ملكت خاطري

الفصل الثامن عشر ( بلهاء بفستان وطرحة )

وصلت سيارة العروس الى مسجد محمد علي بقلعة صلاح الدين الأيوبي بجنوب القاهره ، فقد أصّر فهد على إقامة مراسم عقد قرانهما هناك لتكون ذكرى جميلة تخلدها جدران المسجد العتيقه وتظل عالقة بأذهان جميع الحاضرين من الاهالي والاصدقاء والمعارف ..

ترجلت رفيف لتنزل من السيارة لتستقبلها والدة فهد بالزغاريد والأحضان ولتأتي كل من صديقاتها ليفعلن المثل من ثم شقيقتها الكبرى رهف ولكنها تبكي ، تبكي بشده وكأنها ستفقد ابنتها ... ولما لا تشعر بذلك وهي حقاً ابنتها الصغيرة التي لم تترك احضانها منذ ان لقت والدتهما حتفها منذ اكثر من عشرين عامًا

" الف مبروك يا حبيبتي الف مبروك "

ابتعدت قليلاً عن احضان شقيقتها لتجيبها بعينان ممتلأتان بالدموع " الله يبارك فيكي يا رهف "

ابتعدت رهف عنها اخيراً لتمسح تلك الدموع التي هربت من عينيها خلسه ولتبدأ والدة فهد واخريات بالزغردة مرة أخرى أثناء دخولهن إلى ساحة المسجد المزينة بالورود والاستار البيضاء لإستقبال العروس.

استقبلها والدها قبل دخولها ببضع خطوات ليسحبها إلى عناق عميق دافئ ليخبرها بدون ان ينبس ببنت شفه انه احبها من كل قلبه وكأنها قطعة منه، يتذكر كل شيء منذ اول لحظة بحياتها يتذكر اول نظرة منها، اول قبلة منها وامساكها بعقلة أصباعه، تشبثها بملابسه وضحكاتها الصاخبه التي تملأ الارجاء وبكاءها الذي يمزق قلبه، يتذكر اول يوم دراسي وأول صديقة لها، يتذكر حماسها عندما كان يعلمها السباحه، كان حبه لابنته الكبرى شيء وحبه لها شيء اخر كانت له شمس وهواء لهذا الكون بعد وفاة زوجته بعد ولادتها بعامين و ها قد آن الأوان ليسلمها بيده لرجل اخر ..

كان عناق لا يتعدى الدقيقه، ولكنه كان بمثابة حياة كاملة له " الف مبروك يا روح بابا "

قال بأعين تغلفها طبقة كثيفة من الدموع لتقبِّل جبينه وتكوّب وجهه بين كفيها " الله يبارك فيك يا حبيبي، ربنا يخليك ليا يارب وميحرمنيش من وجودك جنبي ابدا "

مسح تلك العبرات التي سقطت على وجنتيها ليعتدل ويضع ذراعها أسفل خاصته ليربت عليه بخفه قبل ان يتقدم معها إلى الساحه .

***

كان الحضور كبير من بين اهل العروس وأهل العريس ينتظرون بدء المراسم بكل نقطة شغف وحماس يمتلكونها لتدخل ذات الفستان الأبيض بطلَّة بهية وكأنها العروس الوحيده والاولى بهذا العالم ..

لم تكن تعلم ماذا تفعل ولكنها اخذت تبتسم لجميع الحاضرين إلى أن وقعت عيناها على فارسها فأحست برهبة الموقف، لتقع ابتسامتها قليلاً وتبدأ يديها بالارتجاف ولتجد كل من نازلي همس واماليا يقتربن منها ليسحبنها من يد والدها ليحتضونها ويهمسن لها بكلمات لطيفه ليقللن من اضطرابها وليأخذن بيدها إلى المنصة لتجلس على كرسيها بجانب والدها.