وكانت للقلوب رحمة
_٢٠_
ارجو الدعاء لوالدى بالرحمة والمغفرة فى مثواه، فلقد اشتاقت العين لرؤياه.
***************
يوم جميل بالنسبة له وهو يخرج من منزله منتشياً بصوت صرخاتها التى أطربت أذناه، سكون وراحة تملكت منه وهو يراها تعانى، تذبل أمام عينيه، يخرجه من أفكاره، صوت فتاته الصغيرة وهى تمسك به من ملابسه وهو يغلق باب الشقة متسائلة.
_رحمة لوالدها: أبى أين غادة حتى الآن؟ لقد تأخرت عن المعتاد، أليس كذلك؟!
_عقد حاجبيه بتفكير، بالفعل الفتاة تأخرت عن ميعاد هبوطها، اتسعت عيناه محدثا نفسه: أيعقل انها لا تزال بالأعلى وتستمع إلى تلك المجذوبة!
وليست هى فقط بالتأكيد أختها عبير أيضاً، اخ يالها من إمراءة حتى الجحيم يرفض إقامتها به، ماذا أفعل بالتأكيد الفتيات يشعرن بالذعر وهن يرون والدتهن على هذة الحالة
ماذا أفعل؟ ماذا أفعل؟ لا يمكن أن أجعل رحمة تصعد لتعلم ما هنالك وتطلب منهن النزول؛ أخشى عليها من تلك المراءة وأخشى أن تصاب بالهلع وهى تستمع لصرخات عديمة الحياء تلك، ولا يمكننى الصعود بنفسى؛ فلقد أقسمت ألا أخطو باتجاه هذة الشقة ما حييت مرة اخرى، ماذا على أن أفعل، مشفق عليكن كثيرا يا فتيات وانتن تشاهدن والدتكن بهكذا وضع.
"صباح الخير يا خال، من الجيد أننى أستطعت اللحاق بك"
ألتفت برأسه له بابتسامة وقد أتى له حل هذة المشكلة بنفسه، بينما عماد نظر له بريبه لتلك الابتسامة الصفراء التى يوجهها له خاله، ليتسمر فى مكانه، هامسا لنفسه بصوت وصل إلى مسامع عبدالله الذى لم يهتم له كثيرا قالا بتخوف.
"لا أعلم لما، ولكننى لا أشعر بالراحة لتلك الابتسامة"
بعد دقائق، يقف أمام منزل خاله فتحى بضيق، يتمتم بغيظ لنفسه" لما يطلب منى أن أتى لأستعجلهن و اتقابل مع تلك الشمطاء إنتصار، أووف لننتهى من هذا سريعا وو.
صمت وهو يستمع إلى صوت صرخات قادمة من الداخل، ليتذكر تلك التعليمات التى ألقاها له وهو يصعد الدرج؛
"قل لهن أن يهبطن ولا داعى للقلق على والدتهن، فهو تمرين جديد هو على علم به تقوم به وتقريبا سيتكرر كل يوم، ولا داعى للخوف.
أخذ يطرق على الباب بسرعة بقلب خائف على تلك العبير، مشفقا عليها متمتم: أسرعى بفتح الباب يا عبير، لا تخافى عزيزتى.
صمت وهو يتمتم كيف اطلب منها ألا تخاف إذا أنا وشعرت بالرعب، أقطع ذراعى من منبته إذا لم يكن خالى وراء هذا الأمر، اعلم أنها تستحق ولكن الفتيات ما ذنبهن ليتعاملن مع موقف كهذا؟
أخذ يبدأ بالطرق مرة أخرى ليبدأ بعدها بالمناداة، تارة على عبير وتارة على غادة.
بينما بالداخل تقف عبير على بعد من باب غرفة والدتها تحتضن أختها غادة بخوف.
غادة بتهتهه: ماذا هنالك يا عبير؟ وماذا بها أمى؟
_عبير: لا أعلم، لا أعلم، ما رأيك لتفتح الباب ونرى ما بها؟
_غادة مسرعة: لا لا لربما فقدت عقلها وتقوم بخنقنا.
_غادة كيف تتحدثين على والدتك هكذا يا فتاة؟
_غادة وهى تشير على الباب: ألا تستمعين لها؟!
صوت طرقات على الباب وصوت مناداة باسمهم وصل إلى مسامعهم، لتصفق غادة بيدها مسرعة بإتجاه الباب تتمتم بصوت عالى: أنه عماد حمدلله، سوف ندخله لها هو ويرى ما بها وحتى إن جنت فهو من سيتعامل معها.
عبير وهى تلحق بها مسرعة هى الأخرى عقب سماع صوته مناديا عليها، تقف فى مكانها بزهول وهى تسمع حديث أختها.
لتهمس لها بغضب متناسية أنها تتحدث أمام غادة: وهل أنا فى غنى عنه؟! حتى أدخله لها وهى هكذا ولا نعلم مابها.
لم تستمع لها لحسن حظها، تفتح غادة الباب بابتسامة فرحة لا تمهل الواقف على الباب فرصة للحديث وهى تقول بصدق نابع من قلبها.
"هذة أول مرة أكون بها سعيدة حقا برؤيتك يا عماد"
رفع حاجبيها لها وقد تناسى لما هو قادم ليمسك بها من تلابيب ملابسها من الخلف يحركها كبندول بين يديه، يتحدث لها من بين أسنانه بعدما هبط إلى مستواها متحدثا بفحيح: حقا أنتى فتاة ناكرة للجميل، وماذا عن قطع الشيكولا التى أغدق عليك بها، وأكياس البطاطا المقلية التى تبتاعينها وتورطينى انا فى ثمنها.
غادة تبتسم بسماجة مبررة بدفاع واهى: انا اسعد برؤياك فى كل وقت ولكن هذة المرة حقا أشد.
_عبير من الخلف: صدقها يا عماد فهى حقا سعيدة برؤيتك حتى أنها اقترحت دخولك انت على امى لتعلم بها.
_شهقة صغيرة مصطنعة خرجت منه ناظرا لتلك الصغيرة التى أغمضت عينيها عقب حديث أختها لاعنه إياها بداخلها هامسة: أنه تسليم أهالى يا عبير هذا الذى فعلته"
فتحت إحدى عينيها وهى تبصر عماد يقف مسلط نظره عليها عاقدا لحاجبيه، مربع لكتفيه أمامها، لتبتسم ببلاهه قائلة: حتى تعلم أننى لا أفعل شئ بدونك.
_عماد حسنا يا ماكرة، لا تطلبين منى أى شيكولا لاسبوع.
_غادة بصوت أقرب للبكاء: ولكن.
_عماد وهو يشير لها بإصبعته: كلمة أخرى وسأجعلهم أثنين.
صمتت على مضض لتلتف بجزعها للخلف ناظرة لأختها بنظرات متوعدة تحرك شفتيها لها بدون صوت ولكن عبير استطاعت فهمها بسهولة" مالم يجلبه هو، ستجلبينه أنت"
لتقابلها بنظرات شامتة غير مهتمة بها ولا بحديثها.
أخرجهم من حرب النظرات صوت عماد مصفقا بيده" هااىي يا فتيات، هيا فعمكن ينتظركن بالأسفل منذ وقت، لقد تأخر كلا منكما على صفه، هيا بسرعة.
تخرج الفتيات من الباب، غادة خلفها عبير الممكسة بالباب تهم بغلقه، لتوقفها غادة وهى تسترق السمع قائلة بتوجس.
_يا شباب ألم ننسى شيئا؟ لقد أختفى صوت أمى، ترى هل قتلت نفسها؟
_شهقة خرجت من عبير وقد تناست أمر أمها كليا؛ تهم بالرجوع للداخل بعد تعليق غادة الذى أرعبها على والدتها بشدة، ليوقفها عماد ممسكا بيدها يتسائل : إلى أين أنتى ذاهبه؟
توقفت فى مكانها وهى تعطيه ظهرها تنظر إلى داخل شقتهم المفتوحة بأعين جاحظة وهى تستشعر بكف يده العريض ممسك بكفها الصغير وقد ذاب بداخله لتغمض عينيها وهى تحاول سحب يديها من يده ببطء شاعرة بالخجل يحرقها، وهو لم يكن حاله أفضل منها، هو فقط أراد إيقافها لينتهى الأمر به وتلك اليد الصغيرة الناعمة الدافئة تتوسط يده.
رغبة الحت عليه بالضغط عليها وتبين ما إذا كان لتلك اليد الناعمة عظام بداخلها، أوقفتها هى بمحاولة سحب يدها بعدما أستشعرت بيده الممسكة وقد أحاطت بيدها كليا وقد بدأت بالضغط عليها، ليتحمحم وهو يتركها بخيبة أمل داخليه ولكنه سعيد بتلك الصغيرة، التى تسير على قواعده التى يجد هو نفسه صعوبه كبيرة فى السير عليها فى كل مرة تلقى الظروف بتلك البريئة الرقيقة أمامه.
تحدث سريعا حتى يخرجها ويخرج نفسه من هذا الموقف: خالى يخبركن بالا تقلقن على والدتكن وان تعتادو على مثل هذا الأمر الذى يفعله الكبار من وقت لأخر للترويح عن أنفسهم، وهيا بنا نلحق به قبل أن يتركنا ويرحل.
ما لبث يلتف بجزعه ليهبط: لتدفعه غادة جانبا على حين غرة، تسرع بالهبوط لاسفل وهى تصيح: يرحل و يتركنى!
نظر عماد ببلاهه وهو يشير على أثر غادة: لما أشعر أنها تتحدث عن خاطب أو زوج لها وليس عمها الذى يقوم بإيصالها؟!
عبير: لا تشغل بالك بها فهى مجنونة بعض الشئ.
_عماد معلقا بصوت منخفض: كوالدتها.
_ماذا؟ لم اسمعك.
_عماظ بابتسامة صغيرة هيا ينا، ليهبط امامها، لترفع هى كتفيها بعدم إهتمام لاحقة به.
تاركين بالداخل تلك الكريهة، تضع الهاتف بالشاحن وهى تقف إلى جواره بوهن بعدما إستنزفت قواها بالصراخ، ليفتك الصداع برأسها، تنظر له تنتظر أن يعطى على الأقل إشارة ولو واحد بالمائة حتى تستطيع تشغيله وإرسال تلك الرسالة، تضع قبضة يدها بفمها تعضها بغل، تهز قدمها بتوتر، تشعر بأن كل دقيقة تمضى تبعدها عنه دهرا.
بينما بالأسفل يجلس عبدالله أمام المنزل ورحمة إلى جواره بإنتظار الفتيات ليتحدث فجاءة" أخرج وتعال إلى هنا؟ لن تستطيع الاختباء كأمس.
خرج من خلف باب المنزل الذى كان يخفى نفسه خلفه بعدما أبصر عمه يجلس أمام الباب وجواره ابنته، منتظرا رحيلهم.
اقترب من مجلس خاله: يلقى عليه تحيه الصباح، متحدثا بتبرير: صباح الخير يا خالى، لا ولما الأختباء؛ أنا فقط كنت أعقد رباط حذائى.
عبدالله: امممم، حسنا فلتتنتبه وأنت تعقد حذائك من هذا الفتى على، لا يروقنى هذا الفتى والأفضل أن تبتعد عنه.
_ولكنه صديقى.
_المرء على دين خليله يا هانى، وهذا الفتى رأيته بعينى يقم بالكثير من الأمور الطائشة، كما أنه أكبر منك، صاحب من مثل هم بعمرك ووضعك أفضل.
_انه عام واحد فقط!
_هانى، هذا الفتى ليس جيدا، استمع لى يا بنى فلقد تعاملت مع أنواع كثيرة من البشر حتى صرت اجيد قراءة الشخص من ملامح وجهه، وهذا الفتى لا يحب لك الخير.
_هانى بدفاع مستميت على الرغم من يقينه بأعماقه بأن عمه لديه كل الحق فيما يقول: وولكن.
توقف فى الحديث أثر دفعة تلقاها من الخلف ليفقد توازنه، يقع على الأرض وقد تمرغ وجهه بالتراب.
وغادة توجه حديثها إلى عمها دون أخذ فرصة لالتقاط أنفاسها أو حتى النظر لاسفل قدمها" لحقت بك، فى المرة القادمة سأغضب منك يا عماه إذا فكرت بتركى وسيكون من الصعب مراضاتى"
بينما عمها وقف بزهول وهو يرى هانى مجسى على الأرض ليتمتم" بل سيكون من الصعب علي إخراجك من تحت يديه يا فتاة"
غادة بدون فهم: ماذا؟
أشار لها عبد الله إلى أسفل، لتضع يدها على فمها وهى تشهق لدى رؤيتها لوجه هانى وقد إمتلأ بالتراب، لتكتم رحمة ضحكة كادت أن تفلت منها عليه، لتبتلعها فور تحديقه لها بغضب ونظرة أباها بعينه بالأ تفعل، ليحيد برأسه باتجاه تلك الواقفة، هامس بتوعد" انت الان ميته لا محاله"
صرخت بصوت عالى وهى تسرع بالاختباء خلف عمها، الذى عمل كحائط دفاعى يمنعها عن يد هانى الذى يحاول الوصول اليها من إى إتجاه وقد بدا فى هذا اللحظة لا يستمع إلى أى أحد، بينما رحمة عادت على الجلوس لذلك المقعد تخرج كيس المقرمشات التى كانت تدخرة لوقت الاستراحة، تخرج ما به وهى تتناوله بإستمتاع وهى تشاهد ما يحدث أمامها، فمناغشات هانى وغادة الدائمة تضحكها أكثر من أى شئ أخر.
عبدالله فى محاولة لتهدئة هانى الذى بدأ وكأنه ثور فى حلبه مصارعه وعبدالله يتجنب ملامسته من التراب المغطى ليده، يتحرك باتجاه عكس اتجاهه، فان تحرك هانى يمينا؛ تحرك عبدالله يسارا وغادة ممسكة بملابس عمها من الخلف تتحرك معه إينما تحرك، وهى توقن أنها إذا وقعت تحت يديه لن يرحمها هذة المرة.
_عبدالله لهانى: إهدأ يا فتى هى لم تكن تقصد.
_غادة لم أنتبه لك يا هانى، لا تكبر الموضوع.
_هانى: وهل انتى عمياء حتى لا ترينى.
_غادة بل أنت الأعمى لوقوفك بطريقى.
_اااه، وهل أخبرك أحدهم بأننى أملك أعين بعنقى حتى أرى الحمير الهاربة.
_هاا، هل نعتنى بالحمارة الان يا عمى، انظر كيف يتحدث معى ذلك البغل وانا لم أفعل له شيئا.
_خاااالى، أرجوك ابتعد حتى أكلها وأمضغ لحم ذراعيها بين أسنانى.
_وهل تظن نفسك تخيفينى هكذا؟
_خاااالى.
_عبدالله: هانى يا حبيبى هل تضع عقلك بعقل فتاة صغيرة ومن غادة؟! أنت أعقل من هذا؟
_غادة وهى تنكزه بملابسه من الخلف: من الصغيرة يا عماه؟ ثم ما بها غادة؟! لا أعلم لما ولكنى أشعر أنك تهيننى.
_هانى تشعرين ولست متأكدة، يا فتاة أننا نعاملك بالمنزل معاملة المتأخرين عقليا وذهنيا.
_هاااا، انا! حسنا سأريك من هى تلك المتأخرة يا هانى، لتلتقط حجر صغير من على الأرض تلقيه عليه ليتراجع إلى الخلف، وهو يضع يده على رأسه يشعر بالألم، صارخا بها" هل جننتى أم ماذا"
_عبدالله وهو يتحرك هذة المرة يدافع عن هانى ينهره: عيب عليك يا هانى لا تنسى انها بالأخير فتاة.
ليصيب حجر صغير فخذة بالخطأ، ليصرخ بها شرزا وبصوت متألم: أنتبهى أين تصوبين.
يفتح عينه بصدمة وهو يراها تلتقط حجر كبير تمسك به بصعوبه وهانى يبتلع ريقه برعب هامسا لخاله: إذا أصابنى هذا الحجر فلن أنطق بعدها.
يؤمى عبدالله برأسه مؤيدا ليستعيد ثباته يحلى صوته أمرا إياها: غادة أتركى، هذا الحجر والان.
_لقد نعتنى بالمجنونة يا عم.
عبدالله وهو يذم شفتيه يفك حزام بنطاله متمتما: أظن أنه انا المجنون هنا لا أنتم ولهذا سوف أعيد تربيتكم أنتما الأثنين.
لتترك غادة الحجر أرضا بأعين متسعة وهى ترى عمها يخلع عنه حزامه، ليحدثها هانى بخوف من هذا الهدوء متسائلا وهو لا يرى شيئا من ظهر خاله.
_يا فتاة ماذا هنالك؟
_غادة وهى تركض صارخة" أركض يا هانى"
ليترك مكانه يركض خلفها يسألها بصوت عالى" لما الركض؟ ماذا هنالك"
_أنظر خلفك وستعرف.
_مال برأسه للوراء ليرى خاله يلحق بهما وهو يمسك بحزامه، ليمسك بيدها سريعا طالقين ساقيهما للريح وعبدالله خلفهم يتوعد لهم وخلفه رحمة تضع المقرمشات بفمها تعلق بضحك: هذا العرض افضل بكثير من عرض استراحة المدرسة الأسبوع الماضى.
بينما عماد وعبير ينظران فى أثرهم وقد أتوا فى الجزء الاخير من العرض على كما أسمته رحمة ببلاهه ثم لبعضهما لينفجرا بالضحك عليهم.
عماد: هل تظنين أنه سيفعلها هذة المرة ويضربهم.
عبير: لا فقط يخيفهم.
ليشير لها عماد بيده، لتبستم وهى تسير أمامه وهو خلفها ببضع خطوات.
وهناك أعين أخرى مسلطة على ما يحدث من البداية بضيق، فما رأءه أمامه ليس سوى موقف عائلى يفيض بالحب حتى ولم يعترف أصحابه به، دفء حرم هو منه و سيجعل ذلك المغرور يبتعد عنه بإرادته، ليخرجه من سواد أفكاره يد ربطت على كتفه، ليميل بجزعه حتى يرى من، لتقابله ابتسامه ماكرة على وجه أخفت معظم ملامحه نظارة سوداء عريضه، ليسأله الآخر بإستفهام: من أنت، هل أعرفك؟
الآخر بثقة وهو يزيح نظارته يعلقها بقميصه: أنا من سأساعدك على تحقيق ما تفكر به الآن.
******************
تجرفنا الحياة إلى مفترق طرق! تأمرنا بإختيار الدرب لمواصلة المسير، تقولها صراحا؛ أنت وحدك من أخترت؛ فلتتحمل نتيجة هذا الأختيار بلا شكوى.
********
أرتدى ملابسه وهو يشعر بالاختناق، ثقل على صدره وكأن أحدهم وضع حجرا على قلبه وتركه، أغلق باب الخزانة بعنف عقب إنتهاءه، استند بجبهته على بابها وهو يطرق بيده طرقات صغيرة متتالية، من المفترض أنه أسعد يوم بحياته كلها، أقتربت منه بإراداتها وإذاقته نعيم رضاها وقد عاش سنوات طوال يسعى إليه.
ولكنه على النقيض تماما؛ بشعر بالدونية، يرى نفسه صغيرا أمام عينيه، لقد استنزفت قلبه على الأخير، يعبر لأجلها أميال من الشوك ولكن إذا تقدمت منه هى خطوة فبالتأكيد هنا شيئا ما خلفها.
دائما هناك سبب تقترب لأجله، أغمض عينيه بقهر، لم يكن الحب أحد تلك الأسباب ابدا، تنفس ببطء وهو يشعر بصعوبة فى إبعاد رأسه المثقلة من الهموم من على الباب وكأنها وجدت راحتها عليه، تلك الراحة التى حلم بها ليال طوال أن يستند برأسه على ذراع محبوبته، يزيح هم يومه، يشكو لها آلامه لتكن هى البلسم لحياته، أماني لم تتحقق ولا يبدو أنها ستحقق يوما ما.
"ممدوح، ألم تنتهى من ارتداء ملابسك بعد؟! هيا الطعام على المائدة؛ تناول الإفطار ثم أرحل، فبالأخير عبد الله خرج منذ وقت مع ابنته، فلتقتنص الوقت المناسب وتحدث معه فى الورشة وفاتحه بموضوع الاقتراض، ولما تقف هكذا هل هناك خطبا ما؟!
كان هذا صوت كريمة التى دلفت إلى الغرفة؛ تحث زوجها على الإسراع فيما يفعل، لتراه يقف على وضعيته هذه، طاقة لم تكن موجودة منذ لحظات سرت بخلايا جسده كصاعق كهربائي، تحرك من مكانه مسرعا، يجلس على الفراش، يجذب حذائه من أسفله يرتديه على عجالة ولم يرغب بالرد عليها أو مبادراتها بأي حديث.
لتحرك هى كتفيها بلا إهتمام وهى تخطو إلى الخارج، معتقدة أنه يسرع فى تنفيذ ما قالت، بانتظاره على المائدة بفارغ الصبر عقب خروج ابنيها هانى وعماد، ونورهان نائمة بغرفتها؛ حيث لا توجد لديها أي دورات تدريبية لليوم.
فتح باب الغرفة وخرج منها مارا بجانبها لتبتسم له باتساع وعيناها تلمع بإنتصار، إنطفى تدريجيا وإبتسامة أخذت فى الأضمحلال حتى أختفت وهى تراه يبتعد عنها دون أى حديث متوجها إلى باب الشقة، لتنادى عليه بصوت حاد كما إعتادت عندما تغضب عليه وهى تقف من مجلسها" ممدوح"
ولكن يا للعجب لأول مرة لم يستمع أو حتى يلتفت لها؛ ليكن صوت إغلاق الباب بقوة هو الرد المناسب لها على نداءها، لتجلس على مقعدها ببطء عينيها لا تحيد عن الباب بصدمة.
بينما بالطابق العلوى، بعد تلك النوبة من الصراخ ولطم الوجه، تنفست الصعداء أخيرا وقد عاد الهاتف الى العمل، إستكفت بهذا القدر البسيط من الشحن ببطاريته، لتفتح المحادثات سريعا، تضغط على سجل محادثته معه، خطت بأيد مرتشعة كلماتها على الشاشة.
"صباح الخير عليك، أعذرنى لم أجب على رسائلك بالأمس، وقد خالفت موعدنا دون إرادة منى، فقلد تملك منى الإرهاق ولم أشعر بحالى إلا صباحا لأجد نفسى نائمة على الأرضية منذ ليلة أمس"
مرت لحظات لتظهر أمامها علامة تم إرسال الرسالة، هزت قدميها بتوتر وهى ترى تلك العلامة التى تشير الى وصول الرسالة إلى هاتفه، تعالت ضربات قلبها وهى ترى الأشعار بقراءته لها، لتبدو كمن تقف على جمر من نار فى إنتظار رده عليها.
مرت ثوانى إمتدت لدقائق حتى وصلت إلى نصف ساعة ولم يرد عليها، ليهوى قلبها بين قدميها برعب، تتساءل بصوت هامس وهى تمسك بالهاتف ترفعه أمام وجهها برجاء وتمنى، تحرك رأسها فى الاتجاهين وهى تضع يدها الأخرى على فمها تحاول كتم شهقاتها التى أخفقت فى قمع الكثير منها، وقد أغرقت عيناها بالدموع وجهها، تنظر للشاشة وبوادر بداية نوبه أخرى وشيكة، يعمل الهلع والخوف على إشعالها، لتتحدث إلى الهاتف وهى لا تزال تحدق به.
"أيعقل، لن يهم بالرد على، هل سيبتعد عن حياتى كما كتب برسالته، سيبتعد بعدما ذقت حلاوة قربه، نعم لقد كانت محض ساعات مقتطفه من جنح الليل، ولكنها أروت قلبى الظمأن له"
صمتت شاردة تعيد على مسامعها كلماته التى وصلت لها من خلف شاشة هاتف، مخترقة قلبها بسهام أدمته وهو الجريح بالهوى ليقع صريعا بعشقه للمرة الألف.
تنتبه إلى الهاتف مرة أخرى؛ تعيد قراءه رسائله المعاتبه لها، إتهاماته الغير صحيحة بحقها، قراره بالبعد ولم يتلمس لها عذرا بل وضع لها شرطا ، وقد تحالفت عليها الظروف؛ لتقف عائلا بينها وبين تحقيقه حتى تستطيع مراضاته.
تغمض عينيها بحزن على قدرها بالهوى، لتقرر الدفاع عن نفسها، تبراءة حالها من تلك التهم التى قهرتها، وكسرت قلبها، لتفصح عن بعض أسرارها المدفونة بصندوقها الاسود، بعدما أنعشت تلك الرسائل نبته الحب داخلها التى أخفتها عن العيون منذ أمد بل و الأصح منذ تركها لشرائط الشعر الحمراء من جدائلها وهى تتجه إلى مدرستها.
فتحت عينيها المنسوبة منها الدموع بإريحيه على ذلك الممر المحفور بوجنتيها تنفست بثقل وأصابعها المرتشعة تخطو ما تجاهد هى بإخراجه لتبدأ رسالتها بتلك الكلمة التى تمنت ليال طوال إخراج حروفها من بين شفتيها له دون خوف أو هلع، دون قيود لتكن تلك الكلمه هو اسمه الخاص به لديها، تنادى عليه به فى كل وقت وبأى مكان معلنة للجميع بأنه حقى أنا وحدى.
"حبيبى، نعم حبيبى، كيف إستطعت إتهامى بالزهد بك وأنت كل ما أتمنى وأحلم منذ صباى، هل يزهد الجسد الروح يا عبدالله، غضبت منى لمخالفة وعد السهر بالأمس، وكيف بى أنا من غضب أعمانى فبت أعاقب نفسى على إستسلامى لدوامة سوداء، لم أفق منها سوى بالصباح، حرمتني من حلم السهر سويا تجمعنا أحاديث، تتخللها همسات دافئة، عبارات حنونة، ومشاعر متلهفة للقاء كظمأن يحلم بالماء.
لا تبتعد عنى أرجوك، ألا يكفي بى عقابا من حرمان من تلك اللحظة التى أرى بها لفتك علي، إنتظارك لى حتى تراسلنى، أيوجد عقاب أصعب مما أنا فيه، لتزيدها على بعدم جوابك على رسالتى، عاقبنى كما تحب وانا الراضية الخاضعة لكن لا تبتعد، أرجوك.
ضغطت على زر الإرسال، وهى تبكى بمرارة ، يقطع صوت بكائها شهقات عالية تخرج منها، تتحدث الى الهاتف وكأنه هو يتوسل" أرجوك أجبنى، لايهم من تراسل انا أو المجهولة خاصتك، على الأقل اذوق نعيم قربك حتى ولم تختصنى به.
رفعت رأسها الناظرة لأسفل، تزيح دموع عينيها التى أغشت على الرؤية أمامها، بيديها بفوضوية، تضيقهما حتى تتضح الرؤية أمامها تنظر إلى شاشة هاتفها، ترى تلك العلامة التى تدل على وصول الرسالة إلى هاتفه،وضعت يدها على قلبها وهى تبلع ريقها بخوف، لا تحيد بحدقة عينيها عن الشاشة وهى لا تزال تمسك به بيدها الاخرى؛ كأنه طوق نجاة لها.
تعالت الدقات الهلعة وهى ترى رسالتها قد قرأت، مرت ثانية فالأخرى، وهى لا تزال واقفة على قدميها، لتبدأ بالارتعاش عندما مرت دقيقة كاملة ولم تستلم منه اى اجابه، لتهمس بصوت منخفض وأعين جفت منها الدموع وهى تخطو برسالة جديدة لها فى محاولة من قلبها اليأس للوصال.
"ما عاهدتك قاسيا هكذا يا عبدالله!"
أمسكت خصلات شعرها من أعلى تجذبها بنفاذ صبر والانتظار يقتلها بالبطئ.
أتتها رسالة صغيرة قراءتها بصوت عالى " حسنا، يبدو أنك تعرفينى جيدا.
لتجيبه وكأنه هو من يحدثها"نعم أكثر مما تتخيل"
تكمل بعدها قراءة رسالته" وانا لم ألحظك قبلا"
لتجيب بحقد وغل يغلف كلماتها" كيف تلاحظ وأنت كنت معمى وقتها بحب تلك الحرباء ناهد"
أكملت القراءة" بالتأكيد شئ مثل الذى قمتى بوصفه، صعب الأخفاء، فكما يقولون من القلب للقلب رسول"
تجيبه بقهر"نعم كان صعب الاخفاء، بل أنه ظهر واضحا جليا على وجههى لتلاحظه أمى واخوتى والجيران الإ أنت"
أكملت القراءة" موعدنا اليوم مساء وأتمنى ألا تخلفى اليوم أيضا"
تهز رأسها بسرعة نافيه" لن أخلف، لن أخلف"
تكمل القراءة" وأتمنى وقتها أن تخبرينى؛ من أنت يا عاشقتى المجهولة؟"
سقطت على الأرضية أسفلها وقد خارت قواها ولم تعد قدميها قادرة على حملها، لتصرخ صرخة مدوية قطعت أحبالها الصوتية وهى تجيب بصوت عالى موجوع" أنا إنتصااار، إنتصار يا عبدالله إنتصار"
********************************
تقف بالمطبخ الصغير الخاص بشقتها، تدندن بسعادة مع الأغنية الصادحة من المذياع" يا حلو صبح" تقم بتجهيز وجبة الأفطار ، طرقات عالية على باب شقتها جعلتها تضيق عينيها وهى ترفع أحد حاجبيها متسائلة" ترى، من الذى سيأتى لزيارتى فى هذا الصباح الباكر؟!
لتكمل بسخرية بعدما جففت يدها بمنشفة المطبخ وهى تتجه إلى الخارج متمته" أغلب ما أعرفهم لا يستيقظون قبل العصر"
فتحت الباب بسرعة تهم بالسؤال على من بالخارج، لتقف بصدمة ظهرت على وجهها وهى تراه يقف أمام باب شقتها ، لتنطق بإسمه دون وعى بإندهاش.
_سيدى ممدوح!
ليقم هو برفع الاكياس التى يحملها بيده، يحاول إخفاء حرجه قائلا" هل تناولتى إفطارك، أنا لم أفعل، ففكرت أنه ربما.
قاطعته هى بسرعة تسحب الأكياس من يده، بعدما أختفت صدمتها لتحل محلها إبتسامة مرحبة ، أراحته وهو يتحدث، ليتبخر خجله و يكمل حديثه بإريحيه مقاطعا اياه وهى تفتح باب شقتها، تشير له بالدخول وهى ترحب به قائله.
"حتى وإذا تناولته، فبالتأكيد تناول الطعام مع الصحبه لها طعم أخر، فما بالك بتناوله معك يا سيدى ممدوح؟!
قالت أخر كلماتها برقة وهو يعبر بجانبها من الباب، ليرفع نظره لها بتيه ، لتكمل هى عليه وهى تشير له" تفضل"
ليطرق برأسه وهو يحركه بإماءه، تغلق هى خلفه الباب باعين لامعة مبتسمة.
*****************
وبالعودة إلى منزل آل الجمال، تفتح التلفاز تجلس أمامه، حمدت ربها بسرعة على نعمة وجود أحفاد بارين بها حتى ولم يفعلها أباءهم ولكنهم هم فعلوا فهذا يكفيها، دخول عماد بصحبة عبير عليها اليوم صباحاً ، أحدهم يجلب لها دوائها والأخرى تركض مسرعة إلى داخل المطبخ تحضر شئ لتتناولة، طبطبت على قلبها الموجوع.
تحرك بها كرسيها الهزاز بخفة لتبتسم بأعين قد غرعرت بها الدموع" وكيف لا يكونا بارين بى هكذا، وهم تربية يديك يا عبدالله! إشتقت لك يا ولدى وأنت القريب البعيد عنى، منذ متى وقلبك قاسى هكذا يا أغلى الغالين على قلبى، اه لو أعطيتى فرصة للحديث، لأخبرتك أننى لم أقصد أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه، جرح قديم قاموا بفتحه من جديد ومن تأثر بإلتهابه أنا وأنت يا بنى.
*********************
بينما إبنتها بالطابق الذى يعلوها، تجيب غرفتها ذهابا وإبابا ، تتحدث وهى تشير على نفسها بعصبية.
" حسنا، لقد تطور أمرك كثيرا يا ممدوح، انا احدثك ولا تجيب، أنادى ولا ترد؟! حسنا لنرى عندما تعود، بما ستبرر أفعالك تلك؟ ستكن ليلة جحيمية بالنسبة اليك، يا رجل ألا تخجل من نفسك ولو قليلا؛ لقد قمت بعصر ليمون على حالى حتى أفعل ما فعلت وهكذا تكافئنى يا رجل!
لو كان ذلك المعنى بالأمر يقف أمامها؛ لقتلته على الفور من شدة نقمها عليه، متناسية أو لنقل غير مبالية بأن لها أم مريضة تقبع معها بنفس البنايه، تحتاج إلى إهتمام ورعاية وقد كانت هى إحدى أهم الأسباب لرحيل الراعى والمهتم بها.
صوت رنات عالية اخرجتها مما هى فيه، لتمسك بالهاتف تجيب بحدة ولم ترى اسم المتصل.
_كريمة بعصبية"نعم، من؟"
نظر للهاتف وهو يرفع أحد حاجبيه بعدما ابعده عن أذنه هامسا.
_ما بها هذة من على بكرة الصباح؟؛
يعلى صوته وهو يجيبها: أنه انا يا كريمة، هل حذفتى الرقم أم ماذا؟
_كريمة بسرعة بعدما تبينت هوية المتصل تجيب نافية وكأنها جريمة تخلع نفسها عنها: لا، لا لم أفعل، كل ما هنالك أننى لم أنتبه إلى أسم المتصل قبل الرد.
_لا عليك ولكن ما بك، صوتك لا يبدو جيدا، هل أغضبك أحدهم؟
_مجرد أمر عابر لا تهتم، لا أريدك أن تصاب بالصداع بسبب مشاكلى التى لا تنتهى.
_حقا، وإذا لم أهتم أنا بأمورك، فمن يفعل؟ كما أن مشاكلك تلك هى مشاكلى يا كريما، أخبرينى فقط ما بك، لربما أستطاعنا إيجاد حلا ما سويا.
جلست على الفراش، صامته تعيد حديثه المؤرق لقلبها، طال صمتها، لينظر هو من الجانب الأخر على شاشة الهاتف؛ يرى ما إذا كانت لا تزال على الخط معه أم أغلقت المحادثة، حدثها بتوجس" هل لا تزالين معى على الهاتف؟! كريمة"
_ممدوح.
هكذا أجابته، ليضيق عينيه يترقب للقادم وهو يتساءل بمكر ثعلب: ما به صديقى القديم؟
_لا أعلم.
_ماذا؟
_لا أعلم.
_لا تعلمين، ماذا؟
_لا أعلم ما به، هناك شيئا ما مختلف، أمر جديد طرأ عليه لا أفهمه، تصرفاتها الغريبة، لا أعلم، لا أعلم.
_ألم تخبرينى قبلا بأنك ترتاحين بالحديث معى، قص علي ما يشغلك بخصوصه ودعى الحكم لى بعدها، فأنا رجل وأفهم ما يدور بعقل رجل أخر، كما أننى أعلم ممدوح جيدا، فلن تجدى أفضل منى يسدى لك النصيحة السليمة.
_كالعادة، معك حق فيما قلت، لن أجد أفضل منك يخبرنى كيف أتصرف؟
_كل آذان صاغية، عزيزتى.
قالها وهو يعنيها حقا، فلقد تحفزت كل خليه بجسده لما ستقول.
لتبدأ هى بسرد تفاصيل اخر يومين، وما حدث بينها وبين زوجها بأدق التفاصيل متغاضة عن جزء قسط الشقة ولا تعلم لما لم تخبره، كما أنها تغاضت عن ذكر ما فعلته اليوم صباحاً وتقربها لزوجها، فقلد منعها الحياء اولا، وخوف مبهم واخر ليس له داعى بأنه لربما تغضبه منها إذا علم.
استمع وفهم وحلل جيدا كل كلمة أدلت بها، حتى أنه استطاع تخمين بأن للأمر بقية لم تخبره بها بعد، ليتسائل بلؤم.
_واين ذهب أجر عمل شهر كامل خلال يومين يا كريما؟
_أجابت بلجلجة من أثر سؤاله الواضح والمباشر لقلب الهدف، اشتف منها أن ما ستقوله الان كذبا.
_مصاريف وديون متراكمة وأولاد فى التعليم بمراحل مختلفة، ماذا أفعل إن لم تكفى الأموال؟
_أمم، معك حق، الاسعار علت بشكل مخيف، والدروس الخاصة وأشياء كثيرة ملزمون بها.
_أرايت انت تتفق معى، بينما هو لا يفهم كل هذا الامور، وكأنه لا يعيش معنا بنفس الدنيا!
_سخر منها داخله، متمتا بهمس، حقا يا إمراءة، كل هذا المبلغ بيومين، هناك شئ تخفيه وصدقينى سأعرفه وسأصل إليه وإذا لم يكن من خلالك ، فسيتم عن طريقى وبطرقى الخاصة.
_هاي، أين ذهبت؟
_معك.
_اتعتقد أنه هذا هو السبب فى تغييره ؟
_أخذ نفس طويل من تلك السيجارة وهو يضعها بين إصبعيه وملامح وجهه تشع شماته، لو راءتها فإن أقل وصف يمكن أن تصف نفسها به هو "الغبية".
_نعم، وهل تعتقدين أن مثل هذا الأمر هين، نحن الرجال يقع على عاتقنا مهمة البيت، مصاريف منزل من طعام وشراب، اولاد تحتاج إلى رعاية ، مدارس ومصاريف كتب ودروس خصوصية، فتاة شابة على وشك الزواج ، كما أنه لا يعمل بمجال مضمون ، فاليوم يوجد عمل وربما بالغد لا يوجد، فما العمل وقتها مع كل تلك المسؤوليات، لذا لا تقلقى وألتمسى لها العذر كله.
صمتت تدير حديثه برأسها، وقد أقتنعت به إلى حد كبير، لتجيب بعد لحظات.
_هذا صحيح، معك حق فيما تقول.
_محسن وهو يشعر بالضجر من هذا المكالمة الثقيلة على قلبه، يحدثها على عجالة حتى ينهيها: حسنا يا كريما كما رأيتى لقد أعطيتى الموضوع اكبر من حقه، راعى الرجل وأرفقى به قليلا.
_حسنا، سأفعل.
_الان انا سأغلق المكالمة عزيزتى.
_ها، لما؟
_حتى لا تقعى بالمشاكل ، أنسيتى؟
_ولكن!
_لا عليك، أنا هنا بأى وقت تحتاجيننى به، سلام مؤقت يا كريما.
_مع السلامة.
أغلق الهاتف معها هامسا بسخط وهو يلقيه جواره بإهمال: أنتى كما أنتى مملة يا إمراءة، أعانه الله عما بلاه، كيف أستطاع تحملك كل هذا الاعوام؟!
وعلى ذكر غريمه، ابتسم بتشفى وهو يقول: يسعدنى أن أبلغك بأن كل ما قولته على زوجك لا يدل الا على دخول طارئ جديد لحياته، وهذا الطارئ ليست سوى إمراءة.
ليكمل احسنتى يا فتاة عندما ألاقيك فى المرة القادمة سأزيد المبلغ على هذا العمل المتقن السريع.
آراءكم وتوقعاتكم.
استغفروا.
أنت تقرأ
وكانت للقلوب رحمه
Romance"فاقد الشئ لا يعطيه" بالعكس فبعض الأحيان يكن هو الأكثر عطاء لما فقده . كرحمتنا تلك عانت كثيرا لأسباب لا تعرفها وحرمت من أشياء اخرى تمنتها وعاشت وحيده وهى بين أهلها تعانى مرارة اليتيم ، ترى عندما يجلب لها القدر مايساعدها على الانتقام والاحساس بنشوة...