ركن كريس سيارته بعيدا عن الطريق، و كان قد حلّ الليل و قد ابتعد عن شقّته بعشرات الكيلومترات، و كان جون جالسا بجانبه، صامتا طوال الوقت، مصدوما من اليوم الجحيميّ الذي مرّ عليه و كأنّه عام، أولاً قام بطعن روبرت، ثم تلقى نبأ وفاة والدته، ثم شاهد كريس يقتل توم، كان كلّ ما يتمناه أن يكون كلّ هذا حلمًا مزعجًا.
و في تلك الأثناء كانت الشرطة قد تلّقت اتصالات من جيران كريس الذين سمعوا أصوات طلقات نارية في الجوار، و لما حضرت الشرطة للمكان عثروا على جثة توماس، و تجمّد زملائه من الصدمة، و شعروا بالأسى عليه، فقد كان توم دؤوبًا على عمله، و صارمًا عندما يتعلق الأمر بتطبيق القانون.
في المستشفى، أقبلت امرأة جميلة في أواخر العشرينات من العمر، طويلة القامة، شعرها أسود ناعم كالحرير، و كان في يدّها منديل ورقيّ كانت تمسح به دموعها، و اقترب منها أحد زملاء توم و راح يواسيها قائلا:
"أنا آسف جدًا يا أنجليكا."لقد كانت تلك المرأة أنجليكا زوجة توماس، و هي بمثابة الأخت بالنسبة للمحقق كريس، و قد عاشا معا في ميتم قبل أن تفترق بهما السُبل.
عاش كريس السنوات العشر الأولى مع أمه، أما والده فقد اختفى من دون سبب و تخلى عن عائلته و رغم ذاك اعتاد كريس العيش من دونه.
لكن توفيّت والدته فجأة و تركته رفقة أخيه الكبير كارل الذي غادر بدوره و مضى باحثا عن سبيلٍ للعيش، أما كريس فقد وجد نفسه وحيدًا في الميتم، و هناك التقى بأنجليكا، و بعد أن توطدت العلاقة بينهما، أصبح بمثابة الأخ بالنسبة لها، و كان يدافع عنها و يحميها و يمضي معظم وقته رفقتها.
و بعد خمس سنوات أمضاها كلاهما في دار الأيتام، وقعت جريمة مروّعة راح ضحيتها مُدير الميتم، و كان توم في ذلك الوقت شرطيًا مستجدًا في العشرين من العمر و كان من بين رجال الشرطة الحاضرين هناك، و لمّا رأى أنجليكا أُعجب بها و لم يستطع نسيانها و قال في قرارة نفسه:
"من هذا الذي تخلّى عن فتاة كهذه؟!"و بما أنّ توم ينحدر من عائلة ثرية، طالب من والديه أن يقوما باخراجها من مركز الأيتام و يتكفّلا برعايتها.
وافق الوالدان على طلب توم، و أصبحت أنجليكا التي كانت آنذاك في السادسة عشر من العمر فردًا من العائلة، و بعد سنوات تزوّج منها توم.
أما كريس فقد هرب من دار الأيتام، و عاش متشرّدا رغم صغر سنه، إلا أن التقى برجلٍ غامض غيّر حياته و جعله شخصًا مختلفًا.