الفصل السابع عشر(هروب غير مشروع)
انها الذكريات كل ما أملك !!
.......
وقفت روان أمام عيادة الطبيب النفسي وقلبها يقصف داخل صدرها ...كانت تشعر بالرعب ...للحظات أرادت الهرب وبالفعل تراجعت بخوف إلا أن يد قوية قبضت على كفها ...نظرت إلى قصي وعينيها رطبة بفعل الدموع ...كان نظرته لها لطيفة ...ذكرتها بقصي الذي أحبها يوماً حتى الموت ...وكأن هذا الرجل موجود الآن. ..وكأن حبه موجود !!!....
-أنا معاكي متخافيش ..
قالها ليهدأ من روعها فقالت بنبرة مختنقة:
-انا خايفة يا قصي ...مش عايزة اقول لحد غريب على اللي حصل....مش حاسة براحة ... خلينا نمشي وصدقني أنا هبقى كويسة مش هأذي نفسي تاني و...
ولكن قصي شد على كفها وقال:
-روان لو سمحتي أنا عايز اطمن عليكي ....أنا هبقى معاكي متخافيش ...عبد الرحمن دكتور شاطر اووي وهيقدر يساعدك ...
هزت رأسها وهي تمسح دموعها
ثم شدت على كفه ...ابتسم لها ليطمئنها ودخلا العيادة سوية....يخطيان خطوة تأخرا في أخذها ...
.......
-قصي نورت العيادة ...
قالها عبد الرحمن وهو يقترب منه ...شاب طويل في أواخر الثلاثينيات تقريباً لديه لحيه كثيفة يغزوها بعض الشيب...ابتسم قصي له وعانقه ...
ثم ابتعد وقال ؛
-شكرا يا باشا عشان فضيتلنا نفسك النهاردة ...
وأشار الى روان وقال:
-دي روان يا عبد الرحمن اللي حكيتلك عنها
نظر عبد الرحمن الى روان وقال بتهذيب :
-مدام روان اخبارك ايه ؟!
-كويسة ..
اجابت روان بتوتر وهي تمسك كف قصي بقوة ...لاحظ عبد الرحمن ارتباكها فقال بلطف:
-مدام روان صدقيني مفيش حاجة هتحصل غصب عنك هنا ...يعني أنا مش هجبرك تتكلمي....عايزة تتكلمي اتكلمي مش عايزة خلاص ...فاهماني ...
هزت رأسها بتوتر ... كلامه لم يساعد في تهدئتها إذ ان الذكريات الحزينة أخذت تعصف بها ...
-ممكن تقعدي طيب عشان نتكلم .؟!
نظرت روان بإرتباك.الى قصي ليهز رأسه ويسحبها نحو المقعد ثم يساعدها لكي تجلس ويجلس هو بمقابلها...
كانت روان تفرك كفيها بتوتر وقد احتشدت الدموع بعينيها...شعرت أنها ستنفجر بالبكاء في أي وقت ....شعر عبد الرحمن بإرتباكها وقال ليلطف الجو :
-ايه رأيك النهاردة مش مضطرين نتكلم عن حاجة ... انتِ لو حابة تسألي عن حاجة اتفضلي. ..
هزت روان رأسها بالنفي وحسمت أمرها قائلة :
-أنا حابة أتكلم ...حابة اتعالج ...بس ممكن تخلي قصي معايا ...
ابتسم لها عبد الرحمن وقال:
-أكيد طبعا ...
....
بعد دقائق ...
كانت متسطحة على الكرسي المريح دموعها تتدفق من عينيها بينما تمسك كف قصي بقوة ...جسدها بأكمله يرتعش ....كان قصي ينظر إليها بقلق ...يؤلمه أن تكون بتلك الحالة ....أنها تؤثر به بطريقة غريبة ...يتألم لألمها أضعاف ...يتمنى دوما ان يريحها ...وعلى رغم الأذى الذي سببته له ...إلا أنه غير قادر على كرهها ...غير قادر على التخلي عنها ...ولكن لكي يعيش يجب أن يتركها والا سوف يغرق معها في الظلام ....
شد على كفها وهو يقول برفق :
-اهدي ....
أغمضت عينيها بقوة وهي تقول:
-ابني ...ابني أنس ....ابني ....
ثم انفجرت بالبكاء ....كانت تبكي كما لم تبكي من قبل ....تستعيد صورة ابنها الرضيع وهو ملقي على الأرض دون حركة ...دون نفس بينما هي تجلس بجواره غير قادرة على حمله ..وتنظر إلى قصي الذي يصرخ بوجهها دون أن تفهم ما الأمر ....
-روان خلاص اهدي !!
قالها قصي برعب وهو يرى حالتها غير المطمئنة ولكنها استمرت في البكاء ...نظر قصي الى عبد الرحمن بتوتر وضم روان إليه وقال:
-مش هتقدر تتكلم النهاردة ... حالتها ساءت يا عبدالرحمن ...
هز عبدالرحمن رأسه بتفهم وبدأ يتحدث ليهدئها...
......
بعد عشر دقائق ...
كانت روان تشد على كف قصي وهي تخرج من العيادة ....أخبرها عبدالرحمن أن هذا يحدث وأنه ليس من الضروري أن تتكلم في أول جلسة وأنه سينتظر الوقت المناسب لتكون جاهزة للتحدث ...
-تحبي تتغدي ولا نروح البيت ...
قالها قصي بلطف وهو لم يحرر كفها بعد بل شد عليه وكم شعرت وقتها بالراحة ...
نظرت إليه وابتسمت له وهي تقول:
-حابة اروح البيت يا قصي تعبانة وحابة ارتاح ...
هز رأسه بالإيجاب وقال:
-تمام هنشتري اكل ونروح عشان تأكلي كمان ...
ابتلعت ريقها وقالت:
-أنت هترجعني على الشقة صح ؟!
هز رأسه وقال:
-كده افضل الوضع هيفضل متوتر بينك وبين مياسة بالشكل ده يا روان ومتقلقيش أنا مش هسيبك هطمن عليكي دايماً...
هزت رأسها بتفهم وقالت بحزن:
-المهم انت تكون مرتاح ...
-اكيد هكون مرتاح يالا عشان اوصلك ...
هزت رأسها ليقودها إلى سيارته الفضية وينطلق بهما....
......
بعد ساعة تقريباً...
كانا بمنزلها ...كانت روان قد بدلت ثيابها بمنامة قطنية مريحة بينما قصي كان قد وضع الطعام بالأطباق ووضعه على الطاولة ....
جلست هي وقالت:
-ممكن تاكل معايا انت عارف مبحبش اكل لوحدي..
هز رأسه وقال:
-حاضر ...
جلس وبدأ يأكل بهدوء ...كانت نظراته مثبتة على طبقه ...يتحاشى النظر إليها ...ابتسمت هي والذكريات تداهمها حتى تحولت الابتسامة لضحكة صغيرة .....نظر إليها بحيرة وقال:
-بتضحكي ليه؟!
افتكرت ذكرياتنا مع بعض ...كنا دايما لما نأكل تحب تقعدني على حجرك وتأكلني ..وانا كنت بضايق منك عشان كنت بشوف أن ده تلزيق..بس بص علينا دلوقتي بقينا ازاي ...بقا وضعنا يحزن مش كده ؟!
لم يرد عليها ونظر إلى طبقه مجددا وبدأ يأكل .....
.........
وبعد انتهاؤه من الطعام نظف الاطباق ووصاها أن تهتم بنفسها وغادر تاركاً إياها فريسة للوحدة وللذكريات السيئة كي تنهشها !!!
..........
في المنزل التي تسكن به مياسة ...
كانت جالسة على طاولة الطعام تأكل بكل هدوء عندما ولج قصي للمنزل ...ابتسم بلطف وهو يقترب منها كي يقبل رأسها إلا أنها اشاحت بوجهها بعيداً ...
-فيه ايه يا مياسة ..هو أنا معملتش اللي أنتِ عايزاه؟!
قالها قصي بحيرة فردت هي بنبرة جامدة :
-لا يا قصي ...لحد ما تطلق روان مش هتلمس مني شعرة ...
زفر بضيق وهو يحاول تهدئة نفسه وتفهمها ...اخيرا ابتسم لها وقال:
-زي ما تحبي اكيد يا مياسة ...
ثم نظر إلى الطاولة وقال:
-شكل الاكل تحفة للاسف مش جعان والا كنت قعدت والله ...
وضعت قطعة من اللحم بفمها وقالت:
-وأنا معزمتش عليك اصلاً!!
-يا رب صبرني ...
تمتم بها بضيق ثم تركها وولج لغرفته ...
.....
في المساء ....
ارتدى قصي ملابسه وهو يتنهد بعمق ...لا يعرف ماذا سيقول لمياسة ولكن يجب أن يذهب إلى روان ويطمئن عليها ...لقد اتصل بها منذ نصف ساعة وقد كانت بخير ولكن ليطمئن قلبه أكثر سوف يذهب إليها ...ولا مفر من اخبار مياسة بالأمر ....
......
خرج من غرفته ليجد مياسة تجلس وتشاهد التلفاز ...نظرت إليه فجأة وقالت بنبرة حادة نوعاً ما :
-رايح فين ؟!
-رايح اشوف روان واطمن عليها و....
-نعم يا حبيبي ؟!
صرخت به وهي تنهض وأكملت :
-معلش يعني ايه هتروحلها دلوقتي ؟؛ما انت لسه جاي من عندها ولا هي عجبتك القاعدة ؟!
عقد حاجبيه وقال :
-ايه اللي بتقوليه ده يا مياسة ...لازم اطمن عليها...حالتها صعبة و
قاطعته بغضب وقالت؛
-لا يا حبيبي انت بتلكك عشان تروح لها ...أنا عارفة الحركات دي ...بس لا يا قصي مش هسمحلك تقلل من احترامي بالشكل ده ...مش هتروح لمراتك القديمة وتعمل معاها اللي انت عايزه وبعدين تيجي تستغفلني أنا !!!
تصاعدت النيران بعينيه وقالت من بين أسنانه :
-روان مش مراتي القديمة ..روان مراتي زيك زيها و...
ولكنها قاطعته وقالت بنبرة قاطعة :
-روان مراتك اللي هتطلقها بعد اسبوع ...وانت اللي وعدتني بكده ...ولو روحتلها دلوقتي هتيجي البيت ومش هتلاقيني واختار يا قصي !!!
...........
في منزل روان ...
كانت تبكي وترتجف وهي نائمة على فراشها ..الذكريات السيئة تندفع لعقلها...تحاول أن تبعدها فتفشل تماماً...أنها تختنق ...تختنق وتموت ولا مفر لها ...لا نجاة لها ...نهضت وهي تشهق بعنف ...تنتحب وما زالت صورة طفلها لا تغادر مخيلتها ...لقد قتلته ...قتلته !!!!
أسرعت إلى الحمام وهي تفتح صنبور المياة وتغسل وجهها بجنون وتقول بهيستيريا :
-فوقي ...فوقي ..خلاص كل حاجة خلصت ...فوقي ...
ولكن الالم يزداد ... الذكريات لا تتوقف ...عقلها يعذبها وضميرها يجلدها ...
جلست منهارة بجوار حوض الغسيل وهي تبكي بعنف بينما تردد:
-أنس...أنس ابني .....
....
بعد عدة دقائق ..وبعد أن انهكها البكاء ...نهضت من مكانها بإعياء وهي تتجه لغرفتها ....اقتربت من السرير ثم أزاحت الغطاء عنه ليظهر الفراش المحشو وكان بجانبه سحاب ...فتحته وهي تخرج حبوب بيضاء...كانت قد اشترتها من الموزع الخاص بها منذ أن علمت بزواج قصي من آخرى ولم تستخدمها ...ولكنها الآن بحاجة إليها ...أنها تحتاج لأي شئ كي ينتشلها من النيران التي تحرقها ...اي شئ يبعد عنها الألم ولو حتى لساعة ...أمسكت واحدة من تلك الحبوب ثم استعدت لتتناولها...سترتاح الآن ..بالتأكيد سوف ترتاح !!!
يتبع
#هل_اسعدك_قتلي
#سولييه_نصار