ولم يصرفه اهتمامه بعدم تلطيخ شاربيه بالحساء عن إجالة الطّرف حوله في قاعة الطّعام ومراقبة الموجودين بما طبع عليه من فضول .
كان في قاعة الطّعام ستّة أشخاص يتناولون عشاءهم . بيد أنّ إثنين فقط من هؤلاء الستّة لفتا نظر "بوارو" .
كانا جالسين حول مائدة قريبة . وكان أصغرهما شابّاً في نحو الثّلاثين من عمره ، يدل مظهره وقسمات وجهه وحركاته على أنّه أمريكي . أما زميله فكان يناهز الخامية والسّتين. وله رأس أصلع ، و فم باسم ، وقسمات وجهه تدل في ظاهرها البساطة طيبة القلب ،بيد أن "بوارو" رأى في عينيه ما يتعارض مع مظاهر البساطة و الطيبة. فقد كانت عيناه ضيّقتين يلمع فيها بريق الخبث و الدّهاء . بل ولاحظ "بوارو" أكثر من ذلك ، لاحظ أن هذا الشيخ نظر إلى ناحيته وأطال النّظر لحظة . ثم انقلبت سحنته في الحال ، ونهض واقفاً وهو يقول لصاحبه الشّاب بصوت أجش :
_ ادفع الحساب يا "هكتور"
وبعد أن أفرغ "بوارو" من طعامه . غادر القاعة ، وقصد إلى غرفة الإنتظار وهناك قابل صديقه "بوك" ورأى في ذات الوقت ذلك الشّاب الأمريكي و معه صاحبه الشّيخ و هما يغادران الفندق ، وسم الثاني يقول :
هل أرسلت الحقائب يا "هكتور" ؟! فأجاب الشّاب :
_ نعم يا سيّد "راتشيت" . وعندئذ أومأ "بوارو" برأسه نحوهما وقال محدثاً السيّد "بوك" :
_ما رأيك في هذين الرّجلين
_إنهما أمريكيّان
_ هذا واضح إنما أردت أن أسألك في شخصيّتهما .
_ إنّي رأيتهما في هذه الغرفة منذ نصف ساعة ، وأقول لك الحق أنّني لم أهتم ...