محاولة إصلاح

23 5 0
                                    

أفكر في الكتابة إليها، ثم أقول في نفسي
ما الجدوى من الكتابة؟
هل من الممكن أن أعانقها في منتصف نصٍ أدبي؟
أريد ان نلتقي في مكانٍ غير النصوص والكتب.
راسلتها قائلاً:
"هل تداوين قَلبي باللّقاء كرمًا"
بعد تردد وافقت وأخبرتني بموعد قدومها
انتظرتها حتى أتت ورأيتها تقف خلف بابي.
لم تتغير كثيرا، مازالت تحتفظ بنفس الابتسامه،
والملامح والتقاطيع، والنظرة الطفولية.
صافحتها وتركت بين الأصابع عطرها
بقينا واقفين وجهاً لوجه
طلبت منها الجلوس
أغلقت الباب خلفنا
وكنت أنظر إليها ونسيت عيناي.. تتأمل ثغرها
وكأنني أحاول أن أشبع قلبي منها.
سألتها عن حالها
وبعد لحظة صمّت..
ارتب ارتباك كلماتي
قلت لها:
"ماذا حدث حقاً! اخبرني؟"
"لا أعتقد بأني استطيع الذهاب هكذا! "
"ليس الآن وليس بهذه الطريقة أرجوك!"
"بالأمس كنتي لي وأنا لكِ.. "
"فكيف ينتهي كل شيء بهذه البساطة؟"
هناك كنا..
قاومت البكاء وشفتيها راحت ترتجفان
ثم أجابتني بابتسامه مكسورة وبعيون لامعه تكاد ان تغرق..
"يا فلان دعنا نغير الحديث،،"
فتوجست روحي مَخافةَ أنَ تبدي حزنها 
طأطأت رأسي لوَهلةٍ، ثم دار بيننا حديث اخر،
عن ابنتنا "اقصد ابنتها"، عن عملها، ويومها
تحدثنا طويلا.. وتبادلنا الحديث، تقاسمنا الضحكات
وبعض المواقف، تسامرنا حتى انتهت الكلمات..
قبل أن تغادرني، ولسبب ما، سألتها "هل يمكنني عناقك؟"
تَجمّدت عده ثوان في مكانها ثم مشت ببطء في اتجاهي..
لم تلبث أن أسرعت الخطى ملقية بنفسها بين ذراعي.
ضمتني بقوة. ولم تنطق كلمة لعدة دقائق..
لازلت أتذكر شعوري بذلك اليوم،
نبضات قلبي وانا احاول ان اخنق انفعالي
والا اظهر منه الا ايسره
ولكن كيف؟! وهذا الصوت، هذه المشية..
تلفحني ذكريات الماضي، ضحكاتنا.. العابنا، وحتى رسائلنا.
تجمدت في مكاني وبدأت اطراف يداي بالإخدرار
وهربت مني الكلمات ولم استطع فعل شيء.
بصمت تام استحال علينا الكلام
نظرت إلي طويلاً وانا كذلك.
اغرورقت عينانا بالدموع،
وكان كلاً منا يعي في قاع روحه البائسة أنه لقاء الوداع.
وفي تلك الأثناء تساقط المطر البارد،
كما لو كانت السماء تبكي لتلك المأساة
وكانت قطراته المعانقة لزجاج نافذتي
الشاهد الوحيد على عناقنا الاخير.
ثم استدارت وخَرجَت من المنزل تُلملِم وجهها بخمارها
والتفتت إلي بإلتفاتة صغيرة للخلف،
ربما كانت الالتفاتة والنظرة الأخيرة،
فقد كانت النظرة في عينيها خالية مني ..

وزمانُ السُّرورِ يمضي سريعًا،
‏مثلَ طيبِ العِناقِ عِندَ الفِراقِ.
- البحتري

  حَصِيلة تراجيدياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن