نتذكره منها وما لم نتذكر.
❀•❀•❀

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 🤍
الفصل نزل بمُناسبة وصولنا امبارح 25 مايو 2023 لـ 10K مُشاهدة للرواية 🥺!
مُمكن يكون العادي لناس كتير بس ليَّا دا انجاز أنا فخورة بيه جدًا 😭❤❤
شكرًا لكل شخص قرأ وكل شخص سابلي تصويت أو كومنت لذيذ بجد ربنا يباركلكم ويجعلكم من أحلامكم نصيب 😍
وإن شاء الله الهدف الجاي يكون 100K 😂🔥🔥🔥🔥
بحبكم قوي قوي 🥺❤❤❤❤
•••
نرجع لمرجوعنا 👈👉
أنا حاسة أني بعد الفصلة دا هيتعمل مني بطاطس محمَّرة 🥲 استر يا رب دا أنا غلبانة 😭😂😂
بصو خلينا متفقين إن أي حد بيموت فبيكون لهدف يخدم الأحداث تمام؟
ومحدش يسألني ليه ماتوا علشان معيطش معاهم ولو أنهم يستاهلوا اصلا 😢
حابة أسألكم بقى ومكسوفة أسأل بصراحة
👈👉
إي رأيكم في الأحداث 😁؟
تخيلوا كدا رد فعل خيّال لما يعرف إلي حصل لتاج 😶 أو رد فعل أدهومة 🥺!!
عِطر هيحصلها إي 🙆‍♀️!
وسلّاف مخبي إي 😶🤌
وصخر دا داخل عركة هو قدها ولا مش قدها 👀؟
وابن الـ$&#! زوج أُميمة قلبي عليها واللهِ 😭

اشوفكم بخير إن شاء الله ❤🔥
بس أنا هيبقى عندي أمتحانات من 3 يونيو فلو منزلتش فصل قبل ما أبدا يبقى هستنى أخلص 🙈
هرجع لو وصلنا 100K 😁😂😂
سلامات 👋

منى علاء شاهين
الجيش الأزرق Blue army 🌍💙

استوصوا بالحبيب غزلًا "للكاتبة منى علاء شاهين"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن