_إنّ مهنتك...أعني مهنة تربية الأطفال ، هي مهنة شاقّة متعبة ؛ لأنّ المربّية تجد نفسها دائماً بين نارَين . صلف الوالدين و أوامرهما ، وعناء الطّفل ومضايقاته .
فضحكت الفتاة وأغرقت في الضحك ، وقالت :
_لا تعتقد ذلك يا عقيد ،أؤكد لك أن المربية تتمتع دائما باحترام الوالدين .
فصمت العقيد ولعلّه خجل من حماسه . ولم يدر بينه وبين الفتاة حديث آخر في ذلك النّهار ، إذ أنّ الفتاة استأذنته وخلت إلى نفسها في غرفتها . ووصل القطار في منتصف الليل إلى "قونيا"، وهناك خطَر ل "بوارو" أن يتريّض قليلاً على رصيف المحطّة . فارتدى معطفه، وترك عربة النوم ، وأخذ يسير جيئة و ذهاباً بجوار القطار، ووصل في سيره إلى القاطرة .فرأى شخصين محتجبين في الظلام وعرف من صوتيهما أنهما العقيد والفتاة ، ونطق العقيد باسم الفتاة بلهجة الاستعطاف :"ماري" فقاطعته الفتاة بلهجة أخرى غير تلك اللهجة الرّزينة الّتي يعرفها "بوارو" قالت :
_ليس الآن...ليس الآن... لا بد أن ينتهي كل شيء أولاً..وعندئذ... وهنا رأى "بوارو" أن من الكياسة أن يبتعد . و خيّل إلى "بوارو" في اليوم التالي أنّ شجاراً لابدّ قد حدث بين العقيد والفتاة؛ لأنهما لم يجتمعا إلا قليلاً...ولم يتبادلا غير بضع كلمات في جَو من الفتور ، وخيّل إليه كذلك أنّ الفتاة قلقة لأمر ما . وغلب على ظنّه أنها بكت ؛ لأنه رأى حول عينيها هالة سوداء . وحدث حوالي منتصف السّاعة الثالثة بعد ظهر ذلك اليوم أن وقف القطار فجأة ،فأطل "بوارو" برأسه من النّافذة ورأى بعض العمال وموظفي القطار قد وقفوا في الطّريق بجوار إحدى المركبات ، وراحوا يشيرون بأصابعهم إلى مكان معيّن تحت المركبة ويتحدثون باهتمام . ومرّ ب "بوارو" في هذه الأثناء موظّف عربات النّوم فاستوقفه . وألقى عليه سؤالاً .فأجابه الموظف...