الفصل الخامس عشر

63 6 1
                                    

سمعت صوت شخص يصرخ بإسمها فرفعت وجهها بلهفه لترى ادهم يعبر الطريق الذي عبرته منذ لحظات .. وقفت تحدق فيه لا تصدق عينيها .. لقد عاد .. ركضت بإتجاهه بلهفة فضم جسدها النحيف المرتعش بين ذراعيه بقوة وقالت باكية وذراعيها تحيطان بخصره ووجهها مدفون في صدره ..
- كده تسيبني وتمشي .
مسح على شعرها وهو يقول بأنفاس متقطعة
- مستحيل اسيبك وامشي .. كان سوء فهم لعين .. انا آسف .
نعم هذا ما كان يخبرها به قلبها .. فأدهم ما كان ليتركها بتلك الطريقة ويرحل .. وإن أراد تركها لقال ذلك في وجهها فلماذا يلجأ إلى الحيل والغدر وكذلك فهد الذي خاض مشقة استخراج أوراق رسمية لها وارسلان لن يطاوعه قلبه الطيب أن يتركها في الشارع وحيدة .
- انا حسيت بالرعب وانا شايفك بتعدي الطريق بالطريقة اللي عديتي بيها دي .. كنتي حتضيعي نفسك .
ابتعدت عن ذراعيه بخجل ونظرت له بإبتسامه تنير وجهها .. لقد كان قلقا عليها وظهر هذا جليا في شحوب وجهه وسألها وهو يتفحص وجهها
- انتي كويسه ؟
هزت رأسها ايجابا فأخذها وجلسا معا عند النافورة ونظر إلى حقائب مشترياتها وقال :
- اشتريتي ايه ؟
- اشتريت فستان وشنطة وجزمه.
نظرت إليه فاختلج وجهه ورقت نظرات عينيه
- ده انا بقالي ساعات قالب الدنيا عليكي .. قالوا انك سيبتي الفندق على طول وخرجتي.
أخبرته أنها ذهبت إلى المطار وبحثت عنهم هناك ..
قال بتجهم
- احنا قدمنا ميعاد السفر وحجزنا طيارة خاصة.
وأخبرها أنهم أخذوا الحقائب إلى المطار على أن تلحق بهم ليلى وبقية السيدات إلى هناك ولكنه فوجئ بأنهم جاءوا بدونها .. فشرحت له ما حدث مع ماريا فجز على أسنانه بغضب وسألها بتجهم :
- انتي خوفتي ؟
- ايوه
انتفض جسدها لا إراديا وهي تتذكر ساعات الخوف والقلق التي قضتها قبل ظهوره
قال مبتسما
- طيب انا حأقولك حاجه يمكن تسعدك وتخليكي تنسي اللي حصلك النهاردة.
اتسعت ابتسامته وهو يراقب تلهفها
- والدك بالأمس عمل العمليه وهو دلوقتي زي الفل وكمان اتطمن عليكي انك كويسه قبل ما يدخل اوضة العمليات.
نظرت له غير مصدقه .. كيف يعرف والدها وكيف عرف أنه أجرى العملية وأنه بخير ..
وأكثر ما تريد معرفته .. كيف وصلت اخبارها لوالدها ومن الذي قام بذلك ؟
رد على كل اسألتها في اجابه واحده :
- لما كنت في القاهرة كلفت المحامي الخاص بي أنه يتواصل مع عيلتك ويطمنهم عليكي.

عادت ليلى إلى اليخت وشعرت أنها تعود إلى بيتها .. نقلهم ريمون من الميناء ووجدت فهد وارسلان وماريا في استقبالهما .كان استقبالا مبهجا جعل ليلى تشعر بالراحة والسعادة .. اوصلتها ماريا إلى غرفتها .....
قالت ماريا معتذرة وهي تعانقها :
- انا اسفه يا ليلى .. اني تركتك وحدك.
- ولا يهمك حبيبتي .. حصل خير.
- اعتقد أن جميلة وتاليدا قصدا ان تفوتك الطائرة.
اندهشت ليلى من قولها وردت قائله :
- معقول !!!...
- نعم .. فهي عندما اتصلت بي قالت إنها تريد مشورتي في شراء شئ ما ..ولم تشتري شئ .. وطلبت سيارة لأخذنا إلى المطار مباشرةً..
عندما سألتها عنكي .. قالت انك ذهبتي مع الباقيين إلى المطار ..
كان ادهم وحميد وارسلان غاضبين جدا وكنت أنا المذنبة في نظرهم ..وكان لديهم
كل الحق .. ما كان يجب أن اصدق جميلة وتاليدا .. انهما تكرهانك وتغاران منكي .
اندهشت ليلى وتوسعت عيناها وقالت :
- بيغيروا مني انا ؟! .. طيب ليه ؟! ....
ابتسمت ماريا وقالت :
- لا تنصدمي .. انا ايضا اغار منك ولكني لا اكرهك مثلهما .. انتي تبخسين قدر نفسك ..
انتي تملكين ما نعجز نحن عن استرجاعه بأموال الدنيا كلها .. تملكين الطهر والبراءة ..
الطيبة والنقاء .. كل واحدة منا ضحت بالغالي والنفيس لتحقيق أحلامها .. جميلة باعت نفسها لرجل في عمر جدها لتحصل على لقب .. سجنها وعذبها وحطم روحها .. وحصلت على اللقب .. ضحت بعمرها وشبابها و كان ادهم يحبها بشده ..حطمت قلبه عندما تركته ..والان تحارب لإسترجاعه .. أما تاليدا فهي عاهرة ..بورقة زواج .. هدفها المال .. تبحث عن اللذة والشهوه مع أي رجل يعجبها ..
الخيانه تسري في دمها بلا أخلاق أو شرف .
وانا ..انا ابنة فلاح فقير .. كنت أرى نفسي اجمل من أن اضيع شبابي وجمالي ..تركت اهلي وذهبت إلى إيطاليا ابحث عن عالم الأضواء والشهرة بالعمل في كعارضه للازياء ومصادقة الاثرياء والرجال ذوي النفوذ ..حتى قابلت
فهد وها أنا هنا .
انسابت دموع ماريا ..ربتت ليلى على كتفها تواسيها وهي تسألها :
- انتي بتحبي فهد ؟
- أحببته كثيرا .. الجميع هنا يظن أنني أسعى وراء المال واني أسعى لأصبح عشيقة ملياردير يرفع من شأني وينفق علي ببذخ .
ردت ليلى بصدق :
- بس انا مش بفكر زيهم ..يكفيني أن أرى نظرتك له لأعرف مشاعرك ناحيته.
ابتسمت ماريا بحزن وقالت :
- انتي طيبه اوي يا ليلى.
- انتي معرفتهوش انك بتحبيه ؟
- كان بيننا اتفاق .. علاقه بدون التزام .. ولا أمل لي في أن يغير رأيه .. هو لم يحبني ولن يفعل .. رآني في حفل بعد أحد العروض واعجبته .. وقعت انا في حبه وطلب مني أن أخرج معه .. قضينا اسبوع رائع وقبل أن يعود إلى بلده .. طلبت منه أن يأخذني معه .. فوضع الشروط التي أخبرتك بها .. ووافقت انا بلا تردد ....
وقالت ليلى بحزن
- وافقتي ان تكوني عشيقته ؟
ردت ماريا بخزي
- كان عندي امل أنه يغير رأيه وتتحرك مشاعره اتجاهي ويقع في حبي بدوره ..
وها أنا أعطيته كل ما يمكن أن اعطيه وفي المقابل لم احصل على ما تمنيت .. ربما احصل على كلمة وداع لطيفه ووعد بأن نظل اصدقاء ..هذا ما سأجنيه في نهاية علاقتنا ..
فالرجل الشرقي لا ينظر لعشيقها باحترام كي يتزوجها.. ومجتمعنا لا يقبل ذلك .
قالت ليلى بشفقة :
- معاكي حق .. وناويه تعملي ايه ؟ حتستني لما يقولك مع السلامه ؟ .. مبقتش محتاج لخدماتك ...
نظرت ماريا لها برعب حقيقي .. وقالت :
- ماذا تقترحين ؟ .. أن اتركه انا ! ..لا استطيع.
لو تبقي لي ثانية واحده بجواره سأقضيها معه ولن افوتها..
- اعملي كده علشان كرامتك .. علشان احترامك لنفسك .
- سأموت لو فعلت .
- حتموتي في الحالتين ..لكن لو انتي انهيتي العلاقة .. حتموتي وكرامتك محفوظه .
هزت ماريا رأسها بأسى وقالت :
- عندك حق .. أشعر أن هذا اليوم سيأتي قريبا ففهد قد تغير من ناحيتي وينتظر فقط حتى يجد بديلة عني أو حتى تنتهي الرحلة.
وقفت ماريا تجفف دموعها ثم قالت تحزم :
- سيبحر الليلة الى موناكو .. وستكون محطتي الأخيرة مع فهد .. فلدي هناك عقد عمل ينتظرني ..كنت قد أجلته من أجله.
ابتسمت ليلى لها وقالت
- مش مشتاقه لأهلك وأصحابه ؟ .. وجودك وسطهم في الفترة دي حيهون عليكي الم البعد عنه .
- نعم .. كم اشتاق إليهم .. والى مزرعتنا ..
سأترك لكي رقم هاتفي وعنواني وعنوان اهلي .. فقد تأتين لزيارتي يوما ما وستجديني في أي منهما.

بحر الاحزان حيث تعيش القصص. اكتشف الآن