الفصل الثانى والعشرون

829 64 56
                                    

وكانت للقلوب رحمه
الفصل ٢٢
بقلم مروة حمدى
كل طرقك تؤدى لى أنا، أنا مرادك ورغبتك، أمنيتك وأحلامك الغير مكتملة، من فعلتى لأجل وصله الأفاعيل، من سرت بطريق هواه المحرم على قلبك، بخطى واثقة مغرورة ولم تهتم لى أى شرع أو عرف أو حتى تراعى لقيم أو قوانين.
عذابك على يدى يا فتاة، كما أريد وأرغب، سنلعب سويا كالقط والفأر؛ لنرى بالنهاية من سيغلب كيد النساء أم كيد الرجال.
هذا هو وعد ذلك المسكين لنفسه ولمن أشتاقت الروح لرؤياها، من يرى هيئته، ثبات نفسه، أتزانه وهو يسير، ابتسامتة التى لم يتخلى عنها حتى الآن ؛ لا يرى ذلك القلب المثقل بالهموم حتى أنهكته، ألا يكفيه ذنباً حمله على عاتقه، تفكيره بأنه هو سبب بعد حبيبته، و والده إبنته عنه وعن الدنيا كلها!

ذلك الثبات وهو يخفى بصدره ثقل يطبق على قفصه خانقا لذلك النابض بيساره وكأن أحدهم يعتصره بين يديه، واضعا حجرا بدلا عنه على رئتيه، ليصبح حتى النفس مشقة فى إخراجه، ابتسامته لو ملك زمام أمره؛ لأطلق بدلا عنها صرخات مدوية وقتها لن يخجل من حاله وهوويبكى مطلقا لدموع عينيه الحبيسة العنان، لعله يرتاح مما هو فيه.
كيف له هذا؟! كيف له بتلك الراحة حتى يعبر عن حزنه وبرقبته طفلة صغيرة، ليس لها بهذة الدنيا سواه، لمن سيتركها لمن.
يضعها على كتفه نائمة بسلام وأمان وكيف لا وهى تستند على مالم يخيب لها ظنا قبلا، من كان هناك وقتما أحتاجته، سندها وحاميها " أباها" نامى يا بنتى؛ فلا أحد يعلم ما يخبئه لنا القدر اللعين من ألاعيب وحيل فسبحان مغير الأحوال من حال إلى حال.

يسير بالطريق وهى على كتفه نائمة بعمق، وهو يدثرها بالجاكت الخاص به، يمرر يده على ظهرها وهو يفكر فى القادم بشرود، عيناه غائمة حزينة، يحدث نفسه بلوم لا ينتهى.
_وبعدين يا عبدالله بنتك نامت من كتر التعب من غير حتى ما تتعشى،  ده كتير على جسم عيلة زيها نص يومها فى المدرسة والنص التانى معاك بتأكلها من الشارع اكل لا يشبع ولا يقوى.
وبعدها تروح معاك الورشة وسط العمال، اه هى بتبقى مبسوطة وانا بشوف فرحتها فى عنيها وهى بتسمع منهم المعلومة والنصيحة بس فى الأخر دى بنت زى اى بنت المفروض تكون قاعدة جوه بيتها مدفئية  تاكل على مهلها تذاكر دروسها فى هدوء مش جنب الدق والزعيق وتروح تنام بمعدة شبعانه مش فاضية.

توقف عن حديثه وهو يقف أمام باب المنزل، ينظر له بقهر وحسرة وهو يتطلع عليه، مرر عينيه سريعا على شرفاته ونوافذه، يطلق تنهيدة موجعه وهو يغمض عينيه، كمن يجاهد نفسه لأجل الدخول.

ذكر اسم الله بقلبه مستعينا به على ما هو مقبل عليه، ليفتح عينيه يفتح الباب دالفا إلى الداخل، يقف أمام باب والدته المغلق لبرهة، يكمل حديث نفسه بقهر صاعدا لأعلى.
_اسيبها لمين بس يا ربى لكريمة ولا لأمى وهما سبب الحال ال بقينا فيه ده ما فيش وحدة فيهم سألت عليها ولو بالكدب ولا كأنهم جدتها وعمتها!
ولا اسيبها لأنتصار رأس الحية، هه ده مش مهتمية ببناتها حتى، اه يا وجع قلبى عليكى يا حبيبة أيوكى، انتى اكتر حد انظلم فى البيت ده يا بنت عمرى، خايف عليكى من الجاى مش عارف ليه كل ما افكر فى بكرة قلبى بينقبض مرة واحدة.

ربط على ظهرها وهو يدعو لها بقلب ينبض بحب أبوى خالص
"يارب تكون ايامك الجاية كلها خير يا بنتى وتلاقي دايما ال يقف جنبك ويرزقك بالى يسندك فى حياتك"

وقف أمام باب شقته يضع يده عليه وهو مغمض العينين يهمس بصوت حزين، يخرج من بين شفتيه يقطر ألما نابعا من جرح قلبه الغائر وقد فاض به التعب.
"اه لو تعرفى وحشتينى قد ايه، وحشتنى شوفتك وانا راجع وانتى بتستقبلينى بضحكتك ال بترطب على صدرى وتزيح الهم من على قلبى، تعالى شوفى حالى روحى بتنزف فى فراقك يا غالية"

فتح الباب ليقابله ظلام دامس، مد يده إلى زر الإضاءة متمتا.
" ربنا يرحمك ويغفر لك يالى كنتى منورة البيت بوجودك"

توجه إلى غرفة النوم، يضع الفتاة على الفراش، يزيح عنها حذاءها، يحضر لها ملابسها، يحاول إفاقتها، حتى تغير ملابسها ولكنها على غير العادة لا تنهض، يهز رأسه بيأس متمتا.
"البت وقعت قتيلة من كتر التعب"


أخذ نفس عميق يحدث نفسه بصوت مسموع
" يالا يا عبدالله دى بنتك الصغيرة، غيرلها هدومها علشان تعرف تنام براحة يعنى الموضوع مش هيكون صعب زى ما أنت فاكر"

أخذ منه الأمر حوالى ساعة وهو يقم بتغيير ملابسها مغمضا لعينيه حتى أنتهى أخيرا، ليزفر براحه بعدها، يقبل وجنتيها، يأخذ ملابسها المتسخة إلى صندوق الغسيل  وقد أمتلئ، ينظر له بتقييم ثم إلى ابنته الغافية، متمتا بصوت به نبرة بكاء مصطنعة
" شكل بكرة اجازة للكل الا انا وانت هيكون يوم الغسيل لينا عايزك ترفعى راسى بكرة"

لفت نظره نافذته المغلقة وقد نسى فتحها كعادته عند الدخول، يهم بفتحها لتقف يداه بمنتصف الطريق مفكرا بجديه كبيرة فى أمر فتحها، يضع يده أسفل ذقنه يحدث نفسه للمرة التى لا يعلم عددها اليوم.
_اكيد برج المراقبة كريهة واقفة فى شباكها متزوقة زى عروسة المولد فرحانة بنفسها وبجمالها،اممم الثقة ال مليئها دى تلزمني فما فيش ضرر لو استلفتها منها ورمتها من الشباك ال صاحبتها واقفه فيه دلوقت.

ارتضى كثيرا لهذا الحل، ليولى بظهره مبتعدا عن النافذة مقررا عدم فتحها، ليقف فى طريقه وخاطر ما مر برأسه، لتلمع عينه وابتسامة شيطانية أرتسمت على وجهه، ليلتف إلى النافذة من جديد متمتا
"ايوة هو ده احسن وأفضل  لما نحط الاتنين على بعض النتيجة فى الجون، نفتحه علشان ما نغيرش العادة ده حتى يبقى فال شؤم زى وشها  ونرجع نقفله فى وش الوشوش العكرة ال بتجزع منها النفس.

قالها وهو يعود إلى النافذة من جديد، لا يعلم أن برج المراقبة إنتصار تقف بالفعل فى إنتظاره، فعندما أقترب موعد وصوله أمرت غادة بالدلوف إلى غرفتها حتى تصعد لها أختها من أسفل، وأمامها حل من أثنين: أما أن تذاكر دروسها أو تخلد إلى النوم، بالتأكيد غادة ستختار الحل الأفضل إلى قلبها وهو النوم.

وكان القدر يقف يصفها فى هذة الليلة؛ حيث صعدت ابنتها الكبرى عبير مبكرا اليوم من عند جدتها، لتدخل بدون حديث إلى غرفتها كالعادة، تغلق على نفسها تستذكر دروسها، لا تعلم فيما تفكر إبنتها، أنها لا تشبهها بطباعها وقتما كانت بمثل عمرها، ولا تشبه حتى أباها فتحى، فمن من أخذت هذة الطباع يا ترى؟!

هكذا كانت تتساءل بينها وبين حالها، لتذم شفتيها وهى تحركهم بالاتجاهين تتمتم ساخرة.
" واستغرب من طباعها ليه وكل وقتها كانت قاعدة مع ال الله يجحمها ناهد، بس غادة حبيبتي هى دى النسخة المصغرة بتاعتى، راضية عنك يا بنت بطنى"

اطمئنت على إغلاق الفتيات الباب عليهن، لتكمل تجهيز نفسها وهى ترتدى تلك الملابس التى تكشف أكثر مما تخفى، تمشط شعرها بسعادة، رسمت عيناها بالكحل الاسود لتبرز جمالهن الفتان، وضعت احمر شفاه فاقع على فمها وأكثرت من وضعه، ليبدو كحبة كرز شهية، تدعوك لتناولها، ولكن مهلا هل تظنين أن مثل تلك الأمور، ستجدى نفعا معه؟ مع عبدالله؟!

يالك من حمقاء، لما تكثرين من وضع ذلك العطر يا إمراءة، مجرد بخة صغيرة،  أنت تستحمين به؛ ولكن مهلا لما تضعينه من الأساس، كيف سيشتمه ويميز رائحته وهو لا يقترب ومنعك من الاقتراب؟!

ومع ذلك وقفت بتلك الهيئة كعروس بإنتظار عريسها بنافذة غرفتها المطلة على غرفته، وقد لمحته من باب الشرفة الموارب وهو يدلف من باب المنزل، لتسرع تنظر إلى هيئتها بالمراءة، تضع اللمسات الاخيرة، تنطلق بعدها إلى مكانها المميز وقد حفر اسمها عليه من كثرة وقوفها به.

مرت دقيقة، اثنتين ثلاثة وامتدت لتصل لساعة كاملة والنافذة لم تفتح بعد، بدأ الحزن يتسرب إلى قلبها رويدا رويدا وتلك اللمعة بعينيها بدأت تنطفئ بالتدريج، لتحل محلها غيمة من الدموع المحتجزة بين مقلتيها وجفنها، تهمس لنفسها بصوت مرتجف.

_إنتصار لحالها" هو ليه مفتحهاش لحد دلوقت؟ يا ترى نسى؟ مش بعادة! طب هعمل أيه لو مفتحهاش، وحشنى اوى ، نمت امبارح ومشفتهوش بالليل ولا انهاردة الصبح ومقدرش انزل تحت علشان ميزعلش، اعمل ايه بس يا ربى؟!

مرت دقائق ولم يفتح، تبلع ريقها بصعوبة تتمتم بيأس واشتياق
"طب ارن على التليفون ليكون حصل معاه حاجة"
شهقة خرجت منها عند هذا التفكير، لتكتمها سريعا وهى ترى باب النافذة يفتح، ليدب الأمل بداخلها من جديد، تمسك بخصلات شعرها تنثرها على ظهرها، ترتب من وضع ملابسها عليها، تنظر إلى النافذة بلهفة.

خرجت شهقة صغيرة مكتومة بداخل صدرها، وهى تتأمل ملامحه التى أشتاقت لها حد النخاع، تمرر عيناها على ملامح وجهه المحفورة بجدران قلبها وكأنها تقبلها بنظراتها التى لا تحيد عنها، اتسعت عيناها بصدمة وهى تراه يناظرها العين بالعين، ملامح وجهه بدأت بالانقباض تدريجيا وهو يعود لرأسه للخلف بإشمئزاز واضح وهو يمرر نظراته عليها جعلها هى أيضا تنظر إلى ما ينظر لعل هناك أمرا خاطئ سهى عليها.

رفعت رأسها بإستفهام وهى لا تجد أى شئ خاطئ، على النقيض انها اليوم أعتمدت تلك الطلة التى كانت تخطف لب أخيه قبلا إذا رآها بها، جف حلقها وهوى قلبها بين قدميها متحطما وهى تراه يضع يده على أنفه بسرع يبتعد برأسه عن النافذة معلقا بنفور
" ايه الريحة القرف دى؟! "
مغلقا إياها بعدها بوجهها ولا يعلم بذلك الصوت التى صدح داخلها من تكسير وتحطم بروحها المولعة به.

بينما هو على الجانب الآخر وعقب غلقه للنافذة، ضرب كفيه ببعضهما كمن يزيح عنها التراب، ناظرا بشماته للنافذة المغلقة " أزاى كنت هضيع فرصة زى دى من ايدى"

يسحب ملابسه النظيفة من الخزانة متوجها إلى الحمام وهو يكمل حديثه الساخر"  متهيألي ان عرض انهاردة هيكون صوت من غير صورة يا كريهة"
بينما هى هبطت على الأرض اسفلها،بعدما تراخت قدميها، تنظر بشرود أمامها بأعين تحجرت منها الدموع، فلقد نفذت من كثرة ما بكت منذ ليلة أمس، وهى تستعيد بعقلها مرة تلو الاخرى،نظرته لها ولما ترتديه، إمساكه لأنفه مشمئزا من راحتها النفاذة التى أغدقت على نفسها بالعطر حتى تصل إليه، لتقم متحاملة على نفسها وقد نفذت طاقتها منها فجاءة.

تمسك بتلك القنينة ناظرة لها بغل، ترميها من شرفة المنزل، فهى لا تريد أن تشتم اى أثر لها بمنزلها، تتوجه إلى الحمام بسرعة، تفتح صنبور الماء عليها، غير مهتمة ببرودته وهى تقف اسفله، كل ما يهمها أن تتخلص من تلك الرائحة العالقة بها.

تهمس لنفسها
" الريحة شديدة انا ال غلطانة مكنش المفروض اجرب النوع الجديد ده ، خلاص انا رمتها ومن هنا ورايح مش هيبعد عنى حبييى اه مش هيبعد، وبعدين ازاى البس حاجة قديمة كنت بلبسها قبل كده لأخوه من بكرة هجيب لبس جديد على ذوؤقه وهكتر من الألوان ال بيحبها"
هكذا ختمت حديثها بشهقات والمياة تغمرها من أعلى رأسها لاسفل قدمها، تمر بوجنتيها ببطء وقد اختلطت بدموعها التى تجمعت بعيناها من جديد.
ساد صمت الليل وهناك عيون تغط فى نوم عميق، لا يعلم أحدهم ما تخفى خلف جفونها المغلقة، فمنها من تهرب بالنوم حتى تلقى بحبيب، غاب عن دنيانا، لتكن الأحلام موعد للقاء، وأعين تهرب بنومها من مواجهة حالها أمام المراءة، خوفا من رؤية ما يصدمها.
يكفيها تلك الصفعة التى تلقتها اليوم على وجهها، لتشعر ولأول مرة انها ليست هى من يتهافت عليها الجميع وأنها أقل بكثير مما كانت تظن وتؤمن، لم تهتز ثقتها بنفسها ولكنها تدمرت على الاخير كلما تذكرت تعابير وجهه المقتضبة،اشمئزازه ونفوره.
تسيل دموع عيناها حتى وهى نائمة قهرا وحزنا على ما وصل بها الحال؛ بعدما ظنت أن دنياها تبسمت لها أخيرا، لتجد أمامها باب حزن وشفاء من نوع أخر فتح أمامها؛ مغلقا بوجهه باب آخر تمنت المرور عبره.
هربت بالنوم من كثرة التفكير والحيرة التى قهرت قلبها على الاخير ليبقى السؤال الوحيد الدائر بعقلها هذة الايام وهو نفس السؤال المثقل بروحها الموجع لقلبها، المهلك لجسدها يحطمه تحطيما كمن يضرب على الرأس بمطرقة حديدية.
"لما هى؟" نعم. لما يتجاوب مع تلك الوهم من خلف شاشة الهاتف وانا أمامه؟ لما يتعلق بتلك التى لم يراها قبلا؛ بينما ينفر من رؤية وجهى؟ مالذى جذبه لها ونفره منى بالرغم من أننا نفس الشخص؟! هربت من تلك الاسئلة بالنوم.
لتتوقف فجاءة تلك الدموع المسالة على الخد، ابتسامة صغيرة خافته ظهر أثرها خفيف على ملامح وجهها التى انبسطت وهى نائمة عندما استعاد عقلها تلك الرسائل التى تبادلتها مع من تهوى حتى ولو لم يكن يقصدها هى بها؛ يكفيها انها منه، كل شئ منه جميل حتى قسوته وعذابه.

أعين أخذت من النوم طريق حتى لا تفكر حتى لا تستفيق من غفلة؛ أبقت حالها داخلها وقد تعلقت بوهم خادع حتى تعش حب قد عفى عليه الزمن، وأعين وجدت بالحلم ملجأ تحيك به حكايا تمناها القلب ليال طوال، وقد رأفت على حاله الدنيا مقدمة له جويرية؛ روت قلبه بما تمنى ورغب.

أعين مشتاقة للغد بقلب أخضر برئ، مستكان، يشعر بالأمان، متشحا بوعدا من الحبيب، بأن الوصال سار قريب، لتدفئ الروح ذاهبة فى سبات عميق.

أعين تنام بعمق وهى لا تهتم بشئ، فلقد إمتلئت المعدة، واستلقى الجسد بإرتياح؛ فالطبيعى وقتها أن تغلق العين، فما الحياة بنظرها الا أكل ونوم، ترى هل يأتى ذلك اليوم الذى تسهر ليله تلك الامبالية لما يجرى حولها وقد سرق منها العشق ولهفته ونار الشوق الخاصة به الرغبة بالنوم؟!

أعين اتخذت من النوم وسيلة دفاع عن حالها، حتى لا تنهرها بما فعلت وما هى بسدد فعله، تشغل عقلها بأمور أخرى حتى لا يجد متسع للتفكير فى تلك البقعة السوداء التى ترسخت داخله، لتغط فى النوم وقد نفذت طاقتها بالتفكير والتأنيب والتبرير.

ترى هل سيستمر بها الحال هكذا؟ وإلما ينتهى هذا الطريق، وما ستكون العاقبة؟ أسئلة كثيرة ولا توجد إجابة واحدة حاضرة لها، ليكن النوم هو الحل الأمثل لها بالوقت الراهن.

أعين تنظر للغد بتصميم، رسمت هدفا تسعى بكل جد للوصول اليه، وقد قطعت على نفسها ثلاث عهود لثلاث أشخاص ولسبيل ذلك لا بد أن يسخن الجسد ببعض الطاقة حتى يقوى على المتابعه و السير على نقاط خطة حياته القادمة التى رسمها لنفسه بكل تركيز.

أعين هائمة حالمة وهى بدروب الهوى متخبطة، جديدة غاشمة كطفل صغير يتعلم الحبو،  عيناه، نظراته، تلك الهالة التى تحيط به، هيئته وهو يقف وهو يسد عنها يحميها، مغازلته الصريحة لها واه من تلك الجراءة التى يتحلى بها، كل هذة الأمور كانت رفيقة لها بأحلامها، لتسرع إلى النوم حتى تعنى برؤيته بعدما فشلت فى فعلها هذا الصباح وقد أعطى القلب قراره حتى ولو لم يتقبله العقل بعد.

وأعين صغيرة أرهقت وهى تتحمل على عاتقها هماً أكبر من سنوات عمرها بكثير، مسئوليه، حمل، عبء، ترك على أكتافها ولم تستعد له قبلا، ليلعن الجسد من فترة لأخرى بإرهاقه غارقا بنوم عميق.

أعين غامت بالنوم والندم يتأكل دواخلها، العقاب لم تستطع تحمله لأسبوع واحد، كيف إذا استمر الوضع هكذا لأيام أخرى تالية والله لن تقدر على فراقه وهو القريب البعيد، المعاتب بصمت قاتل خانق.

بينما بمكان اخر، يستند على فراشه عارى الجزع وهو يستند بظهره عليه للخلف، يطلق زفيرا محملا ببخار لفائفة التبغ تلك التى بين يديه، يراقب رحيل الفتاة من جواره بضيق، بعدما أمرها بالأنصراف.

يحدثها بحدة طفيفة وهو يفتح الدرج جواره؛ يخرج بعض الأوراق النقدية من الفئة الكبرى،: يلقيها بطول يده على اخر الفراش، لتمسكها هى بين يديها عاقدة الحاجبين، تسأله.
الفتاة بعدم فهم: ايه ده؟!
_الرجل بصوت وقد ظهرت عليه بوادر الضيق: أجرك.
_بس انا معملتش حاجة او هه انت مخلتناش نعمل حاجة!
_الرحل بنبرة حازمة تحتوى بداخلها على تهديد مبطن : خلى بالك من طريقتك وانتى بتتكلمى معايا و مايخدكيش العشم وتتعدى حدودك  علشان ماتخلصش بطريقة ماتعجبكيش.

أقتربت منه بدلال تجلس أمامه، تحرك يدها بجراءة على صدره العارى برغبة تلمع بعينيها تتحدث بنبرة مغوية وحركات جسد تتدلل وتتمايل عليه بها لمحاولة منها بإضرام بعضا من نار الرغبة به هو أيضا.

_الفتاة بوقاحة: سامحنى يا سيد الناس، بس انا معذورة برضة.
رفع لها إحدى حاجبيه وهو ينتظرها أن تكمل، لتهز هى برأسها كعلامة تأكيد له، مكملة لحديثها وقد شجعها صمته على الاقتراب منه وهى تميل عليه، تتفرس بمعالم وجهه بإعجاب لا يخفى عليه، لتنشف ضحكة صغيرة ساخرة منه عليها، وهى تكمل بهمس رقيق لعله يرضخ.
_ انت مش عارف كم بت تتمنى لو تقضى ليلة وحده بين ايديك،انت مش عارف ازاى كانوا بيحسدونى عينى عينك لما خرجت معاك، عينهم علينا بيهروا فى نفسهم، صدقنى قعدتى جنبك فى مكان واحد. اكبر اجر اخده.
"قالتها وهى تقترب بشفاهها من خاصته، لتجد أصابع وقد وضعت كحائل بينها وبين ما أرادت ويد أمسكت بيديها المستكشفة لجزعة العلوى، دافعا ايه إلى الأمام بلا أدنى قيمة.
بلعت ما فعل فهى اعتادت على مثل هذه الامور بل وتعرضت لما هو أشد وطأة على النفس من غيره ولكنه مختلف عنهم بكل شىء.
_يالا بره.
_ هو انا مش عجباك؟
_بره يا مراءة.
تهم بالرحيل دون الاقتراب من تلك الأموال الملقاة على الفراش، يلاحظها هو، ليوففها وهو ينادى عليها ب_سوسو.
_أختفت ابتسامتها التى كانت تملئ وجهها من السعادة وهو ينادى عليها، لتقف بمكانه متحدثة أنه عاد لها من جديد ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهي السفن، لتعقد حاجبيها بضيق عندما استمعت لذلك الاسم الذى نادى عليها به، لتصححه من فورها.

_الفتاة بضيق حاولت إخفائه"كوكى"، أسمى هو كوكى ومش سوسو.
_يشير لها بطرف يده متمتا بتقليل منها: ما فرقت كتير خدى الفلوس  وامشى.
_لم تهتم لتلك الإهانة التى تلقتها منه توا، ولكنها  ردفت بسعادة وهى تتناول معه أطراف الحديث: بس انا مش عايزاهم يا سيد الناس.
_رفع حاجبه له ساخرا: ايه هتبقششى عليا ولا ايه؟
_اقتربت خطوة له من جديد، تبدأ بالحديث، لتتوقف وهى تعيد تلك القدم التى قدمتها إلى الأمام خطوة إلى الخلف وهى تبلع ريقها بصعوبة، وهى ترى تلك الإشارة التى وصلت لها واضحة كوضوم الشمس بمنتصف النهار؛ والتى لم يكن معناها سوى  "تجرئ وستندمى"

_اكملت بدفاع واهى متوتر كحالها بعدما أبصرت تلك النظرة المرعبة بعينه:
قولتلك قبل كده  الشوية ال اقعدتهم دول اكبر اجر.
_خدى الفلوس وامشى وما تحلميش توصلي للنجوم علشان ما تزحلقيش وانتى طالعة.
_بس.
_يقاطع حديثها وهو يشير بيديه لها للخارج، لترحل من أمامه فورا، حتى لا تغضبه أكثر وقد صارت أكثر أصرارا على الحصول عليه وجعله ملكية خاصة بها وحدها، فهى المراءة الأشهر من بينهن جميعاً بذلك الملهى، هى الاكثر فتنة وإثارة، جمالها الخلاب يحتاج إلى رجل بمثل عنفوانه التى ما همت تتجرع منه حتى حرمها منه وبخل عليه منه.

وضعت يدها تمررها على رقبتها تغمض عينيها وهى تستشعر تلك القبلة الوحيدة التى ذاقتها منه، أنفاسه القريبة منها، تغلق الباب متمتا له بوعيد.
_انت بتاعى انا بس  مرة زى ما يلزمهاش غير رجل زيك، ما فيش ست تقدر تديك ال هديهولك، علشان كده لا هكل ولت همل علشان اخليك بتاعى انا وبس حتى لو غصب عنك.
هخليك تشوفني فى كل مكان تروحه، تغمض عينك على شوفتى، ما تسمعش صوت غير صوتى انا بس ولو وحده فكرت وقربت يبقى فتحت على نفسها أبواب جهنم.

ألقت بقبلة طائرة بالهواء لذلك الباب المغلق، تهبط الدرج بسعادة وهى تدندن بدلال، تهتز من الحين والآخر بسيرها تفاعلا مع كلمات تلك الأغنية التى تغنيها بدون حياء أو خجل لكن عذرا أحبائى هل لمثلهن ذرة حياء أو كرامة بالأخير فهن فتيات ليل، وهذة ليست سوى واحدة منهن بل من أكثرهن شهرة بين الرجال من تلك البيئة.

(كوكى: أسم الشهرة الخاص بكريمان وهى أحدى فتيات ملهى متوسط التصنيف، أغلب روادة من الطبقة المشبوهة من المجرمين كاللصوص وقطاع الطرق والمهربين، كما يعتبر محل عملها، مقر لإتمام العديد من تلك الصفقات المشبوهة )

بينما هو فى الداخل قام من مجلسه، يقف أمام النافذة، يزفر دخان لفافته التى بين يديه بشرود، حائر، الحيرة أصابته وأنتهى الأمر، يتساءل لما لا يقوى على فعل شئ مع تلك المراءة؟! ليست تلك المرة الأولى التى يختلى بها مع إحداهن وهو الخبير بكل نوع ولون منهن، لما عندما أقترب منها، شعر بنفور وكأنه على وشك الغثيان، لما؟! لم تكن بذلك القبح!

على النقيض فالمراءة كانت فاتنه، أنثى كاملة الأنوثة على حق، إذا لما لم يكتمل الأمر؟ تنهد مغمضا عينيه وهو يكمل تساؤله هذة المرة ولكن بصوت هامس.
_ليه صورتك جات قدام عينى يا غزال؟ ليه اتكسفت من نفسى وانا بفكر فيكى وانا فى الوضع ده، علشان كده قررت ابعدك عن تفكيرى يا صغيرة، ايوه صغيرة أصغر منى بكتير، قررت ابعدك يا نور عن عتمة حياتى السودة،  سبينى أنفذ القرار بسلام يا نورى.
أغمض عينيه هامسا لنفسه.
لما نشبت نار الغيرة بين أضلعى وانا أستمع إلى تغزل أحدهم بك ولم يمضى على معرفة بك سوا يوما واحدا! لما ذهبت إلى هناك من الأساس على الرغم من أننى كنت قد اتخذت قرارا بانك مجرد صدفة عابرة وأنتهت؟!

فلما ذهبت لك مرة أخرى؟ هل تعلمين أننى ذهبت لك بدون وعى منى؟! فجاءة وجدت نفسى أحوم حول نفس المكان كذئب يتصيد فريسته، اه ذئب وهو أقل وصف يمكن أن يوصفنى به أحدهم على ما عليه من أفعال، لكن أتدرين رؤية تلك اللمعة الشقية بعيناك، أثلجت قلبى.

صوت ضحكات رنانة صدرت عنه وهو يتمتم: يا فتاة أنتى تذكرينى بحالى كثيرا وقتما كنت بمثل عمرك، نفس الجراءة، يا فتاة منذ عرفتك وانت تصوبين نظراتك بمنتصف العين بلا خجل، خوف، تردد؛ هذا ما يجذبنى الى تلك الأعين" قوتها"

لما رحلت باحثا عنك من جديد؟ لما ذهبت كالشريد وأنا أبحث عن شئ ما ضاع منه؟  لما ثقلت الهموم القلب عندما أخفقت فى رؤياك؟ لما لم تأتى يا غزال؟
ترى هل كانت رؤياك حقا عابرة ولن تعاد تلك الصدف مجددا! أم أنك بك مكروها ما منعك من القدوم!

أم أنك أنتى من تعمدتى الغياب؛ فلربما تكونى أتخذتى مثلى نفس القرار، فنظراتك الصارخة بالإعجاب لم تحاول تكبد عناء إخفاءها ولو كذبا يا فتاة . هل ستأتين غدا؟ هل سأذهب لك أنا غدا؟ حقا لا أعلم لا أعلم، ولكن أرغب بمناغشتك يا صغيرة وللحق ولأجل الاستمتاع بتغزلك الصامت لى.

صمت وهو ينظر الى تلك السماء المتلالئة بالنجوم ونورها يضوئ بعينيه، مذكرا إياه بتلك النور بلمعه عينيها التى تشبه لمعة تلك النجوم إذا مالم تكن أجمل منها بعينيه.

عاد إلى الداخل متوجها لفراشة، يلقى حاله عليه وهو مستلقى على بطنه، يمد ذراعه يحتضن الوساده جواره، ليسند رأسه عاليا، تغلق عيناه بشكل تلقائى، لتكن تلك الأعين التى تلمع كما النجوم، أخر شئ يغلق عليه عيناه.

وبمكان اخر، يرقد على جانبه من الفراش وهو يلتقط أنفاسه المسلوبه، يمد يده يلتقط علبه السجائر من جواره، يخرج واحدة منها، وهو ينفث الدخان بإنتشاء، تعتدل الفتاة التى معه، تدثر حالها جيدا بشرشف الفراش، ترجع بظهرها إلى الخلف وهى تلتقط تلك اللفائفة من فمه، تضعها فى فمها هى، تطلق زفيرا محملا بالأدخنه، تعيدها إلى فمه مرة أخرى بدلال أنثوى يذيب أعتى الرجال.
_نظرت له ولتلك الابتسامة على فمه، سعادته الواضحة على وجهه واشراقته، كل ذلك دفعها لسؤاله:
يا ترى فى جديد للانبساط ده كله؟!
_خطتى  ماشية كويس قوى والظروف زى ما يكون متفقة معايا لتنفيذها.
_الفتاة بحيرة وهى تعقد حاجبيها:خطة ايه؟
_ال أنتى ركن فيها.
_مش فاهمة.
_مش مهم أنتى تفهمى، المهم انا فاهم، اخ نسيت فى مفاجأة عشانك يا بت على شغلك المضبوط.

_بلعت الفتاة ريقها برعب، تسأله بصوت متوتر: أى شغل؟
_ممدووح.
_تجيبه وقد هدأت نبضات قلبها قليلا: ما له؟
_خذى الرزمة دى.
_التقطتها بلهفة وحتى الآن لا زالت لا تعلم ماذا هنالك، حتى لا تثير شكه.
_ولكنه هو كان سعيدا؛ لدرجة أنه نسى عن اى شئ ومع من يتحدث قائلا لها:جدعة عرفتى توقعيه، عرفت من مصادرى الخاصة أنه بدأ يبعد عن مراته وده ال انا كنت فاكره من المستحيلات وبالاخص من ناحيته.

تنفست الصعداء براحة، فيبدو أن الأمر لازال فى صالحها، لتستغل الأمر أشد استغلال،لتسند رأسها على كتفه العارى، قائلة بإغواء وتملق:
كل ده لأجل عيونك ولأجل رضاك ال بتمناه فى الدنيا.
ألقى باللفافة جواره وهو يميل عليها من جديد متمتا بأعين غائمة: ودى بقا مكافئتى التانية" رضاى"
_تطلق ضحكة عاليه ولكنها حقا خليعة، يغرقا بعدها فيما حرمه الله، ليستلقى على فراشة من جديد ولكن بأعين ساقطة فى النوم وهو يستشعر بلذة الانتصار تسرى فى. أوردته.

بينما تلك الحورية ورده عادت إلى منزلها مبكرا، لم تقوى على الجلوس بمثل هذه المكان، هذا الرجل لم يبرح مخيلتها، صحيح هو ليس بوسيم ولكن به حنان يكفى ويفيض، ليس بفاحش الثراء ولكن المال ليس كل شئ، ليس صغيرا بالمثل ولكن ما ذاقته على أيدى الصغار، هو ما أوصلها إلى هنا.
قامت بتبديل ملابسها، استلقى على الفراش، تفكر فيما حدث منذ اسبوع مضى، ما عرفته عنه وما نوت على فعله، ليستقر قلبها وعقلها على أنها تستحقه، نعم، تستحق فرصة للعيش بسلام أمنه مطمئنة، وله ليعيش بحب واهتمام كما يتمنى ويريد.
هبطت على الفراش لتذهب بنوم عميق، يزين أحلامها فيه، من كانت تفكر به قبل أن تنام ليكن هو آخر شئ تغلق عليه عيناه، واول شئ يراود عقلها بمخيلته.
يتبع.
آراءكم وتوقعاتكم
الفصل يوم الجمعة بإذن الله
فى احتفالية على جروب خيال كاتبه مجموعه من الكاتبات وانا من ضمنهم هتنزل روايات من غير اسم الكاتبه وبعدها تصويت لأحسن رواية لأجل العدل والدينك فى المحادثات .

وكانت للقلوب رحمهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن