الفصل الثالث والعشرون

893 81 54
                                    

وكانت للقلوب رحمه
بقلم مروة حمدى
الفصل ٢٣
قبل القراءة يا شباب والله التفاعل محبط جدا الفصل كان جاهز من امبارح بس قلة التفاعل تكسر الهمه، ارجو الدعاء للصديقة والمتابعة الراقية بالواجبات ايمى ماهر بالشفاء هى وأولادها وكل مريض
*****
أشرقت شمس الصباح بنورها، معلنة بداية يوم جديد، حلت نسائمه على أصحاب هذا العقار، كلا فى وادى يشغله.
يوم العطلة الأسبوعية حيث لا مدرسة اليوم، ليقرر عبدالله قبلها بيوم تغيير الإجازة الأسبوعية  بورشته من يوم الاثنين إلى يوم الجمعة، حتى تشعر ابنته بقليل من الراحة وان لها عطلة تستريح بها، فلا تضطر للذهاب معه يوم الجمعه بطوله إلى الورشة ويوم الاثنين ينتظرها هو بالمنزل حتى تأتى هى من مدرستها، يغشى عليها من كل هذا التعب.

لنرى سويا ماذا سيحدث مع أصحاب هذا العقار بيوم مثل هذا، المنزل الخاص بعائلة المرحوم فتحى، استيقظت تلك الإنتصار أو الكريهة كما يطلق عليها عبدالله من نومها، تتململ فى الفراش تبحث عن هاتفها حتى وجدته ملقى جوارها، قامت بفتحه، وهى تتثاءب.
رسالة  فحواها" صباح الخير عليك يا عمرى، لقد استيقظت الان" قامت بكتابتها ثم توجهت إلى المرحاض وهى تمشئ ببطء، تتخبط فى سيرها من قلة النوم، لم تمض دقائق حتى خرجت على عجلة وهى تتجهز سريعا حتى من قبل أن تتناول إفطارها، تنوى الخروج للتسوق وشراء ما يلزمها من ملابس وحلى ولا ضرر ببعض العطور الجديدة.

فكلما تذكرت ملامح وجهه المنقبضه، إمساكه لأنفه بيده، تشعر بأن تنفسها صار ثقيل وللغاية، كأن هناك حجرا ضخما وضع على قلبها وترك.

صوت طرقات على باب غرفتها وصل إلى مسامعها، بالبداية لم تهتم كثيرا ولكن مع زيادة الطرقات، رفعت من نبرة صوتها بشكل عصبى غاضب وهى تتساءل عن هوية من يقف خلف الباب.

إنتصار بغضب: مييييييين؟
عبير بتوتر من تلك النبرة: أنا يا ماما عبير.
_أدخلى.
دلفت عبير من الباب بخطى ثقيلة بطيئة تجول بعينيها بالغرفة، تحاول جاهدة أن تستشف ما كان يحدث مع والدتها بالبارحة، ولكن لا شئ مختلف ليقع عيناها بالاخير بعد رحلة من التجوال بالغرفة، على والدتها التى تقف أمام المراءة وقد أعتدلت لها عندما رأتها تدلف من الباب.

نظرت لوالدتها بإندهاش فهى لأول مرة ترى والدتها لا تضع اى من مساحيق التجميل ولا حتى كحل العين، بدت عيناها حمراء بوجه شاحب لونه أصفر يحاكى لون الكركم؛ والدتها ليست على خير بتاتا، هى من عشاق أدوات الزينة، حتى شفاهها جافة، والأدهى من ذلك أنها تستعد للخروج بمثل هذا الوقت الباكر من اليوم وبالأخص يوم الجمعه.
ذلك اليوم الذى إذا استيقظت فيه والدتهم قرب الظهر، فلقد إستفاقت باكرا، شردت عبير وهى تنظر لحال والدتها وقد تبدل منذ فترة، وكل يوم يزيد سوء عن اليوم الذى يسبقه، سألت نفسها بحيرة"
" يا ترى عمى عبدالله ليه يد فى ال بيحصلك ده يا ماما ولا لا"
هزت رأسها بالنفي متابعا حديث نفسها
" لا، من وقت اليوم اياه على السلم وقالها ما تقربش  منه وهى بتخاف تجئ جنبه وتزعله، اومال مالها بس؟ فى حاجة مضيقاها؟@ قلقانه من حاجة طيب!

صمتت تخرج تنهيدة حزينة وهى تعود بالنظر إلى والدتها تكمل متابعة" ولا دى نار العشق يا ماما؟ انا عارفاها كويس وعارفه ازاى نارها بتحرقك حيه من جوه، بس الاختلاف ال بينى وبينك هو انك أنانية اوى يا ماما، اخترتي سعادتك على سعادة ال بتحبيه، انتى محبتهوش ياماما والا كنتى قدمتى سعادته وراحته عليكى، حبك غلط، عمى عبدالله من أحسن الرجالة ما فيش زيه بس عمره ما كان مناسب ليكى يا ماما، حتى لو بعد مرأة عمى ناهد عمره ما هيقبل ان اى ست تأخد مكانها فى قلبه، كان المفروض تعرفى ده من البداية.

أغمصت عينيها لبرهة وهى وتتفاعل مع حديث نفسها داخلها، أحاديث كثيرة ترغب بأن تخبر بها والدتها، أن تطلعها على أنها كبرت الان إذا لم تلحظ ذلك، انها بحاجة لها كثيرا، ترغب بالإفصاح عن مشاعرها لها، تريد نصيحتها فيما هى مقبلة عليه، تريد والدتها التى تشعر بأنها فى عالم أخر بعيد عنها وعن أختها وأنها قد بدأت تنسى أنهم بحياتها بالتدريج.

عندما طال الصمت لدقيقة كاملة ولم تتحدث خلالها عبير، ضاق ذرعها، لتولى لها ظهرها تقف أمام المرأة تحكم وضع غطاء الرأس على شعرها.
أقتربت منها عبير بحذر تتساءل بهمس وقلق حقيقى عليها.
_عبير لإنتصار : ماما أنتى كويس؟!
رن هذا السؤال بأذنها كصوت فرقعة على الطبل، لتميل بوقفتها سريعا كرصاصة باتجاه ابنتها الواقفة على بعد مناسب، تناظرها بأعين مرعبة،جعلت تلك العبير تعض على لسانها من الندم، تتمنى لو تتراجع عن سؤالها.

إنتصار بصوت مبحوح: أنا على أحسن حال وزى الفل انتى مش شيفاني قدامك اهو؟!
تهز لها عبير رأسها بالإيجاب ولا تقوى على المعارضة وهى بمثل هذا الحالة التى لا تفسر.
_إنتصار وهى تعيد النظر إلى المراءة، تتفحص ما ترتديه تسألها وعينها تتصل بعين إبنتها من خلف الزجاج، تسألها بتشكك فى نفسها حاولت إخفائه وجعل الأمر يبدو طبيعيا كأى سؤال اخر يسأل.

_طالعة أزاى، شكلى حلو؟@
_تهزعبير  رأسها بالايجاب بدون حديث.
إنتصار وهى تفقد ذرات صبرها : بلاش فقع مرارة و كلميني زى ما بكلمك، فاهمة؟
تكاد تهز رأسها، تتوقف وهى تتحدث بلعثمة طفيفة: زى ما تحبى.
إنتصار وهى تلتقط أنفاسها عقب إنتهاءها، تعتدل فى وقفتها فى مقابلة إبنتها تتحدث بهدوء يشبه ذلك الذى يشبه هدوء العاصفة:
_دلوقت نبدأ من جديد، شكلى حلو؟
تهم بتحريك رأسها، توقفها نظرة من عين والدتها مجددا محظرة ومهددة فى أن واحد، تجيب مسرعة: اوى، اوى اوى يا ماما.

تلتف انتصار بسرعة نحو المراءة من جديد عقب سماعها لإجابة ابنتها، تمرر يدها على ملامح وجهها المتناسقة من أعين واسعة لونها الخلاب من البنى والعسلى، حتى وهى خالية من الكحل لم تفقد رونقها بتلك الرموش الكثيفة، إنفها الصغير المرفوع، شفاهها الصغيرة المكتنزة بحمرة طفيفة، وجنتيها الممتلئة قليلا.
أزاحت غطاء رأسها عن شعرها وهى تفك حصاره تقوم بنشره على ذراعيها وظهرها، تتأمله بلونه الخلاب بلون البندق وقد قامت بتلوين بعض خصلاته باللون الأشقر ولم يزر الشيب رأسها بعد.

"وشعرى ؟"
هكذا سألتها إنتصار بتلهف مستتر، لتجيبها الأخرى بإجابه مرضية لها ولكنها ابدا لم تكن كافية ومقنعة.
عبير بصدق ردا على سؤال والدتها التى لا تفهم مغزاه أو إلما ترمى: روعه، انا بتمنى يكون زيه فى يوم"
سمعت ردها وهى تمر بنظرها على جسدها، تستكشفه وكأنه لأخرى ليست هى، لتهمس بصوت غير مسموع.
_اومال زاهدنى ليه؟
عبير ولم تستطع الفهم" لحسن الحظ": بتقولى ايه يا ماما مش سمعاكى؟
إنتصار وهى تشيح بيدها لها بلا إهتمام واليد الأخرى تعيد وضع الغطاء على رأسها من جديد، تتذكر أمرا اخر عقب انتهائها تنظر لإبنتها سريعا: تتساءل بتقرير
" وريحتى"

عبير وهى تحرك أنفها بالاتجاهين: لا، أنا مش شامة حاجه.

اغمضت إنتصار عيناها مرة أخرى تتساءل بداخلها "إذا أنا لما فعلت معى هذا يا حبة الروح والجسد،؟!
وقفت تمسك بحقيبة يدها، نظرت الى ابنتها نظرة خاطفة تخبرها بتقرير:
" انا خارجة هقضى مشوار ضروري وراجعة خليكوا هادين وما تتحركوش من مكانكم لحد ما ارجع"
عبير: وستى؟
_انتصار: مالها؟
_مش هنزلها؟
_استنى لما ارجع او خدى أختك معاكى ما تسبهاش لوحدها.
عبير: تمام.
تهم بالخروج مسرعة، يوقفها صوت ابنتها: مش هتقولى معانا،انا حضرت الفطار.

انتصار وهى تخرج من باب الغرفة، تحيب بإشارة نافيه من يدها ولم تكلف نفسها حتى عناء الرد على إينتها قائلة بموجز: لا،

عقب حديثها مع إبنتها، خرجت من الغرفة لا تعى أى شئ مما يدور حولها، سوا إجابه عبير على أسئلتها؛ تخبرها بمدى جمالها و ورونقها، لتنشق ابتسامة صغيرة على فمها، مدعمة بالأمل، لم ترى ابنتها الصغرى غادة وقد استيقظت من نومها وهى تتثاءب كفرس نهر، تحك أعينها بيديها المدمعة من أثر النوم.

وقفت فى مكانها وهى تحاول أن تفتح عينيها، لتضيق أعينها، تضع يدها فوق أعينها كمظلة، حتى تتضح لها الرؤية، تهمس بإستنكار" أمى هل تأخرت فى النوم لهذة الدرجة، حتى أستيقظ بعد أمى؟! وكيف والساعة تشير إلى التاسعة؟ ها، إلى أين تذهب الان؟"

رفعت صوتها، تنادى على والدتها، والأخرى غير واعية، تدلف من باب الشقة وتغلقه خلفها بقوة، لترجع تلك الواقفة برأسها للخلف متمتة" غريب" يالا مش مهم، فين بقا الهبلة عبير؟!


ما كادت تخطو خطوة واحدة للأمام، توقفت قدماها وهى ترى الطعام الموضوع على المائدة، تركض له كما الفراشة بسعادة، كسعادة طفل بيوم العيد، تسمر عن ساعديها وهى تضرب رغيف عيش ببعضهما، تضع بيضه مسلوقه بفمها وبيدها الأخرى تغمس فى طبق الفول الغارق بالسمن الطبيعى أمامها، تتمتم والطعام يملئ فمها" بحبك يا عبير"


بينما بالداخل هوت عبير على الفراش خلقها بعد رحيل والدتها، تنظر فى أثرها بحزن متمتمة" انا محتاجلك اوى يا ماما"
أغمضت عينيها بحزن وقلبها يأن بوجع تنادى على من لا يمكننا سماع إجابتها حتى ولو إستمعت إلى سؤالها، نداؤها عذابها أو سعادتها.
" محتاجلك اوى يا طنط ناهد، محتاجه ارمى نفسي بين ايديكى، اسمع نصيحتك واطلب مشورتك فى ال هعمله،مش عارفة ليه بس حاسة انى كنت جزء من ال حصل معاكى،سامحينى وما تزعليش منى، من وقت ما سبتينا والأوضاع من سئ لأسوء، موتك أثر بالكل، ساب فراغ محدش هيقدر يملأه ابدا.

استجمعت شتات نفسها تقف من مجلسها وهى تلقى ناظرة خاطفة على الغرفة حولها، ليعيد برأسها نفس السؤال من جديد، ماذا كان يحدث هنا البارحة؟ ما الذي أوصل والدتها لتلك الحالة من الصراخ والصياح.

وتلك الرسالة التى أوصلها عمها لهم برفقة عماد، لا تدل الا على أن ما يحدث مع والدتها، لعمها يد به.
هزت رأسها بقلة حيلة متمتمة: هى عايزة الحياة دى،  تدوق بقا مرارة ال طلبته وسعت له.

خرجت من الغرفة لتتوقف بصدمة، تكاد تصيبها ذبحة صدرية وهى ترى أختها تجلس على المائدة تتناول إفطارها بشره، تتقدم منها بملامح مذهولة وهى تذكر اسم الله أمامها تسألها بفضول.
عبير لغادة: بسم الله الرحمن الرحيم، أنتى صحيتى امتى؟
غادة بفم ممتلئ: دلوقت.
_عبير وهى تجلس بمقابلتها: واول حاجة تعمليها هو تقعدى تأكلى؟
_اكل محطوط عاى السفرة اسيبه وامشى يعنى؟!
_لا سمح الله بس سؤال صغير، ما سمعتيش قبل كده بجملة غسل الوش والايد و غسل السنان لما تصحى من النوم!!

_غادة بلا أى إهتمام بحديث أختها تسألها بإيتفسار: سيبك منى، قوليلى امك رايحة فين بدرى كده والنهارده إجازة ومال وشها تخيلى اول مرة اخد بالى مز ملامحها.
عبير بحدة طفيفة : غادة عيب تتكلمى كده عن ال اكبر منك فهمتى، ولما انت شوفتيها ماسالتهاش هى ليه؟!
_غادة وهى ترتشف من كوب العصير أمامها: شكلها كان يخوف وانا مش مستغنية على نفسى.
عبير: على العموم هى قالت رايحة مشوار وقالتلي أخلى بالى منك، فيالا يا حلوة خلصى اكل وجهزى نفسك واعملي حسابك انهاردة هنراجع دروس الأسبوع ال فات ال مقربتلهاش نهائى حضرتك.
غادة وهى تشعر بالضيق: ده ظلم انهاردة اجازة.
عبير بسخرية: سامحيني  يا صاحبة الكرمات واه يالا علشان نازلين الاول لستى سوا.
قالتها ببطء وبرود متعمد جعل القضمة تقف بحلقها، لتشرق ترتشف الماء بسرعة، وعبير تنظر لها بشماته قائلة :
بالراحة حبيبتى بالراحة.

عقب نزول إنتصار مسرعة تهبط الدرج، بطئت خطواتها، نزلت على مهل وعيناها مسلطة على الباب الذى بدأ بالوضوح أمامها تسارعت نبضات قلبها، بلعت ريقها بألم، غامت بعينيها سحابة من الدموع، تهدد بالهطول.

وقفت أمام الباب بقلب مشتاق، مررت يدها على المواضع التى يلمسها بيده فى العادة عند فتتحه، وهى تحفظها عن ظهر قلب، أقتربت بأنفاسها منه وهى تغمض عينيها تتذكر ذلك اليوم، عندما كانت قريبة منه، تستنشق نفس الهواء الذى يستنشقه.

عندما لمست ذلك الدفء الصادر عن جسده وهى قريبة منه للحد المهلك لقلبها، لم تعى بحالها وهى تقبل تلك المواضع برقة وبطء ودمعة صغيرة زحفت على وجنتيها، تعرف طريقها إلى الأرضية جيدا؛ من خلال ذلك المجرى المحفور على وجنتيها من كثرة ما بكت بليلة أمس والتى تليها.

أغمضت عينيها تقبض على تلك الدموع، قامت بتمرير يدها على وجنتيها وهى تمسح أثار دموعها، تحمد الله بداخلها أنها لم تضع أى من مساحيق التجميل وإلا كانت هيئتها ستبدو كارثية، وهذا ما لا ترغب به الآن.

شبح ابتسامة صغيرة، تجاهد فى الظهور هى تنظر الى الباب، الفاصل بينها وبين من تهوى، لا يصلها منه أى صوت لتعلم أنه خرج للعمل وأخذ ابنة غريمتها معه،همست للباب وكأنها ترجوه بإيصال رسالتها إلى صاحبه القابع خلفه وبقلبها.

_همست بصوت مشحون من عاطفتها المتأججة، التى لا تنطفئ بل تزيد فى الاشتعال:
هرمى كل حاجة مش عجباك، هعمل كل حاجة علشان ترضى عليا، انا رايحة اشترى هدوم جديدة، حتى العطر ال بحبه رميته وهجيب غيره هعمل اى حاجه علشان تقبلنى بحياتك، عارفة انه كان المفروض اقولك قبل ما اخرج بس خفت، خفت  ترفض وترجع تبصلى تانى بقرف وقتها هموت مش هستحمل.


أطرقت برأسها وهى تشهق شهقات صغيرة متتالية بعدما فقدت السيطرة على دموعها للمرة التى لا تعلم عددها، وقفت لثوانى تلتقط أنفاسها، مسحت دموعها بيديها من جديد، تنظر الى الباب نظرة أخيرة وكأنها توصيه على صاحبه، أطرقت برأسها مبتعدة، تولى ظهرها له بإنكسار، تهبط السلالم بهمة، منخفضة، ضعيفة، هزيلة، عكس تلك التى هبطت بها.

فعندما يثقل القلب بالهموم، ويوثقه الحزن برباط من اليأس، تصبح القدرة على الحركة درب من دروب الصعاب، حيث تقف فى بدايته وأوله وأخره المشقة، المشقة وفقط المشقة.

بينما خلف هذا الباب، تشع إبتسامته التى جاهد فى إخفاءها ولم يفلح، ابتسامة شامته، متوعدة بالمزيد، لقد راق له كثيرا ما سمع، اااه خرجت منه حارقة، كم كان يتمنى رؤيا وجهها وهى على هذه الحالة من اليأس والعجز وقلة الحيلة.

ماذا تظن تلك الحمقاء، حتى وإن كانت صادقة بمشاعرها تلك، فبأى حق تهدم سعادة الأخرين لأجل سعادتها، كيف سولت لها نفسها فعل الفاحشة من أجل أن تصل إلى حبا من وجهة الشرع والقانون محرم عليها.

ماذا كانت تظن بفعلتها تلك وهى تهاتفنى من رقم غريب، ماذا إذا سايرتها وقتها؟! كنت سأخون أخى وأنا لا أعلم، ما ذنب زوجتى فى قصة عشقها الغير مكتملة تلك، حتى تقهرها.

يضرب بيده على الباب بقبضة يده، القلق يتأكله على على أمانة اخاه، لا يعرف كيف هم فى وجود أم مثل تلك؟ هل ترعاهم هل تهتم لهن وهن فتيات واحده فى سن خطر والأخرى تحتاج إلى ام توجهها وترشدها، تضع أمامها القواعد التى يجب أن تسير على نهجها بحياتها، تعلمها الفرق بين الخطأ والصواب وكيف يزين الشيطان الفعل الخطأ.

ولكنها كيف ستفعل هذا وهى غارقة بحب أعمى، جعلها تنجرف وراء شهواتها، ضاربة عرض الحائط أى شئ أخر، كم يتمنى لو يعيشا معه وتتركهم وترحل بعيدا عنهم حتى لو أعطى لها كل ما يملك ما عداه هو، حلم يرغب بتحقيقه، ليكن درب الجنون هو أولى الخطوات لأجل تنفيذه.

لأول مرة نهره عقله عما يفعله، فالطيب يا سادة عندما يرد الإساءة أو يوجه صفعه مماثلة لمن صفعه، يستيقظ ضميره الذى لم يتم من الأساس، يأرقه يناقشه واحيانا يتشاجر معه.

أوقفه صوت عقله محدثا إياه بتأنيب:
_مش شايف انك زودتها.
_عبدالله بإجابة قاطعه: لا
_البنات
_مالهم؟!
_أمهم ومحتاجنلها.
_هما احسن من غيرها.
_سبها لاجل عظم  اخوك فى تربته.
_ههه دى خانته وهو عايش.
_بعد ما شفتها وسمعتها ما فيش شفقة ولو صغيرة.
_ما تستحقهاش.
_هتجننها.
_ده فضل وكرم منى.
_ناهد نفسها مكنتش بتيجى عليها لما تغلط فى حقها، بتحطلها الف عذر حتى انت كنت بتضايق منها وقتها على طبيتها معاها وانت بنفسك سمعت دلوقت شكواها وحالها أعف عنها لأجل ناهد الغالية.

_ عبدالله بعصبية وحده وصوت منخفض: مش هى دى السبب ال خلى قلبها يتعصر من الزعل عصر، لو ما اكتفوش  بكده اتفننوا يذلوها لحد ما لقت راحتها لقلبها التعبان بمكان تانى، بعيد عن البيت ال كله حقد وكره وخداع، لقت راحتها بعيد عن الدنيا الظالمة لقلب نقى وصافي زى قلبها.

أستند على الباب بظهره ممسكا صدره من الناحية اليسرى، يكاد يعصر جلده بين أصابعه وهو يضغط على شفتيه من الألم، ألم ينغز بصدره كساكين تعرف طريقها فى قطعة من اللحم لا ترحمها، كما لا ترحمه تلك النغزات المؤلمة.

كلما تذكر ما مر به وقتها من ضغوط، أجبرته على ما فعل، كلما تذكر كم الألم الذى عاشته محبوبته بمفردها من قهر وخيبة أمل به وحزن منه وعليه؛ يعلم أنها كانت حزينة لأجله أيضا، قالتها بلسانها له ونطقت بها عيناها التى لم يخطئ قبلا بقراءتها، واستشعرها من نبضات قلبها التى تحاول الثبات حتى لا تكن سبب فى ضعفه.

جلست بمفردها تسترجع ما حدث، أثقلت قلبها بالاحزان، حبها له وغيرتها عليه وهو غير موجود ليربط عليها ويؤكد لها أن هى فقط ما تتربع على عرش قلبه، يعلم علم اليقين أنها تعلم ولكنها وقتها كانت تحتاج له بأن يخبرها إياه، يربط على يدها برفق، يأخذ بين ذراعية، يهدئ روعها يبث لها عشقه وشوقه، حتى تطمئن وتهدأ.

لم يكن هناك، لم يودعها حتى، لم يستمع لأسمه من بين شفتيها لأخر مرة، سلبوه حق الأعتذار منها وطلب السماح، وبالأخير تأتى تلك الحرباء الرقطاء، تتمنى الوصال والصفح والبدء من جديد وكأن ما كان لم بكن؟!

ابدا، لا رحمة لها عنده ولا شفقة، لتذق من أقعالها، لتجرب مرارة ألاعيبها، لن يتراجع ابدا، الان فقط يدأ يشعر بالراحة، نظر لصندوق القمامة بين يديه مبتسم وهو يتذكر خروجه من المطبخ يحمله حتى يلقى به فى الصندوق بالخارج أمام باب الشقة، ليستشعر بوجود أحدهم خلف الباب.

نظر من العدسة الموجودة بالباب، ليعلم هوية الواقف، أتسعت عينيه بغضب وهو يراها هى التى تقف، حدث نفسه وهو يلكم يد بالأخرى متوعدا لها بالويل، ألم يخبرها بألا تهبط من باب شقتها أيدا، ألا تقف أمام باب منزله بقدمها، وها هى تضرب بكلامه عرض الحائط بكل وقاحة و إنعدام خجل واقفه أمام شقته.

هم بفتح الباب، لكن شئ ما لفت نظره بها، هى ليست كعادتها،وجهها خالى من تلك الدهانات التى تضعها عليه، ذابلة إلى حد مريح إلى نفسه بشكل كبير، رفع يده من على باب المقبض وهو يراها تمتم بكلمات، أرهف السمع جيدا، لتصل له كلماتها التى تعكس مقدار عذابها، كل كلمة تهبط على قلبه تبرد قليلا من نار قلبه المستعرة، تريحه بإنتصار.

لو كان أى رجلا أخر لوقع صريع تلك الكلمات والهمسات، لحظات الذى تلك لإمراءة بمثل عنفوانها ولكنها ما زادته الا بغض منها ونفور، يسأله نفسه بعدم تصديق.
" للدرجة دى معدومة الكرامة، انتى ايه معموله من ايه؟!"


أعتدل فى وقفته بعدما هدأت نوبة الألم تلك، ليقرر الذهاب الى الطبيب، ففى رقبته من لا يمكن أن يستعين بصحته لأجل عيناها، فهو الوحيد الباقي لها فى هذة الدنيا، يتمنى أن يوصلها لبر الأمان، يسلمها بيده لرجل يراعها و يهتم بها، عند هذة الخاطرة تسارعت نبضات قلبه وهو يتخيل صغيرته بفستانها الأبيض، متبأطه لذراعه وهو يسير بها حتى يسلمها إلى من يستحقها، تمتم بهمس وهو يدعو لها، بأيام مقبلة أفضل من التى يعيشونها الان.

تسمر بمكانه بعدما هم بالرجوع إلى الداخل عقب فتحه للباب وألقاه للقمامة، تذكر أمر الملابس التى خرجت مخصوص لأجل أن تباعها،وهى نفسها ذكرت أنه كان يجدر بها أن تعلمه، حتى وإن كان لا يطيقها، لا يتحمل أن تقف أمامه ولكنها بالأخير على أسمه، كيف أمكنها تهميشه هكذا؟ يبدو أنها لا تعلم بأن اليوم أصبح عطلته.

لا يجب أن يتركها على هواها تذهب وتجئ؛ فأمراءة مثلها لا تؤمن وليست بمحل ثقة على الاطلاق.

إبتسامة تداهى ابتسامة الثعلب وهو يفكر فيما سيفعل، سيضرب عصفورين بحجر واحد، لم يكن يوما من محبى العنف و يبغض من يفعله حتى أخاه، كان يعنفه عليه، ليرد له الآخر بجملة ثبت صحتها الان.
_المرحوم فتحى لعبدالله: يا اخويا مراتى زى التعبان لو امنتلها وحضنتها تبلعك، عاملة زى العقرب ال مستخبى مستنى اللحظه ال يلسعك فيها.

_ليهمس عبدالله لنفسه متوعدا لها:طيب يا كريهة، خلينا نولع نار الشوق فى قلبك بالتليفون الاول وبعدين تدوق من قلة القيمة والبهدلة على يدى أشكال والوان.

أخرج الهاتف من جيب بنطاله المنزلى، يخرجه وهو يتمتم بسخرية.
_والله لو كان جانى حد من شخر وقالى انى هاخد تليفونى فى كل حته اروحها لكنت قولت عليه كداب، اه يا كريهة مش قولتلك واقعه عليا بخسارة.

رفع أحدى حاجبيه وهو يرى ذلك الأشعار بوجود رسالة على هاتفه منها، قام بفتحها وهو يقرأ رسالتها؛ تخبره بها أنها استيقظت من نومها، ليطلق صوتا ساخرا متمتا" لا صبحك الله لا فى النهار أو المساء"
ليتمتم بينه وبين نفسه"يالا نبدأ اللعب بدرى انهاردة، انتى متعرفيش انى اجازة انهاردة وهخليكى تعضى صوابعك ندم لما تعرفى واهو نتسلى.

أمسك الهاتف خط عليه كلمات قليلة وافية وكافية بالنسبة له، متأكد من تأثيرها عليها.
"صباح الخير يا جميلة الجميلات، اناودلوقت ال صحيت على رسالتك واتمنيت وقتها لو كان وشك الباسم هو اول حاجة تشوفها عنيا مش وش البصمة ال ختمت بيها ليلتى امبارح.

أرسلها وهو يضحك بصخب، ليأتى صوت مناداة عليه من داخل العرفة، ليلبى النداء سريعا وهو يعرف جيدا من هى صاحبته، معلقا أثناء ذهابه.
"جاى يا قلب ابوكى"

بينما لو رجعنا قليلا إلى الخلف الى تلك الإنتصار؛ فعقب هبوطها من على الدرج، مرت من أمام شقة كريمة ورغم كل ما تشعر به وتمر به إلا أن ابتسامة ساخرة كارهة رسمت على وجها، نظرت لبابها من أعلى إلى أسفل بتقييم وكأنها تهدئ تلك النظرات لتلك الشمطاء القابعة خلفه.

أكملت هبوط الدرج،لتقف قليلا على بعد من باب شقة عزيزة، وقفت قليلا تفكر هى لم تمر عليها منذ أكثر من تلاث ايام، حدثت نفسها وهى تنظر لذلك الباب بحيرة وجدية مرسومة على وجهها.
_ادخلها اسلم عليها!
_ وتقوم مأنبانى علشان عارفة انها تعبانة وماسالتش عليها.
_ماكنتش اعرف.
_وبنتك ال بتنزلها مخصوص من وقت ما تعبت واهى نازلة بعد شوية.
_سى عبدالله امرنى مطلعش من شفتى وما انزلش منها لحته.
_يا سلام وانتى بتعملى ايه دلوقت!
_ده حاجة ودى حاجة.
_يعنى عبدالله هيمنعك عن أمه.
_ده كام زمان قبل ما يعمل ال عمله معاها.
_اتجنبى الملامة وادخليلها.
_مش عايزة اتورط معاها وتبدأ طلباتها مرة علشان خاطرى ومرة تاخد رأئ ومرة تؤمرني لحد ما تخلينى نسخة من خدامتنا ناهد.
_خلاص طالما ولدها خلع ايده هتهتمى انتى.
_اكيد لا.
_يبقى وسعى بالك منها، هتعمل خاطر لمين وهتخافى على زعل مين؟!
_بعد عبدالله ما يهمنيش حد.
_يبقى أمشى وما تفكريش كتير بدل ما يتفتح الباب وتلاقيكى واقفة.
_صح.
قالتها واطلقت لقدمها العنان إلى الخارج.

لا تدرى تلك الحمقاء بأن تلك التى تتجنب رؤيتها؛ مستيقظة منذ الصباح الباكر، لا تهتم لا بإعداد طعام ولا شراب ولا حتى بأخذ أدويتها، فقط تفتح الباب فتحة صغيرة، يخيل لمن يراه م الخارج أنه مغلق، ولكن تلك الفتحة تجلس جوارها تنتظر قدومه كل مساء ليلا حتى تطمئن عليه، قبل خلودها إلى النوم.

وتجلس جوارها بمجرد أن تستيقظ، حتى تكحل عيناها برؤياه، رأتها وهى تقف ورأت تلك الحيرة التى تجلت واضحة بأعينها، لتسخر على حالها متمته.
_هى دى ال وقفت جنبها وساعدتها وكومت بيها، لخبطت على بابى ولا رمت حنى السلام، ايه ال انا عملته ده، ايه ال عملته فى نفسى ده.
يتبع يوم الثلاثاء بإذن الله لو تفاعل حلو قبل كده.

وكانت للقلوب رحمهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن