20- حائرة

414 13 13
                                    


الفصل العشرون
”حائرة“


جلست قُربَ طاولةِ الزينة خاصتها تُمشِّطُ خُصلاتها الطويلة برقَّةٍ مُتناهية وهي تفكِّرُ في زوجها الذي بات يشغلُ جُزءًا مهمًا داخل عقلها، ارتدت ملابس حريرية مُريحة للنوم وقصيرة ثم ارتدت رداءً طويلًا وساترًا لتُغطي به جسدها وملابسها قبل خروجها من الغرفةِ للمطبخ الموجود في طابقها لتُحضر زجاجةَ مياهٍ بارة وفي الطريق قابلته وقد كان دالفًا للشقةِ لتوه..
طالع نعومتها بتفحصٍ ذكوري قبل أن تُلقي عليه السلام وتسير بخطواتٍ سريعة ومُتعثرة نحو المطبخ فهي لم تتقوقع قدومه الآن، ليوقفها هاتفًا ببحةٍ مُميزة: ”عفراء..“ فالتفتت له وقد احمرت قائلة بخجل: ”نعم؟“
فاقترب منها سائلًا وقد شعر بأنه يريد ابقائها لأطول فترةٍ ممكنة أمامه فمن حقه الاستمتاع بطلَّتها البهيَّة: ”أتستطيعين إعداد الطعام؟“
فأومأت دون حديث ليستمر بالتقدم منها حتى بات لا يفصله بينهما سوى انشاتٍ قليلة، لفحها عطره الرجولي النفّاذ الممتزج برائحته الخاصة المُهدِدَة لثبوتها بينما هو.. سحرته بطلتها وشُعيراتها المُموجة المُسترسلة بطولٍ لم يتوقعه فوق ظهرها بينما جسدها يلتفُّ بنعومةٍ في قطعتها الحريرية الطويلة التي ترتديها، همست بضعفٍ وهي تستجديه أن يفيق مِن تأثره: ”وِضاء!“
فهمهم بصوتٍ أجش لتُعيد همسها بترجٍ أكبر عندما رأت عينيه قد توقفت فوق شفتيها المُكتنزة والمُحمرَّة بفعل تأثرها وخجلها من هذا الموضع الحميمي الذي وضعت به: ”وِضاء.. أرجــوك“
فقال بهدوءٍ: ”لذيذة“
ليزداد احمرارها وهي تهمسُ بأعين مُتسعة: ”عفوًا!“
فابتسم باتساعٍ كشف عن غمازته الوحيدة الخفيفة التي لا تظهرُ إلّا نادرًا وأسنانه البيضاء المتلألئة مُوضِّحًا: ”أُريدُ وجبةً لذيذة“
فتلعثمت وتوترت وهي تبتعدُ مُتعثرة نحو المطبخ تصطنع ابتسامةً مضطربة قائلة: ”بالطبع في الحال“
ابتسم باستمتاعٍ وهو يشعرُ أن مبادئه تُزحزح وأفكاره ومُعتقداته التي كان مُتمسكًا بها ستذهبُ إدراج الرياح إن استمر بالجلوس مع تلك التي اخترقت حياته فجأة والمصيبةُ أنه سعيدُ بما يحدث ومن داخله يتمنى أن يستمرَّ الحال ولا ينتهي.
داخل المطبخ؛ كانت عفراء تتحركُ بسرعةٍ وتلوم نفسها على ما حدث بالخارج وعلى تأثرها به، أين كان عقلها عندما رأته!
لقد كانت عازفةً على الخوض في أي مشاعر مع أي ذكرٍ كان فماذا حدث لها، لماذا هي حائرة ومُشتتة؟
أقد يكون سبب تأثرها هذا أنَّ وضِاء لم يكن كشبيه الرجال مُطلقها.. أم أنَّ مُطلقها مَن كان حالةً شاذة وقد ظلمت الرجال بما فعله ذاك الحقير و.. لكن لحظة لم تظلمهم فأصدقاءه جميعهم كانوا مثله وبعضهم مَن كان أسوأ منه لقد.. فجأة توقف تفكيرُها عندما شعرت بوقوف شخصٍ خلفها ولمسات جسده الخفيَّة لظهرها الرقيقُ الناعم تجتاحُها فتتصلب مكانها وهي تشعرُ بيده تمتدُّ لتجذب ما تلمسه بأطراف أصابعها فاستفاقت تنظرُ فوقها لتجد أنه قد أحضر المِقلاة البعيدة والتي كانت تُعافِر لتصل إليها أثناء جدالها المُعقد مع نفسها، التفتت بسرعةٍ له هاتفة بتوتُّرٍ: ”ماذا تفعل؟“
فابتسم قائلًا بعدما اقترب منها بوجهه إلى حدٍّ مُقلق جعلها تلتصقُ بالخزانة: ”أُساعِدُك“
لتنسل من بين يديه هاربةً نحو الموقد لتُشعله قائلة بتلعثم: ”الأمرُ بسيط لا يتطلبُ مُساعدة“ فعاد ليقترب منها مُتلذذًا بتأثيره عليها فقالت بسرعةٍ وهي تبتعدُ قدرَ الإمكان: ”يُمكنُكَ الانتظار في غرفةِ الجلوس حتى انتهي“ فتوقف يُطالعها بعبثٍ قبل أن يهتف بخبثٍ وهو يلتفتُ ليُغادر المطبخ: ”كما تُريدين، سأنتظرُكِ في غرفة النوم“
وقفت مُتسمرَّة ولا تستوعب ما يقول قبل أن تهتف لنفسها بذعر: ”ماذا يقصد بأنه سينتظرُني في غرفةِ النوم!“.
❀•❀•❀
استلقت على السرير ودموعها لا تُفارِق وجنتيها، زوجها الحبيبُ لم يعد حبيبًا مفتونًا بها كما كانا وأبا أطفالها الآن أصبحَ خائنًا، مَن كان يتوقع أن ينقلبَ هكذا وما الذي قلبه؟
لم تقصر معه البتَّة ولم يقل حبه بقلبها يومًا فما الذي يبعده عنهم.. في السابق كان محبًا حنونًا وربنا أحيانًا يتحول لعابثٍ ماكر لكنه لم يستخدم هذا لأذيتها أبدًا بل كان يسخرُ كل شيءٍ للسمو بعائلتهم الصغيرة فماذا حدث؟
الصداع كاد يفتك بها والألمُ النفسي انهك روحها المكلومة فظلت تُناجي ربها أن يكون كل ما تشعرُ به وتسمعه كذبًا، أن يعود لها زوجها دون مرارةٍ أو خذلان، أن تستيقظ لتجد أن هذا الكابوس المرير قد أنتهى وأنها بين زراعي حبيبها تنعمُ بدفء احتواءه.
❀•❀•❀
رنَّ هاتفها لتجد أنه هو.. كانت تعلمُ أنه سيتصلُ بها فابتسمت بمكرٍ وهي ترفُ الهاتف لتُجيب عليه فوصلها صوته المستفسرُ هاتفًا ببعض التفكير: ”آنسة سيرين هشام؟“
فأجابته برسميةٍ وحسم: ”نعم معك الرائد نسرين تفضل“ تعمدت ذكر رُتبتها بفخرٍ لتُشعره بعلو شأنها فاستشفَّ ذلك لكنه لم يهتم ليُتابع قائلًا: ”أُريدُ مُقابلتك“
فابتسم باتساعٍ وهي تشعرُ بأن مخططها هذه المرَّة ناجح لا مُحال، لقد قبل وائل مُساعدتها وبما يملكه ضدَّ عمِّه الظالم ستستطيعُ أخيرًا الانتقام لها ولأمِّها.
❀•❀•❀
”ستندمين أشدَّ الندم على ما اقترفته!“
وقبلَ أن يهجم عليها كثورٍ هائج؛ ابتسمت وركضت نحوه تهمسُ بلهجةٍ مُمتنة حامدة بعد أن كانت تموت من الزعر منذُ لحظاتٍ فقط: ”خيّال!“
ثم انقضت عليه تُعانِقه وهي تستطيلُ على أطراف قدميها وتتعلق بعنقه قائلة وقد بدأت عدَّة قطراتٍ من الدموع تُسال فوق وجنتيها: ”الحمد لله أنَّكَ أتيت، لقد نسيتُ هتفي ولم استطع الوصول إليه كمان أنني لا أحفظُ رقمكَ و..“ صمتت عندما شعرت بتيبسه وصدمته فاستفاقت من تلقائيتها لتجد نفسها مُعلقةً بين زراعيه وفوق صدره فابتعد بسرعةٍ وخجلٍ وهي تبتلعُ ريقها بتوترٍ قائلة: ”آسفة، لـ لم أقصد ما حدث“
بينما هو استمرَّ على جموده وهو يُطالعها بحاجبيه المقطبين وشفتيه القاسيتين وعينيه الحادتين العميقتين لتهتف هي بارتعاشٍ وقد تذكرت أنها عصت أمره وبالتالي فهي الآن في خطر وينتظرُها عقابٌ شديد، ابتلعت ريقها بتوترٍ مُجددًا وهي تهمسُ بلهجةٍ حاولت دعمها بثباتٍ كاذب: ”عتمان الغفير قادم، يعتقدُ أنني أحد أعوانه“ ثم تابعت بتوضيحٍ وهي تخرجُ الهاتف من جيبها وتحذف رسالتها الأخيرةَ بسرعةٍ: ”السكِّير صاحبُ هذا الهاتف“
ألقى خيّال نظرَّة على الهاتف ثم عاد بعينيه إليها فبررت قائلة: ”لقد أفقدته الوعي ثم أخذت جاكته لأتنكر وهاتفه لأتواصل مع أي شخصٍ يوصِلني إليك“
تلفظ خيّال بكلماته الجامدة بنبرةٍ بطيئة مُحذرة من الاعتراض أو المجادلة: ”أعطني الهاتف وأذهبي للسيّارةِ حالًا“
أومأت وفعلت ما طلبه منها فهي في حالةٍ لا تسمحُ لها بالنديةِ أو العناد أبدًا بينما خيّال كان يُفكرُ أن حالةَ الرعب التي أصابتها منذُ قليلٍ هي خيرُ عقابٍ لها، تلك الحمقاء كانت تعتقدُ بأنه زرع جهازًا للمراقبةِ في هاتفها فقط ولم تعلم أنه زرع آخر في خاتم زفافهما الذي أمرها بجديةٍ أن لا تخلعه أبدًا، فعندما شعر بتوقف الهاتف في الطريق لساعاتٍ طويلة تأكد من أنها كالغبيةِ فقدته لذلك تفقد بالصدفةِ موقع الخاتم ليتأكد من شكِّه ويعلم أنها تركت الهاتف لكنه أعتقد أنها تركته قاصده حتى وجدها منذُ لحظاتٍ وركضت نحوه تجتاحه بذاك العناق الـ الصادق!
أغمض عينه ينفضُ عنه ذاك التفكير التافهة والساذج من وجهةِ نظره ثم نظر للهاتف في يده بإعجابٍ ساخر وهو يهمسُ لنفسه بصدق: ”اعتقدُ أنني استهنتُ بتلك المُتشردة“
اختبأ بعدها قرب شجرةٍ ينتظرُ ذاك المنشود حتى وصل برائحته الكريهة وابتسامته العفنة فانقض خيّال عليه بخفَّةٍ ثم ضربه بغلظةٍ فوق مؤخرة رأسه ضربةً أفقدته الوعي!
مهمته كانت سهلة حتى وصلَ للسيارةِ آمرًا تاج بفتح شنطة السيارة ليضع ذاك الحقيرُ بها ثم يغلقها عليه نافضًا كفيه باحتقارٍ قبل أن يصعد للسيارةِ ويأمر تاج بربط حزام الأمان ثم الانطلاق بسرعةٍ مرتفعة نحو عُشه، هذه المرَّة لن يكون غبيًا ويترك عتمان في حماية آخر غيره، هذه المرَّة سيصلُ للحقيقةِ لا مُحال.
❀•❀•❀
انتهت من إعداد الطعام لتتوجه نحو عرفته وتطرق بابها الذي فتح سريعًا وكأنه كان في انتظارها ليجد أن ما كان ينتظره خلف الباب لم يكن سوى الفراغ..
بحث عنها عينيه في الممر فوجد بابها يُغلق وقبل أن يخرج من غرفته تعثر في حاملةِ الطعام المتروكة أمام غرفته فوق الأرض فضحك عاليًا وهو يعلم أنَّ الجبانة لم تجرؤ على دخول غرفته!
وبعد أن رفع حاملةَ الطعام بين يديه ودلف بها لغرفته هتف باستمتاعٍ: ”لكٍ الحقُّ في الهروب فأنا ما كنتُ لأضمن أفعالي الليلة“ ثم أغمض عينيه يتذكرُ هيئتها حينما كان دالفًا لمسكنهما بعد ذاك اليوم الطويل قائلًا: ”خاصةً بملابسكِ الحريرية اللعينة التي كانت تحتضنُ جسدكٍ بنعومةٍ أفقدتني كلَّ صوابي“.
❀•❀•❀
في صباح اليوم التالي كان طِلال يستعدُ لخروجه نحو العمل قبل أن توقفه غالية قائلة: ”طِلال..“ فالتفتت إليها لتقتربَ منه هامسةً برقة: ”أُشكرُكَ على ليلةِ أمس“
ابتسم طِلال لتهمس غالية بخجلٍ: ”أظنُّني أتعبتُك في العودة بعدما غفيت دون أن أشعر“ ثم تابعت بارتباكٍ: ”أعتذرُ منك لقد كنتُ مشوشةً جدًا حتى في الليل استيقظتُ على كابوسٍ وخفتُ عليك“
طالعها بابتسامةٍ حلوة مُنتعشة فاحمرت حياءً ليقترب منها قائلًا ببعض الخبث: ”لا أحبُّ الشكرَ بالكلمات..“ ثم صمت قليلًا وتابع بتلاعب: ”ولا الاعتذار أيضًا، أنا أُريدُ أفعالًا“
طالعته بريبةٍ وهي تهتفُ بحذرٍ: ”أيُّ نوعٍ من الأفعال؟“
فانخفض لمستواها وهمس باستمتاعٍ أمام شفتيها: ”أخبريني أنتِ أيَّ نوعٍ تُفضلين!“
فابتعدت بالكرسي النقّال عنه وهي تتلعثمُ قائلةً باحمرارٍ: ”أنتَ لا تدركُ ما تقول يا طِلال وأنا لا أفهمُ منكَ شيئًا“
فجذب كرسيها ليُعيدها مكانها بالقرب منه وهو يضحكُ عاليًا باستمتاعٍ قائلًا: ”بل أعي جيدًا ما أقول يا غاليتي لكنَّ عقلك قذر والله أعلمُ لأي مُنحدرٍ وصل“
”طِلال“ حدجته بخجلٍ فرفع يديه مُستسلمًا وهو يهمسُ بحنوٍ واستمتاع: ”حسنًا، حسنًا سأقول ما أريدُ دون مواربة، أُريدُكِ أن تعودي للتعليم يا غالية“
هتف جملنه الأخيرة بحبٍ فاتسعت ابتسامتها بصدمةٍ وسعادة قبل أن تتبدل مشاعرها تمامًا وتسألُ بنكدٍ هو جزءٌ متأصِّلٌ بكلِّ أنثى: ”أهذا لأني بتعليمي المتوسط لا أُناسِبُ طبيبًا مثلك؟
أنا لم أطلب منكَ الزواج يا دكتور طِلال وإن كنتَ تـ..“
وأسكتها هو بمعرفته بعد أن أطبق شفتيه على زاويةِ شفتيها في قبلةٍ حاسمة أذابتها وأفقدتها النطق تمامًا ليبتعد برفقٍ عنها ثم يقول بحزمٍ وهو يُشدِّدُ على كلماته: ”استكمالكِ للتعليم هو حقٌّ لنفسكِ قبل أي شيءٍ آخر، أمَّا عني.. فأنا أُريدُ زوجة تُدللني وتُشاركني حياتي خارج العمل لا امرأة تُنافسُني على الشهادةِ والعمل والضغط والقرف“
بعدها خطف قبلَّةً سريعة أخرى فوق زاويةِ ثغرها مع مساحةٍ أكبر من شفتيها الناعمة الوردية قبل أن يستقيمَ راحلًا وهو يهتفُ بإصرارٍ: ”ستتعلمين لتوسعي عقلكِ الضيق هذا ثم تكونين قدوةً صالحة لحور ومن بعدها أطفالنا إن شاء الله“.
❀•❀•❀
كان أيهم يتناول فطوره وسط عائلته الدافِئة الصغيرة ويتخلل جِلستهم القليل من الكلمات اللطيفة ليُلاحظ أيهم صمت رودين الغريب فسألها بحنوٍ: ”رودين هل أنتِ بخير؟“
فرفعت عينيها التائهة إليه تهمسُ بقلقٍ يرتعدُ داخلها: ”لا شيء، أنا بخير“
فسألتها أم أيهم باهتمامٍ: ”هل تشعرين بأي إعياء!“
لتنفي برأسها بقوَّةٍ قائلة: ”لا بالطبع لا، أنا فقط..“ ثم نظرت لأيهم تحاول قِراءة تعابير وجهه فلم تستطع لتعود بعينيها نحو حماتها قائلة: ”أنا بخيرٍ خالتي فقط أشتاقُ لتاج“ ثم سألت بتوتُّرٍ وهي ترمقُ أيهم بنظراتٍ مُحرجة: ”هل يُمكنني مُهاتفةُ تاج ودعوتها لاحتساء الشاي معي؟“
ليومِئ أيهم قائلًا بترحيب: ”يُمكنُكِ دعوَة مَن شِئتِ فهذا بيتُكِ يا رودين“. ابتسمت بامتنانٍ ليستقيمَ أيهم واقفًا يهمسُ بجديةٍ وهو ينظرُ في ساعته الفضية الأنيقة: ”لقد حان وقتُ خرجي للعمل“ ثم نظر لابنته وسأل بحنو: ”أنتِ جاهزة للمدرسة؟“ فأومأت ريتاج وهي تحملُ حقيبتها وتقبل كف جدتها ثم خدَّ رودين قائلة: ”بالطبع أبي، هيّا بنا“
ودعهم أيهم بينما بقت رودين تفكِّرُ في ما تشكُّ وتشعرُ به، ستكون كارثة إن صدق احساسُها.. دمعت عيناها لتستقيم مستأذنة للصعود لغرفتها وهي تقِرُّ بأنَّ عليها مُهاتفةُ تاج!
❀•❀•❀
”سيد سِراج سيد سِراج“ استيقظ سِراج على صوت الضابط المرتشي الذي يساعده في السجن ويصلُ بينه وبين أتباعه خارج القبطان فهتف سِراج بغطرسةٍ وانزعاج: ”ماذا تريد؟“
ليهتف الرجلُ بتردد وهو يفرك كفيه ببعضهما: ”خيّال..“
فهدأ سِراج وسأل بقلقٍ خفي وقرفٍ ظاهري: ”هناك جديدٌ معه!“
فابتلع الرجل ريقه قائلًا دفعةً واحدة: ”لقد اختطف عتمان“
فتساءل سراج ناسيًا: ”أيُّ عتمان؟“
ليقول الضابط بحذر: ”الغفيرُ يا سيدي، عتمان الغفير المُستأجر في حادثةِ والدةِ خيّال“
فصاح سِراج بذعرٍ لم يستطع اخفاءه: ”الغفير! وكيف توصَّلَ إليه؟ بل كيف علم عنه؟“ قال كلماته وهو يقطع الغرفةَ ذهابًا وإيابًا كالمجنون وهو يشدُّ شعره حتى توقف قرب القضبان الحديدة سائلًا بغضبٍ عارف: ”هل وصلَ أحدٌ للخزينة! أم أنَّ حنفي أفصحَ عن شيءٍ قبل موته؟“
”لا أدري سيدي“
بدأ سِراج في تدمير كلَّ ما بالغرفةِ وهو يسبُّ ويلعن، لو انكشف أمرَه سيقضي المتبقي من حياته سجينًا هذا لو لم يُحكم عليه بالموت شنقًا!
لا لن يسمح لهذا بالحدوث.. التفت للذي نقل إليه الأخبار وهتف بلهجةٍ صارمة: ”اريدُ خزنتي في الحال، أنا فقط من يمكنه معرفةُ إذا تمَّ فتحها من قبل شخصٍ غيري أم أنَّ هناك خائنٌ بيننا، لكن قبلها اذهب لسلّاف واخبره ما سأقوله لكَ بالحرف الواحد“.
❀•❀•❀
أثناء سفرهما الطويلُ نوعًا ما كانت طوال الوقتِ صامتة وشاردة، بعقلٍ غائب وروحٍ فاترة، تعلمُ أنها مُشتتة ولا تعلمُ أيَّ طريقٍ تختار ولأي فكرةٍ تركن، داخلها مَشاعر مُتناقضة وأفكارٌ مُتباعدة رغم تداخلها وازدحامها.. استفاقت من شرودها على كف سند المُحتضنُ لكفها وهو يهمسُ بحنوٍ: ”ما بكِ حبيبتي؟“
ابتسمت باصطناعٍ قائلة: ”بخيرٍ يا سند لا تقلق“
ليعترض سند قائلًا: ”لستِ بخير، حالُكِ لا يُعجبني منذُ أيّامٍ ولا أفهمُ السبب، هل حدث خطأٌ ما؟“ وقبل أن تُجيب تذمر بعبوسٍ قائلًا: ”ولا تعتقدي سأُصدِقُ حُججكِ هذه المرة! عِطر أنا لم أعد طفلًا“
فأجابته بشيءٍ من الحقيقة بعدما تنهدت بتعبٍ حقيقي: ”كل ما في الأمر أني حائرة بشأن علاقتنا بخالنا سلّاف وابنه“ وعند ذكر ابنه ارتجفت اوصالها وهي تتذكرُ غضبه الأخيرُ وصُراخه بها والكلمات التي قالها عن شركة أبيه فهزت رأسها تبعدُ عنها تلك الأفكار ثم تُتابع بتفسيرٍ عندما رأت نظرات سند التي تَحُثُّها على المتابعة: ”ما رأيك هل نقطع علاقتنا بهم أو نحاول إصلاحهم وبرَّهم!
مع أنَّ أمنا بنفسها فشلت فشلًا ذريع في الخيار الثاني“
صمت سند مفكرًا ثم قال بإسهابٍ: ”أنا لم أقابل خالي لكن خيّال..“ ثم صمت قليلًا.. بعدها رفع عينيه لأخته قائلًا: ”لا أظنُّه سيئًا“
ارتعش بدنُ عطر وهي تتذكر لقائها الأول به يوم وفاةِ والدتها، لا خيّال ليس بريئًا لقد أراد انتهاكها، تحرَّش بها.. جعلها تعيش لحظاتٍ مُدمرة من الرعب النفسي الذي انهكها وأهلك أعصابها، خيّار رجُلٌ حقيرٌ وبشع هي وحدها من عرفت حقيقته!
إن كان أباه رجلُ عصاباتٍ سيء.. فالأبن لا يختلفُ كثيرًا عن أباه بل يزيده فُجورًا وطُغيانًا.
صمتت عِطر وطال صمتها مما جعل سند يهمسُ برفقٍ وهو يُملسُ على كفها فقد شعر أن أخته لا تحبُّ خيال أو تأمنُ له: ”ما رأيُكِ بطفلٍ صغير رماه القدرُ وسط رجال العصابات الفاسدة الفاسقة ليربوه ويتعلم على أيديهم وتحت أعينهم فماذا تتوقعين منه أن يكون؟
ملاكًا بجناحين!
خيّال ضحيةُ أباه ولو كان صالحًا أظنُّه سيستجيب مثلما فعل الجاهلية -التي كانت بهم نقطةٌ صالحة- عندما تبين لهم الحق، ألم يكونوا قبل الاسلام يعيشون في ملذّات الكفر والمُحرَّمات؟“
طالعته عطر بتفكيرٍ طويل، سند معه كلَّ الحق، قد يكون خيّال في ضلالٍ عسير ويحتاجُ لأيدٍ من النور تنتشله وقد يكون كأبيه يعلمُ الحق من غيره واختار طريقه بملء إرادته، زادت حيرتها وذاد ألمُ رأسها فقررت إراحةَ نفسها والنوم فوق كتف أخاها وهي تهمسُ ببطءٍ بعد أن لانت نبرتها وبدأت تستسلمُ للنوم: ”حديثُكَ لا غبار عليه يا سند لكن الاحتمالين واردين لذلك سنرتاح الآن وليفعل الله ما به خير“
أومأ سند ثم قبَّلَ جبهتها بعدها نظر خارج النافذة المجاورة لأخته وهو يتمنى أن يصلح الله حال ابن خاله فيكون أخًا لهم بدلًا من وحدتهم الخانقة هذه والتي تجعله يشعرُ أنه وأخته مبتوران من شجرة!
❀•❀•❀
وقف صخر أمام باب سلّاف الذي كان يُدمر كلَّ شيءٍ في مكتبه بهمجية ويصرخُ في الذي جاءه منذُ قليلٍ مرتعِشًا يهتفُ بترددٍ وخوف ما جاء ليُبشر به خيّال، فُتح الباب ليفر ذاك الرُجيلُ بزُعرٍ بينما دلف صخر ببسمةٍ ساخرة مُلاصقة لثغرة الذي يحتضنُ خلَّةً خشبية بين أسنانه ببنما كفيه داخلا جيبه بكبرياءٍ وغرور، رآه سلّاف فتوجَّه سلّاف راكضًا لصخر يلهثُ قائلًا: ”صخر.. جيدٌ أنَّكَ أتيت، أذهب الآن وأفعل أي شيء، كلَّ الطُرِقِ مُباحةٌ لكَ إلّا قتل وَلدي، لكن لا بئس في تأديبه ليتوب مما ينوي عليه ويلتهي بنفسه قليلًا فأنتهي أنا من كلِّ ما تركته خلفي سابقًا“ بعدها هتف بشرٍ وعينين غائرتين: ”سأتخلصُ من كلِّ شيء حتى سِراج وابنته إن تطلَّبَ الأمر!“
أومأ صخر ببسمةٍ ساخرة قائلًا: ”أسلوب الغابة.. يعجبُني هذا!“
ثم استدار بعدها خارجًا وهو يحدِّثُ سلّاف بعلوٍّ: ”الحسابُ بيننا ثقل كثيرًا يا سلّاف باشا وأنا لا يُرضيني الفُتات“
فعلَّق سلّاف واعدًا بعدما أيقنَ أن ولده لا جدوى منه: ”أظهر لي إخلاصك وسأجعلُكَ وريثي يا صخر، ستكون وريث إمبراطورية سلّاف جاويش كاملة“
ابتسم صخر بانتصارٍ ثم خرج من الباب ينوي شرًا، بل الكثير من الشر لآل جاويش وإمبراطورتيهم الواهنة التي باتت على شفا حفرٍ من الهلاك، إمبراطورتيه ستكون باسمه وعلى اسمه، لن يخضع لآخر مهما كلفه الثمن فما لا يعرفه سلّاف أن ضياع العلاقات وكسر الروابط هي الخطوةُ الأولى لضياع السُلطةِ وسقوط المُنظمة وهو لا ينتمي للسقوط بل خُلق ليُحلِّقَ عاليًا، بعيدًا جدًا وفوق الغيوم حيث تدرَّب وتعلم.
❀•❀•❀
وقفت سيدة محفوفة بالسواد قُربَ بوابةِ قصره تُطالع القصر بحسدٍ ومُقت وهي تُغمغم بينها وبين نفسها: ”يعيشون هنا منعمين ويتحكمون بنا كأننا دمى بين أيديهم من أجل الفتات وفي النهاية ينالون براءة الذئب من دم ابن يعقوب بينما نحن.. نتحملُ العواقب حتى الموت ببخسٍ وظلم“
اقترب من الحارس الموجود على البوابةِ وطلبت منه مقابلةَ خيّال فرفض الحارس وأخبرها بأن أوامر السيد خيّال تفرض عليه أن لا يزعجه أحد فطالعت الحارس بلؤمٍ ثم قالت بغنج وهي تكشِفُ عن جانب وجهها الملون بمساحيق التجميل وتهزُّ قدميها ليسمع صوت خلخالها الصاخب قائلة: ”أخبره بأنه يخصُّ أمه وأعدكَ أن يأتي لي راكعًا ليُقبل قدمي وأدخل لمقابلته“
احتار الحارس فدلف ليُهاتف خيّال من هاتف الفيلا الداخلي وأخبره بما تقول ليأتيه الردُّ عجيبًا وغريبًا، ردُّ كان مختلفًا عمّا توقَّع أو سمع من السفيهةِ الواقفة خارجًا!
فما كان منه إلًا أن أخرج سلاحه وابتلع ريقه بخوفٍ وهو يقتربُ من تلك الحرمةِ الواقفة خلف البوابةِ الحديدة العملّاقة فانصدمت مما تراه وتراجعت للخلف قائلة: ”ماذا تفعل يا مجنون!“
فقال الشاب بتوترٍ وكفٍّ يرتعش: ”ليسَ بيدي، إنها أوامر سيدي“.
❀•❀•❀
كان يقفُ قُربَ الفيلا في مكانٍ مُعتم لا يراه به أحد يُطالِع الموقف أمامه بتوتر، مهمته ستكون غايةً في السهولة فهذا الغبيُّ قد كلَّف حارس ساذج بحمايةِ فيلته، أين كان عقله وهو يُوظِّفه!
بعدها رمى خلَّةَ اسنانه وهو ينوي أن تكون هذه الليلة دموية بكل ما تحتويها الكلمةَ من معنى.. ثم قال بسخرية وهو يتوجه نحو القصر بوعيدٍ: ”سيكون تأديبك يا خيّالُ قاسيًا، تأديبًا لن تقوم منه سالمًا“.
❀•❀•❀

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف حالكم أتمنى تكونوا بخير يا رب، اشتقتلكم جدًا ولما وصلتني كومنتاتكم وإنكم لسه في انتظار الرواية قررت متأخرش عليكم أكتر من كدا وأسيب البيت والأكل والمواعين وكله وأكتبلكم الفصل الأول 😂 دعواتكم على البلاوي إلي ورايا بقى وأخرتها علشانكم خاصة المواعين علشان مش بيني وبينها عمار خالص 🙂💔

الرواية الحمد لله متوقفتش بس أنا إلي حصلي ظروف كبيرة وكتيرة جدًا، يعني بالعامية كان تو ماتش ضغوط على كتكوت صغنتوت 😂.. أنا يا باشا قالولي بسم الله خطوبة ولحد دلوقتي مسحولة وبطلع من نقرة لدُحديرة ومش عارفة أطلع 🥲
بس الحمد لله بنعافر وبكرة نتعلم ونظبط الدنيا 🥺
أنا لا أُخفيكم سرًا فبصراح أنا لسه أموري مش تمام وفي موضوع لسه قدامي هيسحلني سحلة عسل بس واللهِ واللهِ بحاول متأخرش عليكم وإن شاء الله توبة ومنزلش حاجة تاني إلّا وهي منتهية أو شبه منتهية علشان التأخير دا كله وعلشان مظلمكمش معايا ❤
كل عام وأنتم بخير يا رب وبتمنى ليكم عام سعيد مليء بالفرح والسرور وربنا يتقبل منا جميعًا ويرزقنا وإياكم بكل ما نبغى ونتمنى ما دام في مرضاة الله يا أحبّائي، أحبَّكم الله.

منى علاء شاهين
Mona Alaa Shaheen
الجيش الأزرق Blue army 🌍💙

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jun 25 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

استوصوا بالحبيب غزلًا "للكاتبة منى علاء شاهين"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن