٣وكانت للقلوب رحمة
بقلم مروة حمدي
_١٨_
القلوب تميل إلى من يرعاها ويهتم بها؛ حتى تنبت زهرة الحب بداخله وتتمدد أفرعه وتنتشر حتى تملئ دواخله.
&&&&&&&&&&
ذهب عبدالله إلى المدرسة ليجد الفتيات بإنتظاره ليبتسم لهم بحب فاتحا ذراعيه، لتركضا إليه وقد عرفت كل فتاة مكانها بين أحضانه، ربط على رؤوسهما ليقف من جلسته، ليلمح شيئا ما يدور بعينه محاولا التأكد مما رأى، لا يبصر شيئا ليوم شفتيه هامسا لنفسه" ليا كلام مع عماد بخصوصه"
ليأخذ الفتيات ويرحل، يسأل غادة: ها يا غادة تحبى تيجى معانا ولاا
لم يكمل باقى جملته حيث إجابته غادة مسرعة: للبيت يا عمى للبيت، انا مش هبلة علشان أعيد غلطة امبارح.
أبتسم عليها، ليأخذهم باتجاه المنزل يستعيد ما فعل قبل خروجه والرسالة الثانية التى أرسلها لتلك الكريهة والتى كان مضمونها.
"دلوقتى وقت غداء، ومضطر اكل من الشارع، أكل لا ليه طعم ولا لون، وبالليل عيش وحته جبنه، فمفيش حد فى البيت يطبخلى، اه لو كنتى جنبى، مش كان زمانى جيتلك جرى، أكل من تحت ايديكى ومن بين صوابعك وقتها انا مش ضامن نفسى، يمكن من حلاوة الاكل، أكل صوباعك مكانه"
يتمتم بوعيد داخلى: ولسه ال جاى يا كريهة.
بينما عقب خروج خاله والفتيات، خرج ذلك الشقى من مخبأه يتنفس الصعداء، ليسأله على بإستفسار.
_مالك أنت خائف كده ليه؟ وليه خلتنا نستخبئ كده؟!
_ياعم خالى عبدالله ، كان واقف عند الباب وماكنتش عايزه يشوفنى، لانه فى الاول هيرجعنى معاه وثانيا مش هيرحمنى من أسئلته ومن محاضرات الوعظ بتاعته.
_على بلؤم: لا إذا كان كده فكويس اوى ال انت عملته، يالا بينا علشان منتأخرش على الشباب.
_يالا.
بينما بالعودة إلى منزل آل الجمال: تقف على الموقد تعد الطعام وهى عاقدة العزم على التقرب منه كزوجه، حتى لو وضعت تلك الصينية أمام الباب كل يوم فبالتأكيد بيوم ما سيقبلها، ابتسمت بإنتشاء لأفكارها،ليخرجها صوت الرسالة من أحلامها، عادت قراءتها مرة تلو الأخرى تلو الأخرى، لم تدرى بحالها سوى وهى تمسك بذلك الكوب الزجاجى تلقيه على الارض، ليليه عدة أكواب وهى تصرخ بصوت عالى.
"مش لاقى ال يطبخلك، أومال انا بعمل ايه؟! وانت ال بترقص تشرب بق المياه من تحت أيدى حتى لو هتموت من العطش.
بعد دقائق من الصراخ، أخذت تهدئ حالها تلتقط أنفاسها وعقلها يذكرها بما أتفقا عليه، لترسم ابتسامة مختله على وجهها وهى تعد الاطباق تزينها بحرفية، ترتبها على المائدة بنظام، لتلتقط صورة لهيئة الطعام المعد ترسلها له قائلة.
"ايه رايك فى غداءك انهاردة يا حبيبى؟ انا هأكله بدالك وأتخيلك جنبى، أكلك بأيدى ووقتها مش هعترض حتى لو كلت صوابعى"
أرسلتها لتمرير يدها على الهاتف تنظر إلى صورة التى كانت تلتقطها له بأيد مرتعشة غافلة عن أى شئ أخر.
بينما بالعودة إلى عبدالله فبعد إيصاله لغادة يميل على ابنته يسألها: قوليلى يا حبيبة ابوكى، تحبى تأكلى ايه؟
رحمة بابتسامة: اى حاجة يا بابا، المهم نسرع علشان نروح للورشة.
عبدالله بمكر : اممم حتى لو كان الغذاء بيتزا بالجبنة ال بتحبيها.
_رحمة وقد سال لعابها: امم متهيلئ أن الورشة ممكن تستنى
عبدالله يعبث بشعرها وهويضحك: وأنا بيتهيقلئ كده برضه
&&&&&&&&&&&&&
راحة هى فقط الراحة التى يمكن وصف ما يشعر بها الان، يسير خلفها والسكون يعتليه؛ هدوء الروح بعد الصخب هو ما يسيطر عليه الآن وهو ما يتمناه، يبتسم عليها وهى تنفذ تعليماته بدقة؛ تسير بخط مستقيم، بمنتهى الجدية، لا تنتقل بأعينها يمين ولا يسار بل تكاد الا تحيد عن الطريق أمامها، رأسها منكس لأسفل؛ ولا يعلم أنها استغنت برؤية ظله عن سواه.
مر الوقت بهما سريعا ولم يشعروا به لتقف أمام منزل العائلة تلتقط أنفاسها المضطربة وهو يقترب منها من الخلف، ليقف من على بعد خطوة يحدثها بصوت جاد حازم تصنع فيه الغضب.
"تطلعى على شفتكم عدل، وبعد ما تخلصى غداءكى، تمرى على جدتك زى ما أتفقنا'
صعدت بخيبة أمل حتى وقف على الدرج وهى تراه يقف على باب شقة جدته يهم بالدخول لتهمس وهى تنادى عليه.
_عماد، عماد.
لف بجذعه لها يحرك رأسه بمعنى عايزة ايه؟!
لتبتسم هى تلك الابتسامة الرائعة وهى تستند على الدرج تخبره بهمس.
_تَبسم.
يرفع أحد حاجبيه بمكر وهو يناظرها يجاهد فى كتم تلك الضحكة التى كادت تفلت منه عليها؛ لتعيد هى مرة أخرى همسها وهى تشير بإصبعها على فمها بعلامة الابتسام لتقول مرة أخرى.
_تَبسم.
نظر إلى الجهة الأخرى بدلال طفولى جديد عليه وهو يعقد ساعديه بتذمر مصطنع؛ لتتسع ابتسامتها التى خرجت من قلبها وهى تراه هكذا، لتهمس برقة وهى تعيد حديثها.
_تَبسم علشان خاطرى.
عماد بعتاب" وخاطرى انا فين؟"
_مش هتتكرر.
_خلاص مش زعلان، يالا اطلعى.
_تبسم علشان اطلع.
_عماد بإبتسامة: لمى الدور يا عبير واطلعى أحسنلك وأحسنلى.
ليكمل داخله" لا تعلمين كم أجاهد لأخذك بين ذراعى الآن"
_عبير بدون فهم: ليه؟
عماد وهو يشير على الدرج: عبير يالا مش بحب أعيد كلامى مرتين، ولا عايزانى أزعل منك مرة تانية؟!
لم يكد ينتهى من حديثه حتى وجدها تصعد الدرج تسابق الريح، ليهز برأسه بيأس عليها وهو يتمتم.
" إلى أين تأخذيننى يا عيير؟ الى اين"
التقط أنفاسه واستجمع رباطة جأشه، ليدلف إلى جدته بعدها يسألها عن حالها وأدويتيها.
&&&&&&&&&&
صعدت الدرج بوقت قياسى ففكرة أغضابه مرة أخرى أخافتها كثيرا، هى لا تطيق صبرا على صمته معها وحديثه الجاف بعدما تجرعت معسول كلماته، لن تقدر أن تعود معه إلى نقطة الصفر مرة أخرى، كما أنها تعلم أن الأمر خطأها منذ البداية؛ فهى على دراية بأخلاق عماد جيداً، هى فقط تلك الغيرة التى أشتعلت بقلبها، دلفت من الباب وهى تتنهد وتهمس لنفسها بحبها له، لتقف بإندهاش وهى تجد والدتها، تقف أمام مائدة الطعام، رتبت عليها الأطباق بشكل منظم، حسنا هذا سابقة لليوم التالى على التوالى والدتهم تهتم وتجهز طعام الغداء.
ولكن ما جعلها تعقد حاجبيها بعدم فهم؛ هو رؤيتها لوالدتها تضع الهاتف على المائدة ويبدو أنها أنتهت من مكالمة أو ما شابه لتبدأ بعدها بالتحدث إلى نفسها بصوت غير مسموع، تحرك يدها بالهواء بشكل عشوائى، اقتربت منها عبير بريبه من حالها، ليتبين لها وجه والدتها التى ظلت على ذات الهيئة منذ الصباح، تعابير وجه والدتها المتابينة بين الضيق والفرح، الغضب والسعادة أصابتها بالخوف منها وعليها.
نكزت كتفها بتردد حتى تستحوذ على إنتباهها بعدما نادت عليها أكثر من مرة والأخرى بعالم أخر.
_عبير وهى تنكز ذراع والدتها: ماما، ماما.
رفعت الأخرى له وجهها، لتكتم عبير شهقة على الهيئة الحمراء المحددة بغيوم سوداء التى رأت عيون والدتها عليها، حاولت السيطرة على نفسها لتسألها بصوت ممتحشرج
_ماما انتى كويسة؟!
لم تتلقى إجابه منها فقط تنظر لها بلا صوت لتتركها وترحل إلى غرفتها غاللقة الباب خلفها بقوة.
تنظر عبير إلى الطعام الذى لم تمتد إليه يد وعلى الرغم من تنسيقه ورائحته الذكية إلا أن ما أبصرت عليه والدتها، أفقدتها الرغبة فى تناوله لتمسك بطبق فارغ، تضع فيه البعض منه لأجل جدتها لتأخذه لها عقب تغيير ملابسها.
مالبست أن دخلت لغرفتها، ليفتح باب الشقة بقوة تدخل منه غادة عقب أن فتحت بمفتاحها الخاص بها، لتشهق بفرحة وهى تجد المائدة معدة، تلقى حقيبتها على الأرض وتتجه مسرعة تجلس على مقعدها تتناول بشرهه.
&&&&&&&&&&&&
بعد خروج عماد من عند جدته، يدلف الى شقتهم ليجد والدته تتناول طعام الغداء بمفردها ليجلس جوارها وهو يتفقد المكان حوله بعينيه ليسألها.
_الباقيين فين ؟ مش هيأكلوا ولا ايه؟!
_كريمة وفمها ممتلئ: هانى كان قايلى أنه هيخرج مع أصحابه بعد المدرسة، ونورهان قالت أنها هتتأخر.
_ومين أصحابه دول؟ تعرفيهم؟
وقف الطعام بحلقها، لتبدأ بالسعال، ترتشف بعضا من الماء بالكوب جوارها، تجيب بتوتر: ايوة، عارفاهم.
_صمت، ثم تابع: وبابا؟
نظر إلى ساعة يده ثم أكمل: المفروض أنه يكون هنا من نص ساعة على معاد غداءه؟!
_كريمة وهى تشيح بيدها إلى الجهة الأخرى: مش عارفة، يمكن كله فى الورشة ولو جخ فالأكل بالمطبخ، وأكيد مش هفضل جعانة مستنياه.
_هز رأسه بيأس عليها، ليميل بجسده عليها وهو يهمس لها: خدى منى النصيحة دى ياما، ما فيش رجل موثوق بحبه ميه فى الميه، الحب مش كل حاجة، الراحة والاهتمام هما بس ال يضمنوا وجود الرجل، وانا خايف لأبويا يلاقى راحته فى مكان تانى.
عقدت حاجبيها بريبه ولا تعلم لما شعرت ببعض الخوف وقد دب فى أوصالها من مجرد تخيل الفكرة، لتنهر حالها سريعا مطمئنة حالها؛ بأن زوجها ممدوح يعشقها ولن يجرؤ على فعل شئ كهذا، فاقت من شرودها لتجد عماد يرحل من جوارها، لتسأله بإستنكار.
_مش هتتغدى؟!
يشير لها بيده وهو يوليها ظهره متجها إلى غرفته قائلا: ماليش نفس دلوقت.
هزت كتفيها بعدم إهتمام لتعاود تناول الطعام من جديد.
&&&&&&&&&&&&&&&&
وفى مكان أخر يقع بالصحراء على أطراف المدينة، تقف سيارتى جيب سوداء يخرج من أحدهما رجل يحمل حقيبة سوداء وخلفه أثنين من الرجال يخيل لمن ينظر لهم من للوهلة الأولى أنهم لاعبى مصارعة، ومن السيارة الآخرى رجل بحقيبة سوداء تشبه تلك التى مع الاول وكأنها نسخة عنها، ورجلين لا يختلفان كثيرا عن الرجلين الأولين.
يقف الرجلان قبالة بعضهما ليلقيا التحية بدون حديث، ليمد الرجل الثانى بالحقيبة التى معه للرجل الأول الذى أخذها منه بطرف أصبعه، يضعها على مقدمة السيارة وراءه وجميع الرجال سوا معهما أو الباقين فى السيارات على أعلى درجة من الأستعداد لأى رد فعل مفاجئ أو لحظة غدر.
فتح الرجل الأول الحقيبة لينظر الى. الاكياس البيضاء المتراصة بجانب بعضها، ليبتسم ابتسامة صغيرة باهته متمتما بعدها: "هنشوف"
رفع صوته قليلا وهو ينادى: محسن.
أتى الآخر مسرعا من السيارة، ليقف جواره متحدثا بإحترام: فى خدمتك يا زعيم.
يشير بيده على الاكياس، ليفهم عليه بسرعة، ليخرج أحدها، يثقبه ثقب صغير يضع بعضا من محتواه على ظهر إبهامه، ليستنشقه دفعة واحدة بأنفه.
ينظر بعدها لرئيسه وهو يحك أنفه بيده، يبتسم برضا معلقا بكلمه واحدة" أصلى"
ليهز الآخر برأسه، يقترب من الرجل الثانى، يفرقع بأصبعته ليعطيه أحد الرجال الحقيبة الخاصة به، ليمدها إلى الرجل الثانى متمتما" حسابك"
يفتح الاخير الحقيبة ليمرر إصبعه على فمه وهو يرى تلك الرزم المتراصة، أخرج إحداها يفحصها، ليصرخ بعلو صوته" خيااانة'
لا يعلم متى أو كيف أصبح هو و حاله تحت تحت وابل من طلقات الرصاص من رجال الرجل الأول وتلك السيارات المحملة بالرجال وقد ظهرت من العدم، ليتدافع أحد رجاله، يغطى ظهره حتى وصوله إلى سيارته والفرار بها بعيدا تاركا بعضا من رجالة يواجهون مصيرهم دون أن يهتم لهم بقدر ما يهتم بأمر تلك الشحنة التى سرقت أمام عينيه متوعدا لذلك الزعيم بالرد العاجل.
بينما بعد مرور ثوانى وقد سقط معظم الرجال قتلى فى تلك المواجهة الغير متكافئة بسبب عامل المفاجأة والكثرة لتكن الغلبة من نصيب رجال الزعيم.
محسن يتحدث إلى رئيسه: أسطورة يا زعيم، محدش يتوقعك.
يقاطعه الآخر بتأكيد وهو يعيد سلاحه إلى جرابه مؤكدا: ومحدش هيعمل.
نظر إلى الرجال بعدما تأكد من وجود الحقيبة بسيارته، أمرا إياهم.
"يالا يا رجاله ، أمشوا بس كل تلاته أو اتنين مع بعض مش اكتر من كده وكل مجموعة بطريق مختلف، وهنتجمع انهاردة بالليل ببطن الزير علشان كل واحد يأخد حسابه"
هزوا رأسهم بٱحترام وفعلوا مثلما أمر فيما عدا محسن الذى صعد إلى جواره إلى السيارة الجيب التى تحركت بهما.
بعد مده من الصمت بينهما الذى قطعه محسن متسائلا: فل سؤال يا زعيم محيرنى ونفسى أعرف إجابته واتمنى ما تضيقيش منى.
الآخر وهو يذم شفتيه: امم ليه بدلت الفلوس الأصلية بالمزيفة وغدرت بيه مع أنها مش المرة الأولى ال أتعامل معاه فيها وهو ماخلفش كلمته معايا قبل كده؟ فليه أنا عملت كده؟
_محسن بدهشة: هو ده بالظبط ال كنت عايز أسال عنه!
_الزعيم: خلينا نقول حاجة فى نفس يعقوب.
عقد محسن حاجبيها بعدم فهم ولم يتجرأ على السؤال مرة أخرى.
لا يعلم ولكنه أدار محرك السيارة بهذا الاتجاه، يدور بعينه فى الأرجاء دون أن يلاحظ ذاك القابع جواره، لتنتبه عينيها على ذلك الجسد السائر أمامه من الجانب الأخر للطريق، ليدير برأسه بحركة لا إرادية ينظر لها وابتسامة صغيرة حلت على وجهه جذبت انتباه الجالس جواره؛ ليرفع حاجبه بدهشة عليه والآخر يتأملها هامسا لنفسه" كفاك دلالٍ يا غزال"
والأخرى شاردة، فبعد أن فقدت الامل برؤيته مرة ثانية تنهدت بحزن وهى تسير عائدة إلى منزلها بحزن أصاب قلبها، لا تعلم لما ولكنها شعرت بنظرات اختراقها من الخلف ودقات قلبها تعالت مرة واحدة لترفع أعينها عن الطريق تنظر بالجوار لتتقابل عيناها بعينان سرقت منها طوال الليل لتقف تناظرة بأعين لامعة والآخر يغمز لها بطرف عينه فى خفة لم يلحظها ذاك الجالس ولكنه لفت نظره أدارت رأسه للجهة الأخرى ليديرها هو الاخر، ليطلق صغيرا عاليا مغازلا: قمر، قمر يا بت الايه.
أغمض عينيه بغضب ليحرك السيارة بسرعة راغبا بدفع ذاك الذى جواره منها، ولكنه لا يريد أن يفتضح أمره أمامه الان.
بينما هى لم تسمع سوا صوت صفير ولم تتنبين هيئة صاحبه والذى بالتأكيد ليس منقذها، سارعت بخطواتها من جديد تفكر بأن الصدفة جمعتها به اليوم حتى لو لحظات إذا ستجمعها بها كثيرا فنظرة عينيه أخبرتها أنه هو أيضا كان يبحث عنها، لوحت بحقيبة يدها بسعادة وهى تدندن بصوت هامس وهى تسير عائدة بحال غير الحال الذى كانت عليه منذ قليل.
&&&&&&&&&&&&
ولقد تملك القلب هواك فأصبح يتغنى بأسمك فى الصباح والمساء؛ مناجياً"ماذا بعد سيدى ألم يحن أوان اللقاء"
غابت الشمس فى الأفق، تاركه وراءها الكثير من العقول المشغولة والبال الحائر من الفكر، كلا هو فى وادى يشغله، فمثلا بالنظر إلى تلك الضحكة على الوجه، اللمعه بالعين، السعادة التى تقطر من كلماته، حركات جسده الرشيقة؛ كل هذا العلامات لا تدل الإ أن هذا الشخص قد ربح اليانصيب.
وبالفعل هو كذلك ولكنه ليس اليانصيب بل الإهتمام، نعم ياسادة فذاك الممدوح قد عاش منذ سويعات مضت مالم يعشه طوال فترة زواجه؛ ما تمناه من رعاية وإهتمام والشعور بأن هناك أحدا ما يهتم، زعزع ثوابت قلبه.
لم ينتظرهم كالعادة وهم يغلقون المكان راحلا بدون حديث عندما أتى وقت الذهاب ، شاردا بتلك الوردة؛ وكم يليق بها هذا الأسم، فهى كالجورى فى روعته ورائحته الذكية.
وعلى ذكر أمر الرائحة أبتسم بإتساع مغمض العينين وهو يستنشق تلك الرائحة التى لا تزال عالقة به، غير واعى بتلك الأعين التى لا تحيد عنه ويعلوهما حاجين معقودان بحيرة، يتساءل صاحبهما بينه وبين نفسه" أمرك عجيب يا صديقى القديم! ترى ماذا يجرى معك، لا أعلم لما ولكنى أشعر أن هذا الطارئ الجديد لن يلائم كريمة"
هزة لملابسه من الأسفل أخرجته من شروده، لينظر إلى أسفل بإبتسامة وهو يعلم الفاعلة، لتبادله هى إياها وهى تتساءل" احنا هنمشى امتى احنا كمان يا بابا، مابقاش فى غيرنا هنا؟!
نظر حوله ليجد ان تلجميع الجميع قد رحلوا حقا ليبتسم بها وهو يجيبها.
عبدالله: دلوقتى حالا يا حبيبة قلب ابوكى، يالا ببين
أمسك بكف يدها بحماية متجها بها إلى منزلهم.
$$$$$$$$$$$$$$$
بالعودة إلى منزل آل الجمال، بالطابق الاول بشقة عزيزة تجلس على كرسيها الهزاز مغمضة العينين لتدق الساعة الثامنة، تقم من جلستها كالمصعوقة، تتحامل على نفسها حتى وصلت أمام الباب، تفتح ببطء فتحة صغيرة، تستمع لصوت خطوات أقدام، ترهغ السمع وتدقق النظر حتى تتبين من هوية ذلك الصاعد.
كل هذا تحت أنظار عبير الجالسة على المائدة؛ تستذكر دروسها و المتابعة لها بحزن عليها وعلى ما وصل إليه حال الجميع، تعلم جيدا من الذى تنتظره جدتها، كم تمنت ان تخبرها انه لا يزال يهتم أن تريح قلبها من جهته ولكنها مقيدة بوعد لن تستطيع أن تخلفه.
فتحت الباب على مصراعيه وهى تبصر زوج أبنتها يصعد الدرج.
لتوقفه بنداءها عليه عدة مرات متتاليه، ليقف بالأخير متأففاً.
_عزيزة: ممدوح، ممدوح، يا ممدوح.
_ممدوح وهو يقف على مضض: نعم، فى ايه؟!
_عزيزة وهى تعقد حاجبيها من تلك اللهجة الجديدة التى يحدثها بها: مالك؟!
_مافيش.
_متأكد؟!
_يعنى انتى موقفانى علشان كده؟!
_عزيزة وهى تشعر بالحرج: لا بس انا كنت عايزة أسالك على كريمة، ه. فين ما شفتهاش طول اليوم إنهارده؟!
_ممدوح وهو ينظر فى جيب قميصه تاره ثم الى جيب بنطاله، يمد يده بداخله يبحث داخله بجديه دفعتها لسؤاله.
_فى حاجة ضايعة منك يا ابنى؟
_يشير لها بيده أن تنتظر لبرهه؛ لينظر لها بعد لحظات متحدثاً: مش معايا.
_هى ايه؟
_كريمة.
قالها واقوله ظهرها له ينوى الصعود غير مبالى بتلك التى أرتدت للخلف خطوة وهى تضع يدها على صدرها بزهول من جوابه الغير متوقع منه نهائياً ولا حتى بأحلامها.
أوقفته مرة أخرى بحزن وخجل ممتزج بكسرة قد زحفوا إليها تطلب منه أمرا ما.
_لو ما فيهاش تعب يا ابنى، ابقى قولها إن ليها ام فى الدور ال تحتها وبيقولوا عيانة.
ابتسامة خافتة صغيرة ساخره خرجت منه وهو لا يزال يقف على الدرج، يستمع لها دون أن يكلف نفسه عناء النظر لها، هامسا لنفسه" ومنذ متى ابنتك تهتم بك أو بغيرك؟!"
أشار رأسه بالإيجاب كإجابه على طلبها مكملا صعوده إلى أعلى، تعود هى إلى الداخل مغلقة الباب بقوة.
وصل الى مسامعه صوت أغلاق الباب القادم من أعلى من شقة والدته بقوة، ليصعد الدرج مسرعا يقفز الدرجات قفزا، خوفا من أن يكون مكروها ما أصاب والدته وخلفه ابنته تصعد بسرعة تحاول اللحاق بخطواته.
وقف أمام الباب المغلق، ينظر حوله مستشعرا الهدوء من حوله؛ ليتأكد ان الامور بخير ولا داعى للقلق، يمرر يده على الباب بخفة كم يتمنى أن يعبر من خلاله، يلقى عليه تحية المساء، يطمئن على حالها، يشكو لها من هم أيامه، سماعه لدعائها له؛ ولكن ما حدث وما بدر منها اصبح جدار عازل بينهما حتى هو لن يقدر على تحطيمه حتى لو أراد.
وقفت ابنته إلى جواره تهم بالحديث، ليوقفها بإشارة من يده وهو يعيد إمساك يدها متجها بها الى اعلى، بينما خلف الباب الموصد، تستند عليه پظهرها، تجاهد تلك الدمعة بعينيها وتناجيها بألا تهبط، ليس الان وأمام حفيدتها؛ التى يبدو من وجهها أنها أستمعت الحديث.
أدارت وجهها للجهة الاخرى متحدثة بصوت ضعيف: انا هدخل اوضتى علشان ارتاح، حاسة انى عايزة أنام.
ألقت بجملتها تلك ورحلت إلى غرفتها تحتمى بها، لتنكس عبير رأسها الأسفل بحزن بعد دخولها، تقوم بجمع متعلقاتها، ترخل صاعدة إلى شقتهم بعدما أغلقت الباب خلفها بروية.
توجهت إلى غرفتها مباشرة، فلا طاقة لها لأى حديث مع والدتها، أو حتى القدرة على رؤية ما تفعله، يكفيها ما مرت به اليوم، تثاءبت بشده وهى تفتح الباب مقررة أخذ غفوة لمدة ساعة ثم الاستيقاظ ومعاودة الدراسة بعدها.
فتحت عينيها بصدمة وهى ترمق جسد أختها المتدلى من على الفراش وهى نائمة بعمق حيث صوت تنفسها العالى يملئ أرجاء الغرفة، لتضرب كف بالأخر وهى تتحدث بتعجب على حال أختها" ايه السلام النفسى ال انتى فيه يا بنتى ده؟! انا خلاص بصمت بالعشرة أن حياتك ماهى الا أكل ونوم، حتى المذاكرة مالهاش مكان فى قاموسك"
أقتربت منها ترفع قدمها الواقعه على الأرضية، ثم عدلت من وضع ذراعها المتدلى تحتها، رفعت رأسها على الوسادة، لتنظر لها بغيظ عقب أنتهاءها.
_ايه يا بنتى ده! كل ده وما رمشتيش حتى؟! ده انتى ولا القتيل، ده لو حرامى دخل عندك مش هيتعب وهو بيسرق ولا يقلق منك طول ما أنتى نايمة.
وبالغرفة الموجودة بالجهة المقابلة، التى ما هى إلا ظلام دامس، يعمها السكون الى حد مخيف، يخيل لك من الوهلة الاولى، أن لا أحد بها ولكن مهلا؛ شئ ما يضئ فى الظلام يقطعه بومضات من النور الأبيض الخافت يصحبه رنات صغيرة قصيرة.
بفعل تلك الاضاءة التى أوضحت القليل من محتويات الغرفة، ولكنها كانت كافية لنتبين أن مصدرها لم يكن سوا هذا الهاتف الصغير الملقى بإهمال على الأرض ولكن مهلا هذا ليس كل شئ!
جسد مكوم على الأرض بإهمال، لا تستطيع معرفة مكان الرأس من القدم من النظرة الاولى، بل أنها تخيل إلى ناظرها ككومة من الثياب الملقاة وتحتاج إلى غسيل
عادت تلك الومضات من جديد ليتبين ماهية هذا الشئ، أنها إنتصار تبدو كالجثة الهامدة ولكن هناك أنفاس تدخل وتخرج منها محركة قفصها الصدرى إلى أعلى وأسفل كدليل على أنها ما زالت على قيد الحياة، هى أقرب من المغيبة عن الوعى من النائمة.
أرهاق جسدى ألم بها لعدم أخذها كفايتها من النوم لليلتين الماضيتين وإرهاق فكرى ؛ حيث أخذت تتصارع و تتناقش مع حالها تارة، تضع الخطط تارة أخرى، تبرر وتحلل، تتفق وتعترض بأوقات أخرى.
أرهاق روحى وُلد عن إرهاق قلبها من هوى متملكا به حاكما له وهو العاشق الخاضع المتيم حد النخاع.
تحالفوا ضدها الثلاثة لتقع وهى واقفة فى مكانها نائمة نوم يشبه الأموات وللأسف لا يوجد من أجلها أى أمير وسيم يوقظها منه بقبلة الحب الحقيقى.
أنطف الوميض ولم يعد الإضاءة مرة أخرى، لتغرق الغرفة من جديد فى ظلام دامس وهى لا تزال مكتومة ككم مهمل لا حراك به.
&&&&&&&&&&&&&
بينما بشقة عبدالله بالأسفل يضع هاتفه على الشاحن، يبتسم بإنتشاء، متمتما لنفسه" لأول مرة احط تليفونى على الشاحن وما يكنش عدى يومين على شحنه ولا تلاته حتى، واقعة عليا انتى بخسارة يا كريهة، انا متأكد انك نايمة متخدرة من التعب، تانى دلوقتى براحتك وصدقينى لما تقرئ رسائلى الصبح هتضربى نفسك بالقلم علشان نمتى.
توجه إلى غرفته يخرج ملابس جديدة يرتديها، يدثر ابنته النائمة جيدا بالغطاء، يطبع قبلة حانية على جبهتها بمحبة، ذهب إلى الحمام ينظر إلى نافذته المغلقة يفتحها ببطء ليواجهه نافذتها المغلقة تعكس ظلام الغرفة خلفها، ليهز رأسه بسخرية وهو يتمتم: يا خسارة فاتك عرض بصورة وجودة عالية يا بنتى، اصل نسيت اشغل السخان فمفيش مياة سخنه ولا بخار يا إنتصار.. قالها مغلقا نافذته.
بعد وقت قام بفتح خزانته، يفتح الجزء الخاص بحبييته، يبحث بعينيه عن قطعة معينه من بين ملابسها، ليجدها؛ يبتسم بحنين وهو يمد يده يسحبها بعناية يقربها إلى أنفه متمنيا أن يكون بها أثر لها فلقد أشتاق لرأئحتها كثيرا، وكان القدر أراد أن يرأف به ليبتسم بحب وقد أنعش قلبه المتعب من جديد برائحتها المختبئة بين ثنايا تلك القطعة الحريرية.
جلس على جانبه من الفراش بجوار ابنته بعدما تناول صورتها من جانبها على الجهة الأخرى، رفعها أمامه متأملا إياها بعشق لا ينضب، مقربا تلك القطعة من فمه يستنشقها وهو لا يزال ينظر إلى صورتها، يقربها إلى صدره، يغمض عيناه متذكرا ذلك اليوم عندما طلب لها هذا القميص، كيف تخصبت وجنتيها باللون الاحمر من الخجل وقتها حتى طغت على لونه.
كما بدت جميلة شهية كتفاحة تدعوك لتناولها، عادت تلك النغزات لصدره، ليميل برأسه على الوساده محتضنا صورتها واضعا قميصها على وجهه متمتما ما بين اليقظة والنوم" لقد أشتقت لك كثيرا يا مرض قلبى ودوائه"
$$$$$$$$$$$$
بينما بالطابق الثانى بشقة كريمة، يجلس عماد على مكتبه يستذكر دروسه بجد، يضع أمام عينيه هدفا واحدا وهو الخروج من هذا المنزل بعبير، ولأجل هذا لا يجب أن يتهاون فى دراسته وهى السبيل الوحيد أمامه.
بينما ذاك الصغير مستلقى على فراشة بإريحيه، ناظرا لسقف الغرفة متذكرا هؤلاء الفتية الذين أجتمع معهم اليوم بعد المدرسة، يكبرونهم بخمس أعوام أو أكثر ولكنه لم يشعر ابدا بأنه أقل منهم عمرا حتى أنه أقل من على نفسه.
طريقة حديثهم وهم يختصرون جمل عريضه بكلمات مقتضبة فهمها بسهولة دون شرح، تلك القصة يشعرهم وقد أضغت عليهم طابع خاص بهم تتماشى مع ملابسهم والتى يغلب عليها اللون الاسود.
كأنهم أرادوا إيصال معلومة لمن يراهم أن يعرف بأنهم خطرون وليحذرهم دون أن يتحدثوا، وقد نجحوا فلقد لاحظ أن معظم الناس أثناء مروره بجانبهم تتحاشى الاحتكاك بهم، ابتسامة عريضة رسمت على محياه وهو يتخيل نفسه يسير هكذا ولا يجرؤ أحد على اعتراضه، شعور الرهبة وهو يسير جوارهم يرغب بتجربته من جديد.
وبغرفة نورهان تجلس ببطنها على فراشها تضع القلم بفمها وهى تتأمل تلك الورقة التى خطت بها ملامح سالب لبها، لتتكتب تحتها فى اخر الورقة"منقذى" تطويها بعمليه تضعها داخل درج المنضدة جوارها، لتتدثر بالفراش، ذاهبه للنوم واحداث يوم امس واليوم كانت بطلة أحلامها.
&&&&&&&
استغفروا.
آراءكم وتوقعاتكم.
أنت تقرأ
وكانت للقلوب رحمه
Roman d'amour"فاقد الشئ لا يعطيه" بالعكس فبعض الأحيان يكن هو الأكثر عطاء لما فقده . كرحمتنا تلك عانت كثيرا لأسباب لا تعرفها وحرمت من أشياء اخرى تمنتها وعاشت وحيده وهى بين أهلها تعانى مرارة اليتيم ، ترى عندما يجلب لها القدر مايساعدها على الانتقام والاحساس بنشوة...