في الفسحة الصغيرة، ذات أحواض الزهور الحجرية، والتي تسبق مدخل القصر، وُضع ثلاثة من أشرس الكلاب المدربة للقيام بمهمة حراسة المكان، بجانب مجموعة الخفر المكلفين بتأمينه. راحت تنبح في صوت مرتفع ومخيف بمجرد أن وطأته الشابات، فارتعدن، وخشين الاقتراب، تساءلت إحداهن في صوت مذعور:
-دول ممكن يهجموا علينا؟
رد عليها "مطاوع" في صوتٍ شبه هازئ:
-لو حد غريب جه، أو قرب نواحيهم.
ارتاعت الشابة أكثر بعد جملته هذه، وهتفت في خوف غريزي، مشيرة نحو أحد الثلاثة، ممن بدا طوقه الجلدي على وشك الإفلات من يد صاحبه:
-خليه يمسكه كويس.
ضحك "مطاوع" ساخرًا منها، وأمر الخفير باستهزاءٍ بائن:
-اوعى يفلت منك ياض!
أحكم الأخير ربط الطوق حول معصمه، ليضمن إبقاء الكلب تحت سيطرته؛ لكن ما إن اقترب منه "مطاوع" حتى همهم مبتسمًا بلؤم، وهذه النظرة الماكرة تطل من عينيه:
-ولا أقولك، أني همسكه لحد ما الضيوف يعدوا.
تعمد إرخاء الطوق تمامًا، ليترك مساحة كافية لهذا الكائن الشرس بالاقتراب من الشابات وإخافتهن، لعله بذلك يجد التسلية والمتعة في إرهابهن. ارتاعت "ياقوت" بشدة عندما رأت الكلب ينتفض استعدادًا للانقضاض عليها، فصرخت عاليًا، وارتدت للخلف، دون أن تنتبه لموضع قدمها، فالتفت ساقها بالأخرى، وتعثرت، وانطرحت للوراء، لتجد نفسها ترتمي في أحضان أحدهم، ممن تلقفها بسهولة، وحال دون سقوطها. أدارت رأسها لتنظر إلى من أمسك بها بهذه المَسكة المحكمة، فإذ به صاحب الكلمة الناهية يحاوطها، تورد وجهها في التو، واكتسى بحمرة الخجل، اعتدلت واقفة، وشعورها بالحرج يغمرها كليًا، اعتذرت منه في صوت متذبذب:
-أنا أسفة.
لم يرد عليها، والتف موبخًا ابن عمه في تعصبٍ مبرر:
-"مطـــــاوع"! إنت اتخبلت؟!
انضمت "ياقوت" إلى باقي رفيقاتها، وعبرت هذه المساحة في خطوات سريعة، ليصلن إلى درجات السلم الرخامية، صعدن عليه، وولجن معًا إلى الداخل، في حين قبض "صفوان" على ذراع ابن عمه، وشدد من قبضته متوعدًا إياه:
-حسابك معايا بعدين.
بالكاد انتزع ذراعه من أسفل أصابعه الغليظة، وقال في غير مبالاة:
-متكبرش الموضوع، ده أني بهزر، وبعرفهم احنا مين.
استفزه حديثه اللاهي، وحذره بنفس ذات الأسلوب الصارم:
-لأ هكبره، إلا ضيوف أختي، سامع!!
على مضض أذعن له قائلًا:
-ماشي يا كبيرنا...
أشار بعدها "مطاوع" للخفير ليقترب، أعطاه طوق الكلب، وتساءل:
-هتجي معايا الإسطبل؟ ولا أسبقك؟
بملامح مكفهرة، ونظرات لا تزال قاتمة أجابه:
-هحصلك!
غادر "مطاوع" بعدما اختطف نظرة سريعة على ابن عمه الواجم، بينما ظل الأخير قابعًا في مكانه، ونظراته معلقة بباب القصر المفتوح، لدهشته شعر بشيءٍ من الارتباك يصيبه، فداخله يستحثه على اللحاق بضيوف شقيقته، وعقله يأمره بالابتعاد والذهاب ونسيان شأنهن تمامًا. حسم أمره في الحال، وقرر الانصــراف، فلا مجال للعواطف في حياته الجادة!
يتبع >>>>>
أنت تقرأ
بين عشية وضحاها - قصة قصيرة كاملة
Romanceنُشرت هذه القصة القصيرة ضمن احتفالية جروب بيت الروايات والحكاوي المصرية تدور الأجواء حول الوقوع في الحب من أول نظرة